2000 |
آب |
1421 |
جمادى الاولى |
48 |
العدد |
النبأ |
مجلة |
المرأة وحقوقها الإنسانية |
حق الانتخاب |
السيد جعفر الشيرازي |
لذا فان وضع الصحيح والباطل في حضارة اليوم في سياق واحد يسبب فقدان التوازن، لانه من جهة يسبب فقدان الهوية والتقليد الأعمى حتى في نقاط الضعف، ومن جهة أخرى يوجب الانغلاق والتخلف عن الركب مما ينتج الضعف والاختراق من جميع الأطراف، والانكى في الأمر إسناد ذلك إلى القرآن الكريم والسنة المطهرة نتيجة للقراءة المغلوطة، وخلط الحابل بالنابل، واعتبار العادات والتقاليد الموروثة هي الأساس مع إضفاء نوع من الشرعية عليها عبر تلبيسها بلباس الإسلام. وقد اتبع الطريقة الأولى كثير ممن يدعون بالمتنورين، ظناً منهم ان التقدم العلمي والعسكري المذهل للغرب والانتكاسات الكثيرة لبلاد الإسلام في العصور المتأخرة ناشئة من ثقافة البلدين في جميع زواياها، فخلعوا ثقافة الإسلام وحاولوا تقمص ثقافة الغرب في كل شيء حتى المأكل والمشرب والملبس و... والطريقة الأخرى اتبعها الكثيرون زعماً أن كل جديد باطل، وكل اختراع وفكرة هو بدعة من عمل الشيطان. ولعل من ابرز المفردات التي وقعت بين الإفراط والتفريط وانعدام التوازن هي قضية المرأة.. فان البعض جعلها محوراً لاغراضه ووسيلة يحقق من خلالها الاطماع فادخلها في كل ميدان ومعترك وان تنافى مع طبيعتها وفطرتها ودورها الإنساني الهام، والبعض الاخر حرمها من ابسط حقوقها في الحياة.. وكلا الطريقتين تخالف مبادئ الإسلام. إن ملاحظة سريعة لآيات القرآن الكريم وروايات السنة المطهرة تسوقنا إلى ضرورة حفظ الثوابت وفي نفس الوقت مراعاة التطوّر والارتقاء بشكل متوازن ودقيق. قال الله تعالى (الذين يستمعون القول فيتبعون احسنة) الزمر: 18، من أي طرف كان هذا القول الحسن؟ وفي الحديث الشريف (خذ الحكمة ولو من فم كافر)، فإذا نطق الكافر بكلمة حق فلماذا نرفضها؟ أليس العقل والشرع يأمران باتباع الطريقة الصحيحة؟ وفي الحديث (الحكمة ضالة المؤمن اينما وجدها أخذها). إن العادة الجاهلية تقضي بأن يتعامل مع المرأة تعاملاً فوقياً، يحرمها من أبسط حقوقها في الحياة، وإن بقيت فتبقى في ذل وهوان (وإذا بشر احدهم بالانثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب) النحل: 58-59 وتلك الجاهلية تحكم بأنها سلعة يقضي الرجل منها وطره لا اكثر، وتحرمها من أبسط المشاعر الإنسانية فتحرمها من الارث، ومن حق اختيار الزوج أو المشاركة في الأدوار الاجتماعية والأسرية سوى تلك الأدوار المعهودة منها في البيوت، إلا أن الإسلام الذي غير الخرافات والعادات الجاهلية أعطاها حقوقها وأمر بمعاملتها كإنسان يشكل نصف المجتمع وكمدرسة لبناء الاجيال اللاحقه، وتم رفض الجاهلية بمختلف صورها، ولكنها بقيت في نفوس الكثيرين، لأن كل تغيير اجتماعي كبير يحتاج إلى مضىّ عدة أجيال حتى يترسخ في النفوس، وكان هذا الأمر ممكنا لو اعطيت الخلافة لصاحبها الحقيقي، ولكن تغيير المسير بعد وفاة الرسول(ص) حرم الامة من هذا، وبدت عادات الجاهلية تظهر ولكن بأشكال وصور أخرى هذه المرة. |
||
القراءة الصحيحة والمجردة للقرآن الكريم وسيرة الرسول(ص)، بعيداً عن العصبيات والعادات الاجتماعية، ترشدنا إلى المكانة المرموقة التي جعلت للمرأة دوراً في الحياة الإنسانية.. ولعل من ابرز مظاهر هذا الدور هو حقها في الانتخاب.. والبيعة للحاكم الإسلامي.. إن البيعة في المفهوم الإسلامي لا تعادل الانتخاب في الخطاب السياسي اليوم، لأن الانتخاب معناه اختيار شخص ما ليكون قائداً سياسياً، أو عضواً في المجلس أو البرلمان، بينما البيعة مرحلة تأتي بعد الاختيار والانتخاب وربما تحتوي على مضمون أعمق لأنها نوع تبايع وتعاهد بين الطرفين على الالتزام بالطرف الآخر في الطاعة والاحترام بتفصيل ذكره سماحة السيد الوالد دام ظله في الفقه السياسي. وقد نص القرآن الكريم على حق النساء في البيعة ووجوب قبولها من الرسول(ص) قال الله تعإلى (اذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يزنين... فبايعهن )الممتحنة: 14 فلم تكن البيعة عليهن واجبة وانما اختيارية الا انها تضمنت تعهدات اجتماعية واخلاقية كما هو صريح الآية الشريفة.. ولكن الظاهر ان قبول تلك البيعة كان واجباً على الرسول(ص) بعد اظهارها لأن الأمر في [بايعهنّ] يدل على الوجوب. كما هو مشهور الأصوليين وقد قامت سيرة الرسول(ص) على اخذ البيعة من النساء في موارد عديدة منها في بيعة الغدير،والشجرة وغيرها ومن الواضح أن هذه الآية والسيرة صريحتان في إثبات البيعة للنساء. وهذا دليل على ثبوت حقها في الانتخاب بشكل أولى لما عرفت من أن البيعة أمر بعد الانتخاب وتأتي لإظهار الالتزام بشرائط الانتخاب والتعهد بمراعات الطاعة والاحترام لمن انتخب وهذا بلا شك من مفاخر الإسلام حيث سبق العالم بأكثر من ألف وثلاثمائة عام في إعطائها حقوقها. |
||
من المتفق عليه بين العقلاء وقد أمضاه الشرع، أنه يحق لكل إنسان اتخاذ الوكيل في شؤونه، الخاصة منها والعامة، ولا فرق في ذلك بين الرجل والمرأة، كما أنه لا يلزم التماثل بين الوكيل والموكل فيجوز وكالة الرجل عن المرأة والعكس صحيح أيضا. وعملية الانتخاب في حقيقتها هي شكل من أشكال التوكيل يبديه المنتخب، للمنتخب في تدبير أموره العامة لأن الحقوق العامة ـ وهي حق لكل فرد من المجتمع ـ تحفظها وتديرها السلطة، وهي تقوم بذلك حسب توكيل الناس، وحيث أن النساء يشتركن في تلك الحقوق فيحق لهن التوكيل فيه، كما كان يحق لهن ذلك في الشؤون الخاصة. هذا مضافاً إلى قاعدة: الاشتراك في التكليف بين الرجال والنساء الشاملة لهذا المورد وغيره في شؤون الشريعة.. فان الجميع رجالاً ونساءً مكلفون بما فرضه الله تعالى، حتى وإن كان الخطاب بصيغة المذكر (يا ايها الذين آمنوا..). فكما أن الخطاب عام للمشافهين المعاصرين للرسول(ص) ولغيرهم من الأجيال القادمة، كذلك هو عام للرجل والمرأة. وفي ضمن عدّه لصفات المؤمنين ـ الشامل للمؤمنات أيضاً ـ عدّ الله تعالى الشورى فقال (وامرهم شورى بينهم) الشورى: 38 ولا تكون شورى إلا عبر بيان الرأي والانتخاب، فيكون الحكم شاملاً للمرأة ايضاً. وبهذا يظهر ان آيات المشاورة لا تختص بالرجال فقط بل تشمل النساء أيضا. |
||
قد يستدل بعض المعارضين لحقوق المرأة السياسية ببعض الروايات مثل (لا يفلح قوم وليتهم امرأة) (المرأة ناقصة العقل) (شاوروهن وخالفوهن) و... ولكن الظاهر أن هذه الروايات لا تصلح أن تكون دليلاً على حرمان المرأة من دورها في الحياة السياسية والاجتماعية بعد تصريح القرآن الكريم بحقها في البيعة وقد بايعن رسول الله(ص) وامير المؤمنين(ع)…، ومن الواضح أن ما خالف القرآن من الروايات فهو مطروح إذا كانت مخالفته بنحو المنافاة التامة أو ينبغي تأويلها، على فرض صحتها بما لا يتعارض مع القرآن الكريم.هذا اولاً ـ وثانياً: إن الرواية الأولى ـ على فرض صحتها ـ بعيدة عن مسألة الانتخاب لانها في صدد بيان الولاية العامة، والانتخاب كما ذكرنا هو نوع توكيل لحفظ الحقوق، كما انه لا تلازم بين عدم صحة ولايتها العامة مع اشتراكها في انتخاب الولي، فلها أن تختار زوجها وهو ولي في بعض الامور ولا يحق لأي كان اكراهها على الزواج من شخص خاص، وايضاً فان الرواية ليست عامة، لأن القران الكريم يبين لنا قوماً افلحوا مع أن وليهم كان امرأة، وهم قوم سبأ قادتهم ملكتهم إلى الفلاح بالايمان بسليمان والانضواء تحت لواء الموحدين المؤمنين. واما الرواية الثانية: فإنها لا تدل على النقصان بالمفهوم الذي قد يتصوره البعض، لأن الله أعز وأجل من أن يخلق شيئاً ناقصاً وهو القائل (لقد خلقنا الإنسان في احسن تقويم) التين: 4، (ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت) الملك: 3، فهل النقصان احسن تقويم؟ كلا، إنما المراد من النقصان هنا هو غلبة العاطفة على سلوك المرأة بالقياس إلى الرجل. ثم على فرض صحة النقصان ـ جدلاً ـ فلا دلالة فيها على حرمانها من حق الانتخاب، إذ أن المرأة تملك أمرها في الشؤون المالية والاجتماعية وفي اختيار الزوج والبيع والشراء والوكالة وسائر العقود والمعاهدات ولا يضر فيها النقصان ـ على فرضه ـ فكذلك في قضية الانتخاب، ويضاف إلى ذلك ان الروايتين لعلهما تشيران إلى قضايا خارجية وليست إشارة إلى قضية حقيقية ـ بالمعنى الفلسفي ـ. حيث أن الفرس ولّوا امرهم امرأة فلم يفلحوا وتلاشت دولتهم بعد فترة وجيزة، كذلك التي قادت الجيش وخرجت على إمام زمانها، ومن الثابت في محله أن القضايا الخارجية لا تصلح أن تعمم على غيرها. واما الرواية الثالثة: فأولاً: هي ضعيفة السند ـ كما ثبت في موضعه ـ. وثانياً: تخالف ظاهر القرآن الكريم حيث يأمر باستشارتها فيما يرتبط بها قال تعالى (فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما وتشاور) البقرة: 233. وثالثاً: إنها غير مرتبطة بالانتخاب ـ كما بينّا ـ، بل تثبت عكس المطلوب حيث تأمر بمشاورتهن، وأما قوله (وخالفوهن)، فيحتمل أن يكون بمعنى الاختلاف الذي ورد في قوله(اختلاف أمتي رحمة) بمعنى التزاور، فيكون معنى الرواية حينئذ شاوروهن وزوروهن، أو المراد خالفوهن الرأي في أثناء المشاورة لتكون المناقشة معها مثمرة إذ أن المناقشة معها مضافاً إلى احترام رأيها والاخذ به ينبغي أن تكون لتنوير الطرف الآخر وتوضيح الرؤية عنده أيضا ومن الواضح أن الحوار المثمر هو الذي يكون له طرفان، أحدهما مؤيد والآخر مخالف ـ في الغالب ـ. وعلى كل حال فإن هذه الادلة ضعيفة سنداً ودلالة فلا تعارض الأدلة الصريحة في حقها من الانتخاب والبيعة. |
||
إن من الذرائع التي يتمسك بها المعارضون لحق المرأة في الانتخاب هي قولهم: إن اشتراك المرأة في الانتخابات يتعارض مع الحجاب وحفظ العفة والحشمة. ولكن الظاهر أن هذه ذريعة لا تصلح دليلاً على ذلك، لأن الحجاب لا يعيق العمل والمشاركة في القرار.. ولا تعارض بين اعطاء الرأي والاخذ بزمام الاختيار، وبين العفة مادام ابداء الرأي والمشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية في الأطر الشرعية المعروفة. واعتبار عادات بعض الأقوام بأنها هي الإسلام، من الاخطاء التي وقع فيها الكثيرون حتى نفس أصحاب تلك العادات، فعادة بعض القبائل في بلاد الإسلام هو تهميش دور المرأة، وتصوير ذلك بانه حفظ للحجاب في حين أن الإسلام كما امر بالحجاب كذلك امر باعطائها حقوقها الإنسانية كاملة من غير بخس في أي جانب منه، كما ذكرنا في انها اشتركت في مبايعة الرسول(ص) وأمير المؤمنين… فهل اضر ذلك بالحجاب. كذلك مطالبة فاطمة الزهراء(ع) بحقها وحق الامام علي… وخطبتها الطويلة في المسجد في ذلك، شاهد على مشروعية الدور السياسي للمرأة وعدم منافاته للحجاب على اكمل صوره، وكم من النساء المؤمنات في تاريخ الإسلام اصبحن سبباً لعزل الولاة كما في عهد مولانا أمير المؤمنين…. إن تناسي الشرع في كثير من الممارسات السياسية و ترك المرأة لواجباتها الشرعية واستمرار ذلك لفترة طويلة، أدى إلى توهم البعض بالتلازم بين المشاركة السياسية للمرأة والتحلل والسفور و... مع ان الطريقة الصحيحة لمعرفة الاحكام الشرعية هو التجرد عن العادات والتقاليد المختلفة، والنظر إلى القران الكريم وسنة وسيرة الرسول(ص) والائمة(ع) من دون حُجُب زمانية ومكانية، والاتصال بتلك المنابع الصافية، كي لا نقع في المحذور والنظر إلى التراث بمنظار ملون حسب ما يحلو لنا أو كما يمليه علينا المجتمع غير الواعي، ولعلّ من هنا ذمَّ القران الكريم تقليد الآباء من دون وعي وبصيرة (انا وجدنا آبائنا على أمة وانا على آثارهم مقتدون) الزخرف: 23. ان الحجاب شرعه الإسلام لصون كرامة المرأة وبناء المجتمع على الفضيلة بعيداً عن المغريات وحبائل الشيطان، ولم يشرع لتهميشها وبخسها حقها. وفي نفس الوقت فإن مهامها وتربيتها للاولاد لا تتعارض مع مشاركتها السياسية إذا عملت المرأة على تنظيم أدوارها وتوزيع أوقاتها لوجود متسع من الوقت للدورين، كما أن مهام الرجل الاقتصادية وقضائه وقتاً طويلاً في العمل، لا يتنافى مع وظائفه البيتية والدينية والسياسية وغيرها. إن بخس أي إنسان حقه، يوجد في نفسه حالة من العصيان ورفض الامر الواقع مما قد يوقعه في مطبات غير مرغوب فيها. والذي يبدو أن من أسباب انتشار الرذيلة والسفور في بلاد الإسلام ـ رغم قوانين السماء ـ هو فهم البعض للمرأة بشكل خاطئ والضغط اللامشروع عليها ومنعها حقوقها الإنسانية، والتعامل معها وكانها ليست بشراً له حقه في الحياة الكريمة، الأمر الذي جعل الآخرين يستغلونه استغلالاً سيئاً فيروجون ضد الإسلام بأنه لا يحترم المرأة، مع أن الإسلام بريء من هذه التصرفات، لذلك فانه ينبغي على العاملين أن يهتموا في رفع مستوى الوعي وفهم قضايا المرأة فهماً صحيحاً ومتوازناً وفق ما قرره الشارع المقدس من أجل الحصول على أسرة صالحة ثم مجتمع صالح وبالتالي حياة أفضل. |