|
قراءة في كتاب |
تاريخ التعذيب |
براين إينز عرض مجتبى العلوي |
لم يسلم أي مجتمع إنساني على مر التاريخ من ممارسة التعذيب عليه أو بين أفراده سواء بفعل عامل خارجي أو عامل داخلي.. ولا يعود هناك فرق بين شعوب متحضرة أو غير متحضرة عند هذا المنعطف، وهو التعذيب، إذ لا يبقى لأي من هذه التعابير أي معنى محدد.. والسبب بسيط؛ فالناس لدى الشعوب كلها، المتحضرة وغير المتحضرة، والمتطورة وغير المتطورة، يتبين أنهم بارعون حين يتعلق الأمر بإيقاع الأذى والعذاب على أبناء جلدتهم. لقرون خلت والفلاسفة وعلماء النفس يبحثون عن إجابة عن السؤال المحير حول السبب الذي يجعل الإنسان أكثر عدوانية وضراوة وجبناً.. والذين يبحثون عن الحقيقة كانوا غالباً يفشلون في التعرف عليها، لأنها - كما أشار الشاعر ملتون - غالباً ما تكون (أكثر تخفياً وأكثر ترويعاً من كثير من الأخطاء) أما الآخرون الذين أخطأوا فنقبوا عميقاً جداً فقد دفعوا الثمن الأكبر، لأن الحقيقة كانت دائماً تجعل السلطة ترتجف.. ولم تبدأ جذور دوافع الإنسان الخفية بالظهور من الظلام إلا في السنوات الأخيرة، ورغم هذا لسنا في أكثر من بداية التعلم، لماذا يتعاطى الإنسان مع العنف؟!. وللأسف ما زلنا بعيدين جداً عن أن نتعلم كيف نحمي أنفسنا بشكل دائم.. وفي أحسن حالاتنا لا نبدو أكثر من قادرين على التنافس فيه، فنقترف بهذا، الجرم ذاته الذي نقول لأنفسنا إننا نود أن نقمعه. وعلى الرغم من هذا البحث المغرق في قدمه عن مفتاح حقيقة (وحشية الإنسان تجاه الإنسان) فقد كانت هناك كمية هائلة من الأعذار.. وعلى الرغم من وجود الألعاب الرومانية فإن التعذيب بين القدماء يعتبر وسيلة لانتزاع المعلومات، وهذا بالطبع كان وما يزال المبرر الأكثر شيوعاً لاستخدام التعذيب. ويمكن اعتبار هذا المبرر واهياً جداً لسبب واضح، فالذين يرغبون في أن يكونوا شهداء نادراً ما يعترفون أو يكشفون عن أي شيء بالإكراه، وعلى العكس من ذلك كان آخرون قد عُرف عنهم أنهم يعترفون بأية جريمة ويقدمون أية معلومات عندما يخضعون للتعذيب تاريخياً.. ما من أحد يستطيع أن يحدد، بثقة مطلقة، متى مورس التعذيب لأول مرة؟!.. بالنسبة للاستخدام الرسمي؛ لا ذكر للتعذيب في القانون البابلي أو العبري، غير أننا نعرف أن كلاً من البابليين والعبرانيين القدامى كانوا يُخصون الأسرى من الأعداء، وكانوا يعدمون المجرمين بالرجم أو النشر إلى نصفين أو بالحرق.. |
ولكن ما هو التعذيب؟ |
عرّفت المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب التي دخلت حيز التنفيذ في 26/6/1987م التعذيب بقولها: (يقصد بالتعذيب أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسدياً كان أو عقلياً يلحق عمداً بشخص ما، بقصد الحصول من هذا الشخص أو من شخص ثالث على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو شخص ثالث، أو تخويفه أو إرغامه هو أو أي شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب من الأسباب يقوم على التمييز أياً كان نوعه، أو يحرض أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو شخص آخر يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن في ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية، أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها). ورغم أن التعذيب عرفته كل الحضارات القديمة سواء ما كان منها قد بني على الأديان أو على أفكار فلسفية أو غير ذلك.. ولكن حظ القرن العشرين رغم ما عرفه من تقدم، لم يكن بالنسبة للتعذيب بأقل من حظ القرون الأخرى، بل ربما كان هذا القرن عرف من الفظائع بالجملة، ومن القتل الجماعي ما لم تعرفه القرون الأخرى.. في عام 1974م عمل ستانلي ميلغرام في أحد مختبرات التفاعل البشري في جامعة يال الأميركية على إعداد مشروع اختبار مدى وجود عنصر الطاعة عند البشر وطلب تطوع الأشخاص للاشتراك في دراسة عن الذاكرة. ولقد كانت استنتاجات ميلغرام عن ذلك الاختبار البشري مرتبطة ببيئته وبنمط تربيته ونشأته (لا يمكن لنوع الشخصية التي تنشأ في المجتمع الأميركي الديمقراطي أن تكون من النوع الذي يمكن الاعتماد عليه في عزل مواطني هذا المجتمع عن السلوك الوحشي والمعاملة اللاإنسانية في إطار سلطة حاقدة.. وهناك نسبة كبيرة من الناس الذين يفعلون حسب ما يطلب منهم فعله بغض النظر عن مضمون ذلك الفعل دون قيود ضميرية طالما أنهم مدركون بأن الأوامر تصدر إليهم من سلطة شرعية). ولقد صدر تفسير لهذه الآلية النفسية الكامنة خلف هذه الطاعة العمياء من قبل الكاتبة حنا ارندت التي تقول: هكذا كانت المشكلة تتعلق بكيفية التغلب ليس فقط على الضمير بل على الشفقة التي يتأثر بها كل الرجال الطبيعيين أمام مشاهد المعاناة الجسدية.. وكانت الوسيلة التي اعتمد عليها هتلر، الذي كان شديد التأثر بردود الفعل الغريزية في نفسه، بسيطة جداً وربما كانت أيضاً كثيرة الفعالية.. وكانت هذه الوسيلة عبارة عن التلاعب بتلك الغرائز بتوجيهها نحو الذات، وهكذا وبدلاً من قول ما يلي: (لقد نفّذت أعمالاً شنيعة ومخيفة ضد الناس) يمكن للقتلة أن يقولوا بدلاً عن ذلك: (كم هي رهيبة الأشياء التي شاهدتها خلال قيامي بواجباتي وكم كان حمل المهمة التي ألقيت على عاتقي ثقيلاً)، من ناحية أخرى ذكرت الكاتبة ايلين سكاري في كتابها (الألم في الجسد) كيف أن الأشخاص الذين يمارسون التعذيب يبعدون أنفسهم عن ضحاياهم من خلال إنكار مكانة هؤلاء الضحايا ككائنات بشرية. وهكذا يسقط اعتبار هؤلاء الضحايا إلى مجرد رموز بحيث تعطى للآلام التي يعانون منها من جراء التعذيب فضلا عن أشكال وأدوات وأمكنة ذلك التعذيب أسماء تافهة ومبتذلة مستمدة من الحياة اليومية.. وهكذا قد يعرف فعل التعذيب أو ممارسته باسم (الرقص) في الأرجنتين مثلاً، أو يعرف بـ(حفلة عيد ميلاد أحدهم) في الفيليبين، أو (حفلة شاي) في اليونان.. ويسمى الألم الناتج عن التعذيب في البرازيل باسم (الهاتف) وباسم (رحلة في الطائرة) في فيتنام وغيرها من الأوصاف الأخرى المبتذلة.. هذا الكتاب مكرّس إلى حد كبير لتاريخ التعذيب في العالم مع وصف التعذيب الذي يتعرض له ويعاني منه الضحايا ووسائل وأدوات ذلك التعذيب والمصممة لتطبيق ذلك التعذيب عبر القرون الزمنية. |
التعذيب في اليونان وروما: |
في ذلك الزمن كان سجناء الحرب يُقتلون فور سجنهم أو فور القبض عليهم أو يتم اعتبارهم عبيداً وبذلك ينظر إليهم كأشخاص يمكن تعذيبهم.. من ناحية أخرى لم تسمح القوانين المدنية في معظم الدول اليونانية القديمة في الأحوال العادية بتعذيب المواطنين الأحرار، ولكن العبيد والأجانب - والذين لم يكن لديهم أي كيان شرعي ضمن الدولة - لم يحوزوا على الحماية الكافية التي تمنع تعذيبهم، وكان ينظر إلى العبيد على الأخص بأنهم يمكن أن يكونوا بديلاً عن أسيادهم عندما يأتي أمر تعذيبهم.. وكان التعذيب العملي يحصل أمام الجمهور علناً حيث كان يقوم بتنفيذه أطراف الدعاوى القانونية بأنفسهم. وفي الزمن الغابر أي قبل سنة 400 قبل الميلاد كانت الدول اليونانية القديمة تخضع لحكم الطغاة الأثرياء الذين استولوا على السلطة بشكل غير قانوني، ولقد كتب الكاتب الروماني فاليريوس ماكسيموس بعد مرور عدة قرون من الزمن على ذلك التاريخ روايات جمعها من عدة أشخاص فيما يتعلق بالتعذيب الذي كان يقوم به أولئك الطغاة.. ويقول فاليريوس في هذا الإطار أن الفيلسوف اليوناني القديم زينون إيليا قد تورط في مؤامرة لخلع الطاغية اليوناني نيارخوس وأنه خضع للتعذيب بعدها ليفصح عن أسماء معاونيه في المؤامرة، وعندما لم يعد زينون قادراً على تحمل المزيد من التعذيب أبلغ الأشخاص الذين كانوا يعذبونه بأنه يمكن أن يبوح بأسراره فقط للطاغية نيارخوس بنفسه على انفراد، وعندما انحنى نيارخوس ليسمع همس زينون قبض زينون أذن نيارخوس بفمه وقطعها.. وكان هنالك ضحية أخرى للتعذيب في اليونان القديمة وكان اسمه ثيودور (الفضيل) الذي عانى من تعذيب الضرب بالسياط وللسع القضبان الحديدية الملتهبة بالنار والذي لم يجبره التعذيب على البوح بأسماء معاونيه في المؤامرة التي دبرت ضد الطاغية اليوناني هاييرونايموس.. ويقول المؤرخ اليوناني بوليبيوس أن الطاغية اليوناني نابيس كان يملك أداة تعذيب تذكرنا بآلة كان يستعملها الألمان في القرون الوسطى وكانت تعرف باسم نورمبرغ والتي استعملها الإسبان أيضاً في محاكماتهم الدينية.. وهنالك آلة أخرى للتعذيب كانت عبارة عن ثور نحاسي صمم خصيصاً للطاغية فالاريس وكان ذلك الثور مشابهاً لحجم الثور الحقيقي وكان داخله مجوفاً ومزوداً بباب خلفي وهو عبارة عن فخ، ولقد شرح مبتكر هذه الآلة للطاغية فالاريس كيف يمكن حبس أي متهم داخل هيكل الثور النحاسي وإشعال النيران تحت ذلك الهيكل وكيف أن هذا الهيكل مزود بأنابيب موسيقية داخل رأس الثور لتخفيف حدة صراخ الضحية الناجم عن الألم. وكان أحد أساليب التعذيب التي صممها الإمبراطور تيبيريوس شخصياً عبارة عن جعل الضحايا يشربون كمية كبيرة من النبيذ وبعد ذلك يربط كل الضحايا إلى بعضهم البعض بواسطة حبل يُشدّ ليضغط على مثاناتهم المليئة بالسائل. وكان خليفة تيبيريوس كاليغولا يستمتع بمراقبة تعذيب سجنائه خلال تناول الطعام وكان يأمر في بعض الحالات بتعذيب يشبه ما كان يعرف بالموت الصيني الذي كان عبارة عن طعنات متكررة بالسكين بحيث يشعر ويتحسس السجين الذي يتعرض لذلك التعذيب بأنه يموت موتاً بطيئاً.. وكان كاليغولا يأمر أيضاً بنشر ضحاياه بواسطة المنشار. أما الطاغية نيرون فكان المكان المفضل لديه للتعذيب هو حدائق قصره حيث كان يتم ربط كل مجرم بجلد الذئاب وتسليم المجرمين للكلاب المفترسة المتوحشة التي كانت تقطعهم إرباً إربا، وكان يتم إشعال بقية المجرمين بالنيران، بعد دهنهم بالزفت وإطلاقهم في أرجاء المدينة ليكونوا شعلة للذنب في ليل روما.. أما أحد أبرز أدوات التعذيب أيام الرومان فكان يعرف بالمخلعة، ويشير هذا الاسم الذي يعني (الحصان الفتي) إلى أنه ربما كانت هذه المخلعة إطاراً يشبه الحصان يمدد عليه الضحية بالأثقال أو مخلعة للمفاصل.. كذلك كان يتم تنفيذ عقوبة الإعدام بحرق المتهم حياً لتكون وطأة التعذيب أكثر إيلاماً ولمدة أطول.. |
أساليب التعذيب: |
بما أن المبدأ الأولي للتعذيب هو تسبيب الألم أو على الأقل التهديد بتسبيب الألم واستغلال الخوف من ذلك الألم، لذلك كانت الأساليب التي يستخدمها جلاد التعذيب (غير متقنة) فأي شكل من أشكال العنف كاف لتحقيق أغراض ذلك الجلاد، ولكن في الحالات التي يتطلب فيها التشريع القانوني شكلاً معيناً من أشكال التعذيب مع تحديد مراحل ذلك التعذيب جيداً، أو عندما يستمد الجلاد متعة سادية منحرفة من تطبيقه لواجب التعذيب، كان يتم عندها تصميم أدوات وماكينات خاصة للتعذيب. يمكن تقسيم الأشكال العادية للتعذيب والتي لا تعتمد على أي أدوات أو ماكينات محددة والتي كانت تستعمل عبر كثير من القرون الزمنية إلى أربع فئات؛ ثلاث منها تشمل الاستعمال الوحشي للقوة الجسدية والنار أو الماء، أما الفئة الرابعة والتي يمكن وصفها بالتعذيب (المصقول) فيمكن أن تتخذ أشكالاً متنوعة بدءا من استعمال لسع الحشرات أو الباستينادو الصينية (أي الضرب بالعصا وبخاصة على أخمصي القدمين) أو الصدمة الكهربائية، إلى جانب الأساليب النفسية المتعددة. ويمكن أيضاً تقسيم استعمال القوة الجسدية لتعذيب الآخرين إلى فئات فرعية تشمل الضرب بأدوات حادة أو ضرب الجسد حتى ينزف الدم منه أو الوخز بأداة حادة أو لف الأطراف الجسدية بشكل مؤلم أو الضغط على الجسد أو البتر والتشويه.. ونادراً ما استعمل جلادو التعذيب المتوحشون أسلوباً واحداً فقط من الأساليب المذكورة أعلاه.. وكان المدى الذي يمكن فيه لجلاد التعذيب أن يصل إليه في تطبيق ذلك التعذيب قد وصف في خطاب إدموند برك خلال محاكمة وارن هايستنغز حاكم الهند الذي اتهم في سنة 1788م بخرق السلطة المخوّلة له كحاكم بريطاني للهند.. وكان أحد جلادي هايستنغز في هذا الإطار شخصاً هندياً مكلفاً بجمع الضرائب من الناس وكان اسمه ديفي سينغ، وكانت توصف أعمال هذا الشخص كما يلي: (كان أولئك الأشخاص الذين لا يتمكنون من جمع المال الكافي لدفع الضرائب للحكومة يضربون بقسوة ووحشية، فكانت تربط أصابعهم بالحبال بشدة حتى يتشقق لحم أيديهم ثم يتم حشو الفراغ بين الأصابع بمواد حديدية وخشبية. أما الآخرون من أولئك فكانوا يربطون معاً بأقدامهم ويضربون بالسياط على أخامص أقدامهم حتى تتساقط أظافر تلك الأقدام تلقائياً.. وبعد ذلك كان يضرب أولئك على رؤوسهم حتى ينزف الدم من أفواههم وأنوفهم وآذانهم. كذلك كانت تضرب أجساد هؤلاء بالسياط (بعد تعرية الجسد من الثياب) أو بقضبان الخيزران أو الأغصان الشوكية أو أخيراً بالأعشاب السامة التي كانت تحرق الجسد حرقاً عند اتصالها به.. ). هذه الأساليب الوحشية قد طبقت في التعذيب على مدى عدة قرون من الزمن من قبل الجلادين، ومن المؤسف القول أن هذه الأساليب لا تزال تطبق حتى يومنا هذا، ونجد مثلاً أن ملفات منظمة العفو الدولية مكدسة بتقارير عن ضحايا يتعرضون للتعذيب، فعلى سبيل المثال أخبر أحد الطلبة البورميين (في بورما) الذي أوقفته الشرطة في مدينة ماندالاي سنة 1987م بما يلي: (جاء إلينا فريق من ضباط الشرطة وجردونا من كل ثيابنا، ثم ربطوا أيدينا بالأغلال ثم علقونا في سقف الغرفة بواسطة حبل.. ثم بدأ التحقيق معي واستجوابي بالأسئلة ذاتها مراراً وتكراراً حيث كنت أعطي الجواب ذاته في كل مرة، ثم بدأ ضباط الشرطة يضربونني بحزام جلدي وكان عدد تلك الضربات يتراوح ما بين 70 إلى 80 جلدة أفقدتني الوعي كلياً بعدها.. وبعد ذلك أنزلوني إلى الأرض ورشوا الملح ومسحوق الكري اللاذع على جراح جسدي ثم بدأوا يبولون علي..). وهنالك عقاب آخر مشابه في وحشيته لتلك الأساليب رغم أنه نادراً ما يؤدي إلى الموت وهو عقاب بتر أعضاء الجسد.. وكان الهدف من هذا العقاب أن يرى الآخرون في ذلك عبرة لهم وبأن الجاني قد ارتكب جريمة يظهر عقابها مدى حياته، وفي إنكلترا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر فقد الكثير من الأشخاص البارزين جزءاً من آذانهم أو كلها لتوجيههم ملاحظات أو تعليقات غير مقبولة. وعندما هدد السير روبرت سترانيج بقتل دون بكنغهام في سنة 1628م ضرب بالسوط على مدى المسافة القائمة بين تمبل بار ووستمنستر في لندن حيث فقد هناك كلتا أذنيه وتم كي خديه. |
التعذيب بالحرارة والنار |
ربما يكون الألم الناتج عن الإحراق أكثر إيلاماً وحدة من أي وسيلة تعذيب أخرى.. لقد استنبط الجلادون على مدى عدة قرون أساليب متنوعة في استعمال الحرارة والنار حيث تم تصميم أساليب مختلفة، بعض منها تمثل آلات أو أدوات خاصة بالتعذيب، ولكن وفي معظم الحالات كانت المعاناة من الحرارة والنار كافية حتى بأبسط أشكالها.. ولقد استعمل جلادو القرون الوسطى فكرة التعذيب بالحرارة والنار هذه بحيث كان الأسلوب التعذيبي المهيمن في كل أنحاء أوربا في ذلك الوقت هو الكي بالحديد الساخن.. وعندما قتل الملك جايمز الأول في اسكتلندا في سنة 1437م كان المتآمر الرئيسي ولتر أحد نبلاء منطقة أثول ولقد أخذ ولتر إلى مكان إعدامه في مدينة أدنبره الاسكتلندية حيث تم تقطيع جسده بواسطة القضبان الحديدية الساخنة وبعد ذلك تم وضع تاج حديد ملتهب على رأسه حيث تم تتويجه كملك للخونة.. ولم تكن العقوبة لارتكاب جرائم أقل درجة من القتل هي الإعدام بل كانت العقوبة الكافية هي الكي بالنار. وقد طبق هذا العقاب أيضاً على الكتاب والأدباء والمثقفين.. ففي سنة 1628م اتهم أحد رجال الدين الاسكتلنديين بنشر وتوزيع كتاب مليء بالفضائح الموجهة ضد الملك وأعوانه وأقربائه، ولقد تم قطع أو بتر إحدى أذنيه وتم كي وجهه بالنار بوسم الحروف (SS) عليه.. وكانت تستعمل وسائل تعذيب أخرى أكثر فظاظة ووحشية حيث نقرأ في إحدى الكتابات التي تعود إلى سنة 1624م وصفاً لأساليب الاستنطاق والتحقيق التي كان يطبقها الهولنديون في جزر الهند الشرقية كما يلي: (كان يرفع المتهم على آلة رافعة ثم يحرق بواسطة الشموع المضاءة في أخمصي قدميه حتى يسقط لحم القدمين على تلك الشموع.. كذلك تحرق أكواع المتهم في ذراعيه، وراحتا يديه، ويتم إحراق تحت إبطيه بحيث يترك ذلك علامة تشويه دائمة في جسده). وهناك أساليب أخرى تستند إلى الحرارة في التعذيب مثل استعمال الماء المغلي والزيت المغلي أو الشحم الحيواني المغلي أو الرصاص المصهور.. |
أدوات التعذيب: |
لم يكن التعذيب الجسدي وحده، مثل الضرب بالأيدي أو الضرب بالسوط أو التعذيب بالنار والماء، كافياً بالنسبة للمحققين الساديين الذين كانوا يطلبون حيازة أدوات محددة ومصممة لتسبيب الألم الحاد، أو الألم الذي يمكنه في الوقت ذاته أن يتزايد تدريجياً حتى الوصول بالمتهم إلى الاعتراف المطلوب. المِخلعة: ربما تكون هذه الأداة أشهر أدوات التعذيب وأكثرها استعمالاً، ويعود استعمال هذه الأداة إلى الأزمنة القديمة، وكانت هذه الأداة تستعمل كوسيلة للتعذيب المدني (غير الديني) في التحقيقات القانونية الإغريقية. من ناحية أخرى ورغم أنه كانت تستعمل أنواع مختلفة من أداة المخلعة عبر قرون التاريخ، فإن المبدأ الأساسي في كل نوع كان مماثلاً للأنواع الأخرى من هذه الأداة.. فكانت تربط أيدي الضحية إلى عارضة خشبية في أحد أطراف المخلعة وتمدد أجساد الضحايا بعد ذلك بواسطة حبال تربط أقدامهم، وفي البداية كان الأسير أو الضحية يرفض التمدد ويقاومه ليس فقط بواسطة عضلات ذراعيه وساقيه بل أيضاً بواسطة عضلات بطنه، وفجأة بعد ذلك تنهار عضلات أطراف الضحية بدءاً من الذراعين ووصولاً إلى تمزيق عضلات البطن وإذا استمر التعذيب على ذلك المنوال تخلع الأطراف من مكانها وتتمزق مفاصلها أو تنقطع. ومنذ أيام الرومان وحتى أوائل العصور الوسطى كان هناك تدوين قليل لاستعمال أداة المخلعة في التعذيب، لكن هذه الأداة كانت تستعمل بشكل متزايد - خاصة من قبل السلطات المدنية - منذ تأسيس محاكم التفتيش الدينية، وكانت تعرف هذه الأداة بـ(الحصان الصغير) في فرنسا، و(السلّم) في إسبانيا، و(الإطار) في ألمانيا.. أداة قيود أو أصفاد سكيفينغتون: هذه أداة تعذيب تطورت واستعملت فقط في إنكلترا، وكانت تعرف بقيود أو أصفاد سكيفينغتون، وفي أحيان أخرى كانت تسمى بـ(ابنة الزبال).. وكانت هذه الأداة عبارة عن طوق حديدي كبير مقسم إلى قسمين حيث كان يجبر الضحية الذي تربط يداه خلف ظهره على الركوع على النصف السفلي من ذلك الطوق، وعندها كان يعمل الجلاد على دفع الضحية إلى الأسفل بحيث يطبق نصفي الطوق الأسفل والأعلى إلى بعضهما بواسطة برغي كبير.. ومع شد ذلك البرغي جيداً يضغط جسد الضحية إلى بعضه بشكل أقوى بحيث يطبق صدره على ركبتيه، وبطنه على فخذيه، وفخذاه على ساقيه، وكان ذلك يؤدي بالتدريج إلى خلع العمود الفقري من مكانه وتصدع عظام الصدر والأضلاع. اللولب الإبهامي: تشير وثيقة اسكتلندية تعود إلى سنة 1684م إلى ظهور أداة تعذيب مبتكرة وتشير مراجع أخرى إلى أن هذه الأداة ظهرت سنة 1397م، ولقد أدخل هذه الأداة إلى اسكتلندا شخص اسمه توماس داليل الذي كان قد سجن في سجن برج لندن في سنة 1652م، وهرب منه ليصبح لاحقاً جنرالاً في الجيش الروسي، وعندما أعيد تشارلز الثاني في سنة 1660م عاد داليل إلى اسكتلندا ويقال أنه جلب معه لولباً إبهامياً روسياً.. ولم تكن تلك الأداة في شكلها الأصلي أكثر من أداة ضغط شبيهة بزوج من كسارات الجوز.. أما الأداة في شكلها المصقول فكانت تتكون من قضيبين حديديين قصيرين في أحدهما ثلاثة قضبان حديدية أصغر حجماً تلائم ثلاثة ثقوب في القضيب الكبير الثاني. وهكذا يتم وضع إبهامي يد الضحية أو أصابع يده بين القضيبين الحديديين الكبيرين على جانب القضيب الأصغر المركزي الذي يمكن عندها ضغطه بشكل لولبي محكم وشديد. كذلك استعمل اللولب الإبهامي في الكثير من البلدان الأوربية الأخرى وقد تطورت هذه الأداة في ألمانيا بتزويدها بالمسامير الحديدية التي تنفذ داخل الأظافر. أداة الحذاء: لقد وصف التعذيب بواسطة هذه الأداة من قبل الأشخاص الذين شاهدوها قيد التطبيق بأنها تمثل (أشد ألم ووحشية في العالم). ورغم أن اسم هذه الأداة هو الحذاء، فإن مصطلح (ألواح الضغط) قد يكون الوصف الأكثر دقة لهذه الأداة. كان يجلس الضحية على مقعد خشبي وتوضع ألواح الضغط على باطن وظاهر كل ساق. هذه الألواح كانت تربط إلى بعضها بشدة أيضاً حيث يتم لاحقاً تمرير قطع خشبية أو حديدية إلى داخل الألواح بواسطة مدق حديدي.. وإذا كان التعذيب بهذه الأداة عادياً لا يتم إدخال أكثر من أربع قطع بين الألواح، أما إذا كان التعذيب غير عادي فلا يقل عدد تلك القطع عن الثمانية وكان الألم الناتج عن ذلك شديدا للغاية بحيث كان يؤدي ذلك التعذيب في بعض الأحيان إلى تحطم ساقي المتهم. ولقد حصل صقل لهذه الأداة بحيث برزت أداة جديدة اسمها (الحذاء الإسباني) الذي استعمل في بلدان كثيرة، بما فيها اسكتلندا وكان هذا الحذاء أيضاً مصنوع من الحديد، لكن زوّد بآلية براغي وقلاووظ تعمل على ضغط (بطة) الساق تحديداً.. وإذا تمكن الضحية من تحمل التعذيب بهذه الأداة الحديدية دون أن ينهار كان يتم تسخين حديد الحذاء بواسطة الفحم حتى يصبح الضحية غير قادر على تحمل الألم.. ولقد طبقت عدة أنواع من أداة الحذاء في فرنسا وكان أحد أساليب التعذيب في هذا الإطار يستند إلى استعمال الحذاء العالي المصنوع من الجلد الطري والإسفنجي، كان يوضع الضحية الذي يرتدي الحذاء قرب نار مشتعلة ساخنة ويسكب الماء المغلي داخل الحذاء.. ولقد شمل أسلوب تعذيبي آخر ارتداء الضحية لجوارب رطبة مصنوعة من ورق رقيق اسمه البرشمان يتم بعدها إجلاس الضحية أمام النار بحيث يجف الورق ويتقلص ويضغط على ساقي الضحية مما يؤدي إلى ألم شديد يمتد عبر كامل ساقيه. |
التعذيب في القرن العشرين: |
رغم مواثيق جنيف المقبولة دولياً فيما خص احترام أسرى الحرب كان استعمال التعذيب - وعلى الأخص في أيام الحرب - قد استمر خلال معظم فترة القرن العشرين. وكان أشهر ما حصل في هذا القرن التعذيب الذي حصل خلال الحرب العالمية الثانية ما بين سنة 1939م وسنة 1945م، ومع إعلان تلك الحرب كانت للسلطات المدنية في ألمانيا خبرة واسعة في اضطهاد قطاعات واسعة من السكان، وحيث أن الألمان كانوا واعين تماماً لوجود مساجين عسكريين ألمان في مخيمات السجناء عند أعدائهم الحلفاء كانوا شديدي الدقة في معاملة سجناء الحلفاء عندهم.. لكن هذه الدقة لم تصل إلى مقاتلي المقاومة أو العملاء السريين الذين كان يتم القبض عليهم والذين لم يرتدوا الثياب العسكرية أو يحملوا أوراقاً ثبوتية وبذلك يكونون تحت حماية مواثيق جنيف الدولية التي تحمي أسرى الحرب ويتم اعتبارهم جواسيس.. وبينما كان من المتفق عليه دولياً أنه يمكن إعدام الجواسيس حالاً ولكن لم يكن هناك مبرر لتعذيب هؤلاء خلال التحقيق معهم، وقد اشتهر بهذا الدور التعذيبي مؤسسة الغستابو (الاستخبارات الألمانية النازية). من ناحية أخرى نجد أن البوليس السري الألماني قد تأسس في شهر آذار سنة 1932م في اجتماع ضم إرنست روم مدير منظمة SA (القمصان البنية) وجوزف غوبلز ونائب هتلر رودولف هس وهنريخ هملر قائد منظمة (القوة الوقائية). وكانت لمنظمة الغستابو مسؤوليتان: إحداهما التحقيق في القضايا الأمنية داخل ألمانيا والأخرى التحقيق مع أولئك المتورطين في قضايا أمنية خارجية وقضايا التجسس. وكانت الغستابو كجزء من هيئة تنفيذية بإمرة الفوهرر نفسه خارج إطار القانون وفقاً لما يلي: (تناط بهذه الهيئة كل المهمات السياسية التي كانت تهم هتلر نفسه، أو كيفية الحفاظ على سلطته وكذلك السياسة السكانية والسياسة الخاصة بالأراضي المحتلة من قبل النازيين وأخيراً اضطهاد وملاحقة كل المعارضين الفعليين والمقترحين للنظام النازي). |
السجناء عند اليابانيين: |
خلال الحرب العالمية الثانية في الشرق الأقصى، عانى سجناء الحلفاء أكثر المعاناة خاصة وأن قانون المحارب الياباني يعتبر الاستسلام للعدو نوعاً من العار وأنه يجب على المساجين أن يعانوا من سوء المعاملة المهينة على أيدي آسريهم.. وهكذا كان اليابانيون يجبرون الأسرى على القيام بالأعمال الشاقة ويضربون بشكل متكرر السجناء خلال قيامهم بتلك الأعمال بواسطة العصي أو السياط وفي بعض الأحيان بواسطة البنادق خاصة عند احتجاجهم.. ولقد وصف الفرد بوري في أحد كتبه مشهداً عاماً كما يلي: (كان يوضع العديد من الأسرى عراة يقفون مثل التماثيل ويمسكون بأيديهم المعاول والمجارف ويجبرون على التحديق بعيون مفتوحة إلى الشمس اللاهبة). من ناحية أخرى كان الأسرى عند اليابانيين يضربون بالسوط أو يتعرضون لحالات تشبه الشنق حتى الرمق الأخير دون الموت.. كذلك كان يشرب السجناء عند اليابانيين مياهاً مالحة على مدة عدة أيام ثم يسمح لهم بعد ذلك بشرب الماء النقي البارد، وبعد ذلك يتعرضون للضرب على بطونهم إما بالقفز عليها أو مباشرة بقبضة اليد بحيث يخرج ذلك الماء من عيونهم وأفواههم وأنوفهم.. وكان يعلق بعض المساجين من أقدامهم ويسكب بعدها البول أو في بعض الأحيان سائل اليود في أنوفهم بينما كان يجبر سجناء آخرون على الركوع فوق الحجارة المستدقة الرأس. |
التعذيب على نطاق العالم: |
من السخرية القول أن تلك البلدان التي كانت بين الدول الأولى التي تخلصت من الاستعمار الإسباني والبرتغالي - وتخلصت بالتالي من إرهاب محاكم التفتيش الدينية - قد اشتهرت هي نفسها خلال القرن العشرين بإساءة معاملة السجناء المجرمين والسجناء السياسيين على حد سواء، ولقد ألقت منظمة العفو الدولية الضوء على حالات تعذيب في كل بلد من بلدان أميركا اللاتينية وكان الكثير من تلك الحالات تشمل الأطفال الأبرياء. ففي الأرجنتين وبوليفيا وتشيلي والمكسيك أبلغت هذه المنظمة المذكورة عن ضرب متكرر للسجناء - موجهاً خاصة إلى الأعضاء التناسلية وتهديدات أخرى - أو حالات فعلية من الاعتداء الجنسي على السجناء، فقد حصلت في ظل الحكم العسكري للأرجنتين ما بين سنة 1976م وسنة 1983م أعمال خطف وتعذيب يليها القتل لمعارضين سياسيين بحيث أصبحت تلك الممارسة منتظمة وملازمة للنظام العسكري. وتحصل حتى اليوم المعاملة الوحشية للسجناء من قبل الشرطة في الكثير من بلدان أميركا اللاتينية، ففي بوليفيا لا يترك التعذيب المعروف باسم (الجرس) أي علامات جسدية عند المتهم حيث يدفع رأسه داخل وعاء معدني ويتم ضرب ذلك الرأس بواسطة الوعاء بشكل متكرر حيث يصبح الضجيج والتذبذب الناتج عن ذلك غير قابل للاحتمال.. وتفضل الشرطة في تشيلي والمكسيك استعمال الأسلوب الذي يعرف بأسلوب (الهاتف) والذي يشمل توجيه ضربات متتالية للأذنين. كذلك يستخدم البوليس المكسيكي نوعاً من التعذيب يعرف باسم (الجرس الكهربائي) حيث يوضع منحنى كهربائي على العيون واللثة واللسان وحلمات الثدي والأعضاء التناسلية، وقد تربط أجزاء أخرى من جسد الضحية بواسطة الأسلاك إلى ذلك المنحنى الأساسي، ويستعمل البوليس السري في دولة تشاد أسلوباً خاصاً، حيث يلف رأس الضحية بحبل أو سلك ثم يلف ذلك الرأس بالعصا مما يسبب ألماً حاداً وفي النهاية يؤدي إلى نزيف حاد من الأنف وفقدان الوعي. أما في بلاد بورما فتؤخذ الضحايا في (رحلة في طائرة الهليكوبتر) حيث يتم تعليقهم بواسطة معاصمهم أو كواحلهم من مروحة تدور وهي مثبتة في السقف ويضرب الضحية خلال دورانه مع دوران المروحة. |
الحملة ضد التعذيب: |
في عام 1793م أصدر عالم الرياضيات فيري سيزار باكاريا كتابه (عن الجرائم والعقاب) تساءل فيه: (هل يعد التعذيب وأدوات ذلك التعذيب عادلة وهل تصل إلى الغايات التي يريدها القانون؟ وهل تعتبر العقوبات المتكررة في إطار ذلك التعذيب مفيدة؟ وما هو تأثير التعذيب وأدواته على العادات والقيم الاجتماعية؟ هذه هي المشاكل التي يجب حلها بدقة بحيث لا تنقض المجادلات السفسطائية أو النمق في التحليل تلك الحلول). ثم عمل مؤلف الكتاب المذكور على تقديم حجة توازي حجج علم الرياضيات كما يلي: (يجب أولاً معرفة قوة عضلات ذلك المتهم وأعصابه خاصة إذا كان بريئاً ومعرفة حجم الألم المطلوب لجعل ذلك المتهم يعترف بجريمته.. ). وهنا حاجج بيكاريا في كتابه بأن البريء يعاني أكثر من المذنب من حيث التعذيب كما يلي: (قد يعذب البريء والمتهم، لكن الأول سيواجه مصاعب أكثر على الطريق إلى المحاكمة، فإذا اعترف بجريمته يدان وإذا أعلنت براءته يكون قد عانى من عقاب لا يستحقه.. ). ولقد نجح هذا الكتاب لأنه أرسى أفكارا كانت في مرحلة بداية انتشارها بين المفكرين المعاصرين للفترة التي صدر فيها. وقد ذهب فولتير إلى مدى أبعد في شجبه لظاهرة التعذيب حين حاجج ضد المبدأ القائل بأنه يجب على الشخص الذي يتهم بارتكاب جريمة عظمى الاعتراف قبل إدانته بارتكاب ذلك الجرم (لم يدن القانون المتهمين بعد ورغم عدم التأكد من ارتكاب هؤلاء المتهمين لأي جرم نجد أنكم تعاقبونهم بشكل رهيب أكثر مما يمكن أن يحصل لو كان أولئك المتهمون مجرمين حقاً). ولقد أدى تأثير كلام فولتير إلى منع التعذيب في بروسيا سنة 1740م وفي فرنسا سنة 1789م.. وسرعان ما لحقت بلدان أوربية أخرى بذلك بحيث منعت التعذيب، ومع بداية القرن التاسع عشر يمكننا القول أو الادعاء بأن التعذيب الذي هو طريقة غير إنسانية في التعامل مع البشر قد انتهى ورغم ذلك وحتى هذا اليوم هناك الكثير من المناطق في العالم التي يحصل فيها شكل من أشكال التعذيب.. وقد قادت منظمة العفو الدولية حملة ضد التعذيب سنة 1998م، وصرح المندوب الخاص للأمم المتحدة في قضايا التعذيب البروفيسور نيغل رودلي بما يلي: (إن الواقع المظلم هو أنه رغم إجراءات المنظمات غير الحكومية والحكومية على مدى ربع قرن من الزمن لا يزال التعذيب يعد مشكلة منتشرة وواسعة، ولقد أصبحنا مدركين وبشكل متزايد لتواصل التعذيب ليس فقط ضد المعارضين السياسيين بل أيضاً ضد المشتبه بارتكابهم جرائم محددة). وأخيراً؛ نختم هذا الكتاب بقول لبول تايتغن أحد الناجين من الاعتقال والتعذيب في معسكر داشو خلال الحرب العالمية الثانية حيث يقول: (عندما تنخرط في العمل على تعذيب الآخرين، إعلم أنك قد ضعت، ينبغي أن تعلم أن الخوف هو الأساس الذي تقوم عليه كل هذه الأعمال، وما نسميها حضارتنا الإنسانية تغطيها القشور الزائفة.. أزل تلك القشور وستجد الخوف كامناً تحتها) . |
الكتاب صادر عن الدار العربية للعلوم/ بيروت - ط1 2000م. |