اليورانيوم المنضب ( Desintergrated Uranium ) |
محمد محسن العيد |
نضّبوه لمصالحهم، فلا بدّ لهم من ساحة حرب ليدفنوه بعيداً عنهم، فهو سلاح سري يقتل الناس دون تخريب العمارات أعلنت المختبرات السويسرية في منتصف شهر شباط من هذا العام وقبلها المختبرات الألمانية، عن أنها تمكنت من العثور على بقايا (traces) من عنصر الراديوم في مخلفات القصف الجوي والمدفعي الذي تعرضت له يوغسلافيا، أثناء »تأديب« الحلف الأطلسي للنظام الصربي بزعامة (ميلوسيفيتش) أثناء حرب كوسوفو. ويعني ما أعلنته تلك المختبرات عن وجود هذه البقايا من عنصر الراديوم، وبما لا يقبل الشك، أن الحلف قد استخدم قذائف تحتوي على اليورانيوم المنضّب أو المستنزف، ولم ينفِ الأمريكيون أو الأطلسيون أساساً أنهم استخدموا هذه القذائف، إلا أن تقرير المختبرات هذا هو نقطة البدء لحساب ملف يفتح الآن لدراسة أخطار اليورانيوم المنضّب هذا. فاليورانيوم المنضّب: هو بقايا
الوقود النووي الذي لم يعد مجدياً - عملياً -
في المفاعلات النووية سواء التجريبية منها أو
الصناعية السلمية، وقد استخدم الحلف هذه
القذائف المصنعة من البقايا النووية، بدلاً
من أن يفكر في إيجاد مقابر لها في أراضيه، ثم
إنها أبلغ في تخريب البناء البشري الحي دون
الحاجة إلى تقنيات التصويب الدقيق.. وهي أيضا
تقتل الناس والأحياء عموماً دون المساس
بالمنشآت والعمران، ويظنون استعماله حتى من قبل جنودهم الذين شاركوا في حرب الخليج الثانية، إلا أنهم لا زالوا لم يذعنوا لحقيقة الأمر، وكأن الذي يقال عن مخاطر استعمال هذا السلاح هو هراء إعلامي، أو إنهم بإعراضهم هذا يريدون أن يظهروا للرأي العام بأنهم لا يعلمون أن لهذا السلاح هذا الخطر الخبيث وهم رواد الحرية والمدافعون عن حقوق الإنسان!. لقد تلقى العراق حسب إحصاءات غربية أطلسية خلال حرب الخليج الثانية (940) ألف قذيفة يورانيوم منضب أمريكية الصنع، وهو ما يساوي تماماً (350) طناً من اليورانيوم المنضّب هي فقط مخلفات القصف، وهذا يعني بحساب فترة نصف العمر التي سنتحدث عنها، أن العراق سيبقى ملوّثاً لمئات الملايين من السنين، وهذا بحد ذاته أمر مرهب ومرعب، ولو أن العالم ينتبه الآن إلى أن (200) ألف جندي من أصل نصف مليون شاركوا في حرب الخليج الثانية قد أصيبوا بالإشعاع وبدت عليهم أعراضه، لو تنبه العالم لهذا وما يعنيه بالنسبة للعراق والمنطقة العربية، لأدركوا حجم الكارثة التي تنتظر شعوب هذه المنطقة إزاء هذا القاتل السري الذكي الرهيب لصالح إسرائيل والذي سيبقى يمارس مهامه دون مضايقة لما بقي من عمر الأرض. إن الأثر التدميري الشامل لليورانيوم المنضّب على حياة البشر والبشرية وكل معاني الحياة والأحياء من حيوان ونبات، يأتي مما فيه من بقايا إشعاع. فلابدّ لكل ذي ضمير حي أن يتحرك لتنظيف البيئة من آثار هذا الفاتك الفظيع والملوث البيئي المستديم، فهو يحمل بنفس طويل آثار تدميرية شاملة. إن الغربيين وخصوصاً الأمريكان يتكتمون على الحديث عن وليدهم المجرم هذا، ولا أدري بالضبط علة لهذا التكتم، مع أن بعض الوسائل الإعلامية الغربية قد تحدثت عن تفاصيل علمية وتقنية حول هذا السلاح، وتحدثت باقتضاب عن آثاره ومخاطره المدمرة للإنسان والبيئة الحية، مثلما كشف الرئيس السابق لمشروع مكافحة اليورانيوم المنضّب البروفيسور (ميجر دوج روكه) بعض التفاصيل عن مخاطره وتكتم على كثير من التساؤلات التي تخص علل الإصرار على استعماله مع إمكانية الحسم العسكري دونه؟!. إننا وفي محاولة لابد منها، وبإشراك الجهات المستعملة لهذا السلاح، لابدّ أن نضع خرائط لمواقع استعمال هذا السلاح، في سبيل عملية مسح لأماكن النشاط الإشعاعي، من أجل وضع استراتيجية لتجنيب الناس والأحياء ومنابع الثروات المائية والزراعية مخاطر الإشعاع، بل وليسهم العالم في مسح عام لمناطق استعمال هذا السلاح بواسطة عدادات (جايجر)، لمعرفة مكامن الخطر وتحذير الناس منها. قد تكون محاولات يائسة ولكنها على كل حال أقل كلفة من معشار كلفة الحروب التي ألقي فيها هذا السلاح، وأجدى في نفع الناس والبيئة. والواقع هو أن الإشعاع موجود كونياً، وفي كل البيئات بنسب مختلفة، وكلما زادت نسبته في بيئة ما ازداد أثره التخريبي للحياة في تلك البيئة، حتى إذا ما بلغت تلك النسبة حداً معيناً صار يتسبب في ضرر منظور كبير، ينجم إما عن تجمع بقاياه في الجسم ليخرب التصميم البنائي الكيماوي للحامض النووي، أو إنها بذاتها جرعة قاتلة أكيدة، لا يثبت للحياة معنى مميز مع وجوده كطاقة نافذة توقف كل طاقة أو نشاط حيوي للجسم الحي من أصله ومنبعه، هو ذلك التصميم البنائي الكيماوي للحامض النووي آلـ(DNA) حيث تكمن شفرة الحياة ومورثاتها ومعانيها. لذا فإن هناك عدادات تسمى عدادات (جايجر) تقيس نسبة الإشعاع في الأجسام عند مرورها عليها، بل وحتى في البيئات والأجواء الموجودة فيها، ومثل هذه العدادات موجودة في كل المؤسسات النووية والتي تتعامل مع العناصر الثقيلة والمشعة، ويخضع لها العاملون في تلك المؤسسات يومياً وبتكرار، للتأكد من سلامتهم من الإصابة بالجرعات المخيفة، بالرغم من وسائل الوقاية التي يستخدمونها وأساليب العمل المتحرز جداً. فما هو اليورانيوم المنضّب؟ وما هو تأثيره..؟ وكيف يتسبب في الدمار الشامل؟! من أجل فهم الإجابة تماماً لابدّ أولاً من إحاطة بسيطة بمعاني الإشعاع النووي: |
الإشعاع الطبيعي للعناصر الثقيلة في الكون: |
اكتشف هنري بيكرل عام 1896م أن عنصر اليورانيوم يصدر إشعاعات شديدة النفاذية، فهي تؤثر في أفلام التصوير، كما إن أشهر المشتغلين على الإشعاع الطبيعي للعناصر هما بيير كوري وماري كوري، قد وجدا أن الإشعاع هو ناتج لتفكك ذرة عنصر اليورانيوم تلقائياً معطية ذرات عناصر أخرى. ذلك أن النواة تتألف من بروتونات ونيوترونات (نيكليونات)، وهي ترتبط بعضها ببعض في داخل النواة بقوة ارتباط تسمى (طاقة الارتباط النووي)، وهي التي تمنع تنافر البروتونات مع كونها متشابهة في الشحنة الموجبة. ولكي نوضح معنى قوة الارتباط هذه في النواة، دعونا نتصور أننا نقوم نظرياً بتركيب نواة ما من البروتونات والنيوترونات بإضافة نيكليون تلو الآخر إلى أن تتكون النواة المفروضة، وفي نهاية العملية نجد أن كتلة النواة أقل بقليل من مجموعة كتلة النيكليونات المكونة لها. وقد تحول هذا النقص في الكتلة في الواقع إلى طاقة انتشرت في أثناء تركيب النواة تدعى (طاقة ارتباط النواة) والتي تحسب من علاقة أينشتاين: الطاقة= الكتلة المتحولة × مربع سرعة الضوء. وتكتب هذه العلاقة فيزيائياً هكذا:
حيث: ط: طاقة ارتباط النيكليونات في النواة. ك: نقص الكتلة الناتج من تكوين النواة. سر: سرعة انتشار الضوء في الخلاء (وتساوي 3×10 8 م/ثا). وقد ميّز العاملون في الكيمياء النووية في داخل النواة قوتين هما: 1- قوة تجاذب: لا علاقة لها بنوع النيكليون، تبدو عندما يكون البعد بين النيكليونات (0.5 × 10 -13 - 1.5 × 10 -13 سم). 2- قوة تنافر: أيضاً لا علاقة لها بنوع النيكليون، تبدو عندما يكون البعد بين النيكليونات أقل من (0.5 × 10 -13 سم). وعلى هذا فإن العناصر كلما ثقلت وازداد عددها الذري والكتلي، كلما قل ثباتها. كما إنّ العناصر التي يزيد عددها الذري فوق الـ(85) - وخصوصاً فيما فوق آلـ(90) - فإنها تعاني من عدم الاستقرار في نواها، وهي في الغالب تقع في عدة نظائر، وإن نظائر العنصر الواحد هي ذراته التي لها نفس العدد من البروتونات (أي عدد ذري واحد)، ولكنها تختلف في عدد النيكليونات (أي تختلف في أعدادها الكتلية)، ولذا فإن نظائر العنصر الواحد لها نفس الخواص الكيماوية ولكنها تختلف في الخواص الفيزيائية، وعلى أساس هذا الاختلاف في الخواص الفيزيائية يتم فصل نظائر العنصر الواحد عن بعضها البعض وبدرجة كبيرة من النقاوة في جهاز يسمى (مطياف الكتلة - Mass Sepctrum). ومن هذه النظائر المشعة طبيعياً نظير عنصر اليورانيوم المسمى يورانيوم(238) وهذا الرقم هو عدد كتلة هذا النظير، ونظير عنصر اليورانيوم أيضاً المسمى يورانيوم (235) وهذا الرقم هو عدد كتلة هذا النظير، ويسمون اليورانيوم (235) بالمخصّب، حيث هو مصنّع من تخصيب نظائره بالقذائف النووية لاستعماله في الطاقة النووية. إن الإشعاع الطبيعي هو التفكك التلقائي لنظير عنصر ثقيل مشع في نواته، فالتفكك هذا يرافقه دوماً إصدار طاقة بشكل إشعاع نافذ. تنطلق من نوى الذرات المشعة - عند التفكك التلقائي لنظير عنصر ثقيل مشع - دقائق عالية السرعة، وقد تبين أنها تصدر عن النواة وهي: 1- دقائق ألفا: ويرمز لها بالرمز ()، وتتألف من نيوترونين وبروتونين، وتطابق كل دقيقة منها نوى ذرة الهيليوم. 2- دقائق بيتا: ويرمز لها بالرمز (ß ) وتتألف من إلكترونات عالية السرعة. 3- أشعة (غاما): يرمز لها بـ() وتتألف من أمواج كهرطيسية تشبه الأشعة السينية ولكنها أكثر نفوذاً من دقائق ألفا وبيتا. والآن نعود إلى مدلولات عثور مختبرات سويسرا وألمانيا على بقايا الراديوم في مخلفات القصف الأطلسي للصرب.. ذلك لأن صدور الإشعاع من عنصر مشع مثل اليورانيوم يؤدي بالضرورة إلى تكوين عنصر آخر، وهذا الأخير إذا صدر منه إشعاع أيضاً فإنه بالضرورة يؤدي إلى تكون عنصر ثالث حتى بلوغ عنصر مستقر في النهاية. إذن؛ فسلسلة الإشعاع الطبيعي هي مجموعة من العناصر تتكون بدءاً من عنصر مشع وحيد، وذلك بإصداره لدقائق ألفا أو بيتا مع أشعة غاما. ومع أن كل عنصر يؤدي إلى تكوين ذرة عنصر آخر، فإن السلسلة تبدأ بالنضوب الإشعاعي (Desintgration) للعنصر الأول، متابعةً لهذا النضوب من عنصر إلى آخر منتهية بتكوين عنصر غير مشع. لذا فإن عثور المختبر على هذا العنصر غير المشع لا ينفعنا في الإثبات على استخدام العنصر المشع، ذلك لأن العنصر غير المشع موجود دوماً في الطبيعة، ولكن الذي ينفع في الإثبات لاستخدام العنصر المشع هو العنصر الوسطي بين المشع والمستقر في السلسلة المشعة طبيعياً من العناصر، وبالنسبة للراديوم هو العنصر الوسطي في سلسلة اليورانيوم يعتبر اليورانيوم من أهم العناصر المشعة طبيعياً، وهو مما له مصادر طبيعية في القشرة الأرضية، ويقع في خمسة نظائر طبيعية هي الأولى في سلاسل الإشعاع الطبيعي والتي تنتهي بالرصاص (pb) عند استقرارها بنفاذ الإشعاع منها. أهم نظائر اليورانيوم كما قلنا هو النظير (238)، والنظير الثاني والمهم جداً هو النظير (235)، وهذه الأرقام التي سميت بها نظائر اليورانيوم هي أعداد كتل نواتهما. يستخدم الأول في البحوث والدراسات والتشخيص وفي العلاج الكيماوي وأهم استعمالاته في تحسين الزراعة والمتابعة التجريبية. أما الثاني (235) فيستخدم في المفاعلات النووية لاستغلال طاقته سلمياً، وتصنيع القنبلة الذرية والهيدروجينية (الاندماجية والانشطارية). أما الاستنزاف والتنضيب لليورانيوم المخصب (235) فيحصل عن طريق استخدامه كوقود نووي في المفاعلات النووية، حيث محطات الطاقة، أو في تشغيل بعض الغواصات العملاقة وحاملات الطائرات.. الخ. إذ تتم السيطرة على إشعاعه بعد تخصيبه بواسطة أجهزة المعجلات (Accelerators) من أجل الحصول على الحد المناسب من الطاقة النووية وفق نظام المفاعل النووي المعمول به.. فإذا نضب ذلك الوقود واستنزف إشعاعه إلى الحد المجدي وجب أن يتخلصوا منه كنفاية، ولكن ليس كبقية النفايات!! ومن أجل توضيح معاني وجود الراديوم في بقايا وآثار القصف الجوي لقذائف الحلف الأطلسي، فلابدّ أولاً من أن نعرف أن العنصر المشع إنما يفقد هذا الإشعاع من نواته بسبب عدم استقرارها، إذ تنوء بعدد هائل من النيكليونات، وتنطوي على قدر كبير من الطاقة المحبوسة.. وهذا الإشعاع بمثابة التنفيس لهذه الطاقة المضغوطة الذي تنوء به النواة. فمثلاً العناصر التي تشع بإصدار دقيقة ألفا إنما تفقد من عدد كتلتها (4) ومن عددها الذري (2)، ليكون العنصر التالي بعد الإشعاع أقل من العنصر الأول في عدد كتلته بـ(4) وأقل في عدده الذري بـ(2). ومن طبيعة إشعاع كل عنصر مشع أنه يحتاج إلى فترة خاصة به لازمة لتتحول فيها نصف كتلته إلى العنصر التالي، نسميها فترة (نصف عمر المادة المشعة)، وهي في العناصر تتراوح بين أجزاء من الثانية وملايين السنين. ولقد اعتبر اليورانيوم في سلسلة تحولاته إلى العناصر الأخرى أكثر استقراراً في الرصاص، وكمرحلة وسطية منظورة في الراديوم حيث فترة نصف عمره تساوي (1620) سنة، وإليك معادلات إشعاع اليورانيوم بنظيريه المعروفين والمستخدمين:
ثم يستمر الإشعاع والتحول من الراديوم حتى الرصاص حيث يستقر، ويتوقف الإشعاع والتحول. ولذا عثرت المختبرات على الراديوم كبقية وسطية لليورانيوم الناضب في القذائف وعلى الأرض بسبب طول فترة نصف عمره، وكونه حالة وسطية لعمليات الإشعاع والتحول للوقود اليورانيومي. إن فترة نصف عمر العنصر المشع تعني من الناحية النظرية أنه لا ينتهي من الوجود على الإطلاق، وإن كان يستنزف في الاستعمال، بل ينضب كوقود ذي جدوى، ليصبح نفاية يصعب التخلص منها. واليورانيوم في واقع شكله كوقود يكون بشكل قضبان أو كرات من الكرافيت الحاوية له، وعند استنزافها يصير التخلص منها مكلفاً، بل ويلقى معارضة قوية من أنصار البيئة في إيجاد مقبرة له.. ولذا تفتق ذهن عمالقة الدمار الشامل وروّاد الحرية والمدافعين عن حقوق الإنسان، عن طريقة لاستخدامه في القذائف الحربية ضد خصومهم، حيث هو قاتل سري يقضي على البشر والحياة فقط دون أن يترك دماراً ملحوظاً في العمارات والمنشآت والآليات. إن الغريب العجيب هو أن خطر هذا السلاح القاتل والخفي والمدمر لا يطال الأشخاص المسببين لهذه الحرب، فهؤلاء الأعداء - من الطرفين - هم الذين يقررون استعمال هذا السلاح، ورؤساء الدول المضروبة بهذا السلاح، لا يطالهم الإشعاع في حين يطال جنود الطرفين إضافة إلى المدنيين في أرض الدولة المضروبة.. وهذا هو الغريب العجيب!!. |
كيف يؤثر اليورانيوم المنضّب على الناس؟! |
قلنا إن الإشعاع الذي ينطلق من اليورانيوم، مثلما هو يغير ذات العنصر الذي ينطلق منه، فإنه كذلك يؤثر في نوى العناصر التي يصيبها، ويؤثر كذلك في أي مجال للشحن الاستاتيكي يمر به، ومنه مجال الشحن الاستاتيكي الذي يبني الذات الشحنية للإنسان في كيانه المادي. فمثلما تكون الذرة هي وحدة بناء المادة، فإن الخلية في الكائن الحي هي وحدة بناء الكائن الحي.. وإن كل معاني الحياة مشفّرة في التصميم الكيميائي لبناء الحامض الريبوزي النووي الـ(DNA) الذي يشكل العمود الفقري لبناء النواة في خلايا الجسم وتتركز به كل معاني الحياة ومميزاتها وتوقيتاتها.. ولكي نفهم التأثير التخريبي المدمّر لليورانيوم المنضّب على الحياة، لابد لنا من الإطلاع على صورة الـ(DNA) حيث تكمن شفرة الحياة وفيها كل معانيها. |
تصور بسيط للحامض النووي(DNA): |
الـ(DNA) هو الاسم المختصر للحامض النووي الديكسوريبوزي الذي تتشكل به الشبكة الكروماتينية لأية نواة في الخلية الحية. ويمكن أن نصفه على الشكل التالي: يتكون جزيء الـ DNA من شريطين متقابلين ومتماسكين يلتفان حول بعضهما بشكل ظفيرة حلزونية، وكل شريط منهما عبارة عن سلسلة من النيوكليوتيدات، والنيوكلتيد الواحد يتكون من سكر خماسي وفوسفات وقاعدة نتروجينية، وتتماسك النيوكليوتيدات المتعددة ببعضها داخل الشريط الواحد بواسطة روابط قوية، يصعب فكها بين الفوسفات والسكر الخماسي ليكون سلسلة متماسكة تمثل العمود الفقري للـ(DNA). هذا يظهر على الجانب الخارجي للشريط أما على الجانب الداخلي منه، فتوجد القواعد النتروجينية الأربع التي تتكامل مع مثيلاتها من الجانب المقابل وتتماسك معها بروابط هيدروجينية ضعيفة من السهل انحلالها، وهذه القواعد النتروجينية الأربع يمكن تشبيهها بأربعة حروف تكوّن بتتابعاتها المختلفة أبجدية الشفرة الكامنة في الـ(DNA) لكل معاني الحياة ومورثاتها، والحروف الأربعة هذه المكونة للغة الحياة والتي نستطيع أن نقرأ معاني الحياة فيها من خلال دراسة تلك اللغة قواعداً وأدباً وتاريخاً والحروف الأربعة هي: الأدنين (A) والغوانين (G) والسيتوزين (C) والثيامين (T). ومن خلال هذا التصميم الرباني المذهل في روعته ودقته وصرامة أوامره وتوقيتاته والبناء الهندسي البالغ الحكمة، نستطيع أن نتصور أن الـ(DNA) هو أشبه بملك أخرس يقبع في عرشه المحصن ولا يغادره، ورغم هذا فهو يحمل بين تصميم هذا العرش وهندسته، كل المفردات والأسرار التي تتعلق بكافة أوجه النشاط الكائنة في مملكته، ورغم أنه لا يغادر عرشه فهو يبعث برسل يحملون أوامره وتكليفاته إلى جميع الموجودين في المملكة، وهذه الأوامر تتعلق بتنظيم كل الأنشطة التي تدور في جنبات المملكة. وهكذا هو الـ(DNA) في معاني الحياة ومورثاتها، ملك أخرس يقبع في النواة ورغم أنه يحمل بين طياته مفردات الأبجدية ولغة الحياة متمثلة في حروفه الأربعة، فإنه لا يستطيع أن يحولها مباشرة إلى كلمات أو جمل تعبر عنه وعلى هذا وصفناه بالأخرس، ولكن خرسه مؤقت فسرعان ما يعبّر عنه في بلوغ التوقيتات أو في بناء الجينات المورثة للصفات أو في تصنيع البروتينات التي تقوم بإنجاز المهمات في مواقع أخرى بعيدة عنه. بعد هذه الصورة للملك (DNA) وعرشه، علينا أن نتصور أن لهذا الملك المادي في تصميمه وهندسته ظلاً مماثلاً تماماً من الشعاع ومجالاته داخل الظفيرة وخارجها حيث تتعاضد هالات الكهرباء الاستاتيكية المرافقة للذرات في مواقعها في قالب هذه الأشرطة المظفورة بتصميم الحاكم القادر وتدبيره وتقديره الدقيق سبحانه وتعالى. فكل ذرة من ذرات العناصر في موقعها إنما هي موقع هالة شحنية في شكل ثابت من أشكال مجالات الطاقة الكهرطيسية متماسكة في ظل ثابت لبناء الـ(DNA)، فعرش ظل من مجال كهرطيسي ملازم لعرش مادي لهذا الملك الأخرس، هو بمثابة حقل حسّاس جداً يحفظ الملك ويعينه على حكم تام لمملكته. إلا أن تعرض هذا الظل الشحني لإشعاع نافذ في حدود مقادير وشحنات كافية لزحزحته مغناطيسياً أو ضعضعته كهربائياً، فإن ذلك يؤثر تأثيراً بالغاً في واحدة من الوظائف التالية للـ(DNA) أو كلها: |
تأثير طاقة إشعاع اليورانيوم على الحياة: |
أولاً: تأثير طاقة إشعاع اليورانيوم على مجالات الظل الشحني المرافق للبناء المادي لظفيرة (مكمن شيفرة الحياة) بأشرطتها وحلزونها، مما يؤدي إلى تعطيل توقيتاتها الحيوية وبالتالي تعطيل وظائف أخرى في أماكن متعددة من الجسم الإنساني، أو أن الإشعاع القادم هذا قد يضغط على العرش الظل بما يجعله يقدم وظيفة على أخرى قد حان وقتها بالنسبة لوظائف الجسم ومعاني الحياة السليمة، وهذا يؤدي إلى غرائب في مميزات الحياة. تبدو حتماً في أعراض مرضية غير معتادة، فلا يمكن تشخيصها باعتبارها من غير الثوابت المعروفة في واقعنا، كما هو الحال في ما يعاني منه الجنود الذين شاركوا في حرب الخليج من الغربيين صانعي هذا السلاح ومستعمليه، إذ يعانون من أعراض مرضية تبدو في اضطرابات وظيفية حيوية لا يعرفون لها سبباً، فبعدها لا تشخيص صائب وبالتالي فلا علاج ناجع إلا المسكنات للألم، وهو ما يحصل الآن وبكثرة عند عشرات الآلاف من العراقيين ضحايا القصف في حرب الخليج الثانية، ويفترض أن تكون هناك أعداد كبيرة من الضحايا في الكويت وفي السعودية إلا أن الإعلام لم يتطرق لها أو أغفلها بإيعاز. ثانياً: تأثير طاقة إشعاع اليورانيوم إذا كانت بمقدار أقوى من الحالة الأولى؛ حيث يخترق الإشعاع التركيب الجزيئي للحامض النووي الـ(DNA) من خلال اختراق دائم لظله الشحني وتدميره مما يؤدي إلى زيادة في تكاثر الخلايا في الأنسجة المتعرضة للإشعاع لتعويض التالف وكذا يحصل في مواقع للأعضاء المتعرضة للإشعاع، متسبباً بمرض السرطان وبكل أنواعه وحسب مكانه ومواقع إصابته، مع أسباب أخرى تتعلق بالشخص وتتوافق مع قوته وضعفه. ثالثاً: تأثير طاقة إشعاع اليورانيوم على تصميم الـ(DNA) في مواقع المورثات الجينية على الظفيرة وفي أي مكان منها، فتغير أي واحدة أو أكثر من القواعد النتروجينية من مكانها في السلسلة أو فقدانها أو تغير تتابع تسلسلها أو دوران موقعها بسبب قوة الإشعاع المخترق لبناء الـ(DNA)، أو فقدان حتى ذرة واحدة أو زيادتها، فإنه يؤثر في الصفة أو الصفات الوراثية المسؤولة عنها تلك المواقع والجينات المتغيرة بسبب الإشعاع، وقد يحصل ذلك بنتائج قبيحة لصور المواليد المشوهة والممسوخة.. كما تعرضه وسائل الإعلام العراقية من صور غريبة من مواليد ما بعد حرب الخليج كضحايا اليورانيوم المنضب، ولابد أنه سيبدو في قابل الوقت في يوغسلافيا وفي العراق من مواليد مشوهة، هي طوابع تذكارية حقيقية من واقع البشرية المعذبة ولمعاني سيادة العلم دون دين صادق لله سبحانه.. وإن هذه الطوابع التذكارية المؤلمة ستبقى الأرحام تطبعها وتقدمها للناس ولن يستطيع أحد أن يمحو آثارها ولأجيال كثيرة قادمة حيث أن فترة نصف عمر اليورانيوم وعناصر سلسلته المشعة حتى الرصاص، تبلغ بالنسبة للكتلة المستعملة في القذائف ملايين السنين، والله تعالى أرحم الراحمين. إن على الإنسانية أن تنتبه إلى مخاطر استخدام هذا السلاح الخبيث الفتاك المروّع الذي يخرب بصمت ودون ضجة ولملايين السنين الإنسان والبيئة، وهو كما رأينا يؤثر على مستخدميه مثلما يؤثر على ضحاياه - ولو أن تأثيره أبلغ في الضحايا وأراضيهم لأنه شر مستطير والشر الحقيقي لا يفلت منه أحد، فهاهم جنود التحالف الذين استخدموه يعانون كما يعاني العراقيون، إلا أن الأثر النفسي في الظالم أشد وقعاً منه على المظلوم، أما الذين سلموا من الذين استعملوا هذا السلاح فهم حتماً لن يفلتوا من عذاب الله تعالى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. إن الرحمة هي علة الوجود، وسبب الحياة وميزة العقل، ولقد فقدت الإنسانية الرحمة باستعمال هذا السلاح الخبيث القاهر الدائم، وقد فَقَدَ مستعملوه ميزة عقولهم، وإلا فلِم يصاب المسلح بسلاحه؟! وكيف دمّروا أنفسهم وهم يريدون تدمير عدوّهم؟!. وكان هذا السلاح سبباً في تدمير شفرة الحياة ومواقع أسرار معانيها، فهو سلاح موجه لأصل المعاني الحسنة في الكون، إذ بما فيه من إشعاع فهو يسهم في تدمير البيئة، وقد يسهم إذا شاع استخدامه في قادم الوقت في تلويث البيئة وزيادة الاحتباس الحراري الذي تعاني منه الأرض كظاهرة متزايدة التأثير الآن، مما يزيد في الفيضانات حجماً وعدداً في كل أصقاع الأرض، ويؤدي إلى زيادة في مساحات التصحر، وقلة الأمطار وشدة الجفاف الذي تعاني منه معظم بلدان العالم. إن للمعاصي الموبقة هلكات، مثلما للطاعات ورضا الله تعالى خير وبركات فسبحان القائل: (ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولأدخلناهم جنات النعيم * ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون) (المائدة: 65-66). فيا أهل الكتاب احذروا الجبار قاصم الجبارين فإن له مكر لا يأمنه إلا الخاسرون (أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون) (الأعراف: 99). تزرعون البؤس والاستغلال والاستبداد في أراضينا ثم تتخذونها ذريعة لتلويث أراضينا لملايين السنين.. أي مكر عظيم هذا! لكننا نؤمن بالله تعالى القائل: )استكباراً في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنّة الأولين فلن تجد لسنّة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) (فاطر: 43). |
المصـــادر: |
* الكيمياء: مقرر الثالث الثانوي العلمي - دمشق، الدكتور صلاح يحياوي وآخرون 1991م. * الثورة الجينية: الدكتور محمد عفيفي، إصدار دار الهلال. * الكيمياء الحيوية: الدكتور نضوح القطب وعبد الوهاب مأمون، جامعة دمشق. * الكيمياء الحيوية: الدكتور عبد الوهاب مأمون، جامعة دمشق، مطبعة طربين. * مجلة العلوم: الترجمة العربية لمجلة (Scientific american) تصدر عن مؤسسة الكويت للتقدم العلمي. * Milen.M.D (Bio chemical Disorder in Human Disease) New York, Acadimic press. * Spencer. F (Aspects of Human Biology) London. Butter Worth and Company. |