العراق الجديد وسبل التخطيط الاستراتيجي إلى التنمية |
رائد صبار لفتة |
مرت كثير من الأمم والدول قديماً وحتى حديثاً بنكسات وظروف قاهرة أدت بها إلى الركود والتقهقر والتخلف، إلا أن ذلك التقهقر وإن استمر فترات زمنية ليست بالقصيرة غير أنه لم يعن النهاية الأبدية لحقيقة وجود الأمة المتقهقرة ولا اندثارها، بل كان على العكس من ذلك البداية الحقيقية لوجود حضاري متطلع ولمستقبل مشرق يتعظ كثيراً بدروس الماضي، وما أكثرها. وليس بعيدا عنا أن نستذكر كلاً من اليابان وألمانيا كمثال حي وحاضر لأمم عاشت ومرت بانتكاسة عظيمة إبان خروج كل منهما خاسرتين ومدمرتين في الحرب العالمية الثانية، إلا أنهما لم تركنا إلى الأمر الواقع ولم تقبلا بالاضمحلال والتلاشي بل استعادتا دورهما ومكانتهما العالمية تدريجياً، باتباع قواعد علمية مبرمجة في التخطيط الاستراتيجي حتى أصبحتا اليوم من كبريات القوى الاقتصادية في العالم. وكذلك الحال مع العراق المستيقظ حديثاً من انتكاسة شديدة استمرت أكثر من ثلاثة عقود ونصف عاش فيها شعب العراق تحت مطرقة أكثر الأنظمة الشمولية طغياناً واستبدادا في العالم متحملين ويلات ثلاث حروب وتبعات مئات قرارات والسياسات العشوائية الخاطئة. فليس من العسير بعد الذي كان أن تنطلق سفينة أولى الحضارات الإنسانية في العالم وتستعيد مكانتها بين أمم الأرض، عبر تحقيق التنمية الشاملة في البلاد في شتى القطاعات السياسية والاقتصادية والمعرفية والاجتماعية، من خلال اتباع القواعد العلمية الدقيقة للتخطيط الاستراتيجي لإنجاز أهداف التنمية المنشودة. وهذه النقطة بالذات يجب أن تكون موضوعاً محورياً للنهوض بالبلاد من واقعها المر فضلاً عن أن من الأولويات إنجاز التنمية وتحقيق أهدافها هو الانطلاق من التخطيط الاستراتيجي الممنهج بحيث يترك أثراً ويكون له دور مميز لضمان نجاح التنمية. وتبعاً لما تقدم يمكن صياغة الفرضية الأولية الآتية لتكون دليلاً يسترشد به للوصول إلى نتائج هذه الدراسة المنصبة على دور التخطيط الاستراتيجي في تحقيق التنمية في العراق الجديد. وفرضية الدراسة (توجد علاقة طردية موجبة بين التخطيط الاستراتيجي وتحقيق أهداف التنمية) تفيد بتوقع وجود التكاثر الإيجابي الطردي للتخطيط الاستراتيجي في تحقيق التنمية في العراق. إن هذا الافتراض الأول نابع من مراجعة الدراسات السابقة التي تؤكد على الدور الإيجابي الواقعي الذي يسبّبه اتباع خطوات التخطيط الاستراتيجي والالتزام بقواعده في إنجاز أهداف التنمية. وللتحقق من صحة هذا الافتراض سنناقشه ونطرح نظرياً خطوات وقواعد ومبادئ التخطيط الاستراتيجي الواجبة الاتباع في العراق لضمان نجاح التنمية في البلاد، وندعو الباحثين الآخرين للتحقق من ثبوت صحة تلك الفرضية عملياً في الواقع الميداني وتقديم الاقتراحات والتعديلات عليها وتجزئتها إلى فرضيات ثانوية، مما يخدم تحقيق أهداف التنمية في أرض الواقع.
خطوات التخطيط الاستراتيجي لتحقيق التنمية يتضمن التخطيط الاستراتيجي ثلاث خطوات رئيسية تشمل كل واحدة منها خطوات ثانوية يوضحها الشكل (1).
الشكل (1) خطوات التخطيط الاستراتيجي
وتلك الخطوات هي: أولاً: التحليل الاستراتيجي يتم في هذه الخطوة تحليل البيئة الخاصة بالعراق للتحقق من إمكانيات العراق وقدراته والمعوقات المتوقعة أمامه خلال عمليات التنمية. وعادة يأتي التحليل الاستراتيجي في مقدمة خطوات التخطيط الاستراتيجي لأنه يعتبر الخطوة المهمة الأولى التي وإن تعد ضمن التخطيط الاستراتيجي إلا أنها تكون سابقة على التخطيط الحقيقي بالتأكيد، فهي تنطوي على جمع البيانات الخاصة والعمل على تحليلها. ويتضمن التحليل الاستراتيجي خطوتين من التحليل هما تحليل البيئة الخاصة(الداخلية) للعراق وتحليل البيئة العامة(الخارجية) له وعلى النحو الآتي:
1-تحليل البيئة الخاصة(الداخلية) للعراق: ويقصد بتلك الخطوة جمع البيانات الخاصة بالبيئة العراقية داخل البلاد وتحليلها ضمن جميع الأصعدة والمجالات والمناطق. ولترتيب عملية التحليل الداخلي تلك يفترض أن يعمد إلى جمع البيانات من بيئة العراق الداخلية وفق ثلاثة أبعاد هي: أ- التركيب المؤسسي: وهو يتضمن طبيعة النظام السياسي القائم في البلاد وهيكلته وآليات العمل ونظام عمل مؤسساته وأنظمة الاتصالات فيما بينها والتقويمات الإدارية والجغرافية المعتمدة ونظام التوصيف الوظيفي وقواعد العمل الوظيفي والسلم الإداري المعتمد، ونشاط المؤسسات الخاصة والعامة، والنظام العسكري والأمني المعتمد، وآليات عمل السوق الاقتصادية الخارجية، وأبعاد المعاملات التجارية، وماهية الحركات والأحزاب السياسية الناشطة، ووضع الأقليات والتراكمات القومية والدينية والطائفية والعشائرية، وهيكل البناء الثقافي للفرد والمجتمع، ومكونات الأسرة، وتفاعلات النقابات والاتحادات والجمعيات وجميع المؤسسات في المجتمع، وكل ما له صلة وعلاقة بطبيعة التركيب المؤسسي في العراق. ب- الثقافة: يعتبر هذا البعد ذا أهمية بالغة لأنه يتعلق بالقيم السائدة داخل المجتمع العراقي، والفكر الإيديولوجي الذي يتمتع به هذا المجتمع، وبالأسس الثقافية والعقائدية المتسم بها وهذه إجمالاً هي ما تشكل ثقافة هذا المجتمع العراقي وأي مجتمع آخر، وبقدر تعلق الأمر بمجتمع الدراسة (العراق) فإن بعد الثقافة وطبيعة البيانات التي يفترض جمعها حوله يعد بعداً ذا حدين: الأول إيجابي ويتمثل في أن هذا المجتمع لا يزال يحتفظ بالشيء الكثير من قيمة الثقافة الأصيلة المستمدة من قيم الإسلام وأخلاق الله التي دعا البشرية إلى التمسك بها(وتخلقوا بأخلاق الله) فلا زالت أخلاق الكرم والشجاعة والمروءة والإقدام وحب الناس والتعاون... وغيرها من صفات الخير متجسدة فيه، رغم إيديولوجية حزب البعث التي كانت تنشد تجريد الإنسان العراقي من كل تلك القيم لتيسير عملية السيطرة عليه. والثاني سلبي ويتمثل في استمرارية الآثار السلبية للثقافة العلمانية، وترسيخ المزايا الثقافية السالبة في بعض فئات المجتمع، بفعل تأثيرات محاكاة الثقافة العكسية التي مارسها نظام البعث في العراق ضد الثقافة الإسلامية. ولازالت تلك البنى الثقافية المتدنية مترسبة في مجموعة من قواعد المجتمع مما يعتبر معوقاً خطيراً لإنجاز أهداف التنمية في العراق. ج- الموارد: في هذا البعد من التحليل الداخلي للبيئة العراقية يتم جمع البيانات المتعلقة بالموارد الأولية للعراق الحالية والمتوقعة من نفط وغاز وفوسفات وغيرها، وبقية المعادن المستخرجة من باطن الأرض، وموارد المياه والزراعة والموارد الناتجة عن عمليات التصنيع، ومن المشاريع الصناعية المستقبلية في العراق وموارد صناعة السياحة لاسيما السياحة الدينية. ورصد الآفاق المستقبلية لإمكانيات تطوير جميع مجالات جمع الموارد في البلاد. و بالإضافة إلى هذه الموارد الاقتصادية فإن من المهم كذلك رصد البيانات المتعلقة بالموارد المعرفية، وخاصة أن العالم بات ينظر إلى الدول من خلال ثلاث زوايا هي الزاوية العسكرية والزاوية الاقتصادية والزاوية المعرفية. والموارد المعرفية في العراق محدودة بسبب السياسات المتعمدة للنظام السابق التي كانت تسعى لتأخر الشعب وتخلفه. وعلى العموم فإنها تتمثل في نسبة عدد المتعلمين الحاصلين على شهادات الابتدائية والثانوية والجامعية إلى عدد سكان البلاد، ونسبة الفئة العمرية الجامعية إلى مجموع السكان، ونسبة الأطباء وأطباء الأسنان والصيادلة والمهندسين والمحامين والأساتذة الجامعيين إلى مجموع السكان، ونسب حملة الشهادات العليا والمتحدثين باللغات الأجنبية وعدد الكليات والجامعات والمعاهد وعدد براءات الاختراع ومقدار النتاج الفكري من كتب وبحوث ومجلات ودراسات وصحف؛ إلى المجتمع العراقي. وبعد جمع البيانات المتعلقة بأبعاد البيئة الداخلية للعراق يصار إلى مناقشتها وتحليلها لتحديد نقاط القوة والضعف في الجسد العراقي كما هو موضح في المصفوفة الآتية في الشكل (2).
الشكل (2) تحليل البيئة الداخلية
2-تحليل البيئة العامة(الخارجية) للعراق: تتضمن هذه الخطوة جمع البيانات عن بيئة العراق الخارجية التي يمكن تقسيمها حسب المعيار الجغرافي إلى مجموعتين: المجموعة الأولى: وتنقسم فيها بيئة العراق الخارجية حسب المعيار الجغرافي إلى: أ- البيئة الإقليمية: وتضم دول الجوار الست المحاذية لحدود العراق ودول منطقة الشرق الأوسط. ب- البيئة العربية: وتضم جميع الدول العربية. ج- البيئة العالمية: وتضم بقية دول العالم، وتتباين فيها الدول المؤثرة في العراق حسب قربها الجغرافي والمصالح المشتركة معه. المجموعة الثانية: وتنقسم فيها البيئة الخارجية للعراق إلى: أ- البيئة السياسية: وتضم مجمل الدول ذات العلاقات السياسية المترابطة مع العراق، والأبعاد والعوامل السياسية المؤثرة في العلاقات وأشكال التحالفات السياسية وأنماط توزيع القوى السياسية إقليمياً ودولياً والعلاقات مع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. ب- البيئة الاقتصادية: وتشمل العوامل والمؤثرات الاقتصادية من نشاطات تجارية وتعاملات الأسواق العالمية واتجاهات التجارة العالمية وحركة رؤوس الأموال وأنماط الاستثمارات الخارجية. ج- البيئة الاجتماعية: وتجتمع فيها العوامل الاجتماعية في الدائرتين الإقليمية والدولية من طبيعة الإيديولوجيا الحاكمة في بلدان الجوار خاصة والعالم عامة، ومحتوى ثقافات شعوبها وشكل التعاملات الاجتماعية القائمة بين المجتمعات في العالم، وحركات التطور الاجتماعي ومراحل نمو المجتمع، واتجاهات الأفراد في المجتمعات العالمية وجميع العوامل الاجتماعية الأخرى. د- البيئة المعرفية- الثقافية: تنطوي هذه البيئة على الأبعاد العلمية والمعرفية والثقافية في العالم المحيط بالعراق، وخاصة أن المجتمعات الأساسية تطورت خلال حقبة ركود العراق وتقهقره في العقود الثلاثة الماضية، لتقفز إلى مرحلة جديدة من مراحل تقدم المجتمع الإنساني ألا وهي مرحلة مجتمع المعرفة بكل مميزاته من الإدارة العالمية للوقت ومن تطبيق معايير إدارة الجودة العالمية، واعتماد استراتيجيات الإبداع وترسيخ ثقافة الابتكار وإعادة بناء الشخصية الإنسانية لتستقبل مقومات مجتمع المعرفة وخصائصه، وتتضمن هذه البيئة أيضاً رصد حركة التعليم والتعلم في العالم والمستويات التي بلغتها ومستوى النشاطات الثقافية والتربوية، فضلاً عن جميع مؤشرات التطور العلمي والثقافي في المجتمع. هـ- البيئة التكنولوجية: وتتضمن جمع البيانات عن مجمل التطورات التي حصلت في العالم على الصعيد التكنولوجي من ابتكار متجدد لأنظمة الحاسوب، ووسائل الاتصال والتقدم المستمر في اكتشافات وتطورات التقنية الرقمية، وتنامي أساليب العمل في ضوء تكنولوجيا المعلومات واستكشاف سبل نقل الثقافة وتوطينها، والاستحداثات والاكتشافات العلمية وبقية العوامل التكنولوجية الأخرى. وبعد استكمال جمع البيانات عن البيئات المشار إليها(السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية-المعرفية والتكنولوجية) والمكونة لبيئة العراق العامة(الخارجية) تتم دراسة تلك البيانات ومناقشتها وتحليلها لإنتاج المعلومات الخاصة بتلك البيئة لتحديد فرص العراق والتهديدات التي تواجهه ضمن تلك البيئة كما في مصفوفة الفرص والتهديدات التي يوضحها الشكل(3).
الشكل(3) تحليل البيئة الخارجية وبجمع مصفوفة الفرص والتهديدات مع مصفوفة نقاط القوة والضعف يعطي التحليل الاستراتيجي لبيئة العراق داخلياً وخارجياً تصورا واضحاً للواقع الذي تعيشه البلاد مما يساعد في تحديد المسارات التنموية في المستقبل، وهو ما تضطلع به الخطوة التالية من خطوات التخطيط الاستراتيجي. ثانياً: صياغة الاستراتيجية: إن الانطلاقة الحقيقية في العراق الجديد يجب أن تراعي بدقة عمليات صياغة الاستراتيجيات لتحقيق مختلف الأهداف والغايات ومنها أهداف تحقيق التنمية الشاملة بما لهذه العملية من آثار بالغة مستقبلاً في نجاح تنفيذ ما تتم صياغته فيها. وترتكز هذه الخطوة الثانية من خطوات التخطيط الاستراتيجي على ما تم جمعه وتحليله من بيانات في خطوة التحليل الاستراتيجي وما تم التوصل إليه من تحديد نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات. وصياغة الاستراتيجية هذه تتضمن الخطوات الأربع الآتية: 1-تحديد المهمة الاستراتيجية: وتعني المهمة الاستراتيجية الرسالة العامة ذات الطابع الشمولي المنشود إنجازها. وتتمثل المهمة الاستراتيجية في هذه الحالة موضوع الدراسة في تحقيق التنمية الشاملة في العراق. وتكتسب هذه المهمة سمتها أو بعدها الاستراتيجي من حيوية وضرورة النهوض بالعراق المدمر وتحقيق الثراء الحضاري في بناه التكوينية وإدخاله إلى ساحة مجتمعات المعرفة الإنسانية عبر قفزة تاريخية حقيقية لا يمكن تحقيقها إلا من خلال التنمية الشاملة. 2-تحديد الغاية الاستراتيجية :ويقصد بالغاية الغرض الذي لأجله تتم بلورة المهمة الاستراتيجية. وعادة ما تكون هناك عدة غايات استراتيجية من أجل تحقيق المهمة الاستراتيجية وتتمثل هذه الغايات الاستراتيجية لتحقيق التنمية الشاملة في العراق في: أ- النهوض بواقع البلاد المتخلف. ب- إعادة رص الصفوف بين أبناء الوطن. ج- بلورة شكل جديد ومعاصر للحياة السياسية في البلاد. د- التأسيس لنظام سياسي ديمقراطي. هـ- إنشاء البنى الارتكازية المتينة في البلاد. و- تحديد نظام مؤسساتي متين في الهيكل الإداري للدولة. ز- زيادة الدخل الفردي للمواطن. ح- إنعاش الاقتصاد الوطني. ط- رفع مستوى المعيشة. ي- تعديل قوانين التجارة والتنافس الحر القائم على الكفاءة. ك- الاستثمار الأقل لموارد البلاد وطاقاته. ل- تحقيق عمل المؤسسات الاقتصادية. م- رفع مستوى الوعي لدى أبناء الشعب. ن- تعميق الفكر الإبداعي لدى الفرد. س- ترسيخ قيم ثقافة الابتكار. ع- تثقيف المواطن بالثقافة السياسية المعتدلة وتوجيه سلوكه السياسي لخدمة البلاد. ف- تطوير المؤسسات التربوية والتعليمية وتعزيز نشاطات مراكز البحوث والدراسات. ص- مواكبة التطورات العلمية والتقنية في العالم. ق- تقليص الفجوة العلمية والتقنية مع ما في بقية دول العالم المتقدم. ر- تحقيق الإدارة العلمية لمؤسسات الدولة. 3-وضع الهدف الاستراتيجي: نعني الهدف الاستراتيجي النتيجة المتوقعة من تحقيق المهمة الاستراتيجية. إن تحقيق المهمة الاستراتيجية يرمي إلى بلوغ عدة نتائج وهو ما يعني أن المهمة الاستراتيجية تنبثق عنها عدة أهداف. وفي إطار مهمة التنمية الشاملة في العراق فإن هذه المهمة تتضمن الأهداف الآتية: أ- تحقيق الديمقراطية. ب- الاستقرار السياسي. ج- التطور الاقتصادي د- زيادة معدلات النمو الاقتصادي. هـ- الرفاهية المعيشية. و- الوعي الثقافي. ز- الوحدة الوطنية. ح- التلاحم الاجتماعي. ط- الانتقال إلى مجتمع المعرفة. ي- الالتزام بقيم وتعاليم الإسلام. وضمن كل واحد من تلك الأهداف المتوقع بلوغها عبر التنمية، تنبثق أهداف ثانوية ومنها فرعية وأخرى مرحلية عبر شجرة متشعبة من الأهداف ليشكل بلوغها إجمالاً تحقيق المهمة العامة المنشودة. 4-صياغة الخطة الاستراتيجية: تشير الخطة الاستراتيجية إلى مجموعة من الخطوات المتسلسلة زمنياً وميدانياً والمرسومة مسبقاً لبلوغ الأهداف المحددة. وتأخذ عملية صياغة الخطة الاستراتيجية حيزاً مهماً في عملية التخطيط الاستراتيجي لأنها تكاد تمثل الخطوة الرئيسية في مجمل التخطيط الاستراتيجي والتي تتطلب القيام بكل الخطوات والمراحل المشار إليها آنفاً. إن وضع الخطة الاستراتيجية المناسبة والدقيقة يساعد كثيراً في نجاح عملية التخطيط برمتها. وفي سبيل تحقيق التنمية الشاملة في العراق والأهداف المنبثقة منها لابد من صياغة خطة استراتيجية ترتكز على: 1- مراعاة نتائج التحليل الاستراتيجي وما توصلت إليه لتقوية نقاط القوة وتعزيزها ولمعالجة نقاط الضعف ولاستثمار الفرص المتاحة وتجاوز التهديدات القائمة والمتوقعة. 2-اعتماد المرحلية في وضع الخطة، بحيث توضع خطة عامة رئيسية تمتد إلى خمسة وعشرين سنة وتنبثق منها خطط ثانوية عشرية وأخرى خمسيه تنبثق منها أيضاً خطط قصيرة الأمد لسنة أو سنتين. 3-تجزئة الخطة العامة إلى خطط فرعية حسب المجالات بحيث تكون هناك خطط سياسية وخطط اقتصادية وخطط ثقافية وخطط اجتماعية وخطط تقنية. 4-اعتماد القطاعية في التخطيط بتقسيم العراق إلى قطاعات جغرافية حسب المحافظات والمدن، ما يضمن شمولية التخطيط على أرض الواقع وهو ما ينعكس لاحقاً على شمولية تنفيذ الخطة الموضوعة. 5-المراجعة الدورية المستمرة كل ثلاثة شهور للخطط الموضوعة على مستوى المجالات والقطاعات لأجل تعديل الخطط مما يتفق مع الأهداف العامة والأهداف المرحلية لتلاشي الانحرافات الحاصلة بعيداً عن الخطط المرسومة ومعالجتها. وبهذا يتكامل تحديد المهمة العامة للتخطيط الاستراتيجي المتمثلة في تحقيق التنمية الشاملة في البلاد وتشخيص الغايات المقصودة منها ورصد الأهداف المتوقعة وصياغة الخطط المؤدية إلى تحقيق كل ذلك، وتتكامل خطوة صياغة الاستراتيجية ويتم الانتقال إلى الخطوة الأخيرة من خطوات التخطيط الاستراتيجي.
ثالثاً: الاختيار الاستراتيجي: بتحقيق هذه الخطوة يكون التخطيط الاستراتيجي قد قطع شوطاً كبيراً للإعداد العلمي الدقيق لإنجاز عملية التنمية ولم تبق سوى الخطوة الأخيرة والتي لا تقل حيوية عن الخطوتين السابقتين وتتضمن هذه الخطوة خطوتين ثانويتين هما: 1-وضع الاستراتيجيات المتعددة: ويتم فيها تحديد عدة استراتيجيات لتحقيق الأهداف في ضوء الخطة الموضوعة باتخاذ سلسلة من القرارات. ولتحقيق مهمة التنمية الشاملة في العراق والأهداف المنضوية ضمنها بناءً على الخطة التي تتم صياغتها؛ لابد من إعداد مجموعة كبيرة من الاستراتيجيات في كل القطاعات والمجالات لضمان استمرارية الأداء الناجح لتحقيق التنمية، وخاصة أن العراق يفترض أن يبدأ بخطة التنمية من الدرجات الدنيا بسبب تراكمات الماضي. 2-اختيار الاستراتيجية المناسبة: بطبيعة الحال إن إعداد مجموعة من البدائل والخيارات لا يعني أن متخذ القرار سيلجأ إليها جميعاً، إلا أنه سيكون لديه هامش مناورة أكبر تحسباً لكل الاحتمالات، مما يزيد من فرصته على إيجاد الاستراتيجية المناسبة لكل حالة من الحالات التي تطرأ، وعليه في جميع الحالات الاعتيادية والطارئة أن يختار بديلاً من البدائل لتحقيق ما تمت تهيئته عند صياغة الاستراتيجية. وكذلك الحال في موضوع الدراسة الحالية فإن تهيئة عدة استراتيجيات لتحقيق أهداف التنمية في ضوء الخطة المرسومة سيساعد في تعدد البدائل عند حدوث الأزمات والطوارئ. إلا أن المهم في هذه الخطوة هو ضرورة اختيار الاستراتيجية المناسبة التي تراعي نتائج التحليل الاستراتيجي وتسعى إلى تحقيق ما تمت صياغته لإنجاز التنمية. وبعد أن تنتهي الخطوات الثلاث(التحليل الاستراتيجي وصياغة الاستراتيجية والاختيار الاستراتيجي) تكون عملية التخطيط الاستراتيجي برمتها قد انتهت ولابد من الانتقال إلى مرحلة المباشرة بتنفيذ التنمية الشاملة في العراق الجديد. ولأجل نجاح التخطيط الاستراتيجي لإنجاز التنمية وهو ما ينعكس إيجابياً على نجاح مشروع التنمية الشاملة في البلاد، فإن ثمة متطلبات وملاحظات مهمة لابد من الأخذ بها وهي: 1-إسناد مهمة التخطيط الاستراتيجي لتحقيق التنمية الشاملة إلى فريق رفيع المستوى من الخبراء. 2-توفير القيادة الأمنية والشجاعة القادرة على الإضطلاع بمهام التنمية واتخاذ القرارات السريعة والصائبة. 3-تهيئة شبكة متقدمة من الاتصالات وتبادل المعلومات. 4-مرونة العمل وانسيابية التعاملات الإدارية. 5-سرعة التكيف مع التغييرات في بيئة العراق داخلياً وخارجياً. 6-الشفافية في التخطيط والتنفيذ. 7-المراجعة المستمرة للخطط والأهداف. 8-الرقابة والتقويم المستمران. 9-الإدارة العالية للوقت. 10-الاستثمار الأمثل لوسائل الإعلام لإعداد الجماهير وتشجيعها للإسهام في مشروع إنجاز التنمية الشاملة. 11-إشراك قطاعات المجتمع كافة في المشروع وإشعارها بتحمل جزء من المسؤولية في إنجاح أهداف التنمية. ا12-تحقيق الإدارة العلمية لإدارة الأفراد والموارد.
* أستاذ في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- متخصص في التخطيط الاستراتيجي |