2000 |
آب |
1421 |
جمادى الاولى |
48 |
العدد |
النبأ |
مجلة |
إنجاز للمهمات ووصول للغايات |
فاضل الصفّار |
لا شك أن الزمان بعد مهم آخر من الأبعاد التي تتفاعل معها حياة البشر.. إذ ليس نتائج أعمال البشر تظهر في الطّول أو العرض أو الارتفاع بل هناك بعد آخر زماني تشكّل الارادة البشريّة عنصراً هاماً لاستثماره بنجاح أو بفشل.. ولا يبعد صحة القول بأن الزمان هو الاقوى أثراً في ظهور النتائج الايجابية أو السلبيّة فان الإنسان يعمل المقدّمات إلا أن النتائج الناجحة بعضها يتوقّف على زمان إضافي وآخر على الزمان الأقل.. فبعض الأعمال تظهر آثارها في الاتجاه الافقي كالرأي العام والمد الجماهيري ونحوهما وبعضها تظهر آثارها في الاتجاه العمودي كالتربية والتنظيم.. وبعضها تظهر آثارها في الاتجاه الطولي كقطع المسافات في البعدين المادي والمعنوي ولا يمتنع أن يجمع عمل واحد هذه الأبعاد الثلاثة كما أن الأعمال الجبارة في الغالب تتسم بنجاحها في الأبعاد الثلاثة هذه إلا أن هناك بعد آخر له غاية الأثر في مسيرة الحياة البشرية وإكسائها بحلّة النجاح والفشل ذلك هو بعد الزمان.. فقد خلق الله سبحانه الكون زماني الحدوث والبقاء وكل حركة أو سكنة فيه محاطة بالزمان بنحو التقارن أو بنحو التلازم أو المعلوليّة رغم الاختلاف الفلسفي في تفسير الزمان.. وإن الحياة البشرية بشكلها الفردي والاجتماعي وفي البعدين الخاص أو الحضاري يتجلّى في تقدّمها وتراجعها تأثير الزمان.. فإن مسيرة الكون محكومة بقانون الكون والفساد.. فما من شيء إلا ويبدأ ضعيفاً ثم يقوى أو يشتدّ في الأبعاد الثلاثة ثم يبدأ مسيرته الانحداريّة: (ومن نعمّره ننكّسه في الخلق أفلا يعقلون)1 وثبات الأشياء وقوة فعلها وتأثيرها في الحال والاستقبال وبعد أن تصبح تاريخاً بعد زماني رابع ويرى البعض أن قوله سبحانه: (ونكتب ما قدّموا وآثارهم)2 يشير إلى هذه الحقيقة فإنّ ما قدّموه هو العمل وآثارهم هي النتائج التي تظهر في الزمان فعلينا أن نعرف إذاً أن الزمان عنصر أساسي في تحقيق نجاحنا أو فشلنا في الحاضر كما أنه معيار لتقويم أعمالنا في المستقبل.. كما أنه عامل مهم يظهر آثارنا وتأثيراتنا في الحياة حتى بعد أن نرحل عنها.. من هنا فانه لا غنى لنا عن الزمان ولا مجال للتغافل عنه ولكنّ المشكلة التي نعاني منها مع الزمان هي انّه وجود متصرّم غير قارّ كما يعبّر عنه الحكماء لذلك فانه ما دام في أيدينا فهو غنيمة وفرصة ذهبيّة فإذا مضى وتصرّم اصبح خسارة فادحة لا تعوّض ما لم نكن قد استثمرناه.. ولعلّ ما ورد عن مولانا أمير المؤمنين(ع): (الفرصة غصّة) يشير إلى هذا المضمون. واللطيف في الأمر أن مقتضى العدل والحكمة والرحمة أن جعل الله سبحانه البشر متساوين في نسبتهم إلى الزمان ولعل الفرص التي تتوفر فيه كثيرة للجميع إلا أن البعض يتمكن من استثمارها استثماراً فعالاً ناجحاً فيكون من المتفوّقين في بناء الحياة والتأثير على حضارة البشر فيكون مباركاً أينما حلّ وطلّ كما قال سبحانه (وجعلني مباركاً أينما كنت) 3والبعض الآخر يخفق في ذلك فيكون من الفاشلين. |
||
قسم منّا يعاني من أزمة الزمان ولا يصل إلى حل لها.. وقسم آخر تمكّن من انجاز أعماله ومهامّه في وقت مناسب وحصل على نتائجه المرجوّة.. فأين يكمن السرّ؟ لعل التجارب أثبتت للعديد منّا أن السر يكمن في تنظيم الوقت وبرمجته.. والآن أوضح المسألة في أمثلة.. لننظر.. أنّنا نشعر في كثير من الأحيان أن وقتنا ضاع منّا بكل سهولة ولا شك انّا نأسّف على ضياعه إلا أننا نبرّر ذلك بالغفلة وعدم التعمد في ضياعه وهو أمر صحيح في بعض الأحيان إلا انّه في أحيان كثيرة ليس بصحيح.. 'ن البعض منا يشعر أحياناً بضياع وقته لأنه لم ينجز شيئاً إلا أن البعض الآخر قد يجد نفسه أنه بذل جهداً كبيراً وقام بأعمال متعددة فيتصوّر أنه يقضي اوقاته في النافع والمفيد إلا أنه في واقع الأمر كان خسارة لأنه ضيّع الأهم أو فاته ما كان ينبغي أن يقوم به بالقياس إلى ما أنجز وهناك قسم ثالث لا يشعر بضياع الوقت ما دام مشغولاً بعمل ما ولكن في معادلة التقويم والموازنة قد نجده خاسراً أيضا. لذا ينبغي أن نعرف مجموعة من العلائم التي تدلّنا على ضياع الزمان وبالتالي توصلنا إلى أن سبب ضياعه كان منّا أو من الظروف أو غيرها من الأسباب غير الاختيارية حتى نصل إلى أسباب الحل، ومن ذلك: * القيام بنصف المهام التي كنّا قد خطّطنا لها سابقاً أو عدم القيام بها أصلاً. هذا أحد علامات ضياع الوقت. * تراكم الأعمال علينا أو المدرجة في جدول أعمالنا اليومية والتي كان ينبغي علينا القيام بها. أو تأخير مواعيدها المقرّرة. * تراكم الأمور التي تحتاج إلى قرار منّا أو حسم أو تخطيط والوصول إلى حلّ لها وبالتالي تبقى غير محسومة. * نسيان مواعيدك أو تضييع بعض أوراقك المهمّة أو التفتيش عنها في أماكن في ليست أماكنها مما يعدّ علامة أخرى من علامات ضياع الوقت. * إهمال بعض الأمور المهمة التي يتوقعها منّا الآخرون مثل حضور دعوة فرح أو مشاركة في احتفال أو عيادة مريض أو استقبال قادم من سفر ونحو ذلك هو علامة رابعة على ضياع الوقت. وغير ذلك مما يضيع فيه وقتنا ويهدر فيه عمرنا فما هو السبب؟ السبب هو عدم تنظيمنا الشخصي وعدم الاستعداد للامساك بالوقت وبرمجته برمجة صحيحة ومنظّمة.. وهذه عقبة كأداء في مسيرة تقدم كل مدير بل وكل إنسان ناجح فإذا لم نتخطّاها فلنعرف أن نتائجها وخيمة.. ولكي تمسك بزمام وقتك عليك أن تكون صريحاً مع نفسك اولاً وصادقاً في التعامل معها وأول خطوة يمكن أن تخطوها بهذا الاتجاه اسأل نفسك الأسئلة التالية.. وتحرّى عن الجواب عنها بكلّ صدق وواقعيّة. 1ـ ما الذي أقوم به يومياً أو دوماً وينبغي عليّ تحاشيه؟ 2ـ ما الذي أفعله يومياً أو دوماً وكان من المفروض أن أوكله إلى غيري؟ 3ـ ما الذي يستنزف مني وقتاً أكثر من اللازم؟ 4ـ ما الذي أعطيه اقل مما يستحقه من الوقت فاضطر إلى تكراره مرة أخرى أو إكماله في وقت آخر؟ 5ـ ما الذي أفعله فأضيّع به أوقات الآخرين العاملين معي؟ 6ـ ما الذي يفعله الآخرون فيضيّعون وقتي؟ هناك طريقة شائعة بين المدراء تهدر أوقاتهم وتزعجهم كثيراً في الغالب وهي... هدر الوقت بأمور لا ينبغي عليهم القيام بها.. مثلاً.. * يقومون بأمور غير ضرورية لأنهم تعوّدوا عليها ـ مثل التدخين، أو مجالسة الأصدقاء غير الضرورية، أو متابعة بعض برامج التلفزيون، القراءة غير المنظمة للصحف والمجلات.. الخ. * إطالة الإجراءات الإدارية ـ أي الروتين. * سوء التنظيم الاداري أو تقسيم الأعمال فالعمل الفردي مضيعة للوقت في الحصيلة العامة بينما العمل الجماعي أو فريق العمل كسب واقعي للوقت واستثمار له في أحسن الصور. * استعمال الأنظمة اليدوية في أمور تمّت برمجتها باسلوب عصري وجديد لعدم ثقتهم بالنظام الجديد أو لإهمالهم أو للتغافل عن توفير مقدّماته ونحو ذلك، من أسباب وأنت ترى أن كلّ هذا مضيعة حقيقية للوقت ينبغي على المدير أن يراجع نفسه فيه ويضع كلّ شيء في نصابه لكي يعود على نفسه وعلى الآخرين بالنفع. * وهنا ملاحظة من الجدير بنا الالتفات إليها.. وهي أن اضاعة الوقت في العمل الفردي يفقد معادلة حسابيّة في الزمان امّا إضاعته في الأعمال الجماعية فأنّه يتصاعد في معادلة هندسيّة ويتضاعف بحسب عدد الأفراد المشتركين في العمل.. مثلاً إذ نسيت التحضير الجيد للاجتماع مع عشرة أفراد فتأخرت عنهم لمدّة خمس وعشرين دقيقة أو الغيت الموعد في غير أوانه يصبح مجموع الوقت المهدور (250) دقيقة وهو في النهاية يساوي اضاعة أكثر من نصف نهار من العمل هذا في الحالة الأولى وأما في الحالة الثانية فيضيّع اضعافاً مضاعفة من (250) دقيقة.. وإذا فتشنا عن السر وراء هذا التضييع قد نجدها أموراً بسيطة إلا انّها صارت ذات نتائج وخيمة بسبب عدم انتظامنا نحن أو قل بسبب عدم برمجة أوقاتنا أو اعمالنا.. * فإننا نواجه في كثير من الأحيان حالات من الفوضى أو عدم التخطيط فتظهر في أعمالنا بشكل واضح.. مثلاً: * قد تحدّد وقتاً خاصاً للالتقاء بشخص أو لزيارة مؤسسة ولكنّك حينما يحين وقت اللقاء تلتفت أنّك قد نسيت أن تهيء الاوراق أو المعلومات اللازمة لهذا اللقاء فيضيع وقتك في التفتيش عنها أو يضيع في بساطة الاجتماع وعدم استثماره استثماراً ناجحاً.. وهكذا الأمر بالنسبة للطّرف الآخر. هذا مضافاً إلى أنّك إذا لم تستعد جيداً وكان الطرف الآخر من الحاذقين فأنه ربما يستثمر اللقاء لصالحه هو دون أن تحصل أنت على شيء.. * قد تعقد اجتماعات مرتجلة فيجهل الحاضرون عمّا تتكلّم وماذا تريد كما أنك قد ترتبك أيضا وربما لا تتحكم فيما تقول وبالتالي تضيع النتائج التي كنت تتوقع أن تكسبها. * قد تسمح بمقاطعة الحوار فيدوم النقاش طويلاً وتضيع قيمته مع ضياع الوقت أيضا. * كما قد تبقي الأفراد المتحمّسين لحضور الاجتماع منتظرين بسبب تأخرك وأحياناً نسيانك الموعد بالكامل فتصيبهم بالملل.. * إذن.. لنكن صريحين مع أنفسنا ونحاول معرفة الأسباب الحقيقية وراء عدم انجازنا الأعمال المرسومة أو تأخرنا في مواعيدها المحدّدة وغير ذلك، من الاختلالات ونتفحّص عن كيفية إدارة الوقت لنكون فعّالين ونشعر أن باستطاعتنا تقديم المزيد. فإن الأشياء التي نتلكأ في انجازها هي التي في الغالب لا نحب القيام بها أو نستصعبها وربما نحبّها إلا أن اختلال نظامنا يعود عليها بالإهمال والطريقة السليمة تقتضي وضع جدولة لنا توضح كيف نقضي اوقاتنا الآن وماذا نريد أن نقضي من الوقت في المستقبل وبذلك نكون قد وضعنا أقدامنا بالاتجاه الصحيح للتقدم والبناء. إذن لتحسين وضعنا الشخصي والعملي لابد من توفّر الإدارة والتحكم بالوقت فإن تمّ ذلك بشكل جيّد تصبح الكثير من الإنجازات الأخرى من المسلّمات وإذا أردت أن تعرف انك ناجح في إدارة وقتك أم لا أجب على الأسئلة التالية؟ 1ـ هل تجد صعوبة في تحديد ما فعلته خلال يومك! 2ـ هل أنجزت ما فعلته في وقته المحدّد؟ 3ـ هل تقوم بأعمال لا ينبغي لك أن القيام بها؟ 4ـ هل كان التزامك بالمواعيد جيداً؟ 5ـ هل تنسى ما كان يجب عليك فعله؟ فإن كان الجواب بنعم فهو مؤشّر واضح على انّك تفقد التحكم بالوقت وبالتالي تفقد السيطرة عليه وهو يدلّل على انّك فاقد للمنهجية والبرمجة.. والعكس صحيح أيضا.. وستكون أفضل إذا: 1) نظّمت أمرك وفق أولويّاتك. 2) ميّزت بين ما يضيّع وقتك وبين ما يوفره لك من الأمور. 3) شخّصت تصرفاتك التي تضيّع وقتك وأوقات الآخرين. 4) عرفت لماذا تأخّرت في انجاز بعض اعمالك المهمّة أو لم تنجزه نهائياً. 5) حدّدت إنجازاتك المهمّة خلال اليوم وتلك التي فشلت فيها. فأنك بهذا تكون في موضع تمكّنت فيه من تشخيص الداء إلا أنه يبقى الدواء بيدك وهو تنظيم وقتك والتخطيط لاستثماره في أفضل شكل. |
||
قد يرى البعض أن تراكم الأعمال وكثرة الانشغالات هو سبب ضياع الوقت لفقدان السيطرة عليه إلا أن التأمل الدقيق في حياة الناجحين يوصلنا إلى أن ذلك يعود إلى سوء تنظيم الوقت في أحيان عدة بل يرى بعض المتخصصين في الإدارة أن الشخص الدائم الانشغال يتمكن من التحكم بوقته اكثر من غيره.. كما أنه يقوم بعدة أعمال مهمّة في اليوم الواحد وذلك لأنه في شغل دائم وذلك لأن كثرة الاشغال تحثه على وجدان أفضل الوسائل للقيام بمهامّه في الوقت المحدّد. يقول تشرشل: (إن أردّت إنجاز شيء ما سلّمه لأشخاص مشغولين والأسباب هي التالية: * يشعرون بضرورة إنجاز المهام المطلوبة. * يحترمون المهلة الأخيرة ويكرهون التأخر. * اصبحوا ماهرين في انجاز الأمور في الوقت المحدد. * يدركون بكل وعي مسؤولياتهم فيما ينتجون)4. وهنا نقطة جوهريّة تهمّ كل مدير ناجح... وهي: أن يدرك ما ينبغي عليه القيام به.. قد نجد أنفسنا في كثير من الأحيان أنّا نقوم بأدوار مسلّية ومثيرة ولكنّها في المحصلّة النهائية خارجة عن إطار أدوارنا الأساسية.. لذلك فان الخطوة الأولى للاستفادة من الوقت هي: فهم مسؤوليّاتنا.. وسبب وجودنا في مكان ما أو موقع ما.. فأننا عندما نحقّق ذلك نكون قد حقّقنا أولى خطواتنا في النجاح وبعدها يصبح سلوك الطريق سهلاً.. لأنك عندما تدرك الأمور المهمّة وما يجب عليك انجازه يمكنك أن تتحكّم بالاحداث بدلاً من أن تتحكّم هي بك.. ويعبّر عن ذلك بعض الماهرين... بتحديد الأهداف.. لأن إدراكنا للأهداف والمآرب يبلغ بنا نقطة الانطلاق الحقيقية نحو النجاح.. لأنه يتيح لنا الفرصة الذهبية الكافية لاستثمار الوقت بتفوّق وبراعة.. لانّ تحديد الأهداف يساعدنا على خطوات متتالية في النجاح تبدأ من: 1. تركيز اهتمامنا على ما نقوم به. 2. تحديد الأهداف المقطعية والقريبة التي يجب علينا الوصول إليها في مدة معيّنة (أي الأولويات). 3. مساعدة العاملين معنا على فهم أدوارنا وبالتالي كسب تعاطفهم للتعاطي معها بشكل أفضل. 4. التقدّم إلى الخطط الأبعد بحكمة ومنطقية.. ويمكنك أن تحصل على هذه المكاسب بخطوات سريعة ومدروسة إذا: 1ـ بسّطت ما عليك تحقيقه.. وهذا ليس بالأمر السهل إلاّ أن التخطيط الكافي والتفكير المتواصل كفيلان به. 2ـ شاركت الآخرين بافكارك ورسم مناهجك. 3ـ وتدوين ما قرّرت القيام به من أهداف بعيدة وقريبة. |
||
إن أكثر المدراء واصحاب المهام الصعبة في أي صعيد ومستوى كانوا يتحدّثون عن الأولويات ولكن في الكثير من الأحيان قد يضيّعونها أو تضيع منهم بسبب عدم التخطيط الكافي أو عدم البرمجة الشاملة.. ولكي نتمكن من رسم أولوياتنا.. علينا أن نتفحّص أعمالنا أو أدوارنا التي نحن مشغولون بها وتحديد الأسبق منها.. والأكثر أهمية.. وهنا قد نجد من الضروري أن نقسّم أعمالنا حسب الأولويّات إلى أقسام أربعة هي: 1ـ الأعمال الضرورية التي لا مجال للتغافل عنها.. لأننا إذا لم نهتم بها لا تكون اعمالنا فعّالة ومتكاملة ـ كالمتعابات اليومية ـ. 2ـ الأعمال التلقائية التي ينبغي علينا القيام بها أيضا ـ كالاتصالات والعلاقات ـ. 3ـ الأعمال التي نود القيام بها إلا أنّنا في الغالب نهملها.. 4ـ الأعمال الأقل أهمية إلا اننا في الغالب ننشغل بانجازها.. وربما نضيف قسماً خامساً لها هو الأعمال الآنية الطّارئة رغماً عنّا ـ كالأزمات .. وأنت ترى أن هذا التقسيم يجعل أمامك شاشة العمل واضحة ودقيقة نسبياً بحيث تعرف ماذا تريد ومن أين تبدأ؟ وهنا ملحوظة في غاية الأهميّة.. وهي: أنه في نفس الوقت الذي يجب علينا أن نتحلّى بارادة صميمية للتمسّك بالاولويات حتى لا نضيّعها لأدنى مشكلة أو لأتفه الأسباب علينا أن نكون مرنين أيضا في التعامل معها.. لأن الظروف تتبدل وهي في الكثير من الأحيان ليست بأيدينا لذا قد يعد تمسّكنا الجامد بالأولويات في تلك المرحلة الزمنية الخاصّة ـ هي الآخر مضيعة للوقت.. لذا يجب أن نهتم بالأولويات الأخرى إذا تعذّرت علينا الأمور الأهم لأنّك إن لم تنشغل بالمهم فسيكون قد فاتك الأهم في نفس الوقت الذي ضاع عليك المهم أيضا. إذن مراعاة الأولويات امر لازم إلا أن المرونة والحكمة أمران لازمان أيضا. وهذا يتطلّب منّا المزيد من الدراية والحنكة للتمييز بين الأمور الطارئة والأمور الأكثر أهمية.. لأن هذا التمييز يوفّر لنا فرصاً كبيرة لإدارة الوقت واستثماره الاستثمار المطلوب. |
||
من المصاعب التي تواجهنا بشكل جدّي وفعّال هي أن الأمور الطارئة لا تتحمّل التأخير أو التأجيل على الرغم من أنها قد تكون بسيطة أحياناً وأحياناً أخرى تافهة. أضرب لك أمثلة: قد يكون لك موعد مهم مع بعض الشخصيّات البارزة.. ولكن * في كثير من الأحيان يضيع وقتنا من أجل العثور على رقم هاتفه أو عنوانه. * أو يضيع وقتنا في البحث عن موقف مناسب للسيارة حتى نلتقي به.. وأحياناً عطل بسيط في السيارة يؤخّر عليك الموعد.. لكن هل بامكانك تأجيله أو التغافل عنه؟ لذا فانّ الأمور الطارئة تبدو مهمّة في حينها لانحصارها في وقت قصير.. كما هي توفّر عليك راحة البال لانجاز الأعمال الأخرى.. لذا تحتاج إلى معالجة سريعة.. وهنا تظهر مهمّة الإدارة في عدم تضييع الوقت.. لأنّنا قد نلغي أموراً مهمة لأجل أمور طارئة وهي كثيرة في الغالب، خصوصاً عند من يقطن البلدان الكثيرة الروتين أو قليلة الخدمات والإمكانات. وفي أحيان عديدة قد نواجه أمراً طارئاً إلا أنه على قدر كبير من الأهمية أيضا لذا ينبغي علينا التركيز والاهتمام.. وهنا يبرز دورنا في كيفية معالجة الموقف حتى لا نضيّع وقتنا ولا نضيّع أمورنا الهامة.. والمعالجة هنا قد تتم عبر ترك السيارة فوراً والذهاب بالتكسي.. أو اتخاذ سائق يهتم بذلك أو يكون لك معاوناً في الأمور الجزئية والطارئة. وعلى أي تقدير فأنت بهذا الاجراء تكون قد دبّرت الأمر بشكل لا يضيع عليك وقتك ولا يؤخر أعمالك.. لكن إذا فكّرت بأنّ كل شيء ينبغي أن تقوم به أنت فان ذلك سوف يكلّفك الكثير. |
||
لذلك.. علينا أن نفكر بطبيعة أعمالنا وكم ينقضي من الوقت لتنفيذها وكم نكرّس من الجهود لأجل إنجازها.. كانت أعمال بيتية أو شخصية أو إدارية فالمهام الإدارية تتطلّب منّا الخطوات التالية: 1ـ التفكير المسبق لنتأكد من توفير كل ما يلزمنا في إنجاز المهمة. 2ـ توفّر الأفراد المناسبين والمعلومات اللازمة في الوقت المناسب لانجاز المهمّة. 3ـ التأكّد من أن الذين يعاونونا في إنجاز المهمّات يحيطون بما يجري وما ينبغي عليهم القيام به.. وما ينبغي أن نتوصّل إليه. ونحن في كل هذه الخطوات نحتاج إلى برمجة وتخطيط في: التصميم أولاً ثم التنسيق ثانياً ثم التوجيه ثالثاً ثم الضبط والسيطرة رابعاً. وإذا لم تتوفّر عندنا هذه المهام الأربعة علينا أن نراجع أولوياتنا لأنّنا نكون قد وقعنا في مطبّ تضييع الوقت في غير المهم. قد يجد بعض المدراء أن توكيل الغير في إنجاز بعض المهمّات الصعبة يتطلّب منهم وقتاً طويلاً لأنّهم لا يجيدون الأداء بالشكل المطلوب إلا أن الحكمة ترشدنا إلى أن نتائج المنافسة وتفويض الأدوار في التنفيذ يساهم مساهمة فعّالة في كسب المزيد من الوقت وتوفير الفرص الأفضل لنا لإنجاز الأهم مضافاً إلى تأهيلهم للأدوار الأفضل.. إذن.. فكّر كيف تنظّم وقتك وأجب عن الأسئلة التالية: 1) هل تميّز بين مهامك ومهام غيرك؟ 2) هل أهدافك واضحة؟ 3) هل لك أولويات حدّدتها؟ 4) هل هناك أشياء مهمة أيضا عليك القيام بها عند تعذّر الأهم؟ 5) هل ميّزت الأمور الطارئة من غيرها؟ 6) هل تستفيد من وقتك في تحقيق أهدافك؟ فإنك ستكون الأفضل إذا عرفت: 1ـ مهامّك الأساسية. 2ـ حدّدت أهدافك. 3ـ أنجزت أعمالك المهمة في وقتها المحدد. 4ـ ميّزت الأمور الطارئة من غيرها. 5ـ نفّذت الأعمال التي تساعدك في تنسيق وقتك. 6ـ خطّطت لاستثمار وقتك الحالي والمستقبلي |
||
ربّما توصّلنا مما سبق إلى أن العمل ضمن مدّة محدّدة يجعلنا نعطي لكل شيء وقته فنستفيد لأقصى درجة ممكنة من الوقت المتوفّر.. خصوصاً إذا عيّنا ساعة البدء وساعة الانتهاء لأن تعيينهما له دوره الفاعل في تركيز اهتمامنا وضبط أنفسنا في إطارهما لكي تنتهي خططنا في المدة المرسومة ولعل من أهم أسباب النجاح في الأعمال بعد التخطيط الكافي هو وضع سقف زمني لإنجازها.. لأن تركها مفتوحة ربّما يجعلها في رفّ المهملات كما عرفت لطرؤ الكثير من الجزئيات التي تشغلنا عن المهمات الصعبة. أو تجعلنا مترهّلين في انجازها وهو بدوره يضيّع اوقاتنا في غير المهم.. لذلك فأن تحديد السقف الزمني وتعيين ساعة البدء مع ساعة الانتهاء مسألة جوهرية قد تجعل الوقت مسخّراً لمشيئتنا دون أن يتحكّم هو بنا.. ومن الواضح أن السيطرة على الوقت تؤكّد أننا نسيطر على حياتنا العمليّة أيضا وتجعلنا قادرين على إنجاز مهامّنا في وقتها المحدد. |
||
أولاً: إن الكثير منّا عانى من معرقلات سبّبت له في كثير من الأحيان مضيعة الوقت مثلاً توقّعات الآخرين أو مطالبهم أو الاضطرار إلى سفر أو الانشغال بالتزامات رغماً عنّا ونحوها، لذا علينا وضع مبادئ وأساليب للاستفادة من الوقت لأقصى درجة ممكنة وأولى هذه المبادئ رفع الموانع والمعرقلات.. بعض الأمور تتطلّب من المدير اهتماماً كبيراً خلال فترة العمل وهي قد تسبّب له الانشغال في الجزئيّات دون أن ينجز الأهم.. خصوصاً المدير الذي يتحلّى بسعة الصّدر فأنّه في كثير من الأحيان ينجرّ وراء هذه المهمة أو تلك احتراماً للأشخاص أو تقديراً للعمل.. أو لغير ذلك من الاعتبارات والمصالح. وبعض المدراء يحاول أن يفرّ منها وثالث يهملها ورابع ينفجر في وجه العاملين معه وكل ذلك لا يخلو من ثغرات فانّ طريقة ردّة الفعل تتحكم بها شخصية المدير ومزاجه الشخصي وضبطه لنفسه بشكل كبير.. لكن هناك طرق أخرى قد تكون افضل منها وتبعدنا عن الأضرار.. 1ـ تخصيص وقت خاص للعمل وآخر للفراغ النسبي ونعلم العاملين معنا بهذا الوقت الثاني لكي يتواصلوا معنا، بدلاً من الوقت الأهم. 2ـ قطع وسائل الاتصال في أثناء فترة العمل التي تريدها وخصوصاً الهاتف أو الفاكس أو الزيارات الشخصيّة لكي تتمكّن أن تعالجها في وقت أفضل تختاره أنت دون أن يفرض عليك.. وتكون على استعداد أفضل له بحيث لا تجعل وقتك مفتوحاً لكل شيء. 3ـ ضع دفتراً صغيراً في جيبك واجعله رفيقك دائماً لانّك في كثير من الأحيان تتذكّر أشياء مهمّة في أثناء إنجاز أعمالك المهمّة تجعلك تفكّر بها وتشغل حيزاً من تفكيرك وقلقك خشيةً من أن تنساها.. فإذا أرحتها على الورق سوف تريح نفسك أيضا وتحصل على الاطمئنان النفسي من عدم النسيان وبالتالي يفرغ بالك منها فتتفرّغ لانجاز مهمّتك بشكل أفضل. 4ـ لا شك أن للاجتماعات دوراً بارزاً في حسن الإدارة إلا أننا قد نجد بعض الاجتماعات تسبّب لنا المزيد من ضياع الوقت.. إمّا في أصلها أو في طولها أو قلّة فوائدها لذلك علينا دائماً أن نختار الاجتماع الذي نشعر فيه أنّنا أثرينا فيه أو استفدنا منه.. وهذا يتطلّب منّا اختيار الاجتماع الذي يكون بالنسبة إليك أهم.. ولكي تختار الاجتماع الأفضل اسأل نفسك: * لماذا احتاج إلى الاجتماع؟ وهل هناك وسيلة أخرى تحقّق الغرض منه مع جهد ووقت أقلّ؟ مثل إرسال رسالة، أو مذكّرة أو إرسال رسول؟ * ما هو هدف الاجتماع؟ وكم يدخل في صميم مهمّاتي؟ * ما هي المواضيع التي ينبغي التطرّق إليها وتصبّ في الهدف؟ * من عليه الحضور في هذا الاجتماع أو ينبغي أن يحضر ولماذا؟ ولكي تتوصّل إلى نتيجة مرضية عليك أن تعرف: هدف الاجتماع وما هو دورك فيه وماذا يجب عليك أن تفعل إثر الاجتماع؟ متى تتمكّن أن تقرّر حضورك أو عدمه فيه؟! ولكن يجب أن لا ننسى أن هناك بعض الاجتماعات الهامّة تستدعي حضورنا الشخصي وإن كان بالامكان إنجاز مهمتنا فيها عبر رسالة أو رسول فمثلاً: عندما يكون الوضع حسّاساً أو خطيراً أو الدور المطلوب مهماً أو الاشخاص الحاضرون مهمّين أو لأجل أو حفظ التماسك ورفع الخلافات أو التأثير الروحي أو التربية الفكرية أو لغير ذلك من الفوائد الهامة.. فأن اثراء الاجتماع قد يتطلّب منا وضع فهمنا ولغتنا وطريقتنا في التعبير للوصول إلى قناعات مشتركة وتفاهم مطلوب أو اتفاقات مشتركة. وهذه مصالح تستدعي منّا الحضور مهما كلّفت من الوقت. |
||
ولا ننسى أيضا أن بعض الاجتماعات أو الضرورات تستدعي منّا السفر أو القيام برحلات طويلة أو قصيرة.. لذا علينا أن نسأل أنفسنا دائماً ما هي الغاية من الرّحلة وهل هناك طرق أخرى يمكن أن نستعيض عنها بدل السفر؟ طبعاً قد نجد الضرورة قائمة في السفر ولكن السفر الكثير قد يعد مضيعة للوقت أيضا إذا لم نخطط للاستفادة منه بشكل جيد وخصوصاً بعض السفرات الطويلة التي لا تتوفر دائماً على الأهم لذلك علينا أن نستثمر مثل هذه السفرات بأمور نافعة مثلاً: 1ـ سافر مع صديق تريد التفاهم أو التعامل معه وليس بالضرورة أن يشاركك هو في مهمة الرحلة إلا أن وجوده معك يوفّر لك فرصاً جيدة للتوصل معه إلى تفاهم في الأبعاد التي تريدها. 2ـ استمع إلى أشرطة عن بعض العلوم والفنون التي تعتمدها أو تشعر بضرورة تحصيلها.. وهكذا الأمر في القراءة أو الكتابة. 3ـ اجعل فترة السفر فرصة جيدة للتفكير في رسم مخطّطات جديدة أو ايجاد توازنات أو تقييم لأعمالك ودوّن ملاحظاتك حتى تتابعها في المستقبل. 4ـ اقرأ ما كنت تحب قراءته منذ زمن طويل ويمنعك عنها الانشغالات اليومية. 5ـ احفظ بعض الآيات والرّوايات التي تدخل في ضمن مهامّك الإدارية لتربية النفس أولاً وللاستفادة منها في وقت الحاجة ولا بأس في حفظ بعض الأبيات الشعريّة أو كتابتها. 6ـ قم بالتواصل مع بعض الأقرباء أو الزملاء عبر الهاتف الجوّال وغيره.. وإذا أردت أن تقيّم نفسك في هذه الأبعاد فكّر بتنظيم وقتك وتقسيم أعمالك واسأل نفسك. * هل أنهي مهماتي في وقتها المحدّد؟ * هل أقسّم أعمالي الكبيرة إلى أعمال صغيرة من اجل انجازها جميعاً وصولاً للأكبر؟ * هل أقسّم أوقاتي إلى ساعة عمل جاد وساعة فراغ تسهيلاً للتواصل ومتابعة لبعض الجزئيات الهامة. * هل أخطط للاجتماعات التي اشترك فيها وهل استثمر أوقاتي فيها؟ * هل كلّ سفراتي ضروريّة؟ * هل استثمر أوقاتي في أسفاري ورحلاتي.. * وبالتالي هل استفيد من كل وقتي. وسنكون في وضع أفضل إذا: * وضعنا سقفاً زمنياً لأعمالنا والتزمنا به.. * استعملنا وسائل ايجابية ضد المعرقلات.. * عالجنا أهدافنا الكبيرة بأهداف قريبة وصولاً إلى الأكبر. * استثمرنا الاجتماعات التي نحضرها. * حدّدنا الأعمال التي نودّ القيام بها أثناء رحلاتنا. * أنجزنا أعمالنا في مهلتها المحددّة. ثانياً: قد تبدو لدى الكثيرين منّا أن المهام الضخمة مثبطة للعزيمة إما للخوف منها أو القلق من النتائج فنقف مذهولين لا ندري من أين نبدأ أو كيف نبدأ؟ لذا قد نفقد الكثير من الوقت دون أن نبدأ لكن الحنكة والشجاعة تكمنان في مواجهة المهمة بروح متفائلة وبعقلية واعية وارادة جبّارة ولعلّ أفضل وسيلة للسيطرة على مثل هذه الحالات هو تقطيع المهمة إلى مهمات مرحليّة.. أرايت من يبني داراً.. لا شك أنها مهمّة صعبة للواحد منّا إلا انّه إذا قطّع المهمة إلى مراحل وأخذها واحدة واحدة فأنه لا شك سوف يتحكّم بها في نهاية الأمر خصوصاً إذا وزّع الأدوار والمسؤوليات على أفراد متعدّدين فان ذلك سوف يعطيه أكبر قدرة على النجاح.. وبناء المؤسسات الإدارية أو ادارتها في المواقع الصعبة يتوقف في كثير من الأحيان على تقسيم الأدوار إلى أدوار مقطعية ثم إشراك الآخرين في انجازها فإننا في هذا نضمن نجاحات باهرة في أوقات قياسيّة.. |
||
الهوامش |
||
1يس، الآية 68. 2يس، الآية 12. 3مريم، الآية 31. 4فن تنظيم وبرمجة الوقت، سلسلة الدليل الاداري، الدار العربية للعلوم، 15، كميت كينان. / بتصرف/. |