ردك على هذا الموضوع

الديمقراطية وواقع التنمية في البلاد العربية

بسام محمد حسين

بداية يبدو أن مصطلح الديمقراطية بمختلف تعابيرها ومدلولاتها المتنوعة وتطبيقاتها ستشكل في المستقبل الحدث الأكثر أهمية في حياة الإنسان بمختلف مواقعه ومواقفه، وعلى جميع المستويات العالمي - الإقليمي - القطري ولدرجة أصبحت كنسمة ريح باردة في ليلة حارة لبعض، وريح عاصفة قوية تهدد ما تبقى من ركائز مخلخلة يابسة في منظومة الدفاع عند الذين تحجرت عقولهم وأصبحوا ديناصورات عصرهم، وأكثر ما يثير قلقهم أنها بدأت تدق أبواب الجميع لتستعيد أغلب النقاشات.. والحوارات والخلافات حولها منها وإليها.

الكل يعرف بأن الديمقراطية هي حكم الشعب، وأن من المغري أن نفترض أنه حيثما يحكم الناس، فلا يمكن أن يكون هناك طغيان، لكن التاريخ والتفكير يخبراننا بأن الأمر ليس كذلك، فقد تطغى أغلبية بقسوة على أقلية. وما نريده ليس حكم الأغلبية ببساطة بل حكم أغلبية زائداً حماية حقوق معينة تعود إلى الأفراد، مقاربة بما حصل في بلداننا، حيث طغت أقلية بقسوة على الأغلبية وسينصفنا التاريخ إذا قلنا إن في مرحلة من مراحل انحطاط الديكتاتوريات والديمقراطيات المزينة بالرسوم (العراق نموذجاً) إذا أصبحت - الأغلبية - والأقلية وكل مقومات الحياة رهينة واحدة وكلمة واحدة من شخص واحد إلى الموت البطيء... فأي نظام لا يكون ديمقراطياً حرا إلا إذا وجدت مؤسسات قوانين ومحاكم وشرطة قادرة على اكتشاف متى تكون الحقوق قد انتهكت، كما يسمح به الرأي العام ويطلبه.

في شرقنا العتيد اكتملت المؤسسات... والقوانين والمحاكم على المرحلة الأخيرة من إنجاز منظومة الدولة والمشاركة مع حلفائها، مستندة على تجارب الدولة الحديثة ،دولة هجينة - محلية تستجيب للنزاعات والصراعات والخصوصيات ، وخارجية تحمل سلوكاً وخطاباً وإطاراً قانونياً، كل ذلك البناء مفتاحه من الداخل لتصبح الدولة تحكم المجتمع عبر الغرف المغلقة والتشريعات والمراسيم والسياسات التي تزيد من إغلاق كل منفذ خارجي تجاه الشعب. ومصالحه وحياته ومطالبه...

المحطة الثانية التي استفادت ليس فقط من تجربة فشل - موت الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفيتي مروراً بتجربة إفلاس النزعة المحافظة الكلاسيكية والمحافظة والحديثة، بل باعتبار مريديها أيضاً أنها تجربة كونية في بعض جوانبها (الطريق الثالث، أنتوني جيونز) وما يهمنا في هذه العجالة أن مضمون رؤية الخارج وخاصة في أكثر جهود النخب السياسية والتي تعمل بصورة مؤثرة في صياغة القرار الدولي فيما يتعلق بالبحث، وخاصة الرسائل القريبة للعالم العربي والتحذيرات من التأخير في الدخول في (محراب الديمقراطية) مع تحمل نتائج وآثار التلكؤ.. مع اقتراح إطار يمثل برنامج عمل في طور التكوين.

إن أزمة الديمقراطية الليبرالية باعتبار أن أزمتها كونها ليس لها أعداء إنما تواجه مخاطر، وتالياً يجب عليها أن تبحث عن مصادر شرعية أخرى عن الماضي، دمقرطة الديمقراطيين في ساحتنا وفي خضم التداعيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحالة المزيد من التراجع أصاب الجميع حكومات طبقات وأفراداً وأحزاباً، لنتوقف من موقع المختلف، المطلوب توسيع دائرة الحريات والحقوق والمواطنية العادية التي تسمح للرأي العام والأفراد، على اختلاف انتماءاتهم ومستوياتهم الثقافية والاجتماعية بالمشاركة في التفكير الجماعي الحر والمنظم. مستخلصاً مدخلا لولوج باب التحولات الديمقراطية، فهو من دون شك مسألة وطنية والاجتماعية معا.

لنتوقف عند المسألة الوطنية التي هي حجر الزاوية في التفكير الديمقراطي باعتبار أن النظم الأبدية والشمولية الواحدية تركتها من دون حل وفي أسوأ حالة يمكن تصورها؟!! إن تفكيك هذا الخطاب الذي يحمل المسار الديمقراطي أكثر بكثير من قدراته؟! لدرجة عجزت قوى سياسية عن إتمام إنجاز المهام الوطنية وما تركته من أثقال باعتراف الكاتب، وهذا ما يدفع بالكثير من حاملي رسالة الديمقراطية المجتمعية إلى العودة إلى جذور المشكل؟! وهل المطلوب تضحيات واستنزاف... لولوج الديمقراطية الموظفة سياسياً، هل كان ينقص الفريق الأكثر إدراكاً للمخاطر وللمستقبل وشيء يحثهم على بذل الجهد ويبين لهم العوائد العظيمة والحتمية لجهودهم؟!!

أهم ما يميز الخطاب الثوري السياسي في عالمنا العربي وقوعه في أسر العجز المتفشي في كلا الأصعدة.... للأزمة المركبة... تسويات هشة داخلية، قشرية... لملامح قوى اجتماعية ساهم الشرط الأيدولوجي والموقف المسبق من الحدث التاريخي في تغيب الإمكانيات والقدرات لمعالجة تبلورها التاريخي، وتمييع وتلوين الصراعات وتدجينها. وفق معادلة فضاءات للتعبير،لا المشاركة ولا المعارضة الإيجابية، حاملة مشروعاً متكاملاً يجري بحثاً في آلية الهدف البرنامجي للتغيير، مما يسمح بالحديث عن ديمقراطية بدون ديمقراطيين أو ديمقراطيين لا مكان لهم لممارسة الديمقراطية والسياسية.

العلاقة التصحيحية بين التنمية والديمقراطية

يبدو أن الطريق للديمقراطية لا يمكن أن يكون معبدا دون الاعتماد على التنمية كما أن التنمية لا يمكن أن تتحقق دون وجود الديمقراطية ،فهدف التنمية الأساسي إيجاد بيئة تمكن الناس من التمتع بحياة صحية وخلاقة، فمنذ السبعينات بدأ بعض المفكرين الغربيين بالتحدث عن أهمية النمو والتنمية في بلدان العالم العربي، ولم تكن كل هذه الدعوات بريئة وهدفها إلى المزيد بالتوافق مع ضرورات التوسع في الاستثمارات وخلق أسواق تصريف... ولمواكبة التطورات التي كانت تعيشها أغلب الدول الغربية... فكان من الطبيعي أن يتم التعامل مع موضوعات التنمية بحذر وخوف إذا لم يكن بالتشكيك باعتبارها هدفاً استعمارياً واجب التصدي له... فكان ينقص الأمة العربية أكثر من امتحان وهزيمة لتستيقظ على واقع كل ما فيه يحتاج ليس فقط إلى مراجعة نقدية.... لمسارها ولتطورها، بل إلى مكانتها في سلم التطور الطبيعي فأصبح الوضع للأسف عند أغلب النظم العربية مقياس التطور بما سبق.. ليس المتحقق منه بفعل سياسة عقلانية رشيدة تتسم بالديناميكية بل بالماضوية المفرطة في ضعفها... وفي عدم صلاحيتها للحياة...

وكذلك للأسف كان الجميع ينظر للجميع نظرة التوجس والخوف والقلق من أي متغير في شروط الواقع الساكن خوفاً من التغيير فكان من الطبيعي أن تصبح المنطقة العربية ساحة نزاعات وحروب وصراعات وما يرافقها من تخلف وفقر وقمع، مضافاً إليها ازدياد الوعي في خطورة المشروع الصهيوني وأهمية التعامل مع هذا الكيان الغريب حتى نهاية الثمانينات، بقيت مسألة التنمية محصورة في أوساط النخب الفكرية والمحللين الاقتصاديين، وتراجعت مفاهيم ومصطلحات التنمية لتحتل الشعارات والخطب وضرورة تداول السلطة مكانها وفي قراءة لأغلب برامج الأحزاب السياسية العربية المعارضة منها والمتحالفة مع السلطة وما بينهما خلت من أي إشارة إلى أهمية التنمية، وشهدت الثمانينات في أغلب الأقطار العربية حالة حراك مجتمعي إلا أنها كانت تفتقد إلى عنصر المعلومات الدقيقة بفعل حالة السرية المطبقة على أغلب اقتصادات المنطقة بذرائع أمنية، وظهر على السطح بما يسمى بالمصطلحات.. الأمن الاقتصادي والذي سبقه بفترة الأمن السياسي، مترافقاً بالتهويل بالمنجزات المتحققة فكان من الطبيعي أن يتم إفراز تورم سياسي اجتماعي سياسي، لكسر حلقة الجمود في الواقع... ولاستبعاد أي قراءة صحيحة للأزمة الخانقة التي تعيشها المنطقة العربية، فكان التيار السلفي الديني الكرة الجاهزة بيد أعداء الأمة كقوة ضاربة، وذلك لتحقيق أمرين أولهما: المزيد من الضغط على الحكومات لإلحاق ما تبقى من اقتصادها في طاحونة العجلة العالمية، وثانيهما: تفويت فرص الانتقال الطبيعي نحو مجتمع معافى سليم، وترافق مع افتعال ضجيج صاخب لما يسمى بالمشاريع الاقتصادية الشرق الأوسطية، والمتوسطية، واعتبار دولة الكيان الصهيوني ذات الرعاية الخاصة، وبدأت بعض الدول العربية إدارة الظهر لكل الموضوعات المشتركة ذات النفع الاقتصادي باتجاه التعامل الواقعي مع الحالة الراهنة وأنجزت أغلب مكرساتها السابقة ولم تتقدم خطوة باتجاه التنمية... بينما بقيت أغلب الدول تحاول الخروج من التخلف والفقر عبر خططها الاقتصادية...

في مطلع التسعينات بدأت تقارير التنمية البشرية بالتعامل مع الأرقام والأوضاع بدلالات سياسية فكانت التقارير تمثل إدانة واضحة وصريحة للنظام القطري العربي إذا توفرت الإرادة السياسية فإن البلدان العربية تتوفر فيها الموارد اللازمة لاستئصال الفقر المطلق، ربما في غضون جيل واحد.

ولنتوقف عند بعض القضايا المعوقة للتنمية والتي ساهم الإعلام العربي رغم قصوره في إلقاء الضوء على بعضها دون تحليلها ومعرفة أسبابها لمعالجتها.

ظاهرة الفساد المعمم والمستشري في البلدان العربية وخاصة الرشوة واستغلال المنصب، والإثراء غير المشروع وما ينتجه من خراب وآثار مدمرة على الاقتصاد والبشر فسادت قيم وأخلاقيات المجتمع الاستهلاكي المشوَّه، ثم ضخ رؤوس الأموال إلى الخارج.. بغياب القانون والمحاسبة والروتين، مما أضعف من رغبة المواطن في المشاركة بتغيير واقعه وظروفه، وخلق بيئة طاردة للاستثمارات المالية إذ تقدر بتريليون دولار يتم توظيفها واستثمارها في الخارج، مترافقة مع هجرة الأدمغة والعقول المبدعة، إذ يقدر عدد العلماء العرب المغتربين بمليون عالم يعملون في الدول الصناعية المتقدمة بسبب السياسات الطاردة للبشر ولرأس المال .

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 70

إتصــلوا بـنـــا