2000 آيلول |
1421 جمادي الثاني |
49 العدد |
مجلة النبأ |
السيد حسين طالب |
والمراد من وصفه تعالى بالمؤمن أنه هو (معطي الامان) لعباده حين يؤمنهم من العذاب في الدنيا والآخرة. وقد منح الله تعالى هذا الاسم لعباده الذين صدّقوا به وبرسله وكتبه فسمّاهم (المؤمنين). فعن رسول الله(ص) أنه قال: (نزل عليّ جبرئيل فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول: اشتققت للمؤمن اسماً من اسمائي فسمّيته مؤمناً فالمؤمن مني وأنا منه). |
||
وينقسم الأمن إلى قسمين: أمن في الدنيا وهو يتحقق على الصعيد الفردي والاجتماعي بمختلف الأشكال الحياتية، فهو أمن سياسي، وأمن عسكري، وأمن اقتصادي، وأمن اجتماعي. أمن في الآخرة وهو الاطمئنان بعدم العذاب في جهنم وهو خاص بالمؤمنين الذين عملوا الصالحات. قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم اولئك لهم الأمن وهم مهتدون) الأنعام 82. وموضوعنا في هذه المقالة يتناول الأمن في الحياة الدنيا بمختلف اقسامه. |
||
ذكر علماء النفس والاجتماع دوافع الإنسان وحصروها بأربعة: منها: الأمن، فما من حركة أو عمل يقوم به الإنسان إلا وهو يعتقد بأنه يعود عليه بالأمن عاجلاً أم آجلاً، فإذا أمن على نفسه في بلد معين سعى إلى العيش فيه، وإذا أمن على ماله في تجارة ما سعى إلى وضعه فيها وهكذا. وهذا الأمن يؤدّي إلى تفريغ طاقاته وأمواله في مجتمعه. وإلا فإن الخوف يؤدي إلى حالتين سلبيتين: إما الانعزال عن المجتمع وإما الهجرة من الوطن. عن الإمام علي(ع): (حلاوة الأمن تنكّدها مرارة الخوف والحذر) وقد ذكروا أيضا: إن الخوف من العوامل التي تدفع الإنسان إلى تحقيق الأمن فالخوف من العقرب يدفع لقتلها كي يحرز الأمن وهكذا عن الإمام علي(ع): (نعم مطية الأمن الخوف). ولأهمية الأمن في حركة الإنسان في الحياة نجد أن الله تعالى قد أنزل النعاس على أصحاب بدر في معركة بدر الكبرى ليكون لهم أمناً من خوف الهزيمة والانكسار. قال تعالى: (إذ يغشيكم النعاس أمنة منه... وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام) الانفال11. ولضرورة الحصول على الأمن النفسي عند كل فرد من أفراد المجتمع نجد أنه يسعى للانضمام إلى الجماعات والتنظيمات والاحزاب لانه بذلك يشبع حالة الخوف من الفردية مما يعني أن (أمن الفرد تابع لأمن الجماعة). عن الإمام علي(ع): (الخائف لا عيش له). |
||
يعتبر الأمن من أهم أسس ومقومات المجتمع الإسلامي، ولذا نجد أن الله تعالى يذكر هذه النعمة التي أولاها لقريش ويفرّع على ذلك الأمر بعبادته. قال تعالى: (فليعبدوا ربّ هذا البيت الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف) قريش5. عن الإمام الصادق(ع): (ثلاثة أشياء يحتاج إليها جميع الناس الأمن والعدل والخصب) فبالأمن تطمئن النفوس وتستقر البلاد وبالعدل تصان الحقوق، وبالخصب يقضى على الفقر والعوز. وعنه(ع): (خمس من لم تكن فيه لم يتهن بالعيش: الصحة، والأمن، والغنى، والقناعة، والأنيس الموافق). وفي دعاء الإمام السجاد(ع): (اللهم اعطني السعة في الرزق، والأمن في الوطن، وقرة العين في الأهل والمال والولد، والصحة في الجسم، والقوة في البدن). وعن الإمام علي(ع): (شر البلاد بلدٌ لا أمن فيه ولا خصب). (نعمتان مجهولتان الصحة والأمان). ثم أنه إذا انتشر الأمن بين الناس زادت الحركة الاجتماعية والاقتصادية في المجتمع فعن الإمام علي(ع): (رفاهية العيش في الأمن). عن الإمام الصادق(ع) أنه قال لأحد أصحابه: (عليك بصدق الحديث وأداء الامانة تشرك الناس في أموالهم). |
||
ولكي يتحقق الأمن في المجتمع فقد نهى الإسلام عن الأعمال السلبية التي تنشر الخوف والذعر بين الناس كالإيذاء، والتجسس، وشهر السلاح، وسوء الظن، والقتل... عن رسول الله(ص): (المؤمن من آمنه الناس على دمائهم وأموالهم). وعنه(ص): (المسلم من سلم الناس من يده ولسانه). وعنه(ص): (المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله). وعنه(ص): (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر). عن الإمام علي(ع): (لا يحلّ لمسلم أن يروّع مسلماً). عن الإمام علي(ع): (من حمل علينا السلاح فليس منّا). عن الإمام الصادق(ع): (من نظر إلى مؤمن ليخيفه بها اخافه الله يوم لا ظلّ إلا ظلّه). وعنه(ع): (من روّع مؤمناً بسلطان ليصيب به مكروهاً فاصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار). مقابل ذلك فقد حثّ الإسلام على الأعمال الإيجابية التي تؤدي إلى نشر الأمن واستتبابه. عن رسول الله(ص): (السلام تحية لملتنا وأمان لذمتنا). وورد: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليؤمن جاره بوائقه). وقد عمل النبي(ص) على اشاعة الأمن في المجتمع من خلال تطبيقه لتعاليم الإسلام العالية حتى أنه(ص) كان يعرف بـ(الأمين) فعندما فتح مكة المكرّمة بعد اكثر من عشرين سنة (وهي البلد التي حاربته وكذّبته وطردته) أعلن بين الناس أنه (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن). ولما أخذ مفاتيح الكعبة من سدنتها ليحطّم الأصنام ارجعها إلى اصحابها امتثالاً لقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الامانات إلى أهلها) النساء58. |
||
إن نهاية الصراع بين الحق والباطل، والعدل والظلم، تقتضي بأن يحكم أهل الحق والعدل على الكرة الارضية، وبذلك يقضون على كل مظاهر الفساد والظلم، والتي منها الخوف وعدم الأمان. ولا يتحقق ذلك إلا في دولة آخر الزمان وعلى يد الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر(ع)، فهناك يكون الأمن السياسي، والأمن الاجتماعي، والأمن العسكري، والأمن الاقتصادي، والأمن من الحقد والحسد والعداوة والسرقة والقتل والسجن وكل الويلات الاجتماعية، كما يتحقق الأمن من الأمراض الجسدية، بل يشمل علاقة الإنسان بالحيوان حيث يأمن الإنسان من الحيوانات، بل ويأمن الحيوان من الحيوان والخلاصة: إن الأمن الذي سيتحقق في عصر الإمام المهدي(ع) هو أمن كوني عام وليس أمناً جزئياً خاصاً. واليك بعض النصوص: قال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدّلهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً، ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) النور56. وعن الإمام الصادق(ع) في تفسير قوله تعالى: (سيروا فيها ليالي واياماً آمنين) أنه قال: (مع قائمنا أهل البيت). وفي قوله تعالى: (ومن دخله كان آمناً) من بايعه ودخل معه ومسح على يده في عقدة أصحابه كان آمناً(1). عن الإمام علي(ع): (لو قام قائمنا أذهبت الشحناء من قلوب العباد، واصطلحت السباع والبهائم، حتى أن المرأة تمشي من العراق إلى الشام لا يهيبها سبع ولا تخافه)(2). وعنه(ع): (... وترعى الشاة والذئب في مكان واحد، ويلعب الصبيان بالحيات والعقارب، لا يضرّهم شيء، ويذهب الشر ويبقى الخير)(3). وفي صحف ادريس عن الله تعالى: (وألقي في ذلك الزمان الأمان على الأرض فلا يضر شيء شيئاً، ولا يخاف شيء من شيء، ثم تكون الهوام بين الناس والمواشي لا يؤذي بعضها بعضاً، وانتزع حمة كل ذي حمة من الهوام وغيرها واذهب سمّ ما يلدغ)(4). وفي حديث نزول المسيح في آخر الزمان (وتقع الأمنة في الأرض). قد يقال: كيف يمكن تحقق الأمن في عصر الظهور؟ الجواب: يتم ذلك من خلال القضاء على أسباب الخوف في آخر الزمان والتي يمكن ارجاعها إلى الكفر، والفقر، وعلى حد تعبير الإمام علي(ع): (كاد الفقر أن يكون كفراً). فإذا تحقق الإيمان بالله الواحد انتهى الكفر والصراع العقائدي بين الشعوب والأمم. قال تعالى: (ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) الصف9 وإذا ساد الإيمان طبّق العدل والانصاف في كل المجالات الحياتية وأهمها الاقتصادية وعلى حد تعبير الإمام الباقر(ع): (... يسوّي بين الناس حتى لا ترى محتاجاً إلى الزكاة)(5). هذا بالإضافة إلى أن الناس يصلون إلى أعلى مراتب الكمال وعلو النفس، بحيث يترفعون عن ارتكاب أي عمل يؤدي إلى ارباك الأمن واشاعة الذعر والخوف بين الناس. |
||
1 - تفسير نور الثقلين، ج4، ص332. 2 - ذلكم الإمام المهدي(ع)، ص56. 3 - الإمام المهدي من المهد إلى الظهور، ص509. 4 - ذلكم الإمام المهدي(ع)، ص56. 5 - ذلكم الإمام المهدي(ع)، ص53. |