سوف نقف فيما يلي من الحديث عند
أربع نظريات في الأنماط نأخذ أولاها من حضارة
اليونان، ونأخذ الثانية والثالثة والرابعة
من الدراسات الحديثة:
أ) الأنماط عند أبيقراط: كان
ابيقراط (HIPPOCRATES) (400ق.م) يرى أن الأمزجة تعود
إلى أربعة أنماط، وقد اعتمد في هذا التصنيف
على العناصر التي يتكون منها الجسم الإنساني
والإختلاطات التي تتكون ضمنه والأنماط
الأربعة كما يراها هي:
1- المزاج الدموي(the samguine temperament):
ويظهر معه الشخص نشطاً وسريعاً، وسهل
الاستثارة من غير عمق أو طول مدة، وهو أميل
إلى الضعف من ناحية المثابرة والدأب.
2- المزاج الصفراوي(the choleric temperament):
ويغلب عليه التسرع، وقلة السرور، وشدة
الانفعال.
3- المزاج السوداوي: (the melanholic
temperament): ويغلب عليه الاكتئاب والحزن
4- المزاج البلغمي أو اللمفاوي (the
ghlematic temperament): ويغلب عليه التبلد والبطء، وضعف
الانفعال وعدم الاكتراث.
ترجع هذه الأنماط الأربعة إلى غلبة
واحد من أخلاط الجسد الأربعة وهي:
الدم والصفراء، والسوداء، والبلغم
إلا أن ابيقراط يضيف إلى ذلك قوله: إن الإنسان
السوي السليم هو الذي تمتزج عنده هذه الأمزجة
الأربعة بنسب متفاوتة.
وقد بقي هذا التصنيف مقبولاً في
أوروبا خلال العصور الوسطى وترك آثاره في بعض
الكتابات الأدبية.
ب) الأنماط عند يونغ: يعتبر التصنيف
الثنائي للشخصية كما ظهر عند يونغ (Jung, 1922) من
أوسع أشكال التصنيف الحديثة انتشاراً أو
تأثيراً لدى العاملين في هذا الحقل أو
المتتبعين له يرى يونغ أن هناك نمطين رئيسيين
للشخصية: أحدهما المنطلق أو المنبسط (Exvovert)
والثاني المنطوي أو المنكمش (Imterovert) ويكون
الاتجاه الرئيسي للأول نحو العالم الخارجي
بينما يكون التمركز الرئيسي للثاني حول ذات
الشخص وداخله. يتميز المنطلق بحب الاختلاط،
والمرح، وكثرة الحديث، وسهولة التعبير، وحب
الظهور، بينما يتميز الثاني بالحساسية
والعوز، والتأمل الذاتي، والانكماش، والميل
إلى العزلة، وقلة الحديث إن الاختلافات
الأساسية بين النمطين كما ذكرها يونغ تشير
إلى عدد من الجوانب.
فالمنطلق يعمل بتأثير وقائع
موضوعية بينما يتأثر المنطوي بعناصر أميل إلى
أن تكون ذاتية تأملية. وسلوك الأول يوجهه
الشعور بالضرورة والحاجة بينما يسير سلوك
الثاني على قواعد ومبادئ عامة.
ويكون الأول أقوى على التكيف بيسر
بينما يكون الثاني مقصراً من هذه الناحية.
والعصاب الغالب في الأول هو الهستيريا، أما
الغالب على الثاني فالقلق والوسواس المتسلط،
على أن الحكم العام بالنسبة للنمطين يدعو إلى
القول عن المنطلق انه رجل عمل وإجراء بينما
يقال عن الثاني انه رجل تأمل ومناقشة.
لا يقف يونغ عند هذا الحدّ من
التصنيف الثنائي، بل يفصّل الحديث في تعبير
الإنسان ويجعله في أشكال: فهناك المنطلق
العقلاني، وهناك المنطلق اللاعقلاني. وكذلك
هناك المنطوي العقلاني والمنطوي اللاعقلاني
فإذا عرفنا أننا نميز عند العقلاني بين من
تغلب عليه صفات التفكير ومن تغلب عليه صفات
المشاعر الانفعالية، فإننا نميز عندئذ بين
منطلق عقلاني مفكر ومنطلق عقلاني مأخوذ
بمشاعره الانفعالية. مثل هذا التمييز موجود
كذلك فيما يتصل بالمنطوي.
ولكل من هذه الأشكال صفاته وكذلك
للشكل اللاعقلاني يضاف إلى ذلك أن اللاعقلاني
على أشكال في النمطين، ولكل صفاته. وفيما يلي
بيان تفصيلي بهذه الأشكال:
1) المنطلق: متجه عام نحو العالم
الخارجي.
أـ المنطلق اللاعقلاني:
1- التفكير: مهتم بالواقع والتصنيف
المنطقي، والحقيقة العملية.
2- الشعور الانفعالي: نزوع نحو
التناسق مع العالم، صلات حارة مع الآخرين.
ب ـ العقلاني:
3- الإحساس: متجه نحو المصادر
الاجتماعية والمادية للذة والألم، ونحو
طلبات الآخرين.
4- الحدس: يستجيب للتغير، يحكم على
الآخرين بسرعة، مغامر، مقامر.
2) المنطوي: متجه عامة نحو الذات
والأمور الخاصة.
أـ المنطوي العقلاني:
1- التفكير: نظري، تأملي يدور حول
الأفكار، غير عملي.
2- الشعور الانفعالي: نزوع نحو
التناسق الداخلي، مشغول بأحلامه الخاصة
ومشاعره.
ب ـ المنطوي اللاعقلاني:
1- الإحساس: متجه نحو اكفاء الخبرة
الحسية.
2- الحدس: متجه نحو التأمل الذاتي،(سويعاتي)
ومأخوذ بالطقوس.
ج) الأنماط عند بافلوف: انطلق
بافلوف (Pavlov) في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر
الجراحين الروس يوم/ 6 كانون الأول 1927م من
ثلاثة منطلقات أساسية عند شرح نظريته عن
أنماط الشخصية.
يذهب في الأول إلى أن الجهاز
العصبي هو مركز الفعاليات النفسية، وأن ما
يسميه بعضهم بالارتباطات النفسية ليس إلا
ارتباطات فزيولوجية وان مختلف الدراسات
المخبرية التي قام بها لفترة طويلة من الزمن
تعطي دليلاً كافياً على ذلك. ويذهب في الثاني
إلى أن هناك ظاهرتين أساسيتين في التكوين
النفسي للإنسان(والحيوان) هما عمليتا الإثارة
والكف، وانهما مترابطتان، وان فعالية
الإنسان(والحيوان) منطلق منهما باستمرار، وأن
الأولى تمثل نشاط الإنسان وإنتاجه بينما تمثل
الثانية، وهي الكف، النزوع الى الراحة
واستعادة النشاط وحماية الخلايا من الإعياء
والإفراط في صرف الطاقة أما المنطلق الثالث
فالقول بأن الإنسان يحمل قدرة على التكيف،
وأنه في ذلك يحمل الكثير من الأفعال المنعكسة
الطبيعية التي تُرى ثابتة ومتناسبة مع مؤثرها
الأصلي، والكثير من الأفعال المنعكسة
الشرطية التي تكون مكتسبة وقابلة للتعديل
والتحويل، من هذه المنطلقات يأتي بافلوف
للحديث عن أنماط المزاج عند الإنسان عن طريق
الحديث عن الأنماط التي يجدها عند الكلب على
أساس أن التشابه في التكوين الفزيولوجي بين
الاثنين يكفي لمثل هذا التعميم فهناك أولاً
نمطان متطرفان يقابل أحدهما الإثارة وشدتها
ويقابل الثاني الكف وهدوءه.
وهناك ثانياً حال متوسط معتدل عنده
شيء من الطرفين ولذلك فهو متوازن. ولكن هذا
الحال المتوسط يعود، هو نفسه، إلى نمطين
تبعاً لغلبة الإثارة أو الكف؛ فتكون الإثارة
هي الغالبة في أحدهما، ويكون الكف هو الغالب
في الثاني. وهكذا نحصل على أنماط أربعة
للأمزجة كما يقول بافلوف، وهي كما يلي:
1- المندفع الذي يتميز بشدة
الاستثارة، والاندفاع، والطيش وكثرة التسلط،
والعدوانية ويبدو ذلك واضحاً عند الحيوان
الذي يميل إلى العدوان.
2- الخذول الذي يتميز بضعف النشاط،
وتطرف الهدوء، والاكتئاب والسكينة، والخضوع،
والتخاذل.
3- النشط المتزن الذي يتميز
بالاعتدال مع ظهور النشاط وكثرة الحركة
والملل السريع حين لا يوجد ما يشغله، وهو
فعّال ومنتج.
4- الهادئ المتزن الذي يتميز
بالقبول والمحافظة والرزانة، وهو عامل جيد
ومنظم.
وينعطف بافلوف نحو الأنماط عند
ابيقراط ليقارن بينها وبين ما قال به هو يقول
بافلوف أن ابيقراط قد اقترب من الحقيقة
كثيراً من حيث قوله بالأنماط الأربعة للمزاج،
ولكنه ابتعد عما يقبله العلم الحديث في
الأساس الذي اعتمده في ذلك التصنيف..
والمقارنة بين الأنماط في الطرفين
تقود إلى ما يلي:
أ ـ يقابل مزاج المندفع الذي يقول
به بافلوف المزاج الصفراوي الذي يقول به
ابيقراط.
ب ـ يقابل مزاج الخذول عند بافلوف
المزاج السوداوي الذي يقول به ابيقراط.
جـ ـ يقابل مزاج النشط المتزن عند
بافلوف المزاج الدموي الذي يقول به ابيقراط.
د ـ أما مزاج الهادئ المتزن الذي
يقول به بافلوف فيقابله عند ابيقراط المزاج
البلغمي أو اللمفاوي.
ويُعرّج بافلوف على الاضطرابات
النفسية ليقول بأن نسبة من يأتي إلى العيادة
من النمطين الأولين المتطرفين، المندفع
والخذول هي أعلى بكثير من نسبة من يأتي من
النمطين المعتدلين أو المتزنين والظاهر أن
تمكن الأخير من التكيف مع شروط الحياة
ومواجهتها بما يجب دون تطرف هو أقوى من تمكن
الأولين فإذا أخذنا ما يغلب من اضطراب في
النمطين الأولين وجدنا الغلبة للوهن العصبي
في حالة المندفع والهستيريا في حالة الخذول.
هـ) الأنماط عند شلدون:
أوضح شلدون
(sheldon,1942) في نظريته عن الشخصية أنها ترجع إلى
ثلاثة أنماط مزاجية، وان كل نمط من أنماط
الشخصية يقابل تركيباً جسمياً معيناً وهو في
هذا التصنيف يعود إلى تركيب الجسم وما يغلب
عليه من حيث الوزن، ونمو العضلات والطول، وما
يتصل بها، ليقول في النهاية بوجود ثلاثة
أشكال من التركيب، ويرى كذلك أن هذه الأشكال
الثلاثة تتمايز بتأثير من عوامل التعلم
واحتياجات الجسم وإشباعها وتطمينه ثم ينتهي
من بحثه إلى القول بوجود أنماط للشخصية تقابل
أشكال تركيب الجسم الثلاثة.
وحين تسمية هذه الأنماط نجده يشتق
الأسماء من النزوع البادي فيها إلى حاجات
الطعام في التركيب الأول والحركة والنشاط في
الثاني، وعمل الدماغ في الثالث هذه الأنماط
الثلاثة هي التالية:
1- النمط الحشوي: (viscerotonia): وهو نمط
الشخصية الذي يقابل تركيب الجسم الموصوف عامة
بصفة (الداخلي التركيب) (Endomorphy) ويغلب عليه
الاسترسال في ممارسة ما يتصل بشؤون التغذية
والشؤون العاطفية والاجتماعية وإننا هنا
أمام شخص ينام بسهولة ولا يستفيق خلال الليل
بسهولة انه يميل إلى الأكل ميلاً زائداً،
وينزع نحو البعد عن الحساسية والقلق وعدم
الاطمئنان وهو يتميز بسهولة التوافق
الاجتماعي وبحسن الصداقة مع كل من يعرفه، أنه
بدين غالباً، مستدير الجسم عند وسطه، وزنه
العام أعظم من نسبة ما عنده من عضلات، وميله
إلى الراحة والاسترخاء ظاهر.
2- النمط الجسمي
(somatotonia): وهو نمط
الشخصية الذي يقابل تركيب الجسم المسمى(المعتدل
التركيب) يتميز هذا النمط بتحمل الألم برضى
وإرادة، والنزوع إلى السيطرة والعمل، وهو حين
يتحدث إلى آخر ينظر إليه وإلى عينيه مباشرة،
عنده ميل صادق نحو التدرب الرياضي القاسي،
يحب الحمام البارد والسباحة عارياً
والاشتراك في مغامرات تتطلب جهداً جسدياً
شديداً انه يمثل المزاج الرياضي ويتميز
بالتناسق الجسدي والحركة.
3- النمط المخي(cerebrotonia): وهو نمط
الشخصية الذي يقابل تركيب الجسم المسمى(الخارجي
التركيب (Ectomorphy) انه شخص لا يتحمل الألم برضى
وإرادة، ويميل إلى الحساسية وسرعة الانفعال،
ولا يجد متعة في مجرد رفقة الآخرين ولا يعدّ
هذه الرفقة عنصراً هاماً. انه يفضل عدداً
قليلاً من الأصدقاء على العدد الكبير، ولا
يبدي الصداقة بسهولة ثم انه لا يؤثر الاشتراك
في مغامرات تتطلب جهداً جسمياً شديداً ولا
يحب السباحة عارياً والغالب عنده أن يكون
نحيلاً.