قراءة في المشروع الحضاري للإمام الشيرازي (قدس سره الشريف) |
برير علوي السادة (*) |
المقدمة: الكتابة أو الحديث عن حياة العظماء رمز حضاري تسعى كل أمة لإبرازه، لأنه يمثل الوجه المشرق من ثقافتها وحضارتها، كما أن الحديث عن العظماء يلهم الشباب ويدفعهم صوب ارتقاء عتبات المجد، كما فعل السابقون من عظمائهم، فالعظماء يمثلون القدوة الحسنة ومنارات في طريق السائرين، وهم خير شاهد على المتقاعسين عن العمل والجهاد، والمتبرمين بظروف الحياة الصعبة.. العظماء رجال خرجوا من حدود الزمان والمكان فكانوا خالدين في الدنيا قبل الآخرة؛ يقول الإمام علي(ع) (يا كميل! العلماء باقون ما بقي الدهر). وفي هذه السطور نتحدث عن أحد العظماء، ونابغة الدهر، فريد عصره وزمانه، الإمام الراحل المجدد السيد محمد الحسيني الشيرازي، مسلطين الضوء على سمات ومرتكزات مشروعه الحضاري، مبتعدين عن تفاصيل حياته، والتي لو خضنا لججها، لسودنا المجلدات الضخام والأسفار الكبيرة؛ مكتفين بإشارة سريعة ولمحة بسيطة إلى سيرته، ذاكرين المصادر لمن يريد المزيد(**). |
إطلالة على حياته (قدس سره) |
ولد الإمام السيد محمد بن المهدي الحسيني الشيرازي (قدس سره) في النجف الأشرف عام 1347هـ (1926م) ونشأ وترعرع في كربلاء المقدسة مع عائلته التي عُرفت في ميادين العلم والجهاد، والتي كان من أبرز رجالاتها آية الله العظمى السيد محمد حسن الشيرازي صاحب ثورة التنباك (1230 - 1312هـ) وآية الله العظمى الميرزا محمد تقي الشيرازي صاحب ثورة العشرين (توفي عام 1338هـ) وآية الله العظمى السيد مهدي الشيرازي والد المترجم له (1304- 1380هـ) وآية الله العظمى السيد حسن الشيرازي (1354 - 1400هـ). يرجع نسب هذه الأسرة إلى زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب(ع). تتلمذ الإمام الراحل على يدي مراجع العصر، كوالده، والسيد محمد هادي الميلاني والشيخ محمد رضا الأصفهاني(1)، والسيد حسين القمي والسيد زين العابدين الكاشاني(2)، والشيخ محمد الخطيب(3). نهض بأعباء المرجعية وزعامة الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة عام 1380هـ، بعد شهادة أكثر من 34 وعالماً له بالمرجعية(4)، كما حظي من جهة بثقة آية الله العظمى السيد محسن الحكيم وآية الله العظمى السيد أحمد الخونساري، حيث فوضوا إليه وفي وقت مبكر التصدي لكل الأمور الحسبية وصرف الحقوق الشرعية كاملة في إدارة الحوزة العلمية بكربلاء المقدسة عام 1380هـ (5). هاجر الهجرتين الأولى إلى الكويت نتيجة للاضطهاد، والثانية إلى قم المقدسة. كتب الكثير من الكتب والكراسات تجاوزت الألف والمائتين، وله ما يربو على ثلاثة آلاف محاضرة. أسس الكثير من المؤسسات والتي ناهزت (750) مؤسسة وله مشاريع خيرية. يقول عنه العلامة السيد إبراهيم الزنجاني في كتابه (جولة في الأماكن المقدسة - ص104): وقد تقدمت كربلاء في عصره تقدماً دينياً وعلمياً وثقافياً... لا سيما خدمات نابغة العصر فخر الطائفة الإمامية الإثني عشرية السيد محمد الشيرازي المقيم في مدينة قم المقدسة، وله آثار وخدمات جليلة في خدمة الإسلام، ما جاء في عصرنا الحاضر مثله، ولكن مع الأسف الشديد فسّاد زماننا لا يتركوه يشتغل، وهذا ليس أول قارورة كسرت في الإسلام، فراجع كتابنا حدائق الأنس في ترجمة سيدنا الإمام الشيرازي(6). اشتهر بتبحره في العلم، وغزارته في المعرفة، وله نظريات حديثة في مختلف العلوم، يقول د. أياد محمود في كتابه (دراسات في فكر الإمام الشيرازي) وهو يتحدث عن المصادر الإنجليزية: (أما المصادر الإنجليزية التي أفدت منها فهي ما بين كتب في علم السياسة وكتب في علم الاقتصاد وأخرى في الاجتماع، وقد استشهدت ببعضها حينا، وناقشت بعضها حينا آخر، وقارنت بين ما جاء به كتّابها وبين كتابات سماحة الإمام الشيرازي، ووصلت إلى قناعة تامة بأن كتابات سماحته قد أثرت في كثير منهم، حتى وإن كابروا ولم يعترفوا بذلك، كما أن بعضهم قد انتقى من سماحته بعضا، وذلك بناء على توجهات ذلك البعض وانتمائهم الفكرية ومصالح دولهم) (7).. وذكرت مجلة النبأ - العدد 58، في بابها الثابت متابعات تحت عنوان (مشاهدات من واقع معرض لندن الدولي للكتاب) أنه "نقلت صحف لندنية حرة أنباء عرض مؤلفات سماحة السيد الإمام الشيرازي في معرض لندن الدولي للكتاب وذلك قبل يوم من افتتاح المعرض المذكور، من أبرزها "الشرق الأوسط" و"الحياة" و"الزمان". كما نشرت صحيفة المؤتمر الأسبوعية الصادرة في لندن تقريراً مفصلاً عن هذه المشاركة المميزة على المستوى الإسلامي والعربي في معرض دولي للكتاب وفي عاصمة أوربية مهمة، وجاء التقرير تحت عنوان "مؤلفات المرجع الشيرازي بلغات عدة في معرض الكتاب الدولي بلندن". وقد زار المئات من المهتمين الجناح المذكور لمطالعة مؤلفات سماحته باهتمام كبير، كما واطلع الزوار - وأغلبهم من الأجانب علاوة على العرب والمسلمين - على نشرة تعريفية بسماحة الإمام الشيرازي اشتملت على قائمة تفصيلية بمؤلفات سماحته وباللغات المختلفة موزعة على مجموعات وأقسام... وقد أبدى عدد من الزوار المتخصصين، من بينهم أمناء المكتبات العامة في جامعات أمريكية وأخرى في الشرق الأوسط والجمهوريات الإسلامية في روسيا، اهتماماً ملحوظاً بذلك، وسجلوا رغبتهم في اقتناء البعض من تلك المؤلفات... كما وأبدى عدد من المتخصصين في حقول الاقتصاد والأدب والإسلاميات رغبتهم في ترجمة عدد من هذه المؤلفات كل في مجال اختصاصه"(8). أما عن أخلاقه المحمدية، فله فيها باع طويل يعجز الباحث والمتتبع عن استقصاء أثره؛ لهذا نكتفي بالإشارة إلى مصدر واحد لمن يريد المراجعة في هذا الجانب، ولعل في أحاديث زائريه في السنوات القليلة الماضية الشيء الكثير. |
المشروع الحضاري |
أدى أفول الحضارة الإسلامية والتراجع الذي أصاب الأمة في جميع ميادين الحياة إلى ظهور مصلحين وحركات إصلاحية بين الحين والآخر، في محاولة لتغيير الأوضاع السيئة للمسلمين؛ فظهرت المدرسة الإصلاحية ورائدها جمال الدين الأفغاني، وكان من أهم دعاتها الشيخ محمد عبده، محمد أقبال، مالك بن نبي، علي شريعتي.. غير أن هذه المدرسة طرحت برنامجاً ناقصاً تركز بالدرجة الأولى على العودة إلى الإسلام ومبادئه، دون أن يرافقها أي تجديد أو تغيير في نواحي الحياة وإن كان لها الفضل في تأسيس الأيديولوجية الإسلامية لحركات التغيير إلاّ أنها ظلت صرخات يتيمة وسط اضطرابات سياسية واستبداد حكام وتخلف اجتماعي. يقول محسن الموسوي في كتابه (آفاق المستقبل في العالم الإسلامي) في تقييمه لهذه المدرسة: "فتفرع مشكلات الأمة وعدم انحصارها في حقل واحد كان يستوجب تصدياً شاملاً عبر رؤية واضحة ومنهاج عملي متكامل وقابل للتطبيق، وهذا ما لم تتوفق له المدرسة الإصلاحية التي أخذت بطرف واحد من مشكلات العالم الإسلامي وتركت الأطراف الأخرى"(9). لقد عجزت المدرسة الإصلاحية عن إيجاد شعور لدى النخبة الطليعية بأن الدور المطلوب هو أكبر، لتنوع المشكلات، الأمر الذي سبب ظهور المدرسة التغييرية، وكانت لها نماذجها المتعددة.. ومع ضخامة هذا الإنتاج إلا أن المسيرة الإسلامية ظلت خائفة بسبب القوة المادية للحضارة الغربية، وغياب المنهج الإسلامي المتجدد والمتوافق مع متطلبات الحياة العصرية؛ خوفاً من انجراف الجماهير مع سيل الحضارة الغربية المتدفق لانبهارها بما أنجزت من تقدم تكنولوجي وعلمي. هذه المسيرة الوجلة لم تمنع من ظهور أفراد وارتفاع صرخات تنادي بتحرك سريع في مجال التجديد والإصلاح الذي كان أغلبه ناقصاً أو متأثراً بالغرب وحضارته، أو طاعناً في المنهج الإسلامي وقدرته على الخروج من هذا المأزق، مثل مشروع المفكر المغربي محمد عابد الجابري، وصرخات الدكتور محمد جابر الأنصاري. وفي خضم هذه التراكمات برز مشروع الإمام المجدد الشيرازي (رحمه الله) كمنهج متكامل، لكن هذا المشروع ظل حبيس دائرة معينة جراء تقييد الحق بالرجال والتقديس الأعمى الذي يدمر ويدفن الكثير من الأفذاذ. |
مميزات المشروع الحضاري للإمام الشيرازي (قدس سره) |
1) الأصالة: أهم ما يميز هذا المشروع أصالته وانبثاقه من المنهج الإسلامي، فقد استطاع الإمام الشيرازي أن يقدم أطروحة رائعة في التجديد دون أن يمس بأصالة المنهج، فهو قد أشبع البحوث الجديدة مثل السياسة والاقتصاد والاجتماع والحقوق... بالكثير من الآيات والروايات، ففي السياسة طرح نظرية العدالة والمساواة والحرية والاستقلال والشورى وتعدد الأحزاب.. يقول في كتاب (السياسة - ج106، ص113) حول فوائد تعدد الأحزاب: (..فهو (تعدد الأحزاب) نوع تنافس، يسبب ظهور الكفاءات، ودرء المظالم، والتقدم بالبلاد إلى الأمام؛ ولذا قال السياسيون: إن الأحزاب السياسية المتعددة، تسبب للجماهير تنسم الحريات، والتعبير عن آرائها، وابداء رغباتها، والوصول إلى أهدافها... ). يقول الدكتور أياد محمود في كتابه (دراسات في فكر الإمام الشيرازي): نلاحظ أن فكر الإمام الشيرازي وتطبيقاته المنهجية في جميع ما يتصل بالحياة الإنسانية بميادينها المتنوعة، في السياسة والاجتماع والاقتصاد، يتكون من مركز تنبثق منه أشعة تقود متابعيها إلى الخاتمة النهائية وهي الفوز برضوان الله(10). وكان لهذه الأصالة المنبثقة من النبع الإسلامي الصافي أن تكون كمنهلها تسانخ العلة والمعلول؛ فكان المشرع الحضاري للإمام الشيرازي شاملاً لكل ميادين الحياة. 2) الشمولية والوضوح: امتازت الرسالة الإسلامية بالشمول والوضوح، فهي لم تترك أي بعد أو اتجاه إلا وقدمت فيه نظرة وتركت رؤية يمكن الانطلاق منها. ومع هذه الشمولية فقد عجز الكثير من المفكرين والمثقفين عن قراءتها بما يتماشى مع متطلبات العصر الراهن؛ يقول محمد أركون في كتابه (تاريخية الفكر العربي الإسلامي): (إن المرور أو الانتقال من مرحلة الإسلام الملجأ والملاذ، يطرح علينا مجموعة كبيرة من المسائل والقضايا. إننا نجد أنفسنا بمواجهة مشاكل تاريخية وسوسيولوجية وبسيكولوجية وفلسفية وتيولوجية وأخيراً بمواجهة مسائل سياسية بالمعنى النبيل لكلمة سياسة. إنني لن أستطيع استعراض كل هذه المسائل هنا، إن طموحنا يهدف فقط إلى لفت النظر إلى الفراغ الكبير الذي يعاني منه الفكر الإسلامي المعاصر.. ) (11). ويقول محسن الموسوي في كتابه (القرن الواحد والعشرون والبحث عن الهوية) تحت عنوان شمولية النظرة: (يجب أن يمتلك النظام نظرة شاملة إلى الوجود والحياة والإنسان ويجب أن تتناغم أجزاء هذه النظرة حتى لا تتناقض فتتساقط كما حدث للماركسية) (12). ولعل نظرة نافذة في مؤلفات ومحاضرات الإمام الشيرازي (قدس سره) تبرز شمولية منهجه، فقد ألف وكتب في شتى مجالات وميادين الحياة، وبأسلوب واضح بسيط، وهو ما يعني فهمه الدقيق وإحاطته بتفاصيل هذا المنهج. يقول السيد عمار أبو رغيف في شرح المنظومة: (إن إحالة الفكر إلى معمى يدل في أحسن الأحوال على عي صاحبه وفقده موهبة البيان أو على غموض الفكرة أساساً في عقل صاحبها. دعونا نفهم ولنقض على أسطورة الخلط بين عمق وخصوبة الأفكار وبين التعمية وغياب الوضوح. الوضوح رسالة العلم ومن لم يفصح ويوضح لن يؤدي رسالة العلماء) (13). 3) الاستفادة من تجارب الآخرين: استطاع الإمام الشيرازي (رحمه الله) بفكره الثاقب أن ينقل ويؤصل الكثير من تجارب الأمم ويصوغها صياغة إسلامية؛ فالحضارة ليست أكثر من تفاعل ثقافي بين الأفكار لشعوب متعددة. ولقد أشار السيد (قدس سره) للكثير من هذه التجارب، تاركاً نتائج تفاعلها لصالح الحضارة الإسلامية، دون إعجاب أو انبهار بالثقافات الأخرى. يقول روبرت بريفولت: (إن النور الذي أضاءت به الحضارة الأوروبية لم ينبثق من شرارة الثقافة اليونانية والرومانية التي كانت قد خمدت، ولم يأتِ هذا الضوء من الشمال، بل أتى به المهاجمون من الجنوب وهم العرب) (14). ويقول السيد محمد خاتمي: "حقيقة التدين تجربة وليست فكراً، إنها تجربة عناصرها بناء الذات والتحكم بهوى النفس"(15). 4) الرؤى المستقبلية: تعد القدرة على التنبؤ بالمستقبل أحد مرتكزات الحضارة المعاصرة؛ فعدم القدرة على استشراف المستقبل يمثل نقطة سقوط وتراجع، وقد أصبح التنبؤ بالمستقبل موضة جديدة في الغرب، ففي الولايات المتحدة وحدها هناك ستمائة مؤسسة تبحث عن المستقبل إذاً، الحضارة الغربية تعتمد على الرؤى المستقبلية لمسيرتها، فميتشيو كاكو في كتابه (رؤى مستقبلية) الصادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالكويت، تحت سلسلة عالم المعرفة العدد 270، يتحدث عن نظرة غربية للمستقبل تمتد لمائة عام وتطمح للسيطرة على الشمس، بل مجرة درب التبانة، ولم تكن هذه النقطة وهي بهذه الخطورة لتُخفُى على المفكر الكبير الإمام الشيرازي، فقد تنبأ بسقوط الاتحاد السوفيتي، قبل سقوطه بعشرين عاماً، وباندحار الغزو العراقي للكويت، وكثرة الانقلابات في العراق. يقول في كتابه (إلى حكومة ألف مليون مسلم، ج2 - ص106): (إن المدة التي تحتاج إليها إقامة الحكومة الإسلامية هي بين عشر إلى خمس عشرة سنة). هذه كانت أهم مميزات وسمات المشروع الحضاري للإمام الشيرازي (قدس سره) من خلال تصورنا الناقص، ولعل هناك من يرى أكثر من هذه السمات ضمن قراءة أوسع مقارنة مع أحدث النظريات العلمية. |
مرتكزات المشروع الحضاري للإمام الشيرازي (قدس سره) |
قام المشروع الحضاري للإمام الشيرازي (رحمه الله) على عدة نقاط استقاها، كما أسلفنا، من النهج الإسلامي. نشير إليها مع إلمامة بسيطة، تاركين المجال للقراء أن يراجعوا مؤلفات الإمام الشيرازي ويلمسوها عن قرب. 1) الوعي والتغيير الثقافي: تمثل الثقافة عنصراً هاماً في جميع مجالات الحياة؛ فهي ركن في قيام أي نهضة توعوية، وكذلك فإن فرض أي هيمنة اقتصادية أو سياسية يحتاج إلى خلفية ثقافية؛ فهذه أمريكا التي تسعى لفرض العولمة على العالم، بوجه اقتصادي، تمارس تأصيل الثقافة الأمريكية الاستهلاكية. يقول رفعت محمد في مقاله (الحضارة الإنسانية بين التواصل والصراع) (أما العولمة فهي نفي للآخر وإحلال للاختراق الثقافي محل الصراع الأيديولوجي) (16)، ويقول زبغنيو بريجنسكي في كتابه (الفوضى): "كانت المعرفة، باعتبارها الوسيلة الرئيسية للوعي السياسي تحصيلاً حاصلاً للثورة الصناعية التي ساهمت بدورها في هذا الوعي عبر تمزيقها للبيئة الاجتماعية. فالعملية الصناعية خلقت حاجة اقتصادية لأقل درجات المعرفة. أدرك القطاع الخاص ومعه العام أن الطبقة العاملة المتعلمة ضرورية للأداء الفاعل للمهمات الصناعية، بينما يصعب إناطة العامل الأمي بأكثر من وظيفة روتينية وبالتالي فهم غير منتجين"(17). وفي ضوء هذه الخواطر شجع الإمام الشيرازي (رحمه الله) على إنشاء المكتبات ونشر الكتب والمجلات والصحف، كما حث على كثرة التأليف والكتابة وممارسة الخطابة وكل أشكال التوعية، فهو يرى في نشر الثقافة نقطة خلاص من هذا الواقع المرير. يقول الشيخ زكريا داود حول هذا المرتكز في مقاله (ملامح المشروع النهضوي في فكر الإمام الشيرازي) (..إن النهضة هي حركة المجموع وليست عملاً نخبوياً تقوم به فئة من الأمة) (18). 2) السعي إلى إقامة الحكومة الإسلامية: الحكومة الإسلامية في المنظومة الفكرية للإمام الشيرازي (رحمه الله) سياج يحمل بداخله الكثير من المرتكزات مثل الحرية والاقتصاد... ويرى في الحكومة الإسلامية المركزية نقطة قوة تدعو وتدفع لهيمنة كونية إسلامية (العولمة)، معتمداً في إقامتها على أمرين: الأول: النفسيات الرفيعة الطاهرة من الحسد والرياء والكبر والأنانية.. الثاني: العمل التضحوي الجاد النشط الذي لا يعرف الكلل. يقول في مقدمة كتابه (إلى حكومة ألف مليون مسلم)! (إنما كتبنا مثل هذا الكتاب لأجل توضيح معالم مثل هذه الحكومة والدعوة إليها وأسباب الوصول إليها... ). ويقول في كتابه (الوصول إلى حكومة واحدة إسلامية): (ولأننا نعيش في عالم متبارع في التطور، فلا بد أن نبحث عن أفضل السبل التي تختصر الطريق والتي تحمل أقل الخسائر... ولا شك أن الظرف العالمي الذي تعيش الأمة في وسطه يساعدها على تحقيق هذا المسار). 3) التنظيم والإعداد الجيد: السير المتخبط وإن كان حثيثاً، لن يصيب الهدف، بل على العكس ربما كانت خسائره فادحة. اعتمد الإمام الشيرازي في مشروعه الحضاري، بل في كل تفاصيل حياته، التنظيم كسمة أساسية في الانطلاق، فقد جاء سلم أولويات العمل لديه على شكل نقاط متسلسلة، مستفيدة من نقاط القوة في الأمة الإسلامية، وموظفة الهمم العالية لأبنائها، بغية الحصول على نتائج سريعة ومذهلة.. ومن له نظرة ولو بسيطة في مؤلفات الإمام الشيرازي، فسيرى هذه الظاهرة جلية واضحة في أبعاد مدرسته الفكرية. |
خاتمة: |
لم يكن هذا المقال سوى فتات من مشروع الإمام الشيرازي (قدس سره) انتقيناها من بعض كتبه، والمشروع الحضاري للإمام الشيرازي بحاجة لدراسة جادة من قبل نخبويي هذه الأمة وصانعي القرار، بغية الاستفادة منه في ما يخدم الصالح العام. |
الهوامش: |
(*) الإهداء: إلى طود العلم الشامخ.. إلى البحر الزاخر بكنوز المعرفة.. إلى الورد الأحمر العبق بالطمأنينة.. إلى إشراقة الحياة التي أراها تطل على عالم الملك والملكوت.. إلى سيدي ومولاي.. إلى الروح التي حلت في كياني.. إلى الإمام الشيرازي.. (**) أشار الشيخ عبد العظيم المهتدي البحراني في كتابه (قصص وخواطر من أخلاقيات علماء الدين) إلى بعض ما في السيرة العطرة للإمام الشيرازي (قدس سره)، تحت العناوين التالية: - (إنه أستاذي وأنا تلميذه) ص173. - (من دروس الأخوة الإيمانية) ص349. - (هؤلاء قرروا اتباع الأخلاق) ص427. - (الحسين في مجاهل أفريقيا) ص494-495. - (موسوعة فقهية رائدة) ص561. أما في مجال العمل الرسالي فقد ضاقت السلطات الحاكمة في العراق ذرعاً بأعماله وأنشطته، حتى قال عنه أزلام النظام لكل من يؤتى به للتحقيق في مديرية الأمن العامة في بغداد إن السيد الشيرازي قد أصبح دولة في وسط دولة. وقال عن وزير خارجية نظام الشاه المقبور: إن من أوصل صوت ثورة الخميني خارج إيران هو الشيرازي. وللمزيد من معرفة تفاصيل حياته (قدس سره) يرجع لكل من مؤسسة النجف الأشرف، مجلة المواقف البحرينية - العدد3 ،6-6/1/1413هـ، هدية الرازي إلى المجدد الشيرازي، فكر الإمام الشيرازي (نشرة خاصة عن حياته). (1) جريدة الرأي العام الكويتية - العدد 18 لعام 2001م. (2) الكتاب في فكر الإمام الشيرازي (قدس سره). (3) مجلة الحكمة - العدد الأول 1994. (4) المصدر السابق. (5) الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي: أفكار ومواقف. (6) جولة في الإمكان المقدسة. (7) دراسات في فكر الإمام الشيرازي. (8) مجلة النبأ العدد (58) ص141. (9) آفاق المستقبل في العالم العربي، ص246. (10) دراسات في فكر الإمام الشيرازي - ص74. (11) تاريخية الفكر العربي الإسلامي - ص116. (12) القرن الواحد والعشرون والبحث عن الهوية ص311. (13) شرح المنظومة: ترجمة السيد عمار أبو رغيف، ص5. (14) نقل عن كتاب الإسلام تشكيل جديد للحضارة، ص13. (15) مطالعات في (دين الإسلام والعصر). (16) مجلة النبأ - العدد (62) ص33. (17) الفوضى - ص26. (18) مجلة الحكمة - العدد 1 - 1994م. |