النبأ العدد 53 شوال 1421 كانون الثاني 2001

حـــوارمفتـــوح  حـول الشـــورى والديمقراطيـــة

السيــد  

مرتضــى الشيــرازي

وجدت مجلة النبأ انه من المناسب أن تنشر في هذا العدد تفاصيل اللقاء والحوار الذي جرى في مركز كربلاء البحوث والدراسات في لندن مع سماحة السيد مرتضى الشيرازي (دام ظله) مع عدد من أبرز الشخصيات الفكرية والسياسية من مختلف الخطوط والتوجهات الشيعية والسنية والإسلامية والعلمانية وغيرها، وما دار فيه من أسئلة وأجوبة قيمة تغني البحث الذي نشرناه في العدد السابق المرقم (52) ولأجل إكمال الفائدة عملت المجلة جاهدة لإظهار صيغة السؤال والجواب بشكلها الصريح، إلا في موارد استدعت التعديل في بعض الأسئلة من الناحية اللغوية وحذف التكرار، وصياغة السؤال مع الإبقاء على روحه ومفاده لذا نأمل في نشره أن نكون قد ساهمنا ولو جزئياً في إيصال الفكرة والحقيقة إلى القارئ العزيز ورفدنا المكتبة العربية بما يليق بمستوى تقدمها ورقيها.

س:

1) نحن نعرف أن الشورى تختص بالمسلمين، والديمقراطية عامة للمسلمين وغيرهم، لكن في بعض الدول الإسلامية يعتبرون الشورى هي الديمقراطية وفي نفس الوقت لا يفسح المجال أمام الرأي الآخر بل يضربونه. أما في الغرب فهناك حق للمسلم وغير المسلم في ابداء رأيه كما أن للمسلم حق التصويت في الانتخابات فإذا ما كانت الغالبية للمسلمين فستكون السلطة لهم، وسماحتكم تحدثتم عن العلاقة بين الشورى والديمقراطية بشكل عابر دون تفصيل والسؤال هو:

لماذا يأخذ المسلم دوره في بلاد غير بلاده؟


ج:

في الجانب النظري للمعادلة التي ينبغي أن تحكم المسلمين وغيرهم توجد لدينا قاعدة فقهية مسلّمة وهي مقتبسة من حديث لرسول الله(ص)، واجمع عليها الفقهاء، جاء فيها (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم) .

هذه هي المعادلة التي تتحكم بالعلاقة بين المسلمين وغيرهم وباختصار إنها تعني:

إن المسيحي أو اليهودي أو البوذي أو غيرهم له أن يتصرف كما يمليه عليه دينه في الإطار الذي يعتقد به - إلا ما خرج بالدليل وهو نادر - ومن الأمثلة التي ذكرها الفقهاء أن الكافر وكنموذج المجوسي في دينه المنحرف - في رأينا - يستطيع أن يتزوج بأخته وهذا العمل حرام وباطل في الدين الإسلامي ولكن المجوسي إذا تزوج باخته وهو يعيش في ظل الحكومة الإسلامية فهل يمنع من هذا الزواج أم لا؟

الفقهاء يقولون لا يمنع وربما لقوله تعالى: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) الكافرون 6، والقاعدة المستقاة من الحديث النبوي الشريف (ألزموهم بما ألزموا به أنفسهم).

وأكثر من هذا إذا مات المجوسي الذي تزوج اخته فإن ابناءه يرثونه وإذا توفيت الأم فإن أبناءها يرثونها رغم بطلان هذا الزواج عندنا.

فإذا كنّا نحن القضاة وراجعنا أبناء المجوسي فإننا نعطيهم الإرث بمعنى اننا نتواصل معهم مواصلة طبيعية فالزوجة ترث إذا مات الزوج حسب مبدئهم. وهذا المثال ذكره الفقهاء في هذه القضية رغم حساسيتها وعادةً الأديان تحرّم هذا الزواج لأن هذا النحو من الزواج كان بدعة وضعها ملكهم في قضية تاريخية معروفة..

والذي نريد قوله من هذا المثال أن قاعدة الإلزام تجري وهي ليست خاصة بالدائرة الإسلامية بل تتعدى الدائرة الإسلامية أيضا، فهناك مساحة كبيرة تتحرك فيها الأديان على ضوء التزاماتها ومعتقداتها وأمثلة قاعدة الإلزام كثيرة جداً وهذا نموذج واضح ذكره أغلب الفقهاء وأردنا منه توضيح الشيء العام وليس الخاص فما يحدث في غير البلاد الإسلامية باعطاء الحق للآخرين في الاختيار وابداء الرأي ذاته موجود في بلادنا لكن التنفيذ إذا جاء خاطئاً فهو ليس من شأن احكامنا الثابتة وإنما هي اجتهادات خاصة لا شك في ذلك.

س:

2) ما مدى إلزامية الشورى؟

2) المستشار رأيه غير ملزم دائماً فهو يعطي الاستشارة ثم إذا عزمت فتوكل. وفي قوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) آل عمران 159، يعني أن الأمر غير ملزم للحق، فالشورى تأتي دائماً بعد وجود الحق يعني لو أخذنا الدين الإسلامي الحنيف نلاحظ وجود الرسول الأعظم(ص) والقرآن الكريم فإذا كان الحاكم هو الرسول(ص) وأمر بالشورى مع عدم الزاميتها. كيف ذلك؟

3) هل هناك نص قرآني صريح يقول بحرمة الديمقراطية؟ وباعتقادي طالما لا يوجد هكذا نص فمن باب أولى أن لا نفترض نوعاً من التعارض بين الشورى والديمقراطية فيما إذا التزمنا بالقضايا والمبادئ الإسلامية العامة؟


ج:

أما بالنسبة للأول فنحن نرى كما يرى ذلك السيد الوالد أن الشورى ملزمة، وأن الحاكم يجب عليه أن يتقيد برأي الأكثرية وينطلق في ذلك من منطلقات عديدة.

والثاني يتداخل مع الأول فتكون الإجابة عليهما في وقت واحد وكما يلي:

الآية القرآنية الشريفة تقول (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) آل عمران 159، وهناك آية قرآنية أخرى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى 38، أما الآية الأولى (شاورهم) فهذه الكلمة يعبر عنها في علم الأصول بصيغة الأمر وصيغة الامر ظاهرة في الوجوب أي تجب هذه الاستشارة فالأصل في صيغة الأمر دلالتها على الوجوب كما أن الأصل في صيغة النهي دلالتها على الحرمة.. إذن (شاورهم) واجبة، وسنجيب على الإشكال بأن القرآن الكريم يقول بعد ذلك (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ).

إذن القرار بيد النبي الأكرم(ص) والحديث كله في الشؤون العامة لا في الأحكام الشرعية فإن الحكم الإسلامي لم يجعل حرمة الخمر شورى بين الناس وكذلك حرمة الزنا فهذه أحكام شرعية].

كلامنا يدور حول القرارات التي ترتبط بالشؤون العامة والحوادث الموضوعية الواقعة.. أي ترتبط بالجهة الداخلية أو السياسة الخارجية في السلم والحرب أو بالمعاهدات الدولية وما أشبه ذلك، فالآية القرآنية تقول في شتى هذه الشؤون (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ).

ولا بأس أن نوضح هنا كلمة (الأمر) أصولياً ونحوياً وهي تدخل هنا في باب المطلق، فإذا تمت مقدمات الحكمة - وهي تامة هنا - تصير كلمة الأمر عامة وشاملة لكل الأمور أي لا تقتصر على أمر واحد كالحرب مثلاً.

ولنرجع إلى سؤالكم إذ ذكر بعض المفسرين نفس الإشكال (فَإِذَا عَزَمْتَ) إذن القرار ليس للأكثرية وإنني ذكرت عدة أجوبة في كتابي (شورى الفقهاء دراسة فقهية أصولية) ومن الأجوبة التي ذكرتها في هذا الكتاب على هذا السؤال:

إن متعلق (عزمت) في الآية القرآنية غير مذكور، (فإذا عزمت) على ماذا؟ لا يوجد المتعلق قد تقول

إذا عزمت على ما استقرّ عليه رأيك وربما يكون المتعلق فإذا عزمت على ما أدّت إليه آراء الأكثرية.

إذن المتعلق غير مذكور ولا مجال للاحتجاج بهذه الآية لوجود المحتمل الممكن من المراد.. إلا أننا ربما نقوي المحتمل الثاني - والله أعلم - أي أن المتعلق إذا عزمت على ما ادّت إليه الأكثرية بقرينة قوله تعالى (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) ولقد ذكرت عدة قرائن في كتابي (شورى الفقهاء) وهنا اذكر قرينة أخرى لم أذكرها هناك وهي:

إن الإنسان عندما تكون له قناعة ورأي على خلاف رأي الأكثرية، يتخوف من أن يلتزم برأي الأكثرية لأنه يراه يؤدي به إلى التيه أو الضلالة إذ كان قرار الأكثرية بنظره خاطئاً.

أضرب مثالاً جرى في معركة أحد حيث كان رأي النبي الأكرم(ص) أن يبقى المسلمون في المدينة لأن عددهم كان يبلغ (700) فرد وأما الكفار فكان عددهم (2000) نفر. فكان رأيه (ص) أن يبقى المسلمون في المدينة ويحاربوا الكفار في نواحيها لأنهم اعرف بطرقات المدينة وتستطيع النساء والأطفال أيضا المشاركة من فوق دورهم، والرجال يحاربون في الشوارع والأزقة الضيقة.. ومقابل رأيه(ص) كان هناك رأي لجماعة منهم حمزة (رض) عم النبي(ص) وكثير من الشباب وهذه الأكثرية شكّلت ضغطاً للخروج خارج المدينة بغية القتال وبالفعل جرت المعركة خارج المدينة وانتهت لغير صالحهم في قضية مفصلة نقلتها الكتب التاريخية وهكذا جرت المعركة على خلاف رأي النبي الأكرم(ص).

نعود لنقول (فإذا عزمت) على ما أدت إليه آراء الأكثرية يجعل صاحب الرأي المخالف يتخوف لأنه يرى القرار خاطئاً، لكن:

ذلك لا غضاضة فيه لقوله تعالى (تَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) لان الله سبحانه وتعالى سيكفيك أي يجعل الخير والبركة في ذلك وهذه نقطة أولى.

أما النقطة الثانية: إن هنالك فرقاً بين الاستشارة والشورى؛ إذ سئل رسول الله(ص) ما الحزم؟ قال: مشاورة ذوي الرأي واتّباعهم(1) ففي الحديث فائدة إضافية تحدثنا عنها في أثناء البحث(2). والآية تقول (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى ليس معناها صرف الاستشارة فإذا استشرتك فقط، لا يسمى أمري شورى بل هو استشارة لا غير.

الشورى أن تلتزم برأي الأكثرية، فهي ملزمة ويجب العمل بها في القضايا العامة.

وأما قول السائل بأن الشورى تأتي بعد وجود الحاكم فالجواب:

إن النبي الأعظم(ص) هو رسول الله ولا شورى في ذلك ولم يدّع أحد من المسلمين مثل ذلك ولم نقل بأن الشورى في تعيين مبعوث الله إذ أن الله ينتخب افضل الخلائق على الإطلاق مثل آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام) فالنبي يبعث بأمر الله سبحانه وفي رأينا نحن الشيعة أن الأئمة(ع) هم أيضا بانتخاب وتعيين من قبل الله سبحانه، فالكلام هو أن هذا الحاكم نبياً كان أو إماماً معصوماًَ بتعيين من الله، ومع ذلك يستشير الناس في القضايا العامة ولكن نحن الآن في زمن الغيبة الكبرى ونعتقد - حيث الإمام المعصوم غائب - بأن الشورى تكون عندئذ في تعيين الحاكم نفسه أيضا.

وطريقة التعيين تكون إما بالشورى أو بانتخاب الأكثرية وكذلك تكون الشورى في رسم السياسة العامة والخاصة للدولة.

هذا ما صرّح به السيد الوالد (دام ظله) في كتابه (الشورى في الإسلام) وكتابه (الحرية الإسلامية).

أما جواب السؤال الثالث فلا يوجد نص يحرم الديمقراطية وإنما يوجد نص قرآني يدعو: إلى الشورى، لكن المتتبع لكلامنا في أثناء البحث(3) يجد أننا تحدثنا عن الفرق بين الشورى والديمقراطية حيث القرآن الكريم يقول (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) وفي نفس الوقت يقول (إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) المائدة 90، فالتحريم واضح وصريح فكيف نجمع بين الآيتين؟ لقد أوضحت ذلك بأن هذا مبدأ وذاك مبدأ آخر فكيف نجمع بين المبدئين عند التعارض؟ وذلك كما لو حدث تعارض بين الحرية والأكثرية أو العدل فهنا تأتي قاعدة الأهم والمهم لحل هذا التعارض - مع فارق التشخيص المصداقي للأهم والمهم -. بل لقد أوضحنا أن دائرة الشورى ليست في الأحكام بل في الموضوعات والشؤون العامة.

س:

1) هناك قراءات أخرى للإسلام قد تختلف وتتناقض مع رأي سماحة السيد المحاضر فهناك من يقول بأن للإسلام قراءات متعددة فهل ما استمعنا إليه هو أحد هذه القراءات المتعددة ضمن هذا المفهوم الجديد المتداول هنا وهناك؟

2) والنقطة الثانية مرتبطة بجوهر المحاضرة فهناك مفهوم ثان مطروح وحاكم ومسيطر يقول بالولاية المطلقة فالسؤال هو من أين جاء هذا الإطلاق لهذه الولاية؟ والحال أن السيد الشيرازي يقول أن الرسول الأعظم(ص) هو بشر مثلنا وليس بمسيطر أو جبار.

فهؤلاء الذين يريدون أن يسيطروا سيطرة مطلقة ويقودوا الشعوب بتوجيه يحمل هذا المفهوم المطلق الذي يرفض النقاش أو الاعتراض أو الحوار.. ما هو دليلهم وما هي المبررات القرآنية أو الفقهية التي يستندون عليها؟

3) مسألة الشورى والديمقراطية والخلاف بينهما هي في الواقع فلسفية واستطيع القول أنها ميتافيزيقية وغير مطلوبة لا يجب أن يدور الصراع حولها لأن المهم هو الجوهر فالجوهر الذي هو الديمقراطية أو الشورى اصبح ثقافة العالم في الوقت الحاضر، ومن جملة قيم العصر وهذه القيم لا تقف عند حدود ولا تقتصر على شعوب بعينها فهي قيم متحركة متداولة متبناة من قبل كل شعوب العالم وبالتالي إذا التزمنا بقول السيد الشيرازي في محاضرته نخرج إلى النتيجة التالية:

إذا نظرنا للإسلام من هذه الزاوية معنى ذلك أننا أصبحنا جزءاً من حضارة العصر وثقافته وبالتالي تسقط جميع الاعتراضات والإدانات التي تقول بان المسلمين متخلفون لأنهم يرفضون العقل ولا يؤمنون بالعلم وحقوق الإنسان.

وبحسب ما جاء من تحليل في هذه المحاضرة فإن الإسلام يبشّر بحاضر جديد متقدم ويعطي الأمل للمسلمين المقهورين والمظلومين والفقراء وكل شعوب العالم.


ج:

بالنسبة للسؤال الأول، نعم، هناك قراءات أخرى متعددة نعبّر عنها نحن الشيعة في الفقه بفتح باب الاجتهاد (وقد اشتهر ان للمصيب اجرين وللمخطئ اجر اواحدا) (4).

إذ المفروض أن الفقيه قد استنفذ كل طاقته لاستكشاف الحقيقة ونحن نميل إلى هذه القراءة ولنا شواهدنا وأدلتنا التاريخية العديدة من سيرة النبي الأعظم(ص) والأئمة الأطهار(ع) ومن جملتها هذا الشاهد نذكره باختصار:

إن الإمام علي بن أبي طالب(ع) هو الحاكم على المسلمين قاطبة آنذاك [وكما تعلمون أن هناك شيئاً يسمى بالتفويض يعني أن الشعب يعطي الصلاحية المعينة للحاكم] ومع أن الإمام(ع) كان عنده هذا التفويض لكنه ما كان يستخدمه في كثير من الأحيان إذ الواضح من خلال تتبع كلماته في نهج البلاغة أو غيره، انه إذا أراد تنصيب والٍ على منطقة ما كان يكتب رسالة إلى أهل الإقليم يقول لهم فيها بأنكم إذا انتخبتم هذا الرجل الذي بعثته فأبقوه أما إذ لم تقتنعوا به فارجعوه.. وهذا الحق قد لا يعرفه الناس لكن الإمام كان يعرفهم على حقهم أو على درجة اللطف بهم.

النقطة الثانية: إن الفقهاء الذين يؤمنون بالولاية المطلقة عندهم أدلة من جملتها الروايات فعن النبي الأعظم(ص) يقول (الفقهاء حصون الإسلام) والإمام الصادق(ع) يقول (فإني قد جعلته عليكم حاكماً) (5) وعن الإمام الحجة(عج) (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم) (6).

وقد ناقشت في كتابي (شورى الفقهاء) هذه الروايات والأدلة المتعلقة بها فمنها ما هو واضح جداً - مثلاً - إحدى المناقشات الواضحة الرواية التي تقول (الفقهاء حصون الإسلام) المروية عن النبي(ص) فهي لم ترد في الفقيه الواحد فقط دون سائر الفقهاء ولم تقل: مع إلغاء سائر الفقهاء فواحد هو حصن الإسلام؟ كلا، بل كل الفقهاء هم حصون الإسلام لأن الألف واللام في كلمة الفقهاء تفيد الجمع وهي قاعدة اصولية فالفقهاء وبمجموعهم هم حصون الإسلام.

وأما رواية الإمام الصادق(ع) ففي بداية الحديث الشريف يذكر مواصفات عامة لمن يجمع الشرائط فيقول(ع): (ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا.... فإني قد جعلته عليكم حاكماً) (7) فالضمير في جعلته حاكماً ينطبق على مجموعة من الأشخاص وعلى كل من جمع الشرائط لا على شخص واحد.

وقد طرحت في (شورى الفقهاء) بحثاً هاماً هو: ما الذي نصنع عندما يحدث تعارض في آراء الفقهاء؟

لقد ذكرت هناك برهان (الدوران والترديد) وهو برهان عقلي للإجابة على هذا السؤال(8).

أما الإمام الحجة(ع) فيقول في حديثه (أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها) إلى من؟ إلى واحد من رواة الحديث؟ كلا وإنما قال إلى رواة حديثنا) فانهم كمجموع (حجتي عليكم وأنا حجة الله). إذن توجد قراءات متعددة فبالنسبة لولاية الفقيه هناك من يرى بأنها مطلقة وهناك من يرى بأنها محدودة جداً - مثل الشيخ الأعظم الانصاري (قده) وغيره - في الشؤون الحسبية وما أشبه وهي دائرة محدودة جداً وهناك رأي متوسط في الأمر.

س:

1) قلتم بأن الشورى يجب تطبيقها في اختيار رئيس الدولة الإسلامية في عصرنا الحاضر. فما هي في رأيكم شروط الدولة الاسلامية؟ وما هو الفرق بين ولاية الفقيه وشورى الفقهاء؟

2) كيف تنطبق قاعدة (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) في مسألة تطبيق الحدود في الإسلام؟

3) مررتم مروراً عابراً على حقوق أهل الذمة فما هو الفرق بين اتباع الأديان السماوية واتباع غير السماوية؟ وما هو الفرق بين حقوقهم وواجباتهم ضمن الدولة الإسلامية؟


ج:

من وجهة نظر شرعية يشترط في الحاكم الإسلامي مجموعة من الشروط منها:

1. العدالة

2. الاجتهاد

3. رضى الناس

وهذه ثلاثة شروط رئيسية وهناك شروط أخرى مذكورة في الفقه. فرضا الناس شرط أساسي فمن لم يرض به الناس حَرُمَ عليه أن يحكمهم، والسيد الوالد ذكر في عدد من كتبه:

(إن الفقيه الحاكم لو استبد بالأمر سقط عن العدالة).

فيعتبر الاستبداد مخلاً بالعدالة.

إذن هنالك مجموعة من الشروط منها ما وضعها الله سبحانه كالعدالة ومنها ما قد أثبته الله جل وعلا فكان هو مصدرها كرضا الناس.

أما الفرق بين ولاية الفقيه وشورى الفقهاء فهناك عدة فروق منها:

الولاية تحصر في الفقيه الواحد أما الشورى فترى أن هذه الولاية لأكثرية الفقهاء وليس للفقيه الواحد، سواء كان الفقهاء متصدين للحكم أو لم يكونوا متصدين فليس استلام السلطة أو القوة هما الملاك وليسا هما المعيار على الإطلاق.

كما يشترط أيضا في شورى الفقهاء رضا الناس فإن أكثرية الفقهاء إذا اجمعوا على رأي والناس لم يرضوا به فلا يصح للفقهاء أن يطبقوا رأيهم بالقوة يعني (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) الغاشية 21-22.

واكرر القول بأن البحث يدور حول الشؤون العامة والموضوعات المستنبطة وليس حول أحكام الله تعالى كحرمة الخمر فلا يحق عندئذ للفقهاء أو الناس أو غيرهم أن يقولوا انه حلال.

مداخلة :

لو أن الأغلبية قالت نحن نريد أن نشرب الخمر فماذا يعمل الحاكم؟


ج:

(إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ) و(ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ).

مداخلة :

هل يمنع الحاكم حوانيت يبع الخمور ونوادي الخمور أم يذكرهم فقط؟


ج:

شرعاً وقانوناً يمنع، لكن لو أن الأكثرية تمردت فهل يدخلها السجن؟ كلا.

وأما جواب السؤال حول كيفية تطبيق قاعدة (لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) مع وجود الحدود فالسيد الوالد (دام ظله) يرى أن تطبيق الحدود والقصاص مشروط بمجموعة من الشروط ومن جملتها:

أن يكون النظام الإسلامي بكامله مطبقاً وليس الإسلام بشكل تجزيئي. فمثلاً إذا كان الاقتصاد الإسلامي غير مطبق والناس اغلبهم فقراء ومحرومون فلا يحق للحاكم أن يحد السارق على الإطلاق ولا يجري أي حد من الحدود فيشترط في تطبيق الحدود أن يكون الإسلام مطبقاً بالكامل بما فيه من قوانين تتعلق بالاخوة الإسلامية والحرية والشورى وما شابه.. لأن السيد الوالد يرى أنها منظومة متكاملة فلا يمكن أن تؤمن ببعض؛ وتكفر ببعض فإذا كان النظام الإسلامي مطبقاً في اقتصاده وسياسته واجتماعه وحرياته وشوريته.. وفق المبادئ الأساسية عندئذ تجرى أحكام الحدود والقصاص.

كما أن هناك شروطاً أخرى كعدم وجود شبهة إذ (الحدود تدرأ بالشبهات) فهذه قاعدة فقهية وهي رواية أيضا فإذا ما كانت هناك في أي جريمة شبهة فلا يجرى الحد.

فعلى الحاكم أن يأخذ الشرائط بعين الاعتبار وينبغي عليه أن يصدر قرارات وقوانين تنظّم الحياة العامة مثل قوانين المرور حتى لا يقع الهرج والمرج أو اختلال النظام، مع مراعاة باب التزاحم ومعادلة الأهم والمهم.

وأما بالنسبة لأتباع الديانات المتعددة ففي رأي السيد الوالد وعدد من الفقهاء أن كل من كان يعيش في ظل الحكومة الإسلامية سواء كان متديناً أو ملحداً له حقوقه وينبغي أن تراعى وهذا لا يقتصر على الديانات الثلاث كلا بل يشمل حتى أتباع الديانات الأخرى وحتى من ليس له دين.

س:

1) هل تعتقدون ويعتقد السيد الوالد بان المستقبل سيكون للحكم الإسلامي الشوري - إن تسنى له الأمر؟

2) أشرتم إلى وجوب الشورى وأهميتها.. ولكن مدرسة أهل البيت(ع) وأنا منها نعتقد بأن الشورى في بدايتها كانت تعدياً على حقوق المعصومين ومنهم الإمام علي(ع) الذي تم تنصيبه يوم الغدير خليفةً لرسول الله(ص) بالنص ونعتقد بأن الأئمة المعصومين(ع) توالوا على الإمامة بالنص حتى غيبة الإمام المهدي(عج) ولم تكن في ذلك شورى.

وسماحتكم تفضلتم بأن الشورى تكون لتنصيب الحاكم وتنفيذ الأحكام فإذن نحن لم نؤمن بالشورى التي جرت بالسقيفة ولكن نؤمن بالشورى بعد غياب الإمام المهدي(عج)؟

3) ذكرتم في أجوبتكم أن الحديث الشريف (الفقهاء حصون الإسلام) يعني مجموع الفقهاء وليس فقيهاً واحداً.. والحقيقة قد تكون القراءة هكذا: إن الفقيه الواحد هو حصن الإسلام في فترة معينة أما مجموع الفقهاء سابقاً ومجموع الفقهاء لاحقاً فهم حصون الإسلام أيضا.. وأما ما تفضلتم به في مسألة الرجوع إلى رواة أحاديثنا، نعم (ارجعوا إلى رواة حديثنا) حيث كانوا ابتداءً يرجعون إلى أربعة - بشكل خاص - وليس إلى كل الرواة؟


ج:

بالنسبة للسؤال الأول: نعم، بالنسبة للمستقبل أو الحاضر لو تحققت الحكومة الإسلامية فإن رأي السيد الوالد انه يجب أن يكون الحكم شورياً.

وأما جواب الثاني: فأنا قد صرحت بأن الشورى لا تتعلق بتعيين النبي أو المعصوم، وصرّحت أيضا بأن الأنبياء والأئمة(ع) إنما عينهم الله سبحانه، ولذا قلت أن الشورى تكون خارج تلك الدائرة كما في زمننا الحاضر عصر الغيبة الكبرى، ومع ذلك لم تكن في السقيفة أية شورى لوجود اشكالات عديدة منها:

1. لا شورى مقابل النص وقد بلغت النصوص حد التواتر في خلافة أمير المؤمنين(ع)لرسول الله(ص) وبتعيين من الله سبحانه فلا يمكن ردّ الأمر الإلهي.

2. إن السقيفة لم تكن شورى أو أكثرية بل كانوا أقلية.

3. ولو حققتم تاريخياً لرأيتم أن أكثرية المسلمين لم يحضروها، والأقلية لا تتحكم بالاكثرية وبالامكان مراجعة الكتب المفصلة كالغدير للمزيد من التفصيل.

وأما جواب الشق الثالث فأنا أبين وجهة نظري في الموضوع على حسب القواعد الاصولية المجمع عليها بين الفقهاء.

فلنأخذ كلمة الفقهاء وهي كلمة الجمع - جمع محلّى بالألف واللام- وهي تفيد العموم، والجمع المحلّى بالألف واللام يفيد العموم لا في جهة خاصة فأنت لا تستطيع أن تخصص من غير دليل فالتخصيص يحتاج إلى دليل فأين هو؟

والرواية لم تقل أن الفقهاء المتضلعين في كتاب الحج أو كتاب الصوم أو كتاب الجهاد - مثلاً - هم حصون الإسلام وإنما قالت الفقهاء، وما أريد أضافته يحتاج إلى دليل، فمن أين استنتجت أن كلمة الفقهاء تعني أن في كل زمن فقيهاً واحداً وان هذا هو المقصود بالفقهاء وأن المراد بها ليس الفقهاء عرضاً بل طولاً فقط؟

الرواية عامة تشمل كل الفقهاء في كل الأزمنة وعلى امتدادها وأما تخصيصكم فهو بلا مخصص.

وأما النواب الأربعة فتعيينهم كان من قبل الإمام الحجة(عج) ولا كلام فيه. والرواية (وأما الحوادث الواقعة... ) (ومن كان من الفقهاء... ) لم تعين النواب الأربعة بل الإمام هو الذي عينهم بالاسم مثل الحسين بن روح والعمري الأب والابن.. لكن الكلام هو أنه في الغيبة الكبرى إلى ماذا استند الفقهاء في إثبات ولاية الفقيه بحدّها الضيق أو حدها الواسع؟

س:

عندما نبحث في أمر فقوة البحث فيه تعتمد على قوة النظرية التي يستند إليها البحث، ففي الرياضيات مثلاً إذا اردنا بحث نظرية فما لم نلم بجميع جوانبها سيكون البحث ناقصاً. والسؤال: كنت أتمنى من السيد المحاضر أن يعطي أمثلة للشورى بعد وفاة النبي(ص) أو وفاة الإمام علي(ع) لكي يكون البحث شاملاً والحجج أقوى؟


ج:

اذكر مثالاً من الواقع المعاصر فبالنسبة للثورة الايرانية كان هناك عدد من المراجع الفقهاء بل هم من أعمدة المراجع في إيران والنجف الأشرف يصدرون بياناتهم بالاشتراك والمشورة.. وكانت هناك شورى حقيقية بين السيد الكلبايكاني والسيد المرعشي النجفي والسيد الشريعتمداري (قدس سرهم) لذا فالكثير من البيانات كانت طوال سنوات تصدر موقعة بتوقيع المراجع الثلاثة معاً إضافة إلى عدد آخر من العلماء الكبار مثل السيد القمي من مشهد والسيد صادق الروحاني والسيد الخميني عندما كان في النجف الأشرف. فهناك مجموعة من المداخلات الفكرية والميدانية تدخلت فيما قبل الثورة وبعدها ولقد استمر الحال كذلك نحو عشرين عاماً؛ فانتصرت الثورة وطبعاً الانتصار كان لمجموعة من العوامل وأحد هذه العوامل أن الجميع كانوا قلباً واحداً ويداً واحدة... وأما الشواهد والحجج التاريخية التي سألتم عنها فهي مذكورة في كتاب (شورى المراجع الفقهاء) للشيخ ناصر الاسدي يمكنكم مراجعته تفصيلاً.

س:

من خلال ما دار في المحاضرة، نعتقد ان الشورى قد لا تكون محل تطبيق دون وجود مؤسسات دستورية او هيئات برلمانية تأخذ على عاتقها تشريع هذا المبدأ وتطبيقه.. وأيضاً لا يمكن للشورى أن تأخذ طريقها الى الواقع العملي حتى بوجود شخص واحد على رأس السلطة وإن كان منتخباً من الأكثرية.. والسؤال هو: كيف يمكن تطبيق الشورى - على أرض الواقع - في الإسلام؟


ج:

أضم صوتي إلى صوتكم بأن الشورى أو الحالة الشوروية أو الديمقراطية لا تتحقق إلا بوجود مؤسسات دستورية وهو أمر مفروغ منه.

كما أن الشورى لا تتجسد في شخص واحد انتخبته الأكثرية لأنها ستكون غير حقيقية وليست بشمولية وإنما ينبغي أن تكون هناك مجموعة من المؤسسات الدستورية أو التعددية الحزبية أو الاتحادات أو النقابات أو المنظمات أو ما أشبه وهي التي تعطي للشورى مصداقية حقيقية في شتى الأبعاد.

وهناك نقطة أخرى اشرتم إليها كما أشار إليها الآخرون حول كيفية تطبيق الشورى في الإسلام.

هناك طرق كثيرة للتطبيق وكلامنا لم يكن حول الطرق وإنما هناك كليات وهناك جزئيات وهناك تخطيط هذا كله في محله. وإحدى القضايا الأساسية والمهمة هو الرأي العام فعلماء الاجتماع يقولون أن الرأي العام له تأثير في المعنويات كتأثير السيل الجارف في الماديات، ذلك لأن السيل يحطم كل حاجز يقف أمامه.

والرأي العام أيضا يستطيع أن يحطم كل السدود والحواجز التي يمكن أن توضع أمامه. فايجاد الرأي العام الضاغط لأجل اشاعة الحرية أو الشورى هو أحد الطرق الممكنة والحقيقية لتكريس هذا المبدأ وترجمته في الواقع الخارجي.

أما النقطة الأخرى فقوله تعالى (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) لا يختص بأهل الحل والعقد وتخصيصه بهم من غير مخصص، فالآية عامة وتشمل جميع المسلمين.

بتعبير آخر: قوله تعالى (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) هل الاستجابة للرب خاصة بأهل الحل والعقد؟ وهل الذين يقيمون الصلاة هم أهل الحل والعقد فقط؟ كلا بل الاستجابة للرب سبحانه واقامة الصلاة تشمل الجميع وهكذا الشورى فهي لكل المسلمين.

ولو قلت بأن من المسلمين من هو شيعي ومن هو سني فهل يبقى هذا العموم للشورى وفق المعادلتين؟ وما هو الحكم حينئذ؟ السيد الوالد عنده اجابة مفصلة لهذا الموضوع في أحد كتبه وأنا أشير إلى الجواب بشكل مختصر:

1. فقهاء الشيعة رأيهم هو المحكّم عند الشيعة في القضايا التي ترتبط بهم.

2. أكثرية فقهاء السنة رأيهم هو المحكّم أيضا عند السنة في القضايا المرتبطة بهم.

3. أكثرية آراء كلا الفريقين هو المحكم في الشؤون العامة التي تشمل كلتا الطائفتين كشؤون الحرب والسلم والمعاهدات الدولية والسياسية العامة و..

الهوامش:

1 - بحار الأنوار، ج72، ص100، باب48، ح16، مؤسسة الوفاء.

2 - راجع مجلة النبأ العدد (52) الشورى في المنظور العقلي والشرعي، ص6.

3 - راجع مجلة النبأ العدد (52) الشورى في المنظور العقلي والشرعي، ص6.

4 - الشيخ مرتضى الانصاري، ج1 ص10 المقصد الأول، جامعة المدرسين قم المقدسة.

5 - كمال الدين وتمام النعمة للصدوق، ص484 الباب 45، جامعة المدرسين.

6 - بحار الأنوار، ج49، ص258، ح13، ب17.

7 - راجع بحار الأنوار، ج2، ص221، ح1، ب29.

8 - راجع كتاب شورى الفقهاء للسيد مرتضى الشيرازي ج1 ص 281، مؤسسة الفكر الإسلامي.