2000 |
آب |
1421 |
جمادى الاولى |
48 |
العدد |
النبأ |
مجلة |
سايكولوجية العنف في العراق |
الدكتور علاء الدين القبانجي |
العنف صفة تتميز بها المجتمعات والشعوب كصفة بارزة على سلوك أفرادها فالمجتمعات البدوية التي يعصف بها الجوع والعطش ونقص الكلأ لن تجد الرقة والرأفة فراغاً تملأه في سلوكياتها.والشعوب التي تعيش تحت القهر والحرمان أكثر تقبلاً للعنف واقل استهجاناً له من غيرها من الشعوب التي لم تعرف القهر والحرمان أو تلك التي تعيش في كنف الحب والرحمة والمودة. التاريخ يذكر من المجتمعات والقبائل التي كانت تغزو لاثبات القوة والنزعة الأنانية فقط، كما يذكر التاريخ الكثير من الشعوب التي ارتكبت أبشع الجرائم بسبب نظرية خاطئة أو قطعة ارض بور أو بضعة غنيمات وعشيبات متفرقة. في هذه المقالة نستعرض بعض سايكولوجية العنف في أحد المجتمعات التي اتسمت بالحضارة منذ القدم ولكنها ما زالت عنيفة الروح عنيفة السلوك دموية البطش متطرفة الانتقام عالية الأنا شديدة الغرور عظيمة الكبرياء وحساسة المزاج والتطبع. |
||
في تلك البقعة الصغيرة من العالم وهو ما انعكس على روح الفرد في تلك العصور القديمة إذ ظهرت الروح البابلية شديدة المراس قاسية البنية متوحشة السلوك. والعراق كما نعهده اليوم بحدوده الجغرافية السياسية لم يكن كذلك في أي فترة من فترات الزمن الغابر إذ كانت حدوده غير معروفة في زمن ما قبل الإسلام فكان في كل تاريخه موضع مطامع الإمبراطوريتين الفارسية المجوسية والرومانية ومن ثم البيزنطية فكان في موقعه الحالي جبهة قتال متواصلة كلما عَنَّ لأحد من الأباطرة توسيع رقعة سيطرته وإمبراطوريته أو حتى معاقبة الدول الأخرى على نزعاتها أو سلوك مواطنيها.ولم تنته تلك المواجهات حتى بعد ظهور الإسلام وانكسار الفرس وسقوط المدائن عاصمة الفرس في العراق وحتى بعد انتقال الخلافة إلى الكوفة في العقد الثالث للهجرة قامت ثلاثة حروب مدمرة هي صفين والجمل والنهروان ومن ثم كربلاء وثورة المختار وثورة زيد بن علي... الخ. وعلى الرغم من تولي العباسيين الحكم في العراق لفترة طويلة تميزت في بعض اوقاتها بالرخاء والازدهار إلا أنها لم تخل من صراعات داخلية مريرة كتصفية الأمويين والبرامكة والعلويين ادت في نهاياتها إلى انتقال السلطة إلى الاعاجم من الفرس مرة والأتراك مرة أخرى وانقسام الإمبراطورية إلى دويلات طائفية بعدئذ حيث توجت تلك الصراعات بالغزو التتاري على يد هولاكو حفيد جنكيز خان عام 1258م فقد تم تدمير بغداد وقتل أهاليها وتحطيم منشآتها وحضارتها. ولم يزل الصراع الداخلي بين دويلات القلاع والتحصينات الحجرية التي تتهاوى مرة تحت ضربات الجيوش الفارسية واخرى تحت ضربات الجيوش العثمانية. وإن هدأت تلك الضربات هنيهة نجد العراق يخضع لحاكم عربي أو والٍ مستبد يسوم أهله سوء العذاب بين القتل التنكيل والتشريد وجمع الضرائب1. ولربما كان وقع الصراع الفارسي العثماني أكثر وطأة وارهاباً من ذلك الذي حدث في العهد العباسي فقد احتل العراق السلطان العثماني سليمان القانوني سنة 940هـ والذي انتزعه من ايدي الصفويين وحلفائهم من الحكام المحليين بعد صراع مرير ومن ثم عاد النفوذ الصفوي إلى العراق بعد معارك دامية حتى استرجعه السلطان مراد مرة أخرى عام 1049هـ واستطاع الشاه قولي خان المعروف بنادر شاه أن يحتل بغداد عام 1146هـ ثم انتهت بحكم المماليك الذي استمر زهاء نصف قرن حتى عام 1247هـ (1831م) [راجع خمسة وخمسون عاماً من تاريخ العراق 1188هـ (1242هـ) محي الدين الخطيب] ولم يكن العراق حتى في أواخر تلك الفترة هادئاً حيث كان الصراع الداخلي بين داود باشا (المملوك الأخير) وبين القبائل العربية في بغداد والموصل والحلة والفرات الأوسط لاخضاعها لسلطته. هذا إضافة إلى صراع الولاة العثمانيين مع القادة العسكريين الانكشاريين على السلطة في الأعوام 1603، 1604، 1605، خصوصاً الصراع الذي حدث بين يوسف باشا وبكر صوباشي قائد الشرطة عام 1621 والذي انتهى بدخول الشاه عباس الأول بغداد وقتل قائدها بكر صوباشي. علاوة على حصار بغداد من قبل الجيوش الايرانية مرة أخرى عام 1812م. ولم يكتب للاعاصير أن تنتهي بالعراق لهذا الحد إذ بدأت الإمبراطورية العثمانية بالتضعضع والانهيار صاحبه دخول القوات الانكليزية إلى البصرة والكوت ومن ثم بغداد والنجف والموصل والرميثة والرارنجية وكلها كانت مواقع لمعارك دامية دامت حوالي الخمس سنوات بين القبائل والجيش العثماني من جهة وقوات الجيش البريطاني والهندي من جهة ثانية. ولم يكتب لهذا النكد أن يكون قصيراً فسرعان ما انتشرت الكوليرا عام 1821م. اعقبها انتشار الطاعون القادم من تبريز عام 1830م أي بعد تسع سنوات فقط ولا يخفى ما يزرعه هذان الوباءان من موت ورعب وآلام في المجتمع. لم يدم الاحتلال طويلاً في العراق حتى بدأت الصراعات الداخلية المذهبية والقبلية والحزبية لتولي السلطة انتهت بثورة 14 تموز 1958م والتي لم تقل دموية عن الأحداث والحروب السابقة وبعدها توالت الانقلابات والصراعات تدعمها الحساسيات والتكتلات الحزبية المتكالبة على السلطة. والحقيقة التي يمكن الجزم بها هي أننا لا نستطيع تحديد عقد من الزمن يمكن أن يوصف بالهدوء والاستقرار في العراق بل يمكننا القول أن كل عقود أو قرون العراق كانت موسومة بالفوضى والحروب والانقلابات إن لم يكن بين العراق ودول أخرى فإنها تكون بين الحكام والحكام أو بين الحكام والقبائل وإن أنعم الله على العراق بحكومة مستقرة نجد أنها إما أن تكون قصيرة الأجل جداً أو أنها في حرب دائمة ضد الشعب كما هو الحال في حكومة صدام حسين الأخيرة. |
||
يعتبر العراق من البلدان التي تحكمها العقلية المذهبية والطائفية ولسنا في صدد سياق الأدلة والبراهين على ذلك فهي ما زالت حية موجودة على ارض الواقع ليومنا هذا فمنذ انتقال الخلافة إلى الكوفة وابتداء الصراع الإسلامي الإسلامي بدأت العقول تستحم وتغتسل بماء الطائفية والتعصب والنفوس بالحقد والكراهية، فمن الصراع الدامي بين الإمام علي… وانداده في صفين والجمل والنهروان إلى نشوء الصراع الفقهي بين مدرستي الكوفة والبصرة بعد ذلك.. إلى ظهور حركة الأشاعرة والمعتزلة والمذاهب الأخرى في العصر العباسي وتجاوزهما حدود التكفير والزندقة لبعضهم البعض. كان لذلك الأسلوب وتلك التهم الأثر النفسي الكبير الذي أساء إلى الفكر الإسلامي الحر والذي انتقص من حرية الاجتهاد واعرض جانباً عن الكثير من الآيات الكريمة والتنظيمية والسلوكية مثل: (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء) 272 البقرة والآية (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي... (. امتدت نعرات التكفير والزندقة والخروج طويلاً حتى شملت العصر العباسي بقرونه الخمسة وخيمت بظلالها إلى ما بعد تلك القرون لتشمل دول الطوائف والحكومات وتمتد لتشعل فتيل الحرب بين الصفويين والعثمانيين بعد ذلك بقرون عديدة وعلى جبهة القتال المسماة بالعراق اليوم. ولم تقف تلك الاتهامات عند حدودها بل تعدت ذلك إلى القتل والتنكيل والملاحقات خصوصاً ضد أهل بيت الرسول(ع) وحاملي فكر أهل البيت، الأمر الذي أدى إلى هروبهم وتشتتهم في البلدان وانشاء الممالك هنا وهناك كالفاطميين والبويهيين والحمدانيين.. الخ أما من كان في الداخل فالقمع والاضطهاد كان حليفه. وبعد العباسيين وحكومات الطوائف والولاة في العراق كان الصراع المذهبي متبلوراً ومتميزاً في المجابهات العسكرية المتوالية والتي بلغت ذروتها بين الصفويين والعثمانيين وهو ما اشرنا إليه في البند السابق والذي تعدى جبهات القتال لينعكس على المجتمع ويخيم بظلاله الكئيبة والحاقدة حتى على رجال الدين منهم وفقهائهم التابعين لكلا الحكومتين. والحقيقة أن المذهب الوهابي الذي استباح الهجوم على النجف وكربلاء ونهب أموال الناس فيهما في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات العشرين كان واحداً من المذاهب التي تكفّر الشيعة وتناهض التشيّع بشكل جنوني ولا أنسى أن دية قتل الشيعي في السعودية أيام كنت هناك في أواخر السبعينات (1968-1970) كانت أربعة ريالات فقط وهي مساوية لديّة الشخص المسيحي وهو ما كنا نتندر به يومذاك. الوضع المذهبي بعد وأثناء الاحتلال الانكليزي للعراق ونظراً لمخلفات ثورة العشرين والتي كانت قيادتها من علماء الشيعة وعشائر الجنوب وعموم عشائر الفرات الأوسط الذين والوا الدولة العثمانية على الأساس الإسلامي ضد الإنكليز الكفرة، كان مرهوناً بيد الطائفة السنية مثل حكومة نوري السعيد وياسين الهاشمي اللذين كانا من اكبر العناصر الطائفية في البلاد التي وضعت يدها بيد ملوك الاحتلال في النصف الأول من القرن الماضي وكانا غلاضاً شداداً على أبناء الشعب عموماً وابناء الطائفة الشيعية خصوصاً حيث بدأ التمييز مثلاً على المستوى العسكري والمناصب الوزارية العليا إذ كانت غالبية القيادات العسكرية العليا بيد أبناء الطائفة السنية ولم يكن الشخص الشيعي ليصل إلى مراتب عليا حتى يحال على التقاعد أو يحجّم دوره بأعمال ثانوية. والى يومنا هذا نجد التفرقة العنصرية والطائفية تشمل ليس فقط الحالة المذهبية بل تعدت إلى الحالة القبلية والعائلية والبلدية فالمذهب الحاكم في العراق هو المذهب السني المتمركز في مناطق الشمال وبعضاً من بغداد، والعوائل الحاكمة بالعراق هي عائلة صدام حسين والسامرائي والعاني والتكريتي والبلديات الحاكمة في العراق هي تكريت / عانة وراوه وسامراء والحويجة.. الخ علاوة على الاعظمية. وهكذا يستمر الوضع العنصري والمذهبي والطائفي بأثقاله وجنونه على هذا الشعب جنباً لجنب مع الويلات والحروب والاوبئة ولهذا اليوم. |
||
لم يعد خافياً على أحد تلك التركيبة الاجتماعية للشعب العراقي الذي تصبغه بالصبغة الثقافية العقلية القبلية والمذهبية والعرقية. فلم يكن المجتمع العراقي مجتمعاً موحد الذهنية ولم يكن منصهراً في بوتقة مذهبية واحدة بل كان وما زال العراق يعاني ويقاسي من فقدان التجانس الاجتماعي وكما يشير الدكتور عبد الرحمن البزاز في كتابه العراق من الاحتلال حتى الاستقلال ص41 بأن مشكلة عدم التجانس الاجتماعي وعدم الانصهار الثقافي هي من أعظم مشاكل الشعب العراقي. فالأكراد بكل قبائلهم (الطالبانيين والبرزانيين والبابانيين...) ومذاهبهم في الشمال لايرغبون قلباً وواقعاً بالانتماء إلى المجتمع العربي في الوسط والجنوب وهو ما جعلهم يعانون من صراع مستمر وعنيف دامي مع الدولة والمجتمع. وهذا الصراع سواء كان بين بعضهم البعض أو مع الحكومة قد أفرز امراضاً نفسية واجتماعية كالخوف وعدم الاطمئنان وعدم الثقة والغش والخداع والمراوغة علاوة على الفقر والعنف وليس لنا إلا أن نشير إلى الأحداث الأخيرة بعد عام 1991م والتقارير الكثيرة الصادرة عن الأمم المتحدة وحقوق الإنسان في العراق. والعرب بكل قبائلهم (شمّر، عنزة، آل فتلة، الغزيلات، العقيلات، الظوالم، بني حجيم...) لا أظن أنهم أفضل حالاً من الأكراد فعلاوة على الاختلافات المذهبية التي تستحوذ على المجتمع العراقي لقرون طويلة من يهود ونصارى ويزيدية وصابئة وآشوريين وشيعة وسنة... الخ نجد أن الانتماء القبلي والذهنية العشائرية هي التي تحكم الفرد العراقي إذ أن الانتماء للعشيرة قد اثبت بأنه أهم وأقدر على حماية الفرد وضمانته وفرض احترامه في المجتمع من الدولة الضعيفة غير القادرة على حماية نفسها. هذه الآصرة القبلية الحاكمة في المجتمع العراقي علاوة على ما تفرزه الذهنية القبلية من ثقافة قد تكون من وجهة نظر الكثيرين، متخلفة لحد ما خصوصاً في مسائل الصراع والسلطة والزواج والانتماء ومعالجة المشاكل الاجتماعية والنفسية لفقدانها الكثير من روح العدالة الاجتماعية والتطور العلمي. ولو أردنا تعداد القبائل العراقية لوجدنا أنها تتجاوز الألف بمائة وخمسة وستين قبيلة وهي كلها ليست على وفاق فيما بينها بل يغلب طابع الصراع العنيف والقتل والسلب أحياناً على علاقاتها الأمر الذي يشجع على استمرارية روح العنف في الفرد العراقي. الانتماء القبلي والعرقي أقوى من الوطن وهو الآصرة الرابعة المؤثرة في الفرد العراقي بعد الغريزة والقناعة الفكرية والانتماء العائلي ومن هنا كان الانتماء القبلي كالانتماء الحزبي أقوى من العدالة الاجتماعية في كافة الصراعات التي تنشأ بين أفراد القبيلة وقبيلة أخرى أو بين أفراد القبيلة والدولة في مراحلها المختلفة ومن الجدير أن نذكر هنا المقولة الشائعة [أنا وابن عمي على الغريب وأنا وأخي على ابن عمي] والتي يتوضح منها ضعف العدالة إن لم نقل فقدانها. وبغض النظر عن الكلام عن العدالة الاجتماعية القبلية المفقودة ولكن السلوك يشير إلى فقدان تلك العدالة نظراً للمقاييس النسبية العشائرية ومن هنا كان العنف ضد الآخرين أقرب إلى الاقتباس في ظروف عدم الاستقرار وفقدان الأمن والاطمئنان. |
||
لربما يحتل التاريخ العنيف في العراق أحد اهم الأسباب التي ساعدت في زرع الدوافع الموجبة للعنف في نفس الفرد مثل الخوف والقلق والفقر والجوع والسلب والنهب من قبل الغزاة ومظاهر التشرد والقتل والموت التي تثير الحساسية عند الفرد لدرجة أنه قد يتأثر بها ويستسيغ القيام بمثلها عند التعرض لمواقف معينة. التاريخ الطويل للعنف والصراع المكبوت بين الحساسية واللا مبالاة عند الفرد هو الذي ساعد على توريث روح العنف النفسي والسلوكي عبر الأجيال لدى الفرد العراقي وكأنها أصبحت خصوصية من خصوصيات الاحماض الوراثية في الفرد. ففي تجربة لعينتين من الأشخاص العراقيين والهنود تتألف كل منهما من عشرة أشخاص تمّ فيها استفزاز واستثارة كل من العينتين بنفس المؤثرات الإدارية والكتابية والعملية خضع فيها تسعة من العراقيين من مجموع العشرة لحالات الاستثارة وكانت الاستجابة للمحفزات سلبية، عصبية، سباب، شتائم، تفجر وكفر وعراك بينما كانت الاستجابة للمحفزات غير سلبية عموماً بالنسبة للهنود إذ خضع ثلاثة منهم لتلك الاستثارة وكانت استجاباتهم سلبية غير عنيفة لا تتعدى الشكوى والضجر والتململ. وهذا يعني أن الاستجابة السلبية لدى الفرد العراقي قد تتعدى الـ90% بخلاف الفرد الهندي الذي قد لا تتجاوز استجاباته الـ30% والحقيقة التي لابد من الإشارة إليها هي أننا لا نستطيع أن نحكم باصالة هذا العنف الموروث لأنه مكتسب تاريخي قابل للزوال مع تعاقب الأجيال وتغير المفاهيم والسلوك والغذاء والثقافة والطبائع. ونتيجة لذلك لن يخلو العنف في المجتمع العراقي من دافع غريزي تقرره النظريات وكل الدراسات وعلماء النفس لكافة المجتمعات التي تخضع لمثل ذلك التاريخ العنيف الطويل. إن زيادة درجه الأنا عند الفرد العراقي كانت واحدة من مخلفات ذلك التاريخ العنيف. إن الميول العنيفة المكتسبة تربوياً من رب العائلة تشكل مدرسة وجدانية للأطفال والشباب الذين ينصاعون لعنف الآباء من دون أي رد فعل في أغلب الأحيان لا من الأولاد ولا من قبل الأم حتى اصبح عنف الأب عرفاً ممزوجاً بالقناعة بخلاف العنف المكتسب في المدرسة إذ لن يكون وجدانياً كعنف الابوة بل قد يكون ممجوجاً لاكتساب صفة الاعتداء والظلم الذي يجرح كبرياء الطالب أمام زملائه. إن دوافع اللا شعور للعنف عند الفرد العراقي هي أحد نتاجات العنف المكبوت سواء كان هذا العنف من النوع العائلي أو المدرسي أو الحكومي والاجتماعي فكثير من استخدامات العنف ضد الأطفال والأولاد الذين هم اصغر سناً تبقى مكبوتة في النفس لحين ما تتاح الفرصة لظهورها، فهي كالبركان الأعمى الثائر وهو ما حدث فعلاً لكثير من القيادات العراقية العنيفة ذات العنف المكبوت علاوة على العنف المكتسب منه خلال ذلك التاريخ الطويل. إن الحاجة إلى الأمن النفسي والجسمي في مواقع مشحونة وتحت تجارب سلبية مضطربة وأمام ثقافة متدنية واستقراء مغلوط وغير سليم هي إحدى أهم مسببات الجزع وعدم الاستقرار والاطمئنان المؤدي إلى العنف النفسي والسلوكي. إن ديدن السلوك العدواني والتناجي بالإثم والعدوان مهما كان نوع هذا الإثم والعدوان اصبح واضحاً لدى الفرد العراقي خصوصاً في الآونة الأخيرة والمؤشرات على ذلك كثيرة منها زيادة مستوى معدل الجريمة بكافة أنواعها السرقة/ الاغتصاب/ القتل لدى الأحداث بين عام 1985 إلى 1990 من 35% إلى 87% وفق احصائية نشرت في أحد البحوث المقدمة إلى ندوة المرأة والمجتمع المنعقد في جامعة بنغازي عام 1990 ولو رجعنا إلى تحليل هذه السلوكيات نجد علاوة على العنف المكبوت في اللاشعور أنها تنتحي في واحة من أسبابها وعللها إلى التناجي بالعدوان والتفاخر بالعنف والمكابرة عليه ولن تحصد الأجيال إلا ما تزرعه هذه السلوكيات في صبغيات الفرد الواحد ومن هنا نجد أن الله حرّم الإعلام الفاحش أو الاعلام غير الإنساني وغير الأخلاقي واعتبره عدواناً وظلماً لأنفسنا وللأجيال القادمة وقد قال في محكم كتابه: (يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون) المجادلة9. |
||
1 راجع أربعة قرون من تاريخ العراق تأليف هـ لونكرك ترجمة جعفر الخياط ط2. |