مجلة النبأ      العدد  52      شهر رمضان  1421      كانون الاول  2000

 

المعلوماتية

وآليات الاستيعاب

   

mortada@annabaa.org مرتضى معاش

بين المقاطعة والعزلة والذوبان

موقعهم وموقعنا

خطوات وآليات لاستيعاب المعلوماتية

إشكاليات في مواجهة التحدي

لا يمكن للانفتاح السلبي إلا ان يؤدي إلى ذوبان وانصهار مطلق في آلة المعلومات الغربية كما ان القطيعة الكاملة لا تعني إلا تجاوزاً لكثير من المقتضيات والدواعي التعليمية والنفسية والاجتماعية، وقد يكون افضل الحلول هو المواجهة الإيجابية التي ترتكز على الانفتاح المبني على التحصين الذاتي والاستعداد الذاتي والمناعة الداخلية وهي عملية صعبة تحتاج إلى كثير من الوعي والتنظيم والعمل الجاد .

لم يكن مقصودنا من العرض السابق لبحث المعلوماتية هو التركيز على طرح الجانب السلبي لهذه الظاهرة بصورة متشائمة تدعو للقطيعة التامة، بل كان المقصود هو التنبيه المؤكد لخطورة التحديات التي تواجهنا، حيث لا يمكن لنا ان نتحرك إيجابيا ما لم تستنهضنا الأخطار التي تهب علينا من مختلف الجهات.

وليس الخطر فقط في وجود هذه الأعاصير التي تعصف بقوة في أساسياتنا محاولة قلعنا من جذورنا، بل الخطر الاكبر هو في كيفية استجابتنا لهذه التحديات ووعينا لحقيقة ما يمر علينا، اذ ان التاريخ هو مجموعة من التحديات والصراعات والتطورات تنتهي ببقاء الاصلح والأقدر على التغلب على المصاعب الطبيعية والتاريخية. لذلك فان الأمم مثل الرجال تنبعث من أعماقها فتعثر على قوامها لتواجه مصيرها وتختار طريقها وتحقق إرادتها.

ولكي لا نبقى من الأمم التي تذبح يوميا في مسالخ الوهن والاستغلال بعد ان تصبح راكنة راكدة كالحمل الوديع الذي استسلم لقدره، لابد ان نعرف ان الأعاصير سوف لاترحم والجزار لايحن وحركة الحياة لن تتوقف، بل ان الحقيقة الحاكمة هي صراع الارادات وحرب العقول ومعركة الافكار والمنتصر هوالذي استطاع بوعيه وقراءته الصحيحة لقوانين الحرب والصراع ان يستثمر الوقائع لصالحه.

وحتى الآن فنحن لازلنا الطرف الاضعف في هذه المعركة مع وجود كافة القابليات الذاتية التي يمكن ان تقودنا لنكون الافضل، ولكن عندما يتهلهل الوعي وتخور العزائم وتتهمش العقول وتهتاج الافكار تصبح قابلياتنا دفينة في اعماقنا تنتظر فيه اليوم الذي تتحقق فيه الشروط والاستعدادات. كل ذلك يقودنا إلى ان مشكلتنا هي في نوعية استجابتنا لتحدي المعلوماتية وقدرتنا على قراءة هذا الأمر والوصول إلى فهم متبصر لادارته واستيعابه، اذ ان الحقيقة الاساسية التي نكتشفها اليوم ان السلبيات التي تكتنه هذه الظاهرة هي في الواقع من نتاج الرأسمالية وولادتها ولكن بشكل اكثر تركيزا وضررا، فاذن ليست هي بالأمر الغريب ولكن الغريب هو كيفية تعاملنا مع هذه الظاهرة فمثلا عندما نرى الوضع الذي يحدث في الأراضي المحتلة في فلسطين عندما يتحول الجزار الاسرائيلي إلى ضحية والضحية إلى جلاد عبر الأدوات المعلوماتية التي يمتلكها العدو فيعكس للعالم الحقائق بصورة مغايرة، نفهم أننا بعيدون عن فهم التحديات التي تواجهنا عندما نتصور ان العالم سوف يقف معنا ويتعاطف مع قضيتنا. وكيف يتعاطف وهو يتلقى يوميا أفكاراً وإيحاءات وتصورات يعكسها من يمتلك القوة الصانعة للمعرفة والمغذية لها. وهذه مشكلة لازالت عالقة في خطابنا الحماسي وتفكيرنا العاطفي لتكون استجاباتنا الانفعالية هي الحاكمة في معظم قراراتنا وتحليلاتنا.

ان ما ذكرناه سابقا في سلبيات المعلوماتية هو ليس دعوة للقطيعة والانعزال في عوالمنا الخاصة بل هي محاولة لتسليط الاضواء على حقيقة الوضع من اجل استنهاض الهمم وتجديد الوعي لتحقيق استجابة إيجابية تتواصل مع هذه الظاهرة بشكل متفهم وقاريء مدرك لعناصر حركتها وصبها في الاتجاه الصحيح للمحافظة على اصالتنا وتجديد حياتنا دون الرضوخ لضغوطات التغريب والتهميش.

اذ ان كل ما رأيناه في واقعنا المعاصر هو اتجاهان مختلفان في استجابته لتحديات المعلوماتية، اتجاه من يتعامل بانفعالية مع كل ظواهر التقدم ويدعو للقطيعة الكاملة والحرب الشاملة ويستخدم العنف والتهييج الجماهيري في صراعه مع الغرب ولكنه في نفس الوقت يستخدم أدواته التكنولوجية. واتجاه من استسلم بشكل مطلق للتنويم المغناطيسي الذي يستخدمه الغرب للسيطرة على الشعوب فراح يقلد الغرب في كل شيء واصبحت منابره الإعلامية مجرد آلة من آلات الدعاية الرأسمالية.

هذه الاستجابات الانفعالية المتناقضة تؤكد حقيقة وضعنا المتأزم بازدياد لأنها استجابات لا تقود إلاّ لمزيد من الاخطاء والمشاكل، ولاتصب إلا في مصلحة العدو وبابتعاد الناس عن الاشتراك في عملية النهوض. والاستجابة الحقيقية الواعية هي الاستجابة المنطلقة من روح الاعتدال والتعقل والبصيرة حيث يمكن تحقيق النهوض التدريجي والوعي المتصاعد والفهم الأساسي لحركة الحياة وقوانين التاريخ. فالاعتدال والوسطية يوجدان تأملا مركزا في العقل وايحاءا هادئا في الفكر وتأنيا مدروسا في السلوك يقود بالنتيجة إلى تحقيق النتائج الأفضل والأسلم، لذلك يقول تعالى في كتابه الكريم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) البقرة 143.

إذن من كل هذا يمكن ان يطرح السؤال المهم وهو كيف يمكن ان نواجه هذه التحديات وكيف تكون استجابتنا لها؟ ولكننا لابد ان نعرف أولا موقعنا في الطريق السريع للمعلوماتية وموقع الاقوياء فيه حتى نستطيع من خلال المقارنة ان نستوحي بعض الافكار في هذا البين.

موقعهم وموقعنا

تشكل وسائل المعلوماتية وتطورها نقطة انطلاق مهمة في نمو الثقافات وتموجها الواسع حتى اصبح التداخل الثقافي والحضاري سمة مهمة في العصر الحالي، هذا التداخل يمكن ان يؤدي بالنتيجة إلى عملية ذوبان بالنسبة للطرف الأضعف أو تسلط واستغلال بالنسبة إلى الطرف الأقوى أو صراع عندما تحدث مواجهة وتصادم في بعض المواقع عندما يشعر الطرف الأضعف بفقدانه لخصائص ثقافته أو قوميته أو دينه. ذلك أن التثاقف يجري بين الثقافات على قاعدة الندية وهو ما يمتنع دون اعتبار أي ثقافة لشخصيتها وحرمتها الرمزية فيما لا يعبر فعل الاختراق والتجاوب معه سوى عن دونية يأباها أي انفتاح أو حوار! هذا درس بدائي من دروس الانثربولوجيا الثقافية المعاصرة.(1)

وقد اصبح من يمتلك هذه الوسائل له القدرة على تسويق ثقافته وقيمه وفرضها على الآخرين عبر غسل الأدمغة الأثيري وبالتالي إمرار أهدافه وبيع بضائعه، وكلما قويت مواقع الحرب المعلوماتية قويت سلطات السيطرة من خلال حرب لا يستخدم فيها السلاح ولا يجري فيها الدم ولايمكن رؤيتها لأنها تحدث في عالم الأثير الفضائي وهي بحد ذاتها يعتبرها البعض من أسوأ الحروب باعتبارها تمس عقول البشر وتنتهك افكارهم وخصوصياتهم. ومن هنا يرى ان العولمة في مفهومها ليست سوى السيطرة الثقافية الغربية على سائر الثقافات بواسطة استثمار مكتسبات العلوم والتقانة في ميدان الاتصال، وهي التتويج التاريخي لتجربة مديدة من السيطرة بدأت من انطلاق عمليات الغزو الاستعماري منذ قرون وحققت نجاحات كبيرة في إلحاق التصفية والمسخ بثقافات جنوبية عديدة وبخاصة في أفريقيا وامريكا الشمالية والوسطى والجنوبية.(2)

ولا يمكن الاكتفاء بإلقاء اللوم على الآخرين ورفع مسؤولياتنا في هذا الصراع اذ ان التاريخ البشري كان منذ بدئه صراعاً حاداً يسيطر فيه من يمتلك القوة والإمكانات لانتصاره على الآخرين، فالشعوب الضعيفة مهما كانت مبادؤها سامية لاتكون قادرة على الدفاع عن نفسها وتحصين ذاتها ما لم تملك الامكانات الذاتية لقيمومتها وقوتها وهذه هي سنة التاريخ وقانون البقاء، يقول تعالى في كتابه الكريم: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال 60. ويمكن ان تكون قوة الحضارات وانتصارها نابعة بالدرجة الأولى من قدرتها الشمولية على تحقيق عناصر القوة والتفوق، واليوم فان من يحتل برج المعلوماتية هو من يسيطر على وسائلها ويصنع من خلالها الافكار ويبرمج البشر في ضوء اهدافه ومخططاته. فقد انتهت وسائل العصور الغابرة وحلت التكنولجيا الخارقة التي ابهرت البشر بتقنيتها وخدعها البصرية الخلابة، فمهما تتعاظم القيم وتسمو المبادئ فانها تبقى غير فعالة ما لم يمتلك اصحابها وسائل بثها ونشرها، ففي عصر الرقمية Digital وبينما ننتقل بسرعة كبيرة نحو الوسائط المتعددة العالمية والمتفاعلة والشركات المدمجة العملاقة تتنافس بشراسة من سيستغل باسرع ما يمكن تقنيات الاتصالات المستقبلية والحال ان دعاة السلام مازالوا في عصر الموجات الصغيرة.(3)

ومن خلال حساب الارقام والإحداثيات يمكن ان نكتشف موقعنا الاضعف في هذه الحرب المعلوماتية وعدم وجود استعداد كاف لمواجهة هذه التحولات الجديدة نتيجة لعدم وجود الروح الواعية والبصيرة بهذه الحقائق والمدركة لخطورتها. فاليوم تسيطر وسائل المعلوماتية الغربية على مجمل النشاط المعرفي والاقتصادي في بلداننا حيث نستورد منهم كافة الأدوات التكنولوجية ونستقي من خلال اقنيتهم معظم مواردنا الفكرية والثقافية والخبرية، فعلى سبيل المثال فان الشركات المتعددة الجنسيات يبرز دورها الخطير من خلال الإعلانات التي تتضمن محتوياتها قيما وأنماطا للسلوك الاستهلاكي تهدف في الأساس إلى إلحاق الضرر بالاقتصاديات الوطنية فمن المعروف ان هناك 52 وكالة اعلان دولية منها 22 وكالة أمريكية لها مايزيد عن 800 توكيل في العالم العربي وتحقق عدة اهداف في وقت واحد تتمثل في ترويج بضاعتها ونقل القيم والثقافة الأجنبية والتأثير على حرية الرأي في وسائل الإعلام العربية.(4) فنحن لا نمثل في البين تحدياً واقعياً للصراع الثقافي العالمي ان لم نكن جسرا لعبور أفكار الاستهلاك والأباحية والانحلال لاننا بالضبط نستهلك أدواتهم ونسوق لثقافاتهم ونجتر أفكارهم ونقدم لأطفالنا وشبابنا إنتاجياتهم الثقافية لينمون وهم نسخ مقلدة من الصناعة الغربية، وفي ذلك تؤكد أرقام اليونسكو ان المحطات التلفزيونية في البلدان النامية تستورد اكثر من 50% مما تقدمه وان اكثر من 75% من هذه الـــمادة المستوردة من منشأ امريكي وهذه المواد اما ان تكون هابطة او منتجـــة خصيصا للبـــلدان النامية.(5)

وكذلك يمكن ان نرى مقياس الثقافة من خلال ما نمتلكه من صحف ومجلات، فحصة العرب من الصحف على سبيل المثال لا تتجاوز نسبة 4ر1% من صحف العالم مع ان عدد السكان العرب يشكلون 17% من عدد سكان الكرة الأرضية حيث يحصل كل 1000 عربي على اقل من 39 صحيفة بينما يحصل كل 1000 شخص في الدول المتقدمة على 330 صحيفة، أما حصة العرب من مواد الطباعة فتشكل 6ر0% ومن الأفلام 8ر1% ومن مقاعد السينما 4 مقاعد فقط لكل ألف، والمذياع 8ر2%، والتلفزة 7ر2%، بينما يبلغ مجموع الصحف العربية الصادرة 130 صحيفة من اصل 9220في العالم.(6)

وبالنظر إلى مواقعهم نكتشف حقيقة ضعفنا ومسئوليتنا عن تلك الترديات والانسلاخات التي تحدث يوما بعد يوم في أسسنا الثقافية اذ يزداد التآكل في عقول الشباب لتمتلئ بالتفاهات التي تقودهم نحو الميوعة واللامبالاة في زمن اختفى فيه معنى المسؤولية.

ذلك ان الغرب بقدرة وسائله استطاع ان يغزو العقول ويسحق القيم ويؤسس في أعماق مناطقنا ثغرات يبني فيها اوكاره. والارقام تؤكد يوما بعد يوم تطورهم في استخدام وسائل المعلوماتية التي أصبحت مصدرا استراتيجيا في تحقيق القوة وبناء موازين القوى، ففي عام 1991 بلغت صادرات بريطانيا من المواد الثقافية (كتب ومجلات وافلام وبرامج تلفزيون) 25 مليار دولار الأمر الذي جعل تصدير الثقافة يحتل المصدر الثاني في الدخل القومي بعد السياحة، وبلغت صادرات الولايات المتحدة في العام نفسه من المواد الثقافية نحو 60 مليار دولار وهو رقم قريب جدا من صادرات السلاح.(7)

وكذلك تحكم الدول الغربية بمصادر بث الأخبار يعطيها القدرة على صناعة الأحداث وتضخيم او تصغير الحدث حسب مصالحهم وبالتالي سيطرتهم على مواقع الأحداث وهذا لاشك يعطيهم ميزة التفوق باستمرار وبالتالي السيطرة على موازين القوى، ويمكن ان نلاحظ ان وكالات الأنباء الأربع الكبرى - رويتر والفرنسية والاسوشيتدبرس واليونايتدبرس- في العالم تحتكر 90% من الأخبار العالمية وهذه الوكالات لها مصادر وشبكات هائلة من بنوك المعلومات والتمويل المادي الهائل في عصر التقدم التقني.(8)

ولاشك فان الولايات المتحدة تشكل القوة الأولى في تصدير الثقافة والمعرفة وبالتالي فهي تحتل موقع القمة في الهرم العالمي من حيث موارد المعرفة استراتيجيا، وبهذا فهي قادرة على توجيه الرأي العام العالمي نحو قيمها والتأثير على توجهاتها لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية، اذ وجدت الولايات المتحدة نفسها بانها القوة الاقتصادية الوحيدة التي تتوافر لديها صناعة ثقافية للشبان قادرة على التصدير الفوري فصارت تسيطر دون منازع على أسواق الاستهلاك الثقافي للشباب في العالم، وتأثيرها في ثقافة الشباب سيكون له اثر مستقبلي قوي اذ ان شبان اليوم هم نخبة المستقبل ووصول أمريكا إليهم في عمر الشباب يعطيهم أفضلية في التأثير فيهم عندما يصبحون راشدين ويافعين في مجتمعاتهم واقتصادياتهم. وكذلك فإننا نجد ان في الولايات المتحدة اكثر من 20 ألف جامعة ومعهد أصبحت في وضع قيادي دون منازع، فهيمنة الجامعات الأمريكية وانفتاحها أمام الطلاب الأجانب يعني اعدادا متزايدة من النخب في العالم تتخرج في الجامعات الامريكية حاملة معها اساليب ثقافة وطرائق تفكير وسلوكيات اقتبستها خلال سنوات الدراسة الجامعية وبما ان هؤلاء القادة يعودون الى بلدانهم واكثرهم يصبحون قادة فان قدرتهم واسعة في التأثير على مجتمعاتهم.(9)

لقد اصبحوا يحتلون مواقعنا بعد ان أصبحت خاوية ولم نتحمل مسؤولياتنا في الاستجابة للتحديات والتغيرات التي تحصل في العالم يوما بعد يوم ولاشك فان الموقع الذي يصبح راكدا لا يتطور مع تغير الظروف والزمان يصبح آسنا كالمستنقعات تملأه الأوبئة وتحتله القوارض والطفيليات. وهذا هو أساس مشكلتنا إننا لا نعطي آذانا صاغية للواقع الخارجي ونغلق على أنفسنا الأبواب وكأن النار سوف لا تمسنا من بعيد او قريب. والحال ان تغير الظروف وتطور الحياة يفرضان علينا دراسة الأمور بعمق وواقعية لضمان الحفاظ على مواقعنا الداخلية والخارجية كما فعلت اليابان وتفعل اليوم اذ تحاول ان تطور نفسها وتحافظ على كيانها في الوجود العالمي مستقلة قوية تملك الامكانات الذاتية لمواجهة اعاصير المعلوماتية عبر مجاراة التطور العالمي في ثورة المعلوماتية وهاهي اليابان وحدها ترصد 450 ملياراً من الدولارات لإنشاء طرق معلومات فائقة السرعة من الألياف على مستوى الدولة.(10)

انهم يطورون مواقعهم ويتقدمون ونحن لانفكر في ذلك ابدا فكيف يمكن ان نواجه هذه الثورة الجديدة ونحن نخسر تحدياتنا الداخلية ونتقهقر إلى الماضي راسمين لاجيالنا صورة قاتمة من التبعية والهامشية. فالدول النامية ستهبط إلى مجال التهميش والعزلة مما يعرضها لمخاطر الاستبعاد لأنها غالبا تفتقر إلى الامكانات الاقتصادية والاجتماعية التي تجعلها قادرة على الاستفادة من التكنولوجيات الجديدة، ولو حاولت الدول النامية اللحاق بالدول المتقدمة في هذا المجال فإنها ستلحق في الواقع بالماضي لان الدول المتقدمة ستكون قد غادرت مواقعها لآفاق تقدم جديدة.(11) ذلك انهم يواكبون التغيرات الكبيرة التي يشهدها العالم ويحاولون ان يسبقوا الاخرين ويتجازوا الحاضر ليغادروا الى المستقبل، ومواقعنا تنبئنا باننا نعيش على ما يخلفه الاخرون من منتوجات مستهلكة وقديمة لنبقى نعيش في الماضي معتمدين على وسائلهم القديمة والمتخلفة، وحرب الخليج الثانية كانت دليلاً على مستوى المقارنة المعلوماتية والتكنولوجية. ان الفرق بيننا وبينهم يمكن ان يحدد في ان مصادر التكنولوجيا التي هي من نتاجهم هي في الواقع مصادر موجهة نحو إنتاج وسائل التغيير المستمر، في حين انها في مجتمعاتنا مصادر لضمان استقرارها واوضاعها القائمة، فالتغيير بالنسبة لهم يعني المستقبل المصحوب بمزيد من التمكين والقوة في حين ان المستقبل يحمل لنا الكثير من المخاوف لاننا ببساطة غير فاعلين في صنعه أو انه قد صنع لمصلحة الآخر.(12)

نعم اذا لم نستجب لتحدياتنا ونغير واقعنا ونبقى على واقعنا المتخلف يمكن ان تنعم الدول المتقدمة علينا ببعض تكنولوجيتها من اجل تحقيق بعض مصالحها الاقتصادية والسياسية او للحفاظ على التوازن العالمي. ترى الدكتورة الن ويتني مديرة Micro information systems inc : ان سهولة الوصول للمعلومات والى وسائل الاتصالات هو شرط مسبق للتطور الاقتصادي فالبؤس لا يعيش في وفاق مع السلام لقد اقترحت استخدام جيشنا قوة الثورة الرقمية لنقل ما امكن من المعلومات والمعلوماتية إلى باقي العالم حتى تستطيع الدول النامية ان تصبح جزءا من المجتمع العالمي ويجب علينا استخدام هذه المعرفة لنقل الرفاهية إلى باقي العالم قبل ان يتحول كل سكانه إلى مهاجرين ولاجئين أو معالين بواسطة الغرب.(13)

وعندما نصبح لاجئين متكئين على تكنولوجيا الغرب وما يقدمونه لنا من صدقات وهبات تصبح التبعية التامة في اكثر مصاديقها تحققا وهو يعني ان نصبح إحدى ولايات الولايات المتحدة فهل هو هذا التغيير الذي نصبو إليه..؟؟

بين المقاطعة والعزلة والذوبان

ليس الحل في مقاطعة هذه الظاهرة الجديدة ..!أو الانعزال عن العالم لضمان المحافظة على الذات..! وليس الحل كذلك بالمسايرة المطلقة لما يجري من تغييرات والذوبان في مظاهرها وسلوكياتها..!

فالحل الأول وهو المقاطعة يعني المواجهة السلبية ومحاربة كل وسائلها وادواتها واعلان الحرب على وجودها والى عزلة تامة عن الآخرين، وهذا لاشك يعني الرجوع إلى العصر الحجري أو نتحول إلى مقاتل مثل دون كيشوت وهو يقاتل بسيفه الطواحين الهوائية. فالقطيعة يعني ان نخرج من هذا الكوكب ونعلن الحرب على جميع البشر، بالإضافة إلى ان قانون الحياة والاجتماع يعتمد على وجود التكافل البشري والتعاون وتبادل الحاجات خصوصا في هذا العصر الذي تداخلت فيه مصالح الأمم بشكل كبير إلى حد ان القطيعة والعزلة تعني الإضرار بالمصالح القومية. وقد اثبت الواقع ان القطيعة تؤدي إلى تخلف شديد يقود المجتمع إلى الوراء سنوات طويلة ويؤدي إلى رد فعل عكسي بتحول الأمر إلى ذوبان مطلق وانهيار المنظومات الفكرية والأخلاقية والثقافية. إضافة إلى ان الانعزال سيقود الناس والشباب بالخصوص إلى إقبال سلبي وحرص زائد على الدخول في عالم الممنوع ومحاكاته مما يولد ظواهر سلبية بالأخص إذا اختفى المنطق والاقناع وكانت القناعات مجرد تشدد متحفظ. وقد فشلت معظم الجهات الحكومية في منع أدوات المعلوماتية ومنع اختراق اجواءها فالتقدم العلمي مكن الغرب من توظيف التكنولوجيا لاختراق المجتمعات المحصنة وان يفرض عليها نظمه وثقافته وقيمه. ويؤكد ايف وود بان اكبر قدر من الاستهلاك للثقافة الامريكية يحدث في المناطق التي تشكو من مجاعة في المعلومات الحديثة والثقافة المعاصرة.(14)

إشكاليات في مواجهة التحدي

هناك الكثير من الاشكالات التي تقف في طريق بناء الاستجابات الإيجابية لهذا التحدي ولابد من قراءتها والسعي لرفعها وايجاد البدائل اللازمة لتحقيق التقدم الحضاري واستثمار المعلوماتية كوسيلة اساسية في تحقيق هذا التقدم. فمن ضمن هذه الاشكالات:

1) سيطرة حالة الاستبداد والدكتاتورية على مجمل النشاط وخصوصا النشاط المعرفي والإعلامي في بلادنا حتى اصبح من سمات الأنظمة سياسيا واقتصاديا وثقافيا. ومن طبيعة النظام الاستبدادي هو فرض حالة الأحادية وإلغاء الآخر وفقدان التنوع واستئصال الإبداع والابتكار، اذ انه يستخدم آلته القمعية لفرض أدواته الفكرية والسياسية والحفاظ على سلطته دون أي خدش او نقد. وهذا الإشكال يعني ان المجتمع سوف يكون فاقدا لروح المبادرة والعمل الإيجابي ويكون موقفه في ثورة المعلوماتية مجرد متلقي لما تبثه وسائل المعلوماتية الغربية. وقد يكون هذا الإشكال من العقبات التي نواجهها في الحرب المعلوماتية، اذ نرى ان الإعلام الرسمي للأنظمة الاستبدادية لا يسير في إطار التغيير البناء والحركة الإبداعية بل يقتصر دوره على تمجيد السلطات وتمثيل رأيها، وحينئذ فان معظم المؤسسات الاجتماعية المستقلة التي تحتوي على معظم الناس يصيبها الشلل ويكون دورها سلبيا يحاكي الدور السلبي للأكثرية الصامتة. وهو يعني أيضا عدم وجود المؤسسات التي تبث الوعي بين الناس لمعرفة الوقائع واختيار البدائل.

2) عدم وجود المؤسسات البنيوية والتي تمثل القاعدة الأساسية التي تحتوي أفراد المجتمع في إطار فكري وثقافي منسجم وواع ومدرك للأحداث. ذلك ان وجود الأنظمة الدكتاتورية قد قاد إلى القضاء على هذه المؤسسات فانفصمت عرى المجتمع وعاش الناس بعيدا عن التوجيه والتوعية منفردين ومنعزلين. ومع عدم وجود المؤسسات الفاعلة فان اجيال الأمة تبقى تتغذى - من البث المعلوماتي المفتوح جبرا - ثقافتها وقيمها ونشأتها، لانه لا توجد مؤسسات بناءة تستوعب هذه الأجيال ثقافيا وتربويا. وغياب هذه المؤسسات يبدو واضحا في غياب الإعلام الفضائي والأرضي المستقل وفي غياب الأحزاب المتعددة وفي غياب الجمعيات الثقافية والتربوية وهو فراغ لازال يفرز آثاره السلبية بشكل كبير.

3) تغييب الآخر هو أحد الاشكالات التي برزت كواقع أخلاقي وسلوكي وفكري أدى إلى تضييع روح المنافسة والتطور وبالتالي إلى القضاء على الآخر بشتى الوسائل الارهابية. فكيف يمكن لنا ان نحتوي الثورة المعلوماتية وتموجاتها والحال أننا لا نستطيع ان نتعامل مع الآخر ونصغي لأفكاره ونستمع لهمساته ومع تغييب الآخر ارتد الناس إلى الأثير الذي يبثه الغرب لعله يجد ضالته ويشبع حاجته ويحلم بحريته. لقد تحولت عملية استبعاد الآخر إلى إرهاب أيديولوجي وطائفي وتحزبي أدى إلى تغييب الأولويات والانشغال بالهامشيات.

4) ضعف الخطاب الثقافي والإعلامي وعدم مجاراته للخطاب المبثوث في العالم، فعندما تسيطر حالة السطحية في التفكير ويترسخ السلوك الاستبدادي ويختفي التسامح والمرونة اتجاه الآخر ويسيطر التشدد على مفاهيم التفكير ومعايير السلوك يصبح الخطاب مجرد كلمات جوفاء يصعب على العقل تقبلها واستيعابها، و في المقابل فان الناس يرون الخطاب الغربي وقد تنوعت اساليبه وتوسعت افاقه وازدادت أساليبه الابهارية إبهارا فانه لاشك سوف يقبل على الخطاب الغربي ويذوب فيه. وهذا يعني ان نوعية خطابنا هو سبب رئيسي في عدم قدرتنا على مواجهة إعصار المعلوماتية خصوصا عندما تكون من مميزات هذا الخطاب هو استبعاد الآخر وإلغاء أفكار الآخرين ووجودهم. وقد تسبب العنف الخطابي في تنفير الكثير من الناس وابتعادهم وبالتالي اقبالهم على الخطاب الغربي.

5) التشتت والتفكك له دور كبير في تمزيق النسيج الثقافي الإسلامي المشترك، اذ ان الصراعات الداخلية حولت معظم الجهود لحرب داخلية صرفت الأنظار عن الاخطار الحقيقية لهذه الحرب المدمرة في كياننا تقودها مجموعة يحكمها منطق الجهل والتعصب الاعمى ويساعدها على ذلك فقدان وعي الوحدة واخلاقية احترام حقوق الآخرين وعدم فهمها لروح الدين الإسلامي الاصيل. ومع عدم وجود النسيج الثقافي المشترك يصبح من السهل اختراق ثقافاتنا والسيطرة على عقول شبابنا وسلوكهم.

6) سيطرة ثقافة اللهو هو من موارد الضعف التي حولت مجتمعاتنا إلى الاهتمام بالثقافة الهامشية والتفاهات التي يطرحها الاعلام الداخلي المقلد للتفاهات التي يصدرها الغرب لنا لابعاد مجتمعاتنا عن مسؤولياتها الحقيقية. وقد يكون من أسباب الاهتمام بالتوافه هو عدم وجود الحريات وخوف الناس من الدخول في موضوعات قد تهدد امنهم وسلامتهم.

7) الذوبان في روح الثقافات الغازية هو احد الاشكالات المثيرة في موضوعنا، فالحقيقة هي ان الكثير من الأفراد قد بهرتهم الحضارة الغربية فآمنوا بها وتدينوا بقيمها وخضعوا لها وهو أمر قد بدأ منذ مدة قرن من الزمان واخذ يشتد بشكل سريع مع تطور أدوات المعرفة المعلوماتية، وهذا الأمر يعبر عن تلك الروح الانهزامية التي تعيش في أعماق وذاكرة الحضارات المغلوبة على امرها التي تحس بعجزها أمام الحضارات القوية. حيث نجد ان تكنولوجيا الصورة الحديثة تخلق حالة من الاستلاب لدى المشاهد وهي دون شك تحمل الكثير من المضامين الاجتماعية والثقافية والأيديولوجية تعمل عملها في سلوك الأفراد والجماعات وخصوصا في المجتمعات التي تعيش فراغات ثقافية أو شعورا بالنقص أمام ثقافة الآخر.(15) وهو أمر خطير يفرز اثارا سلبية على المدى البعيد.

8) انصراف النخب عن الاهتمام المركز بالتحديات الحقيقية وانشغالها بالجدل اللفظي والحوار العقيم وبالتالي عدم أداء دورها في توعية الناس بالأخطار الحقيقية، ولاشك فان المثقفين اليوم يتحملون قسطا كبيرا من المسؤولية في عزوفهم عن طرح المشكلات الحقيقية ومعالجة القضايا الأساسية ويمكن لك بنظرة بسيطة ان تقرأ ما تعالجه النخب في ادبياتها حتى تعرف حجم المشكلة التي نعيشها.

9) فقدان خصوصية الانتاج والنزوع نحو الاستهلاك، فمع تلبد روح القمع وموت الفكر الابداعي وتوقف العقل عن التفكير يصبح الفرد مجرد مستهلك يأكل ويشرب ويتلذذ مع عدم وجود أي قدرة على الانتاج، بوجود قيم الاستهلاك هذه وسيطرتها على سلوك الناس يصبح الناس عبيداً لما تطرحه وسائل المعلوماتية ومطيعة لها طاعة مطلقة.

10) ضعف الاقتصاد وتبعيته، حيث يحتاج استثمار المعلوماتية إلى وجود قدرة اقتصادية كبيرة قادرة على تحمل نفقاتها، ومع ان بلادنا تملك ثروات هائلة فإنها عاجزة عن تحمل هذا الدور وذلك لان الاقتصاد تابع بشكل أساسي للدولة ولا يوجد هناك اقتصاد حر يقف في إطار المؤسسات الاقتصادية المستقلة، وتبعية معظم النظام الاقتصادي إلى آلية الاقتصاد الغربي مما يجعله تابعا ورهنا لتحكمه وسيطرته وبالتالي فقدانه للقدرة على الاستثمار السليم. ومع فقدان البنى الاقتصادية الأساسية وخصوصا المستقلة يصبح من الصعب جدا مجاراة الحرب المعلوماتية.

11) ضعف بنية المؤسسات الإعلامية وعدم كفاءتها بحيث اصبحت غير قادرة على مواجهة اخطار المعلوماتية فهذه المؤسسات تمثل الوجود الرسمي الذي يتقيد بالبيروقراطية إلى ابعد حد مع استبعاد مطلق للاعلام المستقل والشعبي، والحال ان معظم وسائل الإعلام والمعلومات الغربية هي بيد مؤسسات مستقلة لا ترتبط بالدولة وهذا سر قوتها وتحررها.

12) الانفتاح السلبي هو أحد مظاهر وإشكاليات واقعنا المعاصر حيث فتحت الحكومات ابوابها أمام موجات الأثير المبثوث دون وجود بث متوازي يصد تلك الهجمات ويحقق التوازن في عملية إدراك وتلقي المعلومات، والذي حدث، انفتاح سلبي على الخارج دون وجود أي عملية تحصين حقيقية، وانغلاق على الداخل منع وجود أي تحرك شعبي يقود إلى بناء وجود معلوماتي متمكن يستطيع ان يتدارك الاعلام المبثوث والمعلوماتية المتصاعدة.

خطوات وآليات لاستيعاب المعلوماتية

لا يمكن للانفتاح السلبي إلا ان يؤدي إلى ذوبان وانصهار مطلق في آلة المعلومات الغربية كما ان القطيعة الكاملة لا تعني إلا تجاوز لكثير من المقتضيات والدواعي التعليمية والنفسية والاجتماعية، وقد يكون افضل الحلول هي المواجهة الإيجابية التي ترتكز على الانفتاح المبني على التحصين الذاتي والاستعداد الذاتي والمناعة الداخلية وهي عملية صعبة تحتاج إلى كثير من الوعي والتنظيم والعمل الجاد. فالمطلوب ليس المنع في اطلاقيته لاننا نتعرض لتأثير ذلك سواء أكان ذلك في الداخل ام الخارج وانما هو عملية تحصين اجتماعي- ثقافي قائمة على الوعي والسلوك الواعي دون تفريط في نبذ هذه القنوات أو تحبيذ غيرها، فالإنسان الواعي هو ذلك الإنسان الذي يتسق سلوكه في الهمس مع ذلك الذي في العلن.(16) لذا كانت عمليات المنع ووضع الحواجز هي اكثر سلبية عندما أفرزت نتائج سيئة رفعت نسبة حرص الممنوعين للاقبال النهم على ظاهرة المعلوماتية.

فلابد من خطوات وآليات تقوي حالة التحصين الذاتي وتعززنا في مواجهة قوى المعلوماتية الجديدة فمن هذه الآليات:

1 - الحرية: بقدرتها على خلق واقع متماسك واساس متين حيث تنمو الطاقات وتتحرك الاستعدادات الذاتية وترفع حجب العقل وتنطلق الدوافع الإنسانية في تحقيق أفكارها، فمع الحرية يمكن بناء قاعدة فكرية قوية وتجديد روح الامة واثارة خصائص الإبداع والابتكار لدى الناس. وكل هذا يعني ان المجتمع يزداد قوة ومناعة واستعدادا كلما قويت فيه روح الحرية وتمتع بحقوقه وإنسانيته وأخلاقياته، خصوصا عندما يتفاعل مع هذه الحرية بوعي ومسؤولية. فمع حرية الناس لا يمكن لاباطرة المعلوماتية ان يخلقوا لانفسهم قطعاناً من العبيد تستهلك انتاجياتهم او تخضع لاثيرهم.

2 - بناء المؤسسات المستقلة والمتعددة لاستيعاب طاقات الشباب وتوجيههم في إطار الوعي والمسؤولية حيث تتولد عندهم المناعة الذاتية المتمكنة منذ نعومة أظفارهم. اذ مع وجود هذه المؤسسات البناءة لا يمكن ان يوجد فراغ لدى الشباب يحرص فيه على المعلوماتية الغربية، لانه بحصوله على الأجواء الطبيعية للنمو والفكر والحركة لا يجد هناك مجالا للحرص على الأخذ من الغير. هذه يمكن ان تؤدي دورا كبير في هذه المواجهة خصوصا إذا ابتنت قواعدها على الاعتدال والتعقل والحرية والتعامل الإيجابي والمتعاون مع الآخرين.

3 - عقلنة الخطاب الثقافي والديني وجعله في مستوى استيعاب الناس عبر استخدام قواعد الاقناع الفكري والاستدلال العقلي والحوار المنطقي الهادئ، وهنا يمكن ايجاد الحصانة الذاتية عبر التعرف الشخصي والمناقشة المفتوحة لتقوية أسس الاستدلال والمعرفة، ذلك ان الأمم القوية والمتقدمة هي الأمم التي اختارت طريق العقل وحرية التفكير وابتعدت عن التهميش والسطحية والإرهاب الفكري.

4 - عقد المؤتمرات التي تجمع النخب المختلفة من اجل تقريب الأفكار والوصول إلى اتفاق مشترك وبناء استراتيجية موحدة تعتمد على فهم مقتضيات التعاون المشترك عندما تواجه الأمة خطرا مصيريا كبيرا. فالمؤتمرات من الآليات الأساسية التي تقود الأمة نحو حركة التقدم والبناء.

5 - الاعتراف بالآخر كاستراتيجية وهدف ووسيلة لتحقيق التجانس والتنوع والإبداع والإنتاج وإيجاد التماسك الفكري والوحدة النوعية.

6 - توجيه الناس إلى الاهتمام الواعي بالثقافة الهادفة توجيها مركزا اذ ان هذا التوجيه سوف يعرف الناس بخطورة هذه التحديات ويعرفهم بالبدائل، ولاشك ان طباعة الكتب والمنشورات في هذا المجال يمكن ان يحقق دورا جيدا في هذا المجال.

7 - التحول لبناء مؤسسات اقتصادية قوية قادرة على إيجاد بدائل تشبع الحاجات المعرفية لمجتمعاتنا وتعطي تموجا معاكسا لحركة المعلوماتية الغازية. ولاشك ان نوعية المؤسسات الاقتصادية لابد ان يرتكز على بنية حقيقية واقتصاد حر يعتمد على الاكتفاء الذاتي والاقتصاد الواقعي والانتاج الفعال.

8 - تعميق روح التأصل الواعي وتجديد الثقة بالذات وبحضارتنا عبر استئصال روح الانهزام المتشربة في أوصالنا، ولاشك فان طرح تراثنا بأسلوب متعقل ومتجدد يمكن ان يعيد الكثير من الثقة لأبنائنا ويعرفهم بحقيقة حضارتهم وكنوزهم المخفية، مع ضرورة التوفيق بين التراث والحداثة لإيجاد قوة في أفكارنا قادرة على التوافق مع التقدم الزمني والعلمي.

9 - إلغاء الرقابة المتعسفة التي تساهم بشكل سيئ للغاية بتحجيم الأفكار وتعطيل العقول وهجرة الكثير من الكفاءات إلى الغرب بحثا عن الأمن والاستقرار، وتؤدي الرقابة القمعية إلى مساعدة ظاهرة المعلوماتية في فرض إفرازاتها السلبية علينا عبر قمع ومنع وتدمير قوى امتنا الذاتية وشلّ حركتها.

10 - تقوية البنية المعلوماتية عبر توجيه الكثير من امكانياتنا لمساعدة أبنائنا في التعلم الإيجابي من هذه الظاهرة وبالتالي الاستغناء عن الاحتياج إلى الغرب وتحقيق الاكتفاء الذاتي.

ان الكثير من التحديات التي تواجهنا هي تحديات داخلية وذاتية أما التحديات الخارجية فهي تكون عندما يشوبنا الضعف ويمزقنا الوهن الداخلي، ولاشك فان محور التحديات الداخلية هو تحقيق الحريات ورفع اغلال الاستبداد وتعميق المشاركة العامة عبر الشورى والتعددية وحينئذ فإننا نستطيع ان نغادر الماضي إلى المستقبل بثقة وقوة.

1- العرب والعولمة، ص 318. 

2- المصدر السابق. 

3- اشكال الصراعات المقبلة، الفين توفلر، ص 351. 

4- النهج، العدد50، ص 84. 

5- الاعلام العربي وتحديات العولمة،تركي صقر، ص35. 

6- المصدر السابق، ص 134. 

7- الاعلام العربي وتحديات العولمة، ص35. 

8- المصدر السابق، ص 134. 

9- العرب والعولمة، ص 222. 

10- ثورة الانفوميديا،فرانك كيلش، ص492. 

11- صحيفة القبس، العدد 9490. 

12- النهج، مصدر سابق. 

13- اشكال الصراعات المقبلة، ص353. 

14- النهج، العدد 50، ص 79. 

15- المصدر السابق. 

16- المصدر السابق.