عن سلسلة عالم المعرفة صدر كتاب (الذكاء
العاطفي) ، محتوياً على ثلاثة أقسام مع مقدمة
يقدم المؤلف في هذا الكتاب طريقاً جديداً
للنظر في جذور أسباب أمراض الأسر والمجتمعات،
ويدعو فيه إلى ثقافة العقل والقلب معاً.
قام المؤلف في هذا الكتاب برحلة
تأمل علمي ثاقب في عواطف الإنسان، نفهم منها
معنى الذكاء، وكيفية ارتباطه بالعاطفة،
ونطلع عبر صفحاته على مملكة المشاعر وتأثيرها
في مسار حياتنا.
اعتمد المؤلف على الأبحاث الطبية
والدراسات التي أجريت على الدماغ البشري خلال
العقدين الماضيين، ليخرج بآخر اكتشافات
تركيبة المخ العاطفية التي تفسر كيف تهيمن
قبضة العاطفة القوية على العقل المفكر، وكيف
تكشف تراكيب المخ المتداخلة المتحكمة في
لحظات الغضب والخوف أو الحب عن كثير من
الحقائق، وأن النقص في الذكاء العاطفي أساس
الكثير من مشاكل كل فرد منا، لأنه يدمر الذهن
ويهدد الصحة الجسمانية بأخطار جسيمة.
ويجيب المؤلف عن السؤال المهم: ما
هذه المشاعر الإنسانية؟ وما مكانها في المخ؟
وهل ما ورثناه من طباع قدر محتوم، أم أن دوائر
المخ العصبية دوائر مرنة يمكن أن تتعلم
وتتغذى، وتقوى وفقاً للبنية التي يتأسس عليها
ذكاؤنا العاطفي منذ الطفولة؟.
أما أكثر الحقائق إثارة للقلق في
هذا الكتاب فهي ذلك المسح البحثي الشامل الذي
يكشف كيف بات جيل الأطفال الحالي في العالم
كله أكثر غضباً وجنوحاً وقلقاً واندفاعاً
وعنفاً.. فهل الذكاء العاطفي يقدم علاجاً؟ .
الجواب في صفحات هذا الكتاب الشيق.
في المقدمة يستشهد المؤلف بقول
لأرسطو في كتابه (الأخلاق إلى نيقو ماخوس): (أن
يغضب أي إنسان، فهذا أمر سهل.. لكن أن تغضب من
الشخص المناسب، وفي الوقت المناسب،
وبالأسلوب المناسب.. فليس هذا بالأمر السهل).
ثم يذكر المؤلف حادثة كان شاهداً
عليها قبل عشرين عاماً والتي انحفرت في ذهنه
ودعته إلى تأليف هذا الكتاب..
تتلخص تلك الحادثة بصعود المؤلف
إلى إحدى الحافلات حيث شد انتباهه سائقها وهو
يرحب به وترتسم على وجهه ابتسامة دافئة حيث
حيّاه بود، وقد انتبه المؤلف إلى أن السائق
كان يرحب بكل راكب حين صعوده.. بينما ارتسم على
وجوه الركاب المزاج الكئيب فلم تكن تلقى
تحيته وداً إلا من قليل منهم.
ولكن مع تقدم الحافلة ببطء في
مسيرها واستمرار السائق بتحية الركاب
والتعليق على ما تمر عليه الحافلة من أسواق،
ودور سينما.. حدث تحول بطيء وسحري داخل
الحافلة، ومع الوقت انتقلت عدوى ابتهاجه بما
يتمتع به من إمكانات ثرية إلى الركاب.. ونزل كل
فرد في محطته وقد خلع عن وجهه ذلك القناع
المتجهم الذي صعد به. وعندما كان السائق يودع
كلاً منهم بقوله: إلى اللقاء.. يوماً سعيداً..
كان الرد يأتيه بابتسامة جميلة على الوجوه..
ويعلق المؤلف على هذه الحادثة
بقوله:
لقد انطبع هذا الموقف في ذاكرتي
قرابة عشرين عاماً، وكنت وقتها قد انتهيت
رأساً من إعداد رسالتين لنيل الدكتوراه في
علم النفس.. لكن الدراسات السيكولوجية في تلك
الأيام لم تكن تبدي اهتماماً يذكر بالكيفية
التي يمكن أن يحدث بها مثل هذا التحول..
إذ لم يكن العلم السيكولوجي يعرف
سوى القليل، وربما لم يكن يعرف شيئاً أصلاً،
عن آليات العاطفة.. ومع ذلك فكلما تخيلت
انتشار (فيروس) المشاعر الطيبة بين ركاب
الحافلة الذي لابد أنه سرى عبر المدينة،
بدءاً من ركاب تلك الحافلة، اعتبرت ذلك
السائق مصلحاً يجوب المدينة (أو باعث السلام
في مجموعة من البشر) بمقدرته السحرية على
التخفيف من حالة التجهم الشديد البادي على
وجوه الركاب، فإذا بقلوبهم تتفتح قليلاً،
ويتحول التجهم المرسوم على الوجوه إلى
ابتسامة، وفي تناقض صارخ مع هذه الحادثة
تنبئنا بعض فقرات الصحف بما يلي:
- أحد المراهقين يطلق النار على
جمهور أحد النوادي في مدينة مانهاتن ويصيب
ثمانية من الصبية لأن كرامته أهينت كما تصور..
- جاء في تقرير حول ضحايا جرائم ما
قبل سن الثانية عشرة، أن 75 % من صبية هذه
المرحلة السنية هم ضحايا آبائهم أو أزواج
أمهاتهم.. وفي 50% من الحالات الواردة في
التقرير يقول الآباء أنهم لم يفعلوا شيئاً
سوى محاولة أداء واجبهم في تربية أولادهم،
بمعاقبتهم بالضرب حين يخالفون أوامرهم..
- وشاب ألماني يقتل خمس نساء
تركيات، من خلال إشعال النار فيهن وهن نائمات..
وقد اعترف الشاب أثناء محاكمته، وهو عضو في
مجموعة نازية جديدة، بأنه فشل في الحصول على
عمل، وأنه يتعاطى الخمور، وأنه يحمّل الأجانب
مسؤولية حظه السيء.
لقد أصبحت أخبار الصحف تحمل لنا كل
يوم مثل هذه التقارير حول انهيار الحس
الحضاري وفقدان الإحساس بالأمان، بما يشبه
موجة من الدوافع النفسية المتدنية الآخذة في
الاستفحال.. غير أن هذه الأخبار تعكس في
النهاية إحساسنا المتزايد بانتشار هذه
الانفعالات غير المحكومة على صعيد حياتنا
الخاصة، وحياة الآخرين المحيطين بنا.. وليس
هناك أحد بيننا بمنأى عن ذلك المد المتفلت من
الانفجار الانفعالي، إذ هو يصيب مختلف مناحي
حياتنا بشكل أو بآخر..