ملف عدد محرم1422هـ

 

الشعائر الحسينية النشأة والتطور

 

 

إعــداد: حيــدر الجــراح   

[email protected]

ما الذي يمنح الخلود للشهيد؟..

هل هي القيم التي استشهد في سبيلها؟ أم الدم الذي سفح في سبيل تلك القيم؟ أم هي مميزات فردية اجتمعت في شخص الشهيد لتجعل منه منارة ومئذنة للوهلة الأولى، تبدو الإجابة هينة وبسيطة، إلا أن التدقيق فيه - السؤال - يعدم القدرة على استدعاء الحضور - حضور الجواب - ومنشأ التعقيد متأتي من معيار القيم التي نقصدها، أو المتحقق منها على أرض الواقع. فجميع الأعراف الإنسانية - بما هي نشاط اجتماعي وطقوس متعارف عليها وليست كمعطى إلهي - وكذلك جميع الفلسفات والنظريات الوضعية، إن من جهتها السياسية أو الفكرية أو الحركية، لا تتفق على معيار قيمي واحد حول مفهوم الشهادة أو الشهيد.. فبينما ينطلق الآخرون من معيار قيمي إنساني - أخلاقي، ننطلق نحن من معيار قيمي إسلامي، قد نختلف معهم فيه أو قد نتفق.. وهذا الاتفاق أو الاختلاف ينسحب حتى على التسميات، فهو (الشهيد) قد يحمل تسمية البطل، أو الضحية أو القتيل.. أو الشهيد.. وكل تسمية تحمل مدلولاً مغايراً للآخر، إلا إنها تتفق حول نتيجة واحدة وهي: هناك دم مسفوح ظلماً في سبيل قضية ما، أو مبدأ أو غاية.. مع ملاحظة الاختلاف في النظر إلى هذه الجزئيات، وحتى مفردة الظلم تختلف من فكر لآخر، ولكن ما يحدّ من الاختلاف في المحصلة النهائية حول الظلم، هو معيار قيمي أخلاقي عام، وهو اضطهاد الآخر وسلبه حقوقه وإنسانيته لمصلحة طرف أقوى منه..

مفاتيح لبوابات مقفلة..

كل دخول يحتاج إلى تأهب.. وحين يكون الطارق قد أخذ أهبته وأصبح على أتمّ استعداد، فإنه يأخذ بيده كل مفتاح على حدة، ويفتح باباً إثر آخر، ثم ليجد نفسه بعد الباب الأخير على ساحة رحيبة، مليئة بأشعة الشمس دفئاً وضوءاً..

سترد في هذه الأوراق عدة مصطلحات تشكل مفاتيح الدخول إلى هذا الموضوع.. من خلالها نستطيع أن نتلمس الدروب المفضية إلى ذاك الضوء، وهذا الانبهار..

ونبدأ بعنوان الموضوع.. وكلمة الشعائر التي هي مدار البحث..

يصفها د.فاروق أحمد مصطفى بأنها (أفعال متكررة تأخذ شكل العادات التي ترتبط بالنسق الديني.. ولا يعني هذا أن كل العادات المرتبطة بالممارسات الدينية تعتبر شعائر، فكثير من هذه العادات تكون أفعالاً دينية فضلاً عن اشتراكها في النشاط الدنيوي..

وأقرب مثال على ذلك الاحتفالات الدينية فهي تشتمل دائماً على الجانبين، الشعائري والدنيوي.. وهذا يعني أن الشعائر مهما كانت بسيطة أو معقدة، جماعية أم فردية تعتبر ترجمة وأداء للاعتقاد) (1)..

وفي النص القرآني نقرأ ( ذلك ومن يعظم شعائر الله) (الحج: 32) ومشاعر الحج: معالمه الظاهرة للحواس، والواحد مشعر، ويقال: شعائر الحج، الواحدة شعيرة.

وفي النص أيضاً (لا تحلوا شعائر الله) المائدة/2.

أي ما يهدى إلى بيت الله، وسميت بذلك لأنها تشعر، أي تعلم بأن تدمى بشعيرة، أي حديدة يشعر بها(2)..

فهل كان دم الحسين(ع) شعيرة الإسلام التي أهديت إلى الله؟ لا نجيب بل نذكّر بقول الإعلامية الرسالية الأولى، زينب(ع) متوجهة إلى الله سبحانه وتعالى: إن كان هذا يرضيك، فتقبل منا هذا القربان..

ولارتباط هذه الشعائر بالكلمة الثانية من العنوان، نقول أنها نسبة إلى الحسين بن علي بن أبي طالب، وكفى بهذه النسبة تعريفاً بمن تدور حوله الشعائر..

وفي اللغة:(حسين: تصغير حسن، وحسين الجبل العالي.. وذو حسين من قبائل اليمن) (3).. وإذا كانت الحاء مفتوحة يكون حَسين بمعنى (البارع الحسن) (4) وحُسَيْنار: عن العربية والفارسية بمعنى رمان الحسين) (5).. وحين ترد الكلمة بصور كهذه (حُسَيِن.. حسينم.. حسينو) (6) فهو تمليح وتدليل..

وعن تاريخ إقامة تلك الشعائر، والتي ارتبطت بصاحبها، حتى كأن لا انفصام بينهما.. فهي تقام من كل عام في (صفر الأول، وفق التقويم المكي، ويدعى الآن محرماً وعدد أيامه 30، وقد استحدث هذا الاسم بعد الإسلام) (7).

أما يوم استشهاد الحسين فيسمى عاشوراء(وهو العاشر من المحرم عند العرب وتاريخه قديم جداً) وكانت اليهود تصوم هذا اليوم (وحين نكرّّ البصر إلى أصله عند اليهود نجد أنه العاشر أيضاً، لكن لا من المحرم بل من شهورهم العبرية وهو شهر تشرى.

ويذكر البيروني في (الآثار الباقية)، أن صوم هذا اليوم هو الصوم المفروض من بين سائر صيام اليهود ويسمى صوم الكبور، يصومونه خمساً وعشرين ساعة، ومن لم يصم وجب عليه القتل) (8).

(ويسمى يوم عاشوراء في العراق بيوم (الطبگ) أي اليوم الذي انطبقت فيه السماء على الأرض على أثر استشهاد الإمام الحسين في كربلاء) (9).

وماذا عن كربلاء، التي اقترن اسمها بصاحب الاسم الخالد؟

كربلاء، بالمدّ: هو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن علي (ع) في طرف البرية عند الكوفة، فأما اشتقاقه: فالكربلة، رخاوة في القدمين، فيجوز أن تكون أرض هذا الموضع رخوة فسميت بذلك..

ويقال: كربلت الحنطة، إذا نقيتها وهذبتها، فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض منقاة من الحصى والدغل فسميت بذلك) (10)...

وكثيراً ما تقرن واقعة استشهاد الحسين باسم آخر غير كربلاء، وهو الطف، وتعني ما أشرف من أرض العرب من ريف العراق،. قال الأصمعي: إنما سمي طفاً لأنه دانٍ من الريف.. من قولهم: خذ ما طف لك واستطف، أي ما دنا وأمكن.. وقال أبو سعيد: سمي الطف لأنه مشرف على العراق، من أطف على الشيء بمعنى أطلّ.. والطف: أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين بن علي(ع) وهي أرض بادية قريبة من الريف فيها عدة عيون ماء جارية) (11).

وعادة ما يرافق تلك الشعائر أفعال بشرية معنوية كانت أو مادية لا تكتمل الشعيرة ولا تتواصل إلا بها، وأولها قول الشعر في الحسين (ع) ولا يكون هذا الشعر إلا رثاءاً، من الفعل رثى يرثيه إذا بكاه بعد موته وعدد محاسنه ونظم فيه شعراً(12).

والشعر عادة يكون إما ملقى في تجمع ما، أو مقروء، وترافق ظاهرة الإلقاء أو القراءة عادة - لمن يحمل عاطفة جياشة- البكاء والنحيب..

والبكاء هو... سيلان الدمع عن حزن وعويل، إذا كان بالمد، وبالقصر: يقال إذا كان الحزن أغلب(13).

أما النحب والنحيب: فهو رفع الصوت بالبكاء، أو هو أشد البكاء.. وفي حديث إمام العارفين(ع): فهل دفعت الأقارب ونفعت النواحب؟ أي البواكي وهو جمع ناحبة(14).

وأيضاً يرافق تلك الشعائر الندب، أي البكاء على الميت وعدّ محاسنه، وندب الميت بعد موته من غير أن يقيد ببكاء وهو من الندب للجراح، لأنه احتراق ولذع من الحزن.. ومنه النادبة التي تندب الميت بحسن الثناء.. وان تذكر النائحة الميت بأحسن أوصافه وأفعاله(15)...

وبالنسبة للشيعة على وجه الخصوص، تعني (التعزية) قبل كل شيء، الاحتفال بذكرى استشهاد الإمام الحسين وإقامة العزاء له، وكذلك على الأئمة الآخرين من آل البيت، حيث تقام التعزية عند قبور الأئمة وفي المساجد والحسينيات والتكايا وكذلك في بيوت العوائل..

أما في إيران والهند وباكستان وتركيا، فتعني التعزية عادة، إعادة تمثيل مأساة كربلاء في شهر محرم من كل عام وكذلك الاحتفالات التي تقام يوم الأربعين(16)..

مفهوم البطل والشهيد

وهناك لمحة بسيطة نود أن نذكرها قبل أن نفتح بوابات التاريخ لمتابعة نشوء هذه الشعائر وتطورها، وتتعلق هذه اللمحة بمفردة البطل والشهيد.. إذ نادراً وتكاد تنعدم كلمة البطل في الكتابة عن الحسين (ع) ، فيما كلمة الشهيد أو أبو الشهداء أو سيد الشهداء أو الشهيد المظلوم، ملازمة للحسين (ع) لا تنفك منه ولا ينفك عنها... هذا رغم موقعية البطل والبطولة في مأساة كربلاء، وفي رجالاتها أيضاً.. وخصوصاً لدى الحسين (ع).. كما نرى في معاني البطل والبطولة في اللغة العربية.. حيث عرّف ابن منظور البطل بأنه الشجاع.. وفي الحديث: شاكي السلاح بطل مجرب.. ورجل بيّن البطالة والبطولة، شجاع تبطل جراحته فلا يكترث لها ولا تبطل نجادته، وقيل: إنما سمي بطلاً لأنه يبطل العظائم بسيفه فيبهرجها بها، وقيل: سمي بطلاً لأن الأشداء يبطلون عنده، وقيل: هو الذي تبطل عنده دماء الأقران فلا يدرك عند ثأر من قوم أبطال(17)..

على أن لفظة بطل أصبحت بمرور الوقت تشير إلى معاني أخرى مثلما عبر عنها كارلايل في كتابه الأبطال (التاريخ العام أو تاريخ ما أنجزه الإنسان هو في صحيحه تاريخ عظماء الرجال الذين عملوا في هذه الدنيا، وقد كان هؤلاء العظماء هم قادة الناس، وهم المبدعون والأُسى والقدوات، بل هم بالمعنى الواسع مبتكرو كل ما حاول السواد الأعظم من الناس أن يعملوه، وكل ما نراه في هذه الدنيا قائماً مكتملاً هو بحذافيره النتيجة المادية الخارجية والتحقيق العملي والتجسيم للأفكار التي استقرت في نفوس عظماء الرجال الذي أرسلوا إلى هذه الدنيا، ويمكن أن يقال بحق: إن روح تاريخ العالم برمته هو تاريخ هؤلاء الرجال)..

وهؤلاء الرجال العظماء سواء كانوا شعراء أو مصلحين أو كتّاباً أو رجال أعمال أو رجال دين فإنهم جميعاً يحملون بين جنوبهم هذا السر الغامض، سر العظمة والبطولة الذي تنزّل عليهم، وأودع في قلوبهم.. فليسوا هم من مخلوقات الظروف وصنع الحوادث، وإنما هم الذين يخلقون الظروف ويصنعون الحوادث ويملون إرادتهم ويحققون مثلهم العليا، ويقول عنهم كارلايل )مثل هذا الرجل هو ما ندعوه الرجل الأصيل الطريف، وهو رسول موفد من المجهول اللانهائي يحمل إلينا الأخبار والبشائر، يحملها إلينا مباشرة من الحقيقة الداخلية الباطنة للأشياء، وهو يعيش متصلاً اتصالاً دائماً بهذه الحقيقة، ولا تستطيع الإشعاعات الباطلة والتخرصات الكاذبة أن تحجبها عنه، إنه مقبل من قلب الوجود النابض وهو جزء من الحقائق الأولية للأشياء) (18)...

ومن هنا قد نتبين المغزى الذي تنطوي عليه صفة الشهيد ومترادفاتها حين تقرن بالحسين(ع) دون الأئمة الباقين..

غير أن للبطل في التاريخ وجهاً آخر يتبينه المرء عندما ينتهي فعل البطولة إلى نهاية مأساوية لشخص البطل.. وفي مجمل التراث الديني العالمي، عرف هذا الشق المأساوي للبطولة بالشهادة(19).

الشهيد في التراث الإسلامي..

ولكلمة شهيد في التراث العربي والإسلامي معان ثلاثة أساسية اشتقت من كلمة شهد، وهذه المعاني هي:

الشهادة بمعناها العادي، وهو المعنى المتعارف عليه في القضاء، والثاني، وهو إعلان المسلم إيمانه بعبارة (أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله) والثالث: وهو الذي اقترن بتضحية المرء بنفسه في سبيل الله، في كل موقف يراد منه الدفاع عن الدين لإعلاء كلمة الله(20).

(وحيث أن الشهيد من أسماء الله الحسنى، كما ورد في العديد من الآيات القرآنية الكريمة، يصبح من الممكن تفسير إقران التضحية بالنفس بالمضمون القرآني للشهادة، على أنه إشارة للمكانة المميزة للشهيد في الإسلام، أن يكرم المرء بأحد أسماء الله الحسنى معناه أنه -بتضحيته بنفسه - إنما يقترب من التوحد مع الحضور المطلق للذات الإلهية(21)..

وما يرتبط أيضاً بهذه الشعائر هو الاحتفال بيوم الأربعين، حيث يأتي بعد يوم عاشوراء في أهميته ويصادف العشرين من صفر من كل عام: (إن الاحتفال بيوم الأربعين بعد الوفاة هي عادة عربية - إسلامية، ترتبط بأهمية العدد (أربعين) وقدسيته، ليس في الإسلام فحسب، بل وفي الديانات الأخرى كاليهودية والمسيحية، والحضارات العليا القديمة كالسومرية والبابلية..

وتأتي خصوصية يوم الأربعين في ذكرى رجوع رأس الحسين (ع) من الشام إلى العراق ودفنه مع الجسد في كربلاء، ويسمى هذا اليوم في العراق (مرد الرأس).. إن اتحاد الرأس بالجسد بعد أربعين يوماً من مقتل الحسين (ع) يكون في الحقيقة أساس موضوع هذه الذكرى الأليمة، بالإضافة إلى زيارة قبر الحسين (ع) والتبرك به، الذي أصبح من التقاليد الإسلامية العريقة التي لها أهمية كبيرة في العراق) (22).

الشعائر الحسينية.. النشأة.. والتطور

لم تكن نشأة الشعائر الحسينية بالشكل المتعارف عليه حالياً، بل كانت مجرد شعائر رمزية عمل الزمن والأحداث على تطويرها بالشكل الذي نراه الآن..

تعود أقدم المؤشرات التاريخية على نشوء تلك الشعائر إلى ما كان يقوم به المناصرون لأهل البيت بالذهاب إلى كربلاء والتجمع حول قبر الحسين (ع) وخاصة يوم العاشر من محرم من كل عام لإظهار الندم وطلب المغفرة لتقاعسهم عن نصرته في واقعة كربلاء.. (وبحسب مصادر تاريخية موثقة، فإن المختار بن يوسف الثقفي الذي قاد حركة التوابين، ورفع شعار (يا لثارات الحسين) كان أول من أقام احتفالاً تأبينياً في داره في الكوفة بمناسبة يوم عاشوراء، وأنه أرسل بعض النادبات إلى شوارع الكوفة للندب على الحسين (وكان ما قام به التوابون أول حركة مقاومة ضد الحكم الأموي مدفوعين بشعارهم يا لثارات الحسين) (23).

أما الدينوري فقد أشار إلى مثل هذه الاحتفالات التي أقيمت يوم عاشوراء، والتي جاءت على شكل ندب ونياحة على مقتل الإمام علي (ع) وعلى أبنائه من بعده، التي قام بها الشيعة الأوائل عند تجمعهم حول قبور الأئمة من أبناء علي (ع) (24)..

ولا يجب أن ننسى تجمعات الشيعة الأوائل في بيوت الأئمة(ع) في مجالس صغيرة يعقدونها كل عام لرثاء الحسين والبكاء عليه..

(غير أن تلك الاحتفالات والتجمعات لم تكن عادات راسخة ذات شعائر وطقوس دينية ثابتة، وإنما كانت مجرد تجمع عدد من الأتقياء من الشيعة الأوائل لقراءة الفاتحة والترحم على الحسين (ع) وحيث ينشد أحد الشعراء قصيدة في رثائه وتقديم العزاء والسلوى لأهل البيت) (25).

ذكر ياقوت الحموي وابن خلكان في وفياته، بأن الشاعر المعروف (الناشئ الأصغر) كان يعقد (مجالس النياحة) على الحسين بعد أن انتشر التشيع وخفت وطأة السلطات الحاكمة على العلويين(26)..

وقد روي أن الناشئ الأصغر قال: (كنت مع والدتي في سنة 246هـ وأنا صبي في مجلس الكبوذي في المسجد بين الوراقين والصاغة (ببغداد) وهو غاص بالناس، وإذا برجل قد وافى وعليه مرقعة وفي يده سطحية وركوة ومعه عكاز وهو شعث فسلم.. ثم قال: أتعرّفون لي أحمد النائح؟ قالوا: ها هو جالس.. فقال: رأيت مولاتنا (فاطمة الزهراء(ع)) في النوم فقالت امضي إلى بغداد واطلبه وقل له نح على ابني شعر الناشئ الذي يقول فيه:

بني أحمد قلبي لكم يتقطع بمثل مصابي فيكم ليس يسمع

وكان الناشئ حاضراً فلطم لطماً عظيماً على وجهه وتبعه المزوق والناس كلهم.. وكان أشد الناس في ذلك الناشئ ثم المزوق.. ثم ناحوا بهذه القصيدة في ذلك اليوم إلى أن صلى الناس الظهر وتقوض المجلس.. وقد تطورت النياحة إلى قراءة (مقتل الحسين) لابن نما ثم لابن طاووس، وهي أولى كتب المقاتل التي تتحدث عن واقعة كربلاء..

وخلال القرن السابع للهجرة أصبحت قراءة المقتل عادة متبعة يوم عاشوراء.

وكان المستنصر بالله العباسي قد أمر المحتسب جمال الدين بن الجوزي عام 640هـ - 1223م (بمنع الناس من قراءة المقتل في يوم عاشوراء والإنشاد في سائر المحال بجانبي بغداد سوى مشهد موسى بن جعفر(28).

وقد ذكر ابن الجوزي، بأن اللطم جرى يوم عاشوراء في المشهد وذلك بحدود منتصف القرن الخامس للهجرة/الحادي عشر الميلادي(29) وهي أول إشارة في ذكر اللطم يوم عاشوراء في العراق(30)..

تاريخياً ارتبط العزاء الحسيني بالاضطهاد الذي مارسته السلطات الأموية والعباسية ضد الشيعة في العراق، وكانت سياسة الحكومات المتعاقبة متبدلة ومتغيرة، بحسب الأوضاع الاجتماعية والسياسية، وبحسب المصالح والميول الدينية والسياسية، غير أن ميزان القوى كان قد تغير لصالح الشيعة خلال فترة معز الدولة البويهي(936م - 967م) الذي ناصر الشيعة أو تشيع لهم كما ذكر بعض المؤرخين. وكان معز الدولة أول من جعل مراسيم العزاء الحسيني عادة تتبع سنوياً في بغداد..

في العاشر من محرم (353هـ - 963م) جرت ولأول مرة احتفالات فريدة في بغداد في ذكرى استشهاد الإمام الحسين حيث أغلقت الأسواق وسارت النادبات في شوارع بغداد وقد سودن وجوههن وحللن شعورهن ومزقن ثيابهن وهن يلطمن وجوههن ويرددن مرثية حزينة. وقد أشار بعض المؤرخين إلى أن الشيعة كانوا يلبسون السواد، وقد زاروا قبر الحسين في كربلاء(31).. وفي كربلاء خرجت النساء ليلاً وخرج الرجال نهاراً حاسري الرؤوس حفاة الأقدام لمواساة الحسين(32).

وبحسب ابن الجوزي ، كان معز الدولة البويهي قد أمر بغلق الأسواق، حيث عطل القصابون أعمالهم، وتوقف الطباخون عن الطبخ، وفرغت الأحواض والصهاريج مما فيها من الماء، ووضعت الجرار مغلقة باللباد في الشوارع والطرق لسقي عابر السبيل والعطشان ، وكانت النسوة يمشين بشعور منثورة وأوجه مسودة وملابس ممزقة، يلطمن ويولولن حزناً على الحسين الشهيد(33)..

من خلال تلك الأحداث التي رواها المؤرخون يمكن أن نعد فترة الحكم البويهي في العراق، من أهم الفترات في تاريخ نشوء وتطور الشعائر الحسينية.

أما (الشكل الشائع لعاشوراء على النحو المعروف لنا في الوقت الحاضر (أي رواية سيرة الحسين في محافل شعبية) فتعود جذوره - على الأرجح - إلى القرن العاشر للهجرة/السادس عشر للميلاد، عندما اعتلى الصفويون سدة الحكم في إيران، واتخذوا من التشيع عقيدة رسمية لدولتهم.. وكان لهم دور في انتقالها إلى الهند وأذربيجان التركية والأناضول وبعض مناطق سيبيريا.. ومع الوقت، تطورت هذه الشعائر بنوعيها المعروفين لنا في الوقت الحاضر، أي رواية سيرة الشهيد (ممسرحة في تجمعات شعبية حافلة) تليها المواكب، وكانت حصيلة الدمج بين هذين النمطين في إيران إبان القرن الثامن عشر، ولادة ما يعرف في هذا البلد بمسرح التعزية) (34).

الشعائر الحسينية في الدول العربية والإسلامية.

لم تقتصر تلك الشعائر على العراق وإيران، بل امتدت إلى بلدان أخرى، فالمقريزي في خططه يذكر (أن شعار الحزن يوم العاشر من المحرم كان أيام الإخشيديين، واتسع نطاقه في أيام الفاطميين، فكانت مصر في عهدهم بوقت البيع والشراء تعطل الأسواق، ويجتمع أهل النوح والنشيد يكونون بالأزقة والأسواق، ويأتون إلى مشهد أم كلثوم والسيدة نفيسة وهم نائحون باكون) (35)..

وتروي تواريخ الدولة العبيدية بمصر، اهتمام الملك المعز الفاطمي بأمر إقامة عزاء الحسين في خارج البيوت أيضاً، فكانت النساء يخرجن في أيامه ليلاً كما يخرج الرجال نهاراً(36)..

وقد اتخذ الاحتفال بهذا اليوم - في مصر - شكلاً رسمياً وأصبحت الدولة تحتفل به وتعتبره عيداً من أعيادها الرسمية.. ولكن على العكس من الأعياد الأخرى كلها كان عيد حزن وبكاء، ففي هذا اليوم كانت تعطل الأسواق وتقفل الدكاكين ويخرج الناس ومعهم المنشدون إلى الجامع الأزهر وتتعالى أصواتهم بالنحيب والبكاء والنشيد، وعندما بني المشهد الحسيني في أواخر الدولة كان خروج الناس إلى هذا المشهد لا إلى الجامع الأزهر..

وإذا اتجهنا إلى الأندلس، نجد إشارة ذات أهمية كبرى في إحدى النسخ الخطية الفريدة من المؤلف التاريخي (إعلام الأعلام فيمن بويع بالخلافة قبل الاحتلام) للسان الدين ابن الخطيب أحد أعلام المفكرين في القرن الثامن الهجري، والنسخة محفوظة في خزانة جامعة القرويين بمدينة فاس، حيث ذكر عادات الأندلسيين وأهل شرق الأندلس خاصة في ذكرى مقتل الحسين(ع) من التمثيل بإقامة الجنائز وإنشاد المراثي.. ووصف إحدى هذه المواسم وصفاً حياً شيقاً حتى ليخيل لنا أننا نرى إحياء هذه الذكرى في بلد شيعي.. وذكر أن هذه المراثي كانت تسمى (الحسينية) وأن المحافظة عليها بقيت ما قبل تاريخ عهد ابن الخطيب إلى أيامه..

وننقل هنا بعض هذا الوصف على لسان صاحبه

(ولم يزل الحزن متصلاً على الحسين (ع) والمآتم قائمة في البلاد يجتمع لها الناس ويحتفلون لذلك يوم قتل فيه، فكانوا على ما حدثنا شيوخنا من أهل المشرق - يعني شرق الأندلس - يقيمون رسم الجنازة حتى في شكل من الثياب خلف سترة في بعض البيت، ويحتفل بالأطعمة والشموع ويجلب القراء المحسنون ويوقد البخور ويتغنى بالمراثي الحسينية)..

وفي عهد ابن الخطيب كان ما يزال لهذه المراثي شأن أيضاً، فإنه في سياق حديثه السابق زادنا تفصيلاً وبياناً عن الحسينية وطقوسها فقال:

(والحسينية التي يستعملها إلى اليوم المستمعون، فيلوون لها العمائم الملونة ويبدلون الأثواب كأنهم يشقون الأعلى عن الأسفل، بقية من هذا لم تنقطع بعد وأن ضعفت، ومهما قيل الحسينية أو الصفة لم يدر اليوم أصلها) (37)..

أما في شمال أفريقيا فيحتفل المسلمون في مفتتح العام الهجري، وهو اليوم الأول من شهر محرم، باعتباره يوم فرح وسرور. كما يحتفل المسلمون بيوم عاشوراء وبشكل مختلف ومتناقض أحياناً. فالبعض منهم يحتفل به باعتباره يوم فرح وسرور، ولا يعلم سبب ذلك، مثلما يحتفل البعض باعتباره يوم عيد وانتصار، وهي سنة أموية ما زالت بقاياها موجودة حتى اليوم.

ففي تونس مثلاً يتجمع الأطفال في الأزقة فيجمعون الحطب والأخشاب ويشعلون فيها النار بعد أن يشكلوا دائرة حولها وهم يرددون على إيقاع طبلة أو دف أو أي إناء (عاشورا، عاشورا) وفي البيوت يذبح الدجاج ويطبخ ليقدم في الغداء. وإذا سألت أحدهم عن معنى (عاشورا) فسوف يحييك (إنه عاشورا) وفي الجزائر والمغرب يقوم البعض بتوزيع (هريسة عاشورا) على الفقراء والجيران، ولا يعلم أحد عن معنى (عاشورا) سوى أن مناسبة دينية كان الأجداد يحتفلون بها.

في لبنان، وخصوصاً جبل عامل إبان الحكم العثماني، كانت الذكرى تعاش في جو من الضغط والخوف مخيم على أهالي المدينة من إقامتها، ولو بالشكل الشفوي الذي كان يقتصر على جلسات تروى خلالها سيرة الإمام الحسين (ع) وأهله في كربلاء..

وبدأت الأمور تتحرك مطلع القرن العشرين، حيث كان يوجد في النبطية عدد من التجار الإيرانيين يتعاطون عمليات الوساطة التجارية بين مرفأي صيدا وحيفا والعمق العربي والفارسي.. وكان هؤلاء الإيرانيون يحتفلون بذكرى عاشوراء على طريقتهم الخاصة، حيث كانوا يقدمون تمثيلية يؤديها شخصان باللغة الفارسية، تروي واقعة كربلاء. كان الإمام الحسين (ع) يتواجه مع الشمر في إطار تمثيلية بسيطة لم تكن تدوم طويلاً...

كانت هذه التظاهرة المسموح بها للجالية الإيرانية في النبطية، باللغة الفارسية فقط، وبإذن خاص من الباب العالي.. وفي 1917 حضر إلى النبطية إبراهيم ميرزا وهو طبيب إيراني واستقر في عاصمة جبل عامل حيث بدأ مزاولة مهنته.. وعمل هذا الطبيب على ترؤس الشعائر الشعبية لذكرى عاشوراء، حيث كان يتقدم حلقات المؤمنين اللاطمين صدورهم والضاربين رؤوسهم.. ومعه، وإبان انسحاب الحكم العثماني من لبنان، وضع أول حوار بالعربية لتمثيلية عاشوراء.. هذا الحوار الذي كان يدور أثناء مبارزة الحسين (ع) مع الشمر والذي نسقه آنذاك الدكتور إبراهيم ميرزا هو الذي أعطى تمثيلية عاشوراء النسق المسرحي الذي عرفت به فيما بعد(38)..

وتقام في شهر محرم وبخاصة يوم عاشوراء احتفالات عديدة وبصورة مختلفة في أغلب دول الخليج العربي.

فقد عرفت البحرين إقامة المجالس الحسينية منذ زمن مبكر، حيث كان البحرانيون يقيمون المآتم في بيوتهم ومساجدهم.

ويستخدم البحرانيون مصطلح (التحاريم) المتداول في الأوساط الشعبية. وهو مصطلح أطلقه أهل البحرين على ذكرى ولادة الأئمة من أهل البيت وكذلك على وفياتهم، وحيث تتوقف الأعمال وتغلق الأسواق يومي التاسع والعاشر من شهر محرم من كل عام بمناسبة ذكرى عاشوراء، ويعتبران عطلة رسمية تعطل فيها دوائر ومؤسسات الدولة وكذلك دوائر القطاع الخاص والمتاجر..

وفي صبيحة اليوم العاشر من محرم، وهو يوم عاشوراء، تبدأ مواكب العزاء بمسيرتها في العاصمة وفي المدن الأخرى للاحتفال بذكرى استشهاد الحسين (ع). وترتبط بهذه الاحتفالات مصطلحات شعبية، فيدعى النائح (شيال)، الذي يتصدر مجموعات العزاء وينشد مرثية حزينة حول الإمام الحسين(39)..

كما تقام المآتم الحسينية في عدد كبير من مدن عُمان خلال العشرة الأولى من شهر محرم. وقد شيد العمانيون لذلك (حسينيات) يجتمع فيها عدد كبير من الناس مكونين حلقة كبيرة يتوسطها منشد يقرأ مرثية على الإمام الحسين، ويقوم المشاركون بترديد مقطع من مقاطع المرثية ويقومون بحركة دائرية في ضمن الحسينية وهم يلطمون بأيديهم على صدورهم بضربات رمزية خفيفة، وفي إيقاع متواصل مع صوت المنشد الذي يقود حركة المشاركين الكبيرة بصوته الجهوري الحزين(40)..

أما في الهند فيتفق أغلب المؤرخين على أن بداية الاحتفالات بذكرى استشهاد الحسين في الهند تعود إلى زمن تأسيس الدولة المغولية في بداية القرن السابع عشر. وكانت في البدء على شكل مجالس عزاء (نوحخاني) و(روضخاني)..

وإلى جانب (نوحخان) و(روضخان) هناك مراسيم وشعائر وطقوس أخرى يدعوها الهنود بـ(زيارت) وهي مواكب عزاء وعروض مسرحية شعبية بسيطة تقام بصورة خاصة، يوم عاشوراء ويوم الأربعين، حيث ينصب مسرح شعبي يبنى من خشب البامبو، وتنصب أمامه أعلام كثيرة وبأشكال وألوان مختلفة ترمز إلى رايات الحسين وأهل البيت.. وقد يوضع أحياناً كف ذهبية أو نحاسية تدعى (پنجه) وترمز هذه الكف إلى يد العباس بن علي الذي قطعت يداه حينما ذهب لجلب الماء من نهر الفرات. وهناك الضريح وهو حجرة صغيرة لها قبة مدورة، وترمز إلى القاسم بن الحسن.. ثم يأتي (فرس الحسين) المدعو (ذو جناح) وهو أبيض اللون ذو سرج ثمين وملون بألوان زاهية.

وخلال الاحتفالات بعاشوراء تقدم (تبريكات) وهي أنواع من المأكولات والمشروبات الباردة التي توزع على الناس مجاناً..

ويحمل (الضريح) في موكب يخترق شارع المدينة الرئيسي مع مجموعة من الخيول المطهمة والأعلام السوداء ومجموعات من الجنود..

وفي المساء تقام مجالس التعزية في الحسينيات (إمام برا) ويتبعها عزاء الزناجيل (شيني زاني) ثم عزاء الغرباء (شامة غريبان) (41)..

أما في باكستان، فقد بدأت تلك الاحتفالات في القرن الرابع عشر الميلادي، وخصوصاً في منطقة (بلتستان) المعروفة باسم (التبت الصغرى) حيث أقيمت الحسينيات في كل بقعة من بقاعها وتسمى هناك (مأتم سرائي) ويسمى القارئ (سوز خوان) وأكثر ما تبدأ المجالس بعد ذكر النبي (ص) واله بقراءة شيء من شعر الشاعر الإيراني الشهير (وصال)..

ويعرض الشعراء في مراثيهم لصبر الحسين (ع) وأصحابه وثباتهم وتبيان مبادئهم وأثر المأساة في النفوس الإنسانية السليمة. كما أن المرثية على العموم تبدأ أول ما تبدأ بأبيات تمهيدية في وصف الدنيا وغدرها، ثم في عرض موقف من مواقف كربلاء(42)..

ومن أكبر وأهم مواكب العزاء في باكستان هو موكب (الزناجيل) الذي يتكون من مجموعات عديدة، كل فرد منهم يحمل في يده مجموعة من السلاسل الصغيرة التي تنتهي بسكاكين حادة الجانبين.. وعلى صوت (النوحخان) يضرب حاملو السلاسل الحديدية على ظهورهم وتسيل منها الدماء.. وترفع في بداية المواكب أعلام عديدة وملونة. ومن أهم تلك الأعلام (راية العباس) وهو علم أخضر اللون يرفع عالياً في المواكب أو (الإمام برا) وقد كتب عليه (يا عباس) (43)...

أما في أندونيسيا فإن ذكرى استشهاد الحسين (ع) في شهر المحرم، فله حرمة كبيرة لدى المسلمين هناك بوجه عام ويسمى شهر المحرم (سورا). ويطلق على المأتم الحسيني في سومطرة ذكرى (التابوت). وفي اليوم العاشر من المحرم يقام تمثيل رمزي لاستشهاد الحسين (ع) أما في جزيرة جاوا، فلهذا اليوم تقدير خاص وعوائد خاصة.. إذ تطبخ الشوربا فقط على نوعين من اللونين الأحمر والأبيض.. ثم يجمع الأولاد وتقسم الشوربا عليهم. وهذا رمز للحزن العميق بجمع الأولاد الصغار والأطفال وذلك تصويراً لليتم والحزن.. أما اللون الأحمر فهو رمز للدماء الطاهرة المراقة، واللون الأبيض رمز للخلاص والتضحية.. وإلى اليوم يعتبر شهر محرم وصفر من كل سنة عند الكثير من الأندونيسيين شهرين محترمين لهما مكانتهما في القلوب.. فلا يقيمون فيهما أفراحاً، ولا يعقدون زواجاً ولا يجرون زفافاً.. فالمعتقد السائد أن من أقام أفراحاً في هذين الشهرين قد يصيبه نحس.. أما في مقاطعة (أجيه) بسومطرة الشمالية فيسمى شهر المحرم (شهر حسن وحسين) (44)...

أما في بورما فيحتفل الشيعة بذكرى استشهاد الحسين من أول محرم، ثم تخرج مواكبهم في اليوم العاشر منه وتستمر حتى شهر صفر، وقد تسربت إليهم بعض التقاليد الهندية فيقوم فيهم خلال المواكب من يمشي على الحجر، وعلى إقامة رمز لمقام الحسين (ع) في كل بلدة وهو عبارة عن صورة مصغرة للمقام في كربلاء ويطلقون عليه اسم كربلا.. ففي خارج رانغون (كربلا) وفي خارج مانيلا كذلك (كربلا) (45)..

أما في تايلند فقد روى السيد محمد علي الشهرستاني الذي زار بانكوك عاصمة هذا البلد في العشرة الأولى من محرم سنة 1394هـ قائلاً:

إن العزاء الحسيني يقام على أتم مظاهره في بانكوك وبعض أنحاء تايلند.. فإنه شاهد بأم عينه إقامة مجالس العزاء والمآتم واجتماعات النياحات وقراءة المراثي على الإمام الحسين (ع) (ع) في هذه العشرة، وإنه اشترك بنفسه في بعضها، وخاصة في المواكب الحزينة ومجالس النياحة التي أقيمت في المساجد والحسينيات التي أنشئت في بانكوك على مرور الزمن منذ أن أقام فيها أحد علماء الشيعة منذ أكثر من 400 سنة.

ويشترك الشيعة كلهم في هذه المراسم العزائية التي تقرأ فيها فاجعة الطف بتفاصيلها، كما ويلبس في هذه العشرة الحزينة وخاصة يومي التاسوعاء والعاشوراء المشتركون في هذه المناحات اللباس الأسود.. كما أن تقليد توزيع الخيرات وإطعام المساكين في هذه العشرة الحزينة، قائم بأتم وجه بين مختلف الطبقات هناك(46)...

أما في بريطانيا، فإن أول مجلس عزاء حسيني أقيم هناك كان في العام 1962 وذلك في حي (ريجنت موسك) القديم... ويذكر أن أول من قرأ واقعة الطف هو البريطاني عبد الله لبنس هوبت، الذي كان كولونيلاً في الجيش البريطاني وعاش في العراق لمدة خمس سنوات. وفي أثناء إقامته هناك تعرف على مراسم العزاء الحسيني التي كانت تقام في المدن العراقية. ولاحظ أن كثيراً من الشيعة يذهبون لزيارة المشاهد المقدسة في النجف وكربلاء والكاظمية، مما أثار حب الاستطلاع لديه، الأمر الذي دفعه لدراسة الإسلام، وانتهى إلى اعتناقه على المذهب الأمامي الإثني عشري، ولذلك عندما عاد إلى بريطانيا حرص على إقامة هذه المجالس وكان أول من قرأ رواية مصرع الحسين في العاصمة البريطانية..

وتقام في لندن سنوياً مسيرة حسينية في اليوم العاشر من المحرم وتنطلق من الهايد بارك وتنتهي بالمجمع الإسلامي، ترفع خلالها الأعلام والرايات السود التي تعبر عن الحزن في هذه المناسبة(47).. ومن المثير للانتباه قيام احتفالات وطقوس بيوم عاشوراء في جزر الكاريبي.. فقد نشر الصحفي بهجت منصور ريبورتاجاً حول يوم عاشوراء هناك.. ففي مدينة (بورت أوسباني) عاصمة جزيرة تريننداد في البحر الكاريبي قرب كوبا، يقوم المسلمون كل عام بإعداد هودج كبير مطعم بالذهب والفضة وملون بألوان زاهية، ويحملونه في مسيرة كبيرة يوم عاشوراء، حيث يشارك في تلك الاحتفالات كثير من الهنود مع الكاريبيين.. ويسير الجمهور المحتشد وراء (الهودج) تحف بهم الطبول والآلات الموسيقية، وهي تعزف أنغاماً حزينة وتطوف شوارع العاصمة.. وينتهي الموكب بهتافات المحتفلين بحياة الحسين ثم إلقاء (الهودج) في البحر لتحمله الأمواج الصاخبة إلى الأعماق(48)..

الهـــوامـــش :

(1) الموالد/ص36/ط2/1981/القاهرة.

(2) (3) (4) (5) الزبير، محمد/ سجل أسماء العرب ج3 ص1473-1474، جامعة السلطان قابوس/ط1/1991.

(6) الأصفهاني/ مفردات ألفاظ القرآن ص456/دار القلم - دمشق ط1/1992.

(7) الشوك، علي / جولة في أقاليم اللغة والأسطورة ص191/دار المدى -دمشق/ط2/1999.

(8) عبد السلام محمد هارون/ كناشة النوادر - القسم1/ص82.

(9) الحيدري، إبراهيم/ تراجيديا كربلاء وسيوسيولوجيا الخطاب الشيعي/ دار الساقي/ بيروت / ط1 1996 ص121.

(10) معجم البلدان/ ياقوت الحموي ج4 ص445.

(11) معجم البلدان/ ياقوت الحموي ج4 ص35.

(12) ابن منظور/ لسان العرب (مادة رثا) مجلد14 ص308.

(13) الأصفهاني/ مصدر سابق ص141/.

(14) ابن منظور/لسان العرب(مادة نحب) مجلد1 ص749.

(15) م.ن/مادة ندب/مجلد1/ص753.

(16) د. الحيدري، إبراهيم/مصدر سابق ص96.

(17) ابن منظور/مصدر سابق (مادة بطل) مجلد11/ص56.

(18) مجموعة من الكتاب/تراث الإنسانية، الأبطال لتوماس كارلايل/بقلم علي أدهم/مجلد1/ص27-28/دار الفكر بيروت.

(19) الإمام الشهيد في التاريخ والإيديولوجيا/د. العهد، سلوى/ص64/المؤسسة العربية للدراسات والنشر/بيروت/ط1/2000.

(20) ابن منظور/مصدر سابق (مادة شهد) مجلد3 ص238.

(21) د.العهد، سلوى/مصدر سابق ص67.

(22) د. الحيدري، إبراهيم /مصدر سابق ص131.

(23) ابن قتيبة/الإمامة والسياسة ج2 ص130.

(24) الدينوري/الأخبار الطوال ص17.

(25) د. الحيدري، إبراهيم/مصدر سابق ص52.

(26) الشهرستاني، هبة الدين/نهضة الحسين ص173.

(27) م.ن/ص173-174.

(28) محفوظ، حسين/ الكاظمية في المراجع العربية/موسوعة العتبات المقدسة مجلد9 ص108.

(29) ابن الجوزي/ج7/ص23.

(30) الحيدري، إبراهيم/مصدر سابق/ص54.

(31) الشبيبي، كامل/الفكر الشيعي/ص45.

(32) الشهرستاني، هبة الدين/مصدر سابق/ص176.

(33) الخليلي، جعفر/موسوعة العتبات المقدسة(قسم كربلاء) مجلد8 ص372.

(34) د.العهد، سلوى/مصدر سابق ص156.

(35) مغنية، محمد جواد/دول الشيعة في التاريخ ص66.

(36) الشهرستاني،هبة الله/مصدر سابق.

(37) د. جمال الدين، محسن/مجلة البلاغ(العدد الأول- السنة الخامسة).

(38) معتوق، فردريك/عاشوراء اللبنانية ونص 1996/مجلة أبواب/ع6/1995 ص150.

(39) د. الحيدري، إبراهيم/مصدر سابق/ص175.

(40) م.ن/ص176.

(41) م.ن/ص155-158.

(42) الأمين، حسن/دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ج5 ص492/ط3/1986/بيروت.

(43) د. الحيدري، إبراهيم/ مصدر سابق/ص160-161.

(44) الأمين، حسن/مصدر سابق/ج5/ص320.

(45) م.ن/ص495.

(46) م.ن/ص529.

(47) خزعل، أحمد/ العزاء الحسيني في لندن/مجلة النور/العدد107/نيسان 2000.

(48) د. الحيدري، إبراهيم/مصدر سابق/ص177.