ردك على هذا الموضوع

الإصلاح في العالم العربي

حقيقة أم خرافة ؟

أحمد شهاب *

 

الدعوات المتكررة من القيادة الأميركية الحالية والموجهة للعالم العربي والإسلامي بضرورة البدء بخطوات إصلاحية فورية تلقى صدى متبايناً، فالقيادات الحاكمة تأمل أن يصب الإصلاح المأمول في (الإصلاح الاقتصادي) عبر الانفتاح بصورة أكبر على اقتصاديات الدول المتقدمة، وتشجيع حركة القطاع الخاص، وإن اتسم هذا الأمل بالحذر الشديد، إذ تعتقد غالبية هذه الزعامات أن مسار الإصلاح الاقتصادي يجب أن يتميز بالتدرج (والخطوة خطوة) خشية الوقوع في جملة من الأخطاء نتيجة العجلة في العملية الإصلاحية.

أما الإصلاح في بعده السياسي فتقف منه القيادات الحاكمة موقفاً متشدداً يتسم بالتخوف المبالغ به من تبعات الإصلاح ومتوالياته، فالتحديث السياسي الذي تبشر به الولايات المتحدة ليس بالضرورة ملائما لطبيعة وأعراف الدول العربية والإسلامية، علاوة على أن التغيير من الخارج يحمل تبعات الانسحاق تحت ثقافة وقيم الآخر ويهدد منظومة المفاهيم العربية والإسلامية التي استقرت لسنوات على هذه الأرض، وتساق هذه الحكايات (من قبل الأجهزة الرسمية) لتبرير حالة التقاعس عن الاستجابة للضغوط المكثفة للإصلاح من الخارج على الدول العربية والإسلامية ومحاولة إيجاد غطاء شرعي وشعبي في الحرب ضد الإصلاح.

فالتغيير من الداخل هو ضمانة استقرار الحالة الوطنية طبقا للتراكم الخبروي الذي اكتسبته هذه القيادات خلال سنوات حكمها المديد، وهي الجهة الوحيدة التي تمتلك حق تقرير مصير الإصلاح، أما دعوات التغيير من الخارج فهي أقرب إلى المؤامرة الدولية الكبرى تتواطأ معها جهات في الداخل، ولذلك لم تتردد أنظمة عديدة من التعبير عن خيبة أملها من تدخلات (منظمات دولية) أو (دول غربية) في بعض الشؤون الداخلية مثل مطالبة الولايات المتحدة حكومات المنطقة بالكف عن الاعتقال التعسفي وتقاريرها المتواصلة حول انتهاكات حقوق الإنسان، ودعمها الإعلامي لتيارات إصلاحية.

من الإنصاف القول أن موقف الحكومات من دعوات الإصلاح متباينة، فثمة دول تحول القلق لديها إلى ما هو أشبه بالحالة المرضية نتيجة لتوقعاتها بكون رياح الإصلاح القادمة ستؤثر على مقدار سيادتها، بينما تشعر حكومات أخرى بارتياح نسبي، حيث أجرت عدد من الدول مجموعة من الإجراءات الديمقراطية وإن لم تنطلق كل الإجراءات عن قناعة تامة، ولكنها رأت أن المصلحة تقتضي ذلك، وبين هذين النموذجين تتباين درجات القلق حسب المستوى الديمقراطي الذي يعيشه كل بلد. إذا اتفقنا على هذه القراءة للمواقف الرسمية العربية، فيمكن القول أن المشروع الرسمي في الإصلاح يتراوح بين الرفض المطلق للإصلاح في جانبه السياسي، وبين قبول نسبي يشترط التدرج، والتدرج يعني أن يأتي الإصلاح من داخل النظام. ويشاطر جناح كبير من التيار الإسلامي القيادات الحاكمة الرأي، إذ ينظر التيار الإسلامي إلى دعوات الإصلاح (الخارجية) بالكثير من الريبة والتحفظ، رغم استياء شريحة كبيرة منهم من الأوضاع السائدة، ومطالبتهم بالمزيد من الحريات الدينية والمدنية، إلا أنهم لا يخفون خشيتهم من استغلال هذه المطالب من قبل جهات في الخارج، ولاسيما الولايات المتحدة التي ينظر إليها كعدو أساسي يستهدف ثقافة وعقيدة واقتصاد الأمة.

العلاقة بين التيار الإسلامي والولايات المتحدة على وجه الخصوص تحكمها (سوء النية) و(الشك المتبادل)، والانطلاق من مقولة صدام الحضارات والأديان، واستذكار تاريخ طويل من الاستعمار ثم الدعم المتواصل للكيان الصهيوني، ويعمق سوء العلاقة جملة تصريحات لقيادات أمريكية وغربية يرى فيها الإسلاميون كشفا واضحا للنيات العدائية ضد العالم العربي والإسلامي. من جهة أخرى فإن التيار القومي وبقايا اليسار لا يزال معبئا إلى درجة كبيرة ضد العالم الغربي، ويرى أن الولايات المتحدة تدس السم في العسل، فهي من جهة ترفع لواء التحرير، وتطالب بتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وزيادة مساحة الحريات المدنية، وهي العناوين التي يتبناها هذا التيار جملة وتفصيلا، وفي نفس الوقت تتحرك العجلة الأمريكية لبسط نفوذها على المنطقة، وسلب الناس حرياتهم الفعلية، وتطأ الكرامة العربية بأقدام المارينز.

على أن هذا الرفض الإسلامي من جهة والقومي من جهة أخرى لا يقابله مشروع واضح للإصلاح من الداخل، إذ أن كل ما تطرحه هذه التيارات هو مجموعة من الانتقادات الموجهة إلى الحكومات من جهة وإلى العالم الغربي من جهة أخرى، أما البديل فلا يزال بعيد المنال، فإذا اتفقنا على أن الدعوة للإصلاح من الخارج هي دعوة باطلة واستعمارية، فما هي الخطوات الفعلية التي يمكن التعويل عليها للإصلاح من الداخل ؟ فليس من المنطقي أن يتعطل مشروع الإصلاح أو يتم القفز عليه بطريقة بهلوانية. فالناس ترغب بالاطمئنان على مستقبلها ومستقبل أبنائها وهو الأمر الذي تهدده رداءة الأوضاع السائدة في بقاع كثيرة من العالم العربي.

يكمن الخطر في اعتقادي من مواقف التيارات الدينية والسياسية غير الواضحة في مسألة الإصلاح، من كونه يصب في النهاية في دعم المواقف الرسمية الرافضة للإصلاح ويمنح تلك المواقف شرعية دينية وشعبية بحجة أن التغيير يجب أن يكون من الداخل، كيف ؟ ومتى ؟ وما هي آليات هذا الإصلاح ؟ لا أحد يعلم، فلا السلطة تمتلك مشروع إصلاح، ولا التيارات تقدم مشروعها المناسب، وتبقى التنمية والتقدم هو آخر ما يمكن أن يتحقق في ظل هذا التردد.

بالتأكيد لا نطالب بالارتماء في أحضان المشاريع المستوردة، لكن على المعنيين تقديم بدائل أفضل، ربما تكون الخطوة الأولى الدعوة إلى عقد مؤتمرات وطنية مكثفة، تجمع الأطراف الرسمية والتيارات الدينية والسياسية والقوى الفاعلة للبحث عن البدائل التي يرونها مناسبة، ولا أظن أن أمة بهذا الحجم، ومع كل الإدعاءات التي تتباهى بها أمام الآخرين عاجزة عن بلورة نظرية تُخرج العالم العربي والإسلامي من هذا المأزق.

* كاتب كويتي