الإبداع فن صياغة الحياة |
أحمد شهاب |
إن الدين في جوهره كما أرى هو ( فن صياغة حياة) وأبني هذا الإدعاء على جملة من الحقائق أهمها أن الدعوة الإسلامية التي بشر بها خاتم الأنبياء (ص)قلبت منظومة الحياة السائدة وطرقت أبوابا لم تكن مطروقة سابقا، وحفزت الأفراد على اتخاذ مواقعهم في الساحة بجدارة. كما تضمنت مجموعة هائلة من مفاهيم حضارية خلخلت من المفاهيم التي كانت سائدة، وأحدثت دويا هائلا في الجزيرة العربية بداية والعالم تاليا والمطلع على النصوص الدينية يُلاحظ هذا المقدار من الاهتمام بتواصل عملية التغيـير، والتحرك نحو الأفضل. إن كان ما قلناه صحيحا فهو يشير بصورة واضحة إلى الخلل الكبير الذي اعترى منظومة المفاهيم في مجتمعاتنا الإسلامية، من ركون إلى التقليد ومحاربة رياح التجديد ومقاومة حركة التطوير، فالسلطة تعتقد أن التطوير سيكون على حسابها، إذ ربما يستدعي إزاحة السلطة التقليدية كمقتضى من مقتضيات التطور والقوى الاجتماعية والسياسية في بداية انطلاقتها تتبنى مفاهيم التغيير مقابل السلطة، وتُشجع كل المساعي الباعثة على التغيير ثُم لا تلبث بعد سنوات أن تتجمد في أطر تقليدية، وتقاوم محاولات التجديد وتقلل من قيمة الاختلاف، وتُعلي من قيمة التوافق بالرأي ولو باستخدام القوة أو عبر استبعاد المختلفين وبمبررات (وحدوية أو شرعية أو حركية). فمجتمعاتنا لا تزال بعيدة عن تقاليد احترام (التفكير المختلف) رغم انه أساس نمو الذهنية الإبداعية، فثمة رغبة جامحة تتلبس الجميع في تسيير حركة المجتمع على وتيرة واحدة بالصورة التي يكرر فيها أحدنا الآخر، في التفكير وأسلوب الحركة، وطريقة الحزن والفرح. يكفي مثلا أن تتجرأ كصاحب رأي على عرض فكرة جديدة وغير متفق عليها، حتى تتناولك السهام من كل حدب وصوب، فرأي واحد مختلف كفيل بأن يفقدك الكثير من العلاقات الأخوية والاحترام المفترض بين أهل العلم، ربما من باب (تأديبك) !! وهو ما يدفع بالفرد إلى تلمس المزاج الاجتماعي العام قبل أن يدلي بدلوه في أي موضوع محل إثارة وحوار، وربما يضطر لاحقا للحديث بأكثر من لسان حسب مناخ اللقاء. هذا المناخ الذي يجعل من ( الإبداع ) في مجتمعاتنا (تعيش أنت).. !! ويبني مجموعة من المتماثلين الذين ليست لهم قيمة فعلية (كمجموع) في السلم الحضاري، فإن (صياغة الحياة) مسألة جوهرية في المجتمعات الإنسانية بصورة عامة والإسلامية بصورة خاصة ورغم ذلك فإن طريق (الإبداع) و (التَّميز) لا يزال يحتوي على نتوءات عقلية وذهنية، فمنذ النشوء وحتى النهاية يدور الفرد في مجتمعاتنا بدائرة تدلل على أننا انتصرنا للتقليد السلبي ومنهجية التبعية. المجتمعات الغربية (على سبيل المثال) حسمت الأمر مبكرا لصالح اكتشاف ورعاية الموهوبين والموهوبات، وقبل أيام عرضت قناة فضائية برنامجا تم الحديث خلاله عن عروض تنافسية عالية المستوى قدمتها كل من الولايات المتحدة و كندا لطفل لبناني الأصل - كندي الجنسية - يبلغ الخامسة من العمر للتكفل برعاية موهبته الفذة، وهذا الطفل نبغ مبكرا، وتحدث بثلاث لغات أساسية، الفرنسية والإنجليزية والعربية، وأتقن الرياضيات، وبرع في استخدام الأطلس، ويردد أسماء الله الحسنى كاملة في أقل من 90 ثانية، وبينما قدمت كندا عرضا باستمرار احتضانه وتوفير سبل استمرار واستثمار نبوغه كافة، عرضت الولايات المتحدة على الطفل منحه الجنسية الأمريكية واستقباله في إحدى مدارس الموهوبين التي سارعت بتقديم عروضها المغرية، وعرضت على أهله إقامة دائمة وفرص لحياة أفضل. صحيح أن الإبداع عمل ذاتي بالدرجة الأولى، ولكنه أيضا اجتماعي بدرجة كبيرة، وضمن الترتيب العام يمكن تقديم الدور الاجتماعي على الفردي على اعتبار أن المناخ العام هو الحاضن الأساسي للمبدع، فالأسرة تلعب بالإضافة إلى المدرسة والمجتمع بكل قواه وفعالياته دورا أساسيا في خلق ملكة الإبداع عند الفرد والخطوة الأولى في هذا الاتجاه هو تحديد مواهب الطفل منذ بدايات نشوئه الأولى، وميوله، وملكاته المختلفة، والعمل على دعمها وتطويرها ودفع الطفل إلى الأمام بما يؤهله للإبداع والتفكير بطريقة جذابة ومبتكرة. |