مفهوم الإرهاب الدولي وأسباب انتشاره |
د. نزهت محمود الدليمي |
من المهم الإشارة إلى أن الاختلاف في تفسير مفردة الإرهاب مرجعه لتباين الأنظمة السياسية السائدة في العالم المعاصر، وبناء على الاعتقاد السائد في نظر بعضهم بأن الإرهابي هو محارب ومناضل من أجل الحرية والعدالة، وان ما يعد فعلاً إرهابياً في بلد وثقافة مّا يكون فعلاً كفاحياً وعملاً مشروعاً في بلد آخر، فانه يمكن القول أن اختلاف الآراء في تحديد تعريف واضح وعلمي للإرهاب يعود لسببين، وهما: 1- عدم الوقوف على الأسباب والدوافع التي أدت إلى بدء وانتشار هذه الظاهرة وظروف نشأتها ومدى ارتباطها بالقوى الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والسياسية. 2- كون مفهوم الإرهاب يتداخل مع مفاهيم أخرى مثل العنف السياسي، الجريمة السياسية، الجريمة المنظمة، وما تشكله من تهديد لبنى المجتمع في كل ميادينه الثقافية والاقتصادية والتي يتم من خلال تطورها واستقرارها ضمان استقرار الوجود الإنساني (1). ويمكننا أن نبين في هذا الإطار وبالرغم من تعدد وكثرة التعريفات التي وضعت لمصطلح الإرهاب الدولي إنه يعني (العنف المنظم المتصل بقصد خلق حالة من التهديد الموجه إلى دولة أو جماعة سياسية والذي ترتكبه جماعة منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية (2). والإرهاب أيضاً (استخدام العنف أو التلويح به لتحقيق هدف معين أو مصالح معينة محددة باستخدام الإكراه لإخضاع الطرف الآخر لإرادة الإرهابيين)(3). ومن جهة أخرى، يتميز العمل الإرهابي بخصائص محددة وهي استخدام العنف أو التهديد به من أجل إحداث الرعب من خلال استخدام القوة لإرغام الغير وإخافته وإرعابه أو الاعتداء على الأشياء والممتلكات بتدميرها أو إفسادها أو الاستيلاء عليها بشكل غير مشروع يعد جريمة يحاسب عليها. وبذلك يكون العنف لغة الإرهابيين لأنه أهم الخصائص التي تميز العمل الإرهابي لإثارة جو من عدم الاستقرار النفسي والاجتماعي داخل الدولة وخارجها وكذلك يعد التنظيم المتصل بالعنف من خصائص العمل الإرهابي لأن العنف لا يمكن أن يحدث أثره في النشاط الإرهابي في خلق حالة التهديد كمصلحة للعنف الإرهابي إلا إذا كان ذلك العنف منظماً من خلال حملة مستمرة لإحداث التأثير، وأيضاً تضيف للخصائص الآنفة الذكر توافر الهدف السياسي الذي يبتغي الإرهابيين تحقيقه جراء ذلك لإرغام الدولة أو الجماعة السياسية على اتخاذ قرار معين أو الامتناع عن اتخاذ قرار تراه في مصلحتها ما كانت تتخذه أو تمتنع عن اتخاذه لولا الإرهاب وهذا ما يعطي قدراً من الأهمية والخطورة لأنه يشكل ضغطاً على القرار السياسي، أما الدعاية عبر وسائل الإعلام فهي التي تعطي العمل الإرهابي تميزه عن أعمال العنف الأخرى حيث يلاحظ في هذا الجانب أن الإرهابيين يتطوعون بالاتصال بوسائل الإعلام بخلاف (المجرمين العاديين) ويلحون كثيراً في عرض أفكارهم وأنشطتهم التي شهدت اتساعاً كبيراً في السنوات الأخيرة مع تعقد وسائل الحياة وأساليبها وتوافر قدر كبير من التنظيم والتخطيط والتسليح والخبرات التي تساعد على سهولة التحرك والتنفيذ(4). هنا لابد من التركيز على جانبٍ مهم وهو التمييز بين الكفاح المسلح المرتبط بحق تقرير المصير وبين العمليات المسلحة التي تقوم بها الجماعات الإرهابية الأخرى كلٌ حسب أهدافها حيث يعني الحق في تقرير المصير أن يكون لكل شعب سلطته العليا في تقرير مصيره دون أي تدخل أجنبي، وقد اعتمدته الثورة الفرنسية كأحد أهم مبادئها لكنه ظل سياسياً بعيداً عن دائرة القانون الدولي حتى الحرب العالمية الأولى وكان من نتيجة السياسات الاستعمارية الأوربية الاهتمام بمبدأ التوسع واستغلال ثروات الشعوب بالرغم من أن مبدأ تقرير المصير كان من مبادئ (ودرو ولسون) الأربعة عشر عام 1918 كما تضمنه إعلان السلام الذي أصدرته الحكومة السوفيتية غداة ثورة أكتوبر والذي أقر لكافة شعوب الإمبراطورية الروسية حق تقرير المصير. إلا أن ميثاق عهد عصبة الأمم خلا من الإشارة إلى مبدأ تقرير المصير، وبرز الاهتمام به بعد الحرب العالمية الثانية، حيث وجد سبيله في تصريح (الأطلنطي) في عام 14/آب/1941 الذي أعلنه الرئيس الأمريكي (فرانكلين روزوفيلت) ورئيس وزراء بريطانيا (ونستون تشرشل) فقد ذكرا أنهما لا يسعيان إلى التوسع الإقليمي، ويحترمان حق الشعوب في اختيار نظم الحكم التي تناسبها(5) . وفي ميثاق الأمم المتحدة ورد مبدأ تقرير المصير مرتين أحدهما في الفقرة الثانية من المادة الأولى والخاصة بأهداف الأمم المتحدة والتي اعتبرت من أهم أسس تطويرالعلاقات الدولية حيث جاء فيها (إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها وكذلك اتخاذ التدابير اللازمة لتقرير السلم العام)(6) أما الإشارة الثانية فقد نصت عليها المادة (55) على أنه (رغبة في تهيئة دواعي الاستقرار والرفاهية الضروريتين للقيام بعلاقات سليمة وودية بين الأمم مؤسسة على احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وأن يكون لكل منها تقرير مصيرها)(7) وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروعية استخدام القوة ومقاومة المحتل(8) من خلال: 1- استعمال القوة ومقاومة الاحتلال مشروعة بشرط أن توجه ضد أهداف عسكرية (جنود، عتاد، معدات، مواقع عسكرية، مصالح مادية) سواء داخل الأرض المحتلة أو داخل إقليم الدولة أو داخل ما يعد جزءاً في إقليم دولته. 2 - استعمال القوة والكفاح المسلح ضد العُزل من المدنيين يعد إرهاباً، ووفق اتفاقيات جنيف في هذا الخصوص عام 1949 فإن كل المقاتلين في حروب التحرير هم جنود متساوون مع القوات المسلحة للدول واعتبار أفرادها أسرى حرب عند القبض عليهم(9). ووفق ذلك يكون العمل الإرهابي مختلفاً في كل تفاصيله عن الكفاح المسلح ومقاومة الغاصب المحتل فمن خلال الصعيد الشعبي تتملك رغبة الجماهير بكل طبقاتها واتجاهاتها بالانضمام وتأييد العمل المسلح لمواجهة المعتدي، أما في العمليات الإرهابية فإن الإرهابيين هم قلة ناقمة على الأوضاع في المجتمع لا يمثلون قطاعات واسعة حيث أن أهداف المقاومة الشعبية هي التحرر وفي الإرهاب ليس من الضروري أن يكون هناك اتفاق شعبي وهدف مشترك للصالح العام. والإرهاب مدان دولياً أما المقاومة الشعبية فلها الحق في الدفاع وفق القانون الدولي. وفي إطار الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الإرهاب الدولي فقد أكدت الأحداث أن التطور اللاّمتكافئ بين الدول المتقدمة و الدول التي تسعى إلى النمو، وما تمثله ظاهرة التبعية المتسمة بسيطرة الدول المتقدمة وانتشار الأنماط والأساليب المتعددة للجريمة المنظمة، والتي تعد نتيجة تمرد على الواقع المعاش باتساع تلك الهوة بين عالم الشمال المتطور والجنوب الساعي إلى التطور، أدت إلى بروز أساليب متعددة لارتكاب أعمال إرهابية تعبر عن حالة الرفض للتبعية وللاستعمار والاستغلال على المستوى الدولي(10)، وفي هذا الخصوص يكون على الدول المتقدمة الكبرى أن تتحمل مسؤولية تفشي القسط الأكبر من ظاهرة الإرهاب الدولي التي تعصف بالعالم بسبب مواقفها الاستغلالية والعدوانية وتواطئها مع الكثير من الأنظمة العنصرية واستخدامها حق (النقض) (الفيتو) في مجلس الأمن إزاء العديد من القضايا وتهاونها في القيام بواجباتها مما أدى إلى عجز منظمة الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها في حماية دول العالم ككل. وبهذا فقد حددت اللجنة الخاصة بمتابعة الإرهاب التابعة للأمم المتحدة في تقريرها 29/ شباط/1979، أسباب سياسية واقتصادية واجتماعية لانتشار ظاهرة الإرهاب الدولي(11) فمن الأسباب السياسية يمكننا الجزم أن سيطرة الدولة على دولة أخرى وممارسة التمييز العنصري واستخدام القوة ضد الدول الضعيفة والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى والاحتلال الأجنبي كلياً أو جزئياً وممارسة القمع والتهجير أو السيطرة على شعب معين كلها أسباب سياسية تؤدي إلى انتشار العمليات الإرهابية. أما اقتصادياً فبسبب عدم التوازن في النظام الاقتصادي العالمي والاستغلال الأجنبي لموارد الدول الأخرى وتأثير ما يعيشه المجتمع الداخلي من فقر وبطالة وحالة لا مساواة في توزيع الثروات الاقتصادية واحتكارها بيد فئة أو فئات اجتماعية قليلة مؤيدة للأنظمة الاستعمارية او الاستبدادية، مما يؤدي إلى تردي الأوضاع المعاشية لدى الأفراد وازدياد الهوة بين الدولة وغيرها من الدول حيث يقود هذا إلى انتشار حالات الركود والتخلف وتزايد المديونية (12) وكلها أسباب تؤدي إلى استغلال بعض الجماعات الفقيرة في مثل هذه الدول من قبل الإرهابيين بقصد تحقيق حاجاتهم الاقتصادية والترفيهية بعد تنفيذ تلك العمليات. أما الأسباب الاجتماعية نعني بها انتهاك حقوق الإنسان التعذيب والسجن والانتقام والجوع والحرمان والبؤس والجهل وتجاهل معاناة شعب مّا يتعرض للاضطهاد وحالات تدمير البيئة فعندما لا يجد الإنسان من يقتص من المعتدي بشكل عام، وعندما يعيش حالات الحرمان بكل تفاصيلها أو تفتنه البرامج والمسلسلات والأفلام ، خاصة الغربية والأمريكية المفروضة على العالم بأجمعه، ومنشورات دعاة الإرهاب والفوضى وعندما لا تتاح له فرصة العمل الشريف ولا تقيم قدراته وقيمه النبيلة الأصيلة وفي ظل هيمنة رجال الاحتكارات الرأسمالية وسيطرتهم الفكرية والثقافية.. حينها لا يجد الإنسان أمامه سوى طريق الإرهاب. الهوامش: 1- د. أحمد محمد رفعت، الإرهاب الدولي، ط1، حقوق الطبع مركز الدراسات العربي الأوربي، باريس، 1998، ص214. 2- د. أحمد جلال عز الدين، الإرهاب والعنف السياسي، ط1، دار الحرية للطباعة والنشر، القاهرة، 1986، ص. 3- د. عبد الناصر حريز، الإرهاب السياسي، دراسة تحليلية، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1996، ص36. 4- د. أحمد فلاح العموش، أسباب انتشار ظاهرة الإرهاب الدولي، مطابع أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الرياض، 1999، ص86 وما بعدها. 5- د. أحمد محمد رفعت، الإرهاب الدولي، م. س. ص119 وما بعدها. 6- ميثاق الأمم المتحدة، النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، إدارة الأنباء للأمانة العامة للأمم المتحدة، ترجمة مصرية، بالتصريح من الإدارة، ليك سكس، نيويورك، 1945، ص3- 4. 7- المصدر السابق، ص42 وما بعدها. 8- تركي ظاهر، الإرهاب العالمي، ط1، دار الحسام للطباعة، بيروت، 1994، ص26 وما بعدها. 9- اتفاقيات جنيف المؤرخة في 12/آب/1949 الناشر، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، طبع في سويسرا، جنيف، 1987، الصفحات 3- 6- 9- 20- 22- 34. 10- د. ابراهام صوفاير، الإرهاب والقانون، مجلة المنار، العدد 22- 23- ت1، باريس، 1981، ص50. 11- د. محمد فتحي عيد، واقع الإرهاب في الوطن العربي، مطابع أكاديمية نايف للعلوم الأمنية، الرياض، 1999، ص131 وما بعدها. 12- البيان الختامي للدورة الرابعة والعشرين للمؤتمر الإسلامي، وزارة الخارجية، دورة الإخاء والتعاون، جاكارتا، اندونيسيا (28 رجب، 3 شعبان) 1417هـ،9- 13، ت1، 1996م، ص8. |