على قارعة اليأس.. شباب يرقب الأمل |
محمد عبد المهدي |
مازالت نظرتنا القشرية للعديد من القضايا تحكمنا وتسيرنا نحو المآلات التي نحاول دائماً إقناع أنفسنا بصحتها وواقعيتها. وبدل أن يكون التوجه، في كثير من الدول العربية وغيرها، الى عالم الارقام والإحصاءات والخطوط البيانية، كي نستكشف ماحصل ويحصل في واقعنا اليومي، ونستشرف جديد الزمن القادم، فإننا غرقنا في عالم من العناوين المتورمة والشعارات المجترّة من حقب عفى عليها الزمن، وصارت أشلاء تتناثر بين أطلال قلاع التناطح الفكري والسياسي. دون سوداوية في الطرح أو المعالجة، ندعو الجميع كي يختزنوا صورة الشاب العربي المرسومة في الاذهان، بفعل التوجيه والرسم المتواصل من قبل الإعلام العربي، مسموعه أو مرئيه أو مقروء عبر الصحف أو (الانترنت). وعلى هامش تلك الصورة المحفوفة بالمؤتمرات والندوات واللقاءات الرسمية الشبابية، والمصطبغة عنوة بشتى الإيجابيات، هذه دعوة كي نقترب من أحد منافذ الصراحة، لنرى مقدار التناقض الحاصل بين الواقع والحقيقة، بعد إنقلاب هذه الأخيرة وتصييرها لازمة لخطب وتصريحات بعض الساسة والمسؤولين! ففي تقرير صدر عن إحدى المنظمات التابعة للإمم المتحدة، ذكر أنه في الوقت الذي تتحسن أوضاع عموم الشباب في العالم، فإن نظراءهم الذين يعيشون في الدول النامية، وأغلب الدول العربية منها بالطبع، لايزالون يواجهون تحديات شتى وخطيرة تعوقهم عن تحقيق مايصبون اليه واللحاق بباقي شباب الدول المتقدمة. والتقرير الذي حمل عنوان ( تقرير الشباب في العالم)، يبين في بدايته أنه من بين 1،1 مليار شاب (15- 24 سنة) ، يعيش (15) في المئة فقط داخل الدول الصناعية المتقدمة، في حين أن الـ(85) في المئة المتبقية تعيش في الدول النامية. والمثير الذي كشف عنه التقرير هو أن ( 22 ) في المئة من شباب العالم الثالث عاشوا سنة 2000 على أقل من دولار يومياً!!. ومن جهة أخرى فإنة بينما يشكل الشباب نسبة (18) في المئة من إجمال سكان العالم البالغ (6.1) مليار نسمة، فإنهم يشكلون نسبة 40% من إجمالي العاطلين عن العمل. وقد وثق التقرير إرتفاع عدد العاطلين من الشباب حول العالم الى (8 مليون) عاطل بين عامي 1995 - 1999. وتزداد الإثارة عندما نعلم انه في الوقت الذي يمتلك بعض الشباب معرفة عن العالم من حولهم، فأن ( 133 ) مليون شاب يقبعون في دهاليز الأمية. وعلى سبيل المثال، تبلغ نسبة المسجلين في المدارس الثانوية من الشباب في منطقة جنوبي الصحراء الافريقية الكبرى ( 25 ) في المئة وفي جنوب اسيا تتراوح النسبة بين 40 إلى 57 في المئة وفي الشرق الاوسط وشمال افريقيا ما بين 62 إلى 67 في المئة. وإزاء الصمت واللامبالات من قبل الكثير من المسؤولين العرب في شأن هذه القضية، صرح (جون شولفينك) من ادارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية في الامم المتحدة: (بينما تتحسن أحوال الشباب عموما بمرور الوقت لا يمكننا أن نحسب متوسط الموقف العالمي وننسى هؤلاء الذين يعيشون في الدول النامية). وأضاف ان الشباب في الدول النامية يجدون صعوبة كبيرة في الحصول على ما يحتاجون إليه للوصول الى تحقيق ذواتهم لافتقارهم للتعليم وقلة المعروض من الوظائف. وقال ( شلوفينك) ان الكثير من الشباب الأمي سيدخل مرحلة البلوغ من غير تعليم ليجد صعوبة أكبر في الحصول على وظيفة. رؤية قريبة محلياً، وعلى صعيد قريب من هذا الموضوع، نشرت إحدى وكالات الأنباء تقريراً من داخل العراق، عن الشباب العراقي في العاصمة بغداد، وجاء في بعض فقراته أنه في الوقت الذي يُقتل بعض الشباب في مواجهات ضد القوات الأجنبية المنتشرة في المدن العراقية، فإن الكثير منهم رغم ذلك يتوقون الي الحصول على وظائف واموال تغطي نفقات زواجهم وفرصة للعب الرياضة وليس قضاء الوقت في الهجمات الليلية بالمورتر والمدافع الرشــاشة،(حسب ما ورد في نص التقرير). أحد الشباب ويبلغ من العمر(18) عاما، قال ان القتال وأعمال العنف لايبدو شيئا طيبا بالنسبة له على الاطلاق وانه يريد الانضمام لفريق كرة قدم ولكن أبويه لا يسمحان له بالخروج لان الوضع أخطر مما يجب. واضاف انه يتمنى توقف ذلك القتال. شاب آخر قال انه لا يعمل وليس معه مال وعائلته كبيرة مؤلفة من (16) فردا يعيشون في حجرة واحدة. واضاف انه لم يطرأ تحسن على حياته، وانه غير مهتم باعمال العنف الدائرة في الساحة، ويريد ان يعيش حياة طبيعية. في حين اضطر شاب يبلغ من العمر (24) عاما للتخلف عن الدراسة الجامعية بسبب هذا القتال، بعد مدة غير بسيطة في دراسة المحاسبة في إحدى الجامعات العراقية، حيث الانتهاء من الدراسة الجامعية أمل جميع الشباب هنا، حسب قوله. ومع ذلك يجب أن لاننسى أن هذه زاوية واحدة نقلتها الوكالة الخبرية - عن قصد أو دون قصد - لواقع الشباب العراقي في الوقت الراهن، حيث هناك زوايا ووجهات نظر أخرى قد تعاكس ما أنف أو انها ترتبط بقضايا مختلفة، تطال مشاكل التعليم أو العمل أو الهجرة..، ونحو ذلك من مشتركات لا تقتصرعلى شباب العراق فحسب، بل إنها تطال الأكثرية من الشباب العربي والإسلامي. العنف .. التنمية، وتلازم العلاقة لايمكن الإستغراب من الحالة العامة المتدنية لأغلبية الشباب في عموم البلدان التي يصطلح عليها بالنامية. خصوصاً عندما نعلم أن معدل نمو دخـل الفرد في دول الشرق الأوسط، على سبيل المثال، هو الأقل في العالم، باستثناء الدول الإفريقية جنوب الصحراء، ومعدل إنتاجية العامل منخفضة ومستمرة في الهبوط!!. هذا لو نظرنا للحالة من زاوية إقتصادية. ثقافياً، فإن العالم العربي تحديداً، لا يترجم بأكمله سوى (330) كتاباً سنوياً؟! - ومن المفارقة أن هذا الرقم يقترب من خُمس عدد الكتب التي تترجمها اليونان فقط - هذا ما عدا أن هناك (65) مليون فرد بالغ عربي لا يعرف القراءة والكتابة أساساً، ثلثهم تقريباً من الإناث. ولا يتمكن سوى (1،6) في المئة من سكان الدول العربية من الوصول إلى شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) واستخدامها، بينما تستمر نوعية التـعليم بمختلف مراحله في هذه الدول في الهبوط. وكنا نتمنا أن يكون الكلام الآنف هو مقتطفات لآراء شخصية وليس جزءاً من النتائج المهمة التي توصل إليها تقريرا التنمية الإنسانية العربية لعامي 2002 و2003، واللذان أصدرتهما منظمة الأمم المتحدة وقام بإعـدادهما فرق مستقلة من أكاديميين وباحثين عرب. التقريران أضافا أنه، ورغم القضاء إلى حد كبير على الفقر المدقع في المنطقة، فإن الخبراء وجدوا أن المنطقة (غنية أكثر مما هي نامية). وتوصل هؤلاء الخبراء إلى أنه على الرغم من مواردها الطبيعية المتنوعة، ومواهب سكانها المختلفة) فإن المنطقة عموماً سيطرت عليها ثلاثة أمور سلبية مهمة، وفق ما جاء في التقريرين، وهي: 1- الافـتقـار إلى الحرية. 2- الافتقار إلى عوامل تمكين المرأة من ممارسة أبسط حقوقها الأساسية. 3- الافتقار إلى المعرفة. وخاصة في ميادين العلوم والتكنولوجيا والمعلوماتية. من جهة أخرى، البعض لايتردد في التصريح من أن عوامل أخرى أيضاً، تشجع، بشكل مباشر أو غير مباشر، بعض المنظمات والجهات السياسية لإستغلال حالة الشباب الراهنة،وتسخيرها نحو غاياتها وأهدافها الخاصة التي تسير نحوها. ومن تلك العوامل: - العزلة عن العالم الخارجي المتمدن. - اليأس الذي يشعر به الشباب بسبب الآفاق المحدودة المتاحة لهم. - الإحباط بسبب التخلف الواضح عن مناطق أخرى من العالم. - غياب حرية التعبير السياسي. - مستويات التعليم المنخفضة. المنافذ التي لابد منها وحتى لانزيد من تشابك الحلول المطروحة والإيغال في تعقيدها، فإننا نحاول أن ننظرأولاً الى المشاكل التي آلت منها تلك القضية الخطيرة في الواقع العربي والإسلامي. حيث أن معالجة تلك العوامل المسببة لحالة التشتت والضياع واليأس من المستقبل الأفضل...، هو السبيل الوحيد للخروج من حلقة الكلام والتصريحات والبيانات المفرغة التي نحن في غمارها منذ عقود. ولاندري هل أنّ أحداً سيختلف معنا عندما نرى أن: - الإقرار بحق التعبير عن الافكار والتوجهات المختلفة. - بسط الحرية في شتى مناحي الأمة، ترافقاً مع بسط القوانين والأنظمة. - نشر وسائل المعرفة والتعليم لكل المستويات العمرية. - الانفتاح على العالم الخارجي، ثقافياً وفكرياً ومعلوماتياً... - توفير فرص العمل للمتخرجين من المعاهد والكليات. وغيرها من أسباب، كلها ستؤدي، بلا شك، الى نفض الغبار عن هذه المرحلة المحبطة لواقعنا الشبابي، ونحاول معها اللحاق بالمستوى الذي وصل اليه الشباب في العالم من حولنا، بدل المجاهرة الجوفاء بأشكال من الصورالإيجابية التي لاأساس لها من الصحة. يمكن لحكوماتنا رمي آلاف من الشباب في السجون والمعتقلات، بتهمة مزاولة أحد أنشطة العنف. لكنها ستبقى حتماً عاجزة عن القضاء عليه، عندما تتجاهل خصوصيات هذه الشريحة المهمة من المجتمع، غير عابئة أو واعية من أنها القنبلة الموقوتة لتلك الأنظمة، خصوصاً وأن المستقبل بكل تفاصيله وتشعباته ملك للشباب الحالي. |