ردك على هذا الموضوع

ازمة المراهقة..

اثار التغيرات في الشخصية

د.سعد الامارة

يواجه الإنسان خلال مراحل حياته خبرات متعددة وكثيرة، تترك آثاراً واضحة على تعامله وتفاعله مع الآخرين في المجتمع، وهي تشكل بالتالي سلوكه ونمط شخصيته الواقعية.

وعند النظر إلى الخريطة التي ارتسمت عليها شخصيته نلاحظ أنها مرت بعدة مراحل من الطفولة إلى المراهقة ثم الرشد حتى منتصف العمر، بمختلف امتداداتها لتصل إلى الشيخوخة الأولى، وإن أمدّ الله في عمره، دخل مرحلة الشيخوخة المتأخرة بعد سن الـ70 سنة، كما صنفها علماء النفس الكبار.

إن كل مرحلة من مراحل النمو لدى الكائن البشري تحمل معها خصائص وميزات وبنفس الوقت سقطات وأزمات يتدنى بعضها حتى لتترك آثاراً نفسية سلبية تنعكس على جميع التعاملات الاجتماعية مع الآخرين، وأهم تلك المراحل مرحلة الطفولة ثم تليها بالامتداد الطبيعي مرحلة المراهقة والتي سماها بعضهم الصحوة بعد الكمون، حيث تعد أعنف مرحلة للشاب أو الشابة وتعد بحق أزمة المراهقة.

إن السلوك غير الاجتماعي كالكذب والسرقة والهروب من البيت وعدم الطاعة، والعصيان والأنانية والغش والفوضوية تبدو واضحة في هذه المرحلة بعد أن تكونت بذرتها الأولى ونشأت في مرحلة الطفولة، ولكنها مرت بمرحلة كمون حتى تفجرت في مرحلة المراهقة.

 المراهقة، الأزمة، الشخصية:

تكاد تشكل مرحلتا الطفولة والمراهقة مرحلة واحدة، لولا وجود فواصل الزمن التي امتدت من سن السادسة حتى سن الثانية عشرة، حيث فصلت هذه الفترة العمرية زمن المرحلتين، رغم أن كليهما له تميز بإرهاصات مختلفة ومتطلبات متعددة فرضت على الكائن، سواء نعم برعاية القائمين عليه بالتربية والاحتضان بمراحله الأولى، أو نما كما تنمو الكائنات الحية دون تدخل الآخرين في مسار نموه. وكما هو معروف عند الباحثين فإن الإنسان هو الكائن الحي الوحيد، من بين كل تلك الكائنات، يحتاج إلى رعاية مركزة منذ ولادته حتى بلوغه واجتيازه مرحلة المراهقة ووصوله إلى النضج بأقل ما يمكن من عقد وأزمات، ولقد قال الله سبحانه وتعالى: (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير..) (الروم: 54) وعلى العكس تماماً الكائنات الحية الأخرى التي تولد وتحمل مع ولادتها مقومات وجودها وبقائها، وقدرتها على الاعتماد على نفسها، لذا فإن الإنسان ككائن حي، اختص بمزايا دون الكائنات الحية الأخرى من خلق الله، حيث قال تعالى: (لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم) (التين:4).

أما عوارض الزمن والنكبات وصعوبات التوافق والنمو فهي تنتج بفعل مشكلات يتعرض لها هذا الكائن البشري خلال مراحل النمو وبضمنها أزمة المراهقة، وربما تمر هذه المرحلة ولا تترك آثاراً مؤلمة. ويرى أحمد عزت راجح أن المراهق: (لا تظهر لديه مشكلات عديدة ما دام نموه يسير في اتجاهه الطبيعي، وهي مرحلة تحقيق الذات ومرحلة المرح ونمو الشخصية وصقلها، لذا عرفت المراهقة بأنها المرحلة التي تبدأ من البلوغ، وهي سن القدرة على التناسل وتنتهي في مجتمعنا عند حوالي سن الـ(22) سنة من العمر)(1).

وتحدد الثقافات والمجتمعات طول فترة هذه المرحلة وبداياتها لدى كلا الجنسين، وتتميز هذه المرحلة بالنضج الجنسي لدى الشباب واشتداد الرغبة الجنسية، ويميل الشباب المراهق إلى التحرر من قيود الأسرة ومحاولة تحقيق الاستقلال عنها والشعور بالذات، والاعتداد بالنفس، ورؤية الأشياء بمنظار آخر يحدده هو دون تدخل الأب أو الأم، واختيار الأصدقاء ومحاولة البحث عن انتماء إلى نادٍ رياضي أو جماعة اجتماعية تشعره بالرضى عن انتمائه لها، وتعطيه ما يحتاجه من الحاجات النفسية التي تعجز الأسرة أو المدرسة عن تحقيقها له، فيحول ولاءه لتلك الجماعة أو النادي أو التجمعات المنتشرة في المدن الكبيرة، وتستهويه خلال مرحلة من المراحل العمرية، وربما ينشأ على تعاليمها ويلتزم بها أو يتركها وينفصل عنها حال تقدمه في العمر، ويعود ذلك إلى مستوى النضج الذي يحققه. وبعض آخر من الناس تشتد عوامل التأثير على حياته ويمر بأزمات ومشاكل تترك بصماتها على مسار حياته، وتظهر هذه التأثيرات بشكل واضح في المجتمعات المتحضرة أو ذات الثقافات المنفتحة كثيراً، أو التي حققت لشعوبها تحولات اقتصادية واجتماعية متباينة مادياً بشكل ترف ورفاهية أعلى، فاشتدت بها أمراض الحضارة ومتطلبات النمو السريع غير المتزامن مع مستوى الطموح، حتى كادت الأزمات في مرحلة المراهقة تضعها على مفترق طرق، لشدة عصفها وتأثيرها في البنى التي يقوم عليها المجتمع، فظهور المشكلات السلوكية الواضحة لدى أجيال في سن المراهقة، وتركها آثاراً واضحة لدى جيل بعينه، وقبوله بصرعات الموضة التي تجتاح المجتمعات أو التقليعات المختلفة في السلوك.. وكل هذا يظهر النتائج بعد ذلك واضحة من خلال قياس آثار الأزمة وما خلفته بعد أن تكون حدة الأزمة قد خفت تدريجياً حتى يصل المراهق في نهايتها إلى حالة الاتزان الانفعالي من خلال النضج في المرحلة اللاحقة.

 والأزمة هي حالة انفعالية مؤلمة تنشأ من الإحباط الناتج عن دافعٍ أو أكثر من الدوافع القوية(2)، ونستطيع أن نجمل بعض عوامل نشوء الأزمة وأسبابها في حالات اجتماعية ونفسية وجسمية وتتحدد فيما يلي:

1-التغيرات الجسمية والفسيولوجية السريعة والمفاجئة في شكل المراهق وحجمه ومظهره وازدياد رغبته في الأكل، فضلاً عن ظهور أحلام الاستمناء عند الذكور وظهور الطمث عند الإناث.

2-روز الدوافع المختلفة التي تثير لديه الارتباك والحيرة مع اشتداد الدافع الجنسي والرغبة العالية في توكيد الذات.

3-لاستقلال في الرأي والتفكير والسلوك عن الأب أو الأهل بشكل عام ومحاولة بناء هوية جديدة مختلفة تماماً عن هوية الخنوع أو الخضوع لسلطان الأهل.

4-ظرة الآخرين إليه ومعاملتهم له، وموقف الذين يحيطون به وما يفرضون عليه من قيود يشعر أنها تشكل ضغطاً كبيراً لا معنى له، فتصرفهم معه يشعره بأنه طفل، وعند تصرفه كالكبار يضحكون عليه، فإذا ما اقترب من الكبار أعرضوا عنه، وإن ارتد نحو الأطفال لم يرحبوا به. كل تلك التصرفات تجعله يشعر بالغربة في عالمه الاجتماعي الصغير.

هذه العوامل تؤدي بالمراهق إلى أن يدخل في دائرة الصراع الذي يزيد من توتره، ومن أهم هذه الصراعات:

أولاً: صراع بين شعوره الشديد بذاته وشعوره الشديد بالجماعة.

ثانياً: صراع بين مغريات الطفولة ومخلفاتها وبين الرجولة ومتطلباتها.

ثالثاً: صراع بين ميله الجديد إلى الاستقلال وبين الاعتماد على الآخرين.

رابعاً: صراع بين طموحه الزائد وبين قلة حيلته.

خامساً: صراع جنسي بين الدافع المتحفز لديه وبين تقاليد المجتمع أو بينه وبين ضميره.

سادساً: صراع ديني بين ما تعلمه من شعائر وهو صغير، وبين ما يصوره له تفكيره(3).

ويمكننا أن نستعرض بعض أسباب عدم الطاعة (العصيان) لدى المراهق في هذه المرحلة كما يلي:

أ) عدم الجدية في المعاملة الصحيحة في هذه المرحلة بالذات، وانشغال الأب بمشاكل الحياة وإهمال الضبط السلوكي الذي يجب إتباعه مع المراهق لكي لا يقع منه التمرّد المبكر الذي يؤدي إلى ضياعه.

ب) عدم معرفة الأهل فيما هو صحيح أو غير صحيح وخاصة إذا كان المراهق الولد البكر في الأسرة.

ج) التساهل الشديد وقبول الأب بتصرفات المراهق، باعتباره سلوكاً رجولياً.

د) رغبة المراهق بالاستقلال الذي لا يجد رد الفعل الحازم أو استجابات الحد من فرض الشخصية بالقوة، مما يفاقم الحالة مع تضارب الأدوار الاجتماعية التي تؤدي إلى سوء التعامل مع المواقف الأخرى.

أما الشخصية فتعرف على أنها الأنماط المستمرة والمتسقة نسبياً مع الإدراك والتفكير والإحساس وأنماط السلوك التي تبدو لتعطي الناس ذاتيتهم المميزة، وهي أيضاً.. التفاعل المتكامل للخصائص الجسمية والعقلية والانفعالية والاجتماعية التي تميز الشخص وتجعل منه نمطاً فريداً في سلوكه ومكوناته النفسية(4).

 التحولات بين مرحلتي المراهقة والبلوغ

في ضوء المسلمات الأساسية التي تطرحها مرحلة الطفولة وما يتبعها من سلوكيات ومظاهر، وحين العبور إلى المرحلة اللاحقة أي المراهقة وما تنتابها من أزمات ومشاكل تعصف بحياة المراهق، نقف أمام عدة تحولات تكاد تضع الفرد أمام مفترق طرق، فإما التأكيد على الذات والإبقاء على متطلبات هذه المرحلة بكل ما تحمله من إفرازات ومصاعب حتى ليكاد الفرد ينوء تحت وطأة آثارها، أو عبورها إلى مرحلة المواجهة وتقبل الحياة مع قدرة عالية من التحصين النفسي إلى مرحلة النضج. فالتحولات بين مرحلتين تعد بداية عبور الأزمة، لذا فإن كل ما ترجوه النفس السوية هو أن تنعم بالطمأنينة والهدوء، وإذا ما بقيت النفس الإنسانية تحمل معها آثار المرحلة السابقة فهي تحس بالتأزم والمهانة ويصدر عنها الكبر، والحسد، والعجب والغرور(5).

كذلك فإن معظم الأخطاء في السلوك والتفكير ناجمة عن ضعف في قدرة الفرد على التعرف على متطلبات الواقع والتعامل معه واحترام معاييره، فيكون سلوكه اندفاعياً تهيمن عليه النزوات النفسية غير المشبعة، ويتسم بمظهر يعد من أخطر مظاهر مرحلة المراهقة ألا وهو (الصراع داخل الذات) وهو صراع نفسي لا ينتهي، ويظل غير محسوم، صراع غير مشبع لدى الإنسان، تترتب عليه أعراض، وتصاحبه مظاهر سلوكية كالقلق، والتوتر، والإحباط للإحساس بعدم القدرة على الإنجاز، والإخفاقات المستمرة التي يشعر معها بالإثم والخطيئة من أفكار اعتقد بها ولم يفعلها وظلت تلازمه، ولم يستطع تجاوزها..

فالنفس البشرية على الأعم الأغلب عندما يتملّكها عدم الثقة بالنفس وفقدان الشعور بالاستقلالية الذاتية(6) تسقط في دائرة الصراعات غير المحسومة والمتراكمة عليها حتى لتعيق توازنها، وهي تعد بحق بقايا آثار مرحلتين سابقتين من مراحل النمو لدى الإنسان (الطفولة والمراهقة) هاتان المرحلتان تركتا لمسات واضحة على معالم الشخصية الإنسانية لدى معظم الناس، قال الإمام علي بن أبي طالب(ع) : (العادات قاهرات)(7).

 ما الذي يحدث في مرحلة المراهقة؟

تعد التربية عملية اجتماعية، تعنى بتطبيع الفرد على مستوى معين من السلوك والتكوين النفسي والخلقي والاجتماعي، وتحاول إكسابه مهارات للتعامل وصقل خبراته الشخصية على ضوء ما أدركه من قيم في بيته (أسرته) وفي مجتمعه الذي تآلف معه وانسجم مع تقاليده وتقبل أعرافه وتمثلها في سلوكه، فقدر الرجل كما يرى الإمام علي(ع) على قدر همته، وصدقه على قدر مروءته، وشجاعته على قدر أنفته، وعظته على قدر غيرته(8)، فهذه قيم تشكلت ضمن التكوين النفسي للفرد وأصبحت تشكل القوة المحركة لسلوكه، وقد ترسخت حتى باتت المحرك المكون للطاقة النفسية لديه، وقد تركزت في مرحلة ما من مراحل تكوين النمو النفسي - الجسمي للإنسان، فكما تمر الأمم والحضارات بمراحل النمو والنضج والتدهور في التكوين والتحضر، فإن الإنسان أيضاً يمر بهذه المراحل وهي الطفولة والمراهقة والنضج ومنتصف العمر والكهولة ثم الشيخوخة، وهي مراحل تنتابها أزمات ومعوقات، فمرحلة المراهقة بها أزمات حادة للتحول نحو مرحلة النضج والمواجهة الحقيقية.. وتبقى مرحلة المراهقة علامة في حياة كل إنسان من بني البشر، وهي مرحلة انتقال حرجة تبدأ بالبلوغ الجنسي الذي تصاحبه تغيرات جسمية وانفعالية واجتماعية، ونعني القدرة على التناسل والاتجاه نحو الجنس الآخر والزواج وتكوين الحياة الأسرية، وتتميز أيضاً بطفرة النمو الجسمي والنضج الهيكلي ونمو المهارات الحركية، ونمو الذكاء وتمايز القدرات العقلية، ويتجه المراهقون نحو التعلم والتحصيل. كذلك تنمو الانفعالات وتتميز بالعنف والتذبذب والتناقض والقوة والحماس والحساسية إلى أن تصل إلى الاستقلال، وخلال هذه المرحلة ينمو المراهق اجتماعياً بشكل واضح ويحاول تأكيد ذاته ويتصل برفاق سنه ويكون صداقات، ويتآلف مع هؤلاء الأصدقاء ويتنافس معهم، وتنمو اتجاهاته وقيمه الأخلاقية ومعاييره الدينية(9)، ويبدأ بتحديد فلسفته ورؤيته نحو الحياة والمهنة خاصة في أواخر مرحلة المراهقة وبداية الشباب..

والمشكلات التي تعصف بحياة المراهق وتثير لديه الكثير من التساؤلات والحيرة، تنتهي ما أن يتجاوزها بهدوء ويتحول الموقف النفس - جسمي من الأزمة إلى المرحلة اللاحقة، أما إذا تعثر الحل لديه ولم يستطع التغلب عليها فإنه سوف ينوء بثقل إحدى المشكلات التي تكونت في مرحلة المراهقة وتنحصر في المشكلات الجنسية، المشكلات الانفعالية، الأسرية، الدينية والأخلاقية، الاجتماعية، الدراسية، والمشكلات الناجمة عن تحديد هوية المهنة والشخصية، حتى إن بعض علماء النفس طرح أربع مراحل يمر بها المراهق خلال فترة المراهقة وتتحدد هويته النهائية في أواخر هذه الفترة وهي:

الهوية الغامضة، الهوية المكبلة، الهوية المؤجلة، وأخيراً الهوية المحصلة (المنجزة) والتي تتمخض عنها مرحلة المراهقة المتأخرة، وهي تتصف بعدة أبعاد غائية تؤدي بالتالي إلى نضج الشخصية وبنية الإنسان النفسية.

 


(1) أصول علم النفس: أحمد عزت راجح، المكتب المصري الحديث، الإسكندرية - مصر (ب.ت) ص434.

(2) المصدر السابق.

(3) المصدر السابق.

(4) نظريات الشخصية: محمد السيد عبد الرحمن، دار قباء للطباعة، القاهرة - مصر/ 1998م ص27.

(5) القرآن وعلم النفس: عبد العلي الجماني، الدار العربية للعلوم، بيروت - لبنان/ 1997م ص250.

(6) حركة التاريخ بين قدر الاستبداد وحرية الاختيار: مرتضى معاش، مجلة النبأ، العدد45 / أيار 2000م.

(7) مائة شاهد وشاهد من معاني كلام الإمام علي (ع): عبد الزهراء الحسيني الخطيب، ط3، 1994م، ص43، ص24.

(8) المصدر السابق.

(9) التوجيه والإرشاد النفسي: ط3، حامد عبد السلام زهران، دار الكتب، القاهرة - مصر/ 1985م، ص417.

 

الصفحة الرئيسية

الأعــداد السابقــة

العــدد 70

إتصــلوا بـنـــا