2000 |
آب |
1421 |
جمادى الاولى |
48 |
العدد |
النبأ |
مجلة |
تربية للنفس وتزكية للمال |
|
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. قال الله سبحانه (لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبّون وما تنفقوا من شيء فإنّ الله به عليم)(1). البرّ أصله من السعة بحسب اللغة وقال الراغب الاصفهاني في المفردات: أن البر خلاف البحر، وتصور منه التوسع فاشتق منه البر أي التوسع في فعل الخير. والفرق بين البرّ والخير أن البرّ هو النفع الواصل إلى الغير مع القصد إلى ذلك والخير يكون خيراً وإن وقع عن سهو وضدّ البر العقوق وضدّ الخير الشر. ويقال للصحراء (البَر) بفتح الباء لسعة الصحراء ولهذه الجهة أيضاً يقال للأعمال الصالحة ذات الآثار الواسعة التي تعم الآخرين وتشملهم (البر) بكسر الباء. واختلف المفسّرون في البر بحسب الاصطلاح فمنهم من قال هو الجنة وقيل هو الطاعة والتقوى وقيل صالحين أتقياء ومنهم من فسره بالأجر الجميل وأما المعنى كما عن الطبرسي في مجمع البيان: أي لن تدركوا بر الله تعالى حتى تنفقوا المال وإنّما كنّي بهذا اللفظ عن المال لأن جميع الناس يحبّون المال وقيل معناه ما تحبّون من نفائس أموالكم دون أرذالها كقوله تعالى: (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون)(2). وقيل هو الزكاة الواجبة وما فرضه الله في الأموال عن ابن عباس والحسن. وقيل هو جميع ما ينفقه المرء في سبيل الخيرات عن مجاهد وجماعة وقد روي عن أبي الطفيل قال اشترى علي ثوباً فأعجبه فتصدّق به وقال سمعت رسول الله(ص) يقول من آثر على نفسه آثره الله يوم القيامة بالجنة ومن أحب شيئاً فجعله لله قال الله تعالى يوم القيامة قد كان العباد يكافئون فيما بينهم بالمعروف وأنا اكافيك اليوم بالجنة(3). وفي تفسير التبيان حمل الشيخ الطوسي الآية على الخصوص إذ قال: (والأولى أن تحمل الآية على الخصوص بأن يقول: هي متوجهة إلى من يجب عليه إخراج شيء أوجبه الله عليه دون من لم يجب عليه..)(4). وبالرغم من اختلاف الأقوال وترجيح بعضها على بعض بحسب التتبع لأغلب التفاسير هناك في نظري مسألة أهم منحصرة في قوله تعالى (مما تحبّون) تبدو شديدة الأهمية في الآية الشريفة. وقد سبقت هذه الآية الشريفة آيات عديدة تحث على الإنفاق ووجوب الزكاة وهذا مما لا ريب فيه ولكن الآية الشريفة هذه لها ميزة مهمة على كل آية وردت في باب الإنفاق، إذ أنها لم تتحدث عن الإنفاق وحسب وإنما أشارت إلى أمور منها: 1ـ نيل الإنسان الدرجات العالية عند الله سبحانه. 2ـ الأقدام على التضحية بأغلى شيء على النفس. أما الميزة الأولى فهي من الأهداف السامية لدى المؤمن والساعي إلى البر ولا حاجة للتفصيل فيها لوضوحها. وأما الثانية فهي ما أردنا من نقل الآية الشريفة وإن كنا قد أشرنا بشكل سريع إلى بعض خصوصيات تربية النفس في موضوعنا السابق بعنوان طريق الجنة وكان أحد الطرق هو (الإنفاق من اقتار)(5). أما هنا فنريد أن نقف على مدى صعوبة الإنفاق على النفس. |
الله سبحانه وتعالى خلق الكون والإنسان لهدف وغاية فأرسل الرسل والأنبياء والأوصياء(ع) لأجل تربية الإنسان وصلاحه والهداية إلى الغاية من الخلق وكان التركيز على تربية النفس تربية صحيحة حتى يصلح الفرد وبصلاحه يصلح المجتمع وقد ركّز الإسلام على جانب التربية إذ قال سبحانه في كتابه الكريم (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة)(6) أي يطهرهم من رجس الشرك وعصبية الجاهلية والتزكية هي النمو والتكامل. يقال: العلم يزكو على الإنفاق، أي أن الإنفاق من العلم ينميه ولا ينقصه، والتزكية أيضاً هي تطهير المال، ينميه ويضاعفه، ومنها الزكاة. والتطهير والتنمية والتكامل عملية تربوية بالأساس، وكلمة تربية تعني النماء والتكامل، ربا الشيء يربو، أي زاد ونما وارتفع. وتربية النفس تكون بواسطة السيطرة والقيادة الصحيحة للنفس لا أن تكون النفس هي القائد للإنسان، وهذه المسألة تحتاج إلى وقت وممارسة كبيرين فسيطرة الإنسان على نفسه ومسك زمامها بيده أمر صعب وشاق رغم أن كل إنسان يبغي السيطرة عليها ولكن القليل ينجح في المحاولة لأن القليل من الناس بل النادر منهم من لا يريد أن يشار إليه بالصلاح والتربية والأخلاق الرفيعة. |
وقد ركّزت التفاسير والأحاديث الشريفة على مسألة تربية النفس تركيزاً واضحاً. قال الإمام أمير المؤمنين(ع): (من نصّب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدبها أحق بالإجلال من معلّم الناس ومؤدبهم)(7). وفي قصة تنقل في أحوال الرسول الاعظم(ص) إذ كان كافلاً لطفل يتيم في معيشته وكان هذا الطفل كثيراً ما يؤذي النبي(ص) وحينما مات الطفل حزن رسول الله(ص) حزناً كبيراً، فأراد جماعة من الأصحاب أن يخففوا الوطأة على النبي(ص) فقالوا له: أنأتي لك بيتيم غيره ليرتفع حزنك؟ قال النبي(ص): إن ذلك الطفل كان يؤذيني وثوابي في تربيته أكثر لذا حزنت لفراقه. وحسب الظاهر فإن الإنسان يفر ـ في طبعه ـ ممن يؤذيه لذا تعتبر هذه القصة دليلاً على سمو النفس عند النبي(ص) ولكن السؤال هنا: هل يحتاج النبي(ص) إلى تربية النفس كما نحتاج نحن؟ والجواب: أن هناك فرق بين النبي وبيننا فنفس النبي كاملة ونفوسنا ناقصة ولكن الكمال أيضا فيه درجات كما في قوله تعالى (وقل ربّ زدني علماً)(8). فالعلم والكمال درجات ورسول الله(ص) يريد الوصول إلى أعلى مراتب الكمال كما دلت عليه سيرته وتصرفاته. وفي الحديث الشريف أن الإنسان إذا قال (اللهم صلى على محمد وآل محمد(ص) يزيد الله سبحانه درجة النبي محمد(ص) درجة ويثيب المصلّي أيضا. نعم لو لم نصل عليه (فلا ينقصه ذلك شيئاً ولكن في الصلاة عليه تزكية لنا ورفعاً لدرجاته). لذلك كان رسول الله(ص) مع علو درجاته يؤذي نفسه في تربية اليتيم لنيل الدرجات العليا. وهنا تأتي الصعوبة في تربية النفس إذ أنّك تختار الأشد عليها لأجل الكمال وروي (ما عرض لعلي(ع) أمران قط كلاهما لله طاعة إلا عمل بأشدهما وأشقهما عليه)(9). فكلا العملين فيه مرضاة لله سبحانه ولكن أمير المؤمنين(ع) يختار الأشد أو الأصعب لأن التربية في ممارسة العمل الأشق تكون أكمل. والمراد من الأشق والأصعب ليست المشقة البدنية بمقدار ما هي روحية يعني الأشق الروحي، لأن الشيء إذا لم يكن له مشقة على الروح فالجسم يتحمله بل يتشوق إليه على صعوبته. سهر الإنسان في الليل، أمر شاق وصعب إذا كان ينام مبكراً، أما إذا صار السهر سبباً لعملٍ يحبه الإنسان كرؤية إنسان عزيز عليه فالصعوبة لا يحس بها لأن الروح لم تستصعبها، فصعوبة البدن توجد عندما توجد الصعوبة على الروح. الصعوبة تظهر على البدن إذا كان في العمل صعوبة على الروح وأما لو لم تكن هناك صعوبة على الروح فلا تصعب على البدن. فالمراد إذن من الأشق والأصعب هو المشقة والصعوبة الروحية وهي التي تربي النفس لا صعوبة العمل على البدن. |
ومن خلال تتبعي لأغلب التفاسير وجدت أنها تركّز على معنى البر بشكل كبير وفرقه عن الخير كما إنها تبين معنى الإنفاق غالباً أما الشيء الكبير والمفيد وهو ما يقع على الروح وتغذيتها بالمعاني الشديدة لم تشر إليه إلا نادراً ومنها أن ينفق الإنسان ما يكون عزيزاً عليه وحريصاً على الاحتفاظ به لذا فإنّ الوصول إلى مرتبة البر الحقيقية والواقعية من شروطها أن ينفق الإنسان مما يحب من أمواله وليس مما زاد منها. ومختلف الأحاديث والآيات الشريفة تركز على هذا المعنى (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) والمهم فيها (مما تحبون) فانه العامل الأساسي في تربية النفس وبعكسه لا تتربى النفس والإنفاق حينها ليس إلا قلّة للمال والأراضي والملابس وما شابه لا غير.. وكما هو معلوم فإن الله سبحانه لا يحتاج إلى الإنفاق ولا إلى المنفق كما أنه قادر على أن يخلق الجميع أغنياء فلا حاجة إلى الإنفاق وانما جعل الغني وجعل الفقير لكي يكون هناك منفق ويتربى الإنسان تربية روحية عالية يجتاز بواسطتها المحن العديدة والاختبارات الإلهية للنفس الإنسانية.. وعلى سبيل المثال لو كان هناك فقير يحتاج إلى رغيف واحد من الخبز والمنفق لديه مجموعة من الأرغفة وأنفق رغيفاً واحداً يسمى إنفاق وللمنفق الأجر والثواب ولكن هذا العمل لا يربّي النفس لأن المهم هو التربية وهي لا تتحقق إلا بالإنفاق مما يحب الإنسان لأن الحب الواقعي لله، والتعلق بالقيم الأخلاقية والإنسانية إنما يثبت من خلال الولاء ونبذ الأنا والتعلق بالخالق دون المخلوق ومستلزمات الحياة. فمن يبذل القليل أو الحقير من ماله أو مما لا يحبه لم يبرهن على تعلقه وولائه الروحي لمنزلة الخالق سبحانه. فإذا استطاع الإنسان أن ينفق مما يحب أو الشيء الذي يكون عزيزاً على نفسه حينها تتربى النفس قال سبحانه وتعالى: (ويطعمون الطعام على حبّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً)(10). وفي بعض التفاسير أن الضمير في (حبّه) يعود على الطعام فعن الطبرسي في مجمع البيان قال: (ويطعمون الطعام على حبّه أي على حب الطعام والمعنى يطعمون الطعام اشد ما تكون حاجتهم إليه وصفهم الله سبحانه بالاثرة على أنفسهم وفي الحديث عن أبي سعيد الخدري أن النبي(ص) قال ما من مسلم أطعم مسلماً على جوع إلا أطعمه الله من ثمار الجنة وما من مسلم كسا اخاه على عري إلا كساه الله من خضر الجنة ومن سقى مسلماً على ضمأ سقاه الله من الرحيق قال ابن عباس يطعمون الطعام على شهوتهم له ومحبتهم إياه..)(11). قد يكون للإنسان طعام فضل من يومه الماضي أو بعد أن تناول ما يكفيه فينفقه على الفقير لأنه زائد عن حاجته هذا العمل فيه ثواب كبير ولكن ليس فيه تربية للنفس أما الطعام الذي يحتاج إليه الإنسان وهو جائع فينفقه هنا تتجلى التربية في قوله تعالى (حتى تنفقوا مما تحبون). ولو ترقينا أكثر وجعلنا معنى البر هو الجنّة فيصير معنى الآية الشريفة أن الجنة محرمة على من بذل الحقير من ماله وفي منال من بذل ما يحب من ماله فالقرب من الله سبحانه والحصول على الدرجات العالية والفوز بالجنة على اختلاف معاني البر يتمثل في البذل والتضحية بأعز وأغلى ما يملكه الإنسان. |
وقد حثت الروايات على الإنفاق وجاء في إرشاد القلوب للديلمي أنه قال: أن أمير المؤمنين(ع) بكى يوماً فسألوه عن سبب بكائه، فقال: مضت لنا سبعة ايام لم يأتنا ضيف، وما كانوا يبنون منزلاً إلا وفيه موضع للضيافة، وضيف الكريم كريم. أربعة أشياء لا ينبغي للرجل أن يأنف منها قيام الرجل من مجلسه لأبيه واجلاسه فيه، وخدمة الرجل لضيفه وخدمة العالم لمن يتعلم منه والسؤال عما لا يعلم، وكانوا (عليهم السلام) يخدمون الضيف فإذا اراد الرحيل لم يعينوه على رحيله كراهة لرحلته وأعظم الجود الإيثار مع الضرورة الشديدة كما آثر آل محمد (ص) بالقرص عند افطارهم، وباتوا طاوين فمدحهم الله سبحانه بسورة هل أتى، قال مصنف هذا الكتاب: ينبغي للعبد أن يكون الغالب عليه الإيثار والسخاء والرحمة للخلق والإحسان إليهم، فان هذه أخلاق الأولياء وهو أصل من أصول النجاة والقرب من الله تعالى، فقد قال النبي (ص) السخاء شجرة من اشجار الجنة من تعلق بغصن منها فقد نجى، وقال جبرائيل(ع): قال الله تعالى: هذا دين ارتضيه لنفسي ولا يصلحه إلا السخاء وحسن الخلق فالزموهما ما استطعتم..)(12). وقال النراقي في جامع السعادات: (وأن يعطي الاجود والأحب والأبعد عن الشبهة، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، واخراج غير الجيد سوء أدب بالنسبة إلى الله، إذ إمساك الجيد لنفسه وأهله، وانفاق الرديء في سبيل الله، يوجب إيثار غير الله وترجيحه عليه، ولو فعل هذا لضيف وقدم إليه أردأ طعام في البيت لانكسر قلبه ووغر به صدره. هذا إذا كان نظره إلى الله بأن يتصدق لوجه الله، من غير ملاحظة عوض لنفسه في دار الآخرة، وإن كان نظره إلى نفسه وثوابه في الآخرة، فلا ريب أن العاقل لا يؤثر غيره على نفسه، وليس له من ماله إلا ما تصدق فابقى، وأكل فأفنى. ولعظم فائدة إنفاق الاجود الأحب، وقبح إنفاق الردئ الأخس، قال الله تعالى: (أنفقوا من طيبات ما كسبتم وممّا أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه)(13). أي لا تأخذونه إلا مع كراهية وحياء، وهو معنى الاغماض، وهذا شأنه عندكم فلا تؤثروا به ربكم. وقال سبحانه: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)(14) وقال (ويجعلون لله ما يكرهون)(15). وفي الخبر: (سبق درهم مائة ألف درهم) وذلك بأن يخرجه الإنسان وهو من أحل ماله وأجوده، فيصدر ذلك عن الرضا والفرح بالبذل، وقد يخرج مائة ألـــف درهم مما يكـــره من ماله، فيدل علـــى أنه ليس يؤثر الله بشيء مما يحبه(16). |
ذكر علماء الأخلاق في مسألة الإنفاق نماذج لمشقة وصعوبة الإنفاق على النفس منها الإنفاق على ذي الرحم وقد ورد في بعض الروايات أنه افضل من الإنفاق على غير ذي الرحم وان الإنفاق على الوالدين أفضل من الإنفاق على ذي الرحم كما ورد عن رسول الله (ص): (دينار أنفقته على أهلك، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، واعظمها أجراً الدينار الذي أنفقته على أهلك)(17). ومن الممكن أن تكون هــناك أسباب عديدة لتصوير المشقة فغالباً ما يكون للإنفاق على الأقارب والأرحام صعوبتان: الأولى: أن الرحم يعرفون حدود وقدرة المنفق من أرحامهم ولذا لا يستعظمون انفاقه لو لم يكن مما يحب لأن المنفق لو اعطى مبلغاً من المال إلى غير رحمه فسيشكره على أي حال لعدم معرفة حدود قدرته على الإنفاق أو كون الشيء المنفق من أجود ما يملك.. أما الرحم إذا أعطيته مبلغاً زهيداً أو من أسوأ ما أملك فلا يستعظم تلك المنحة وهذا ما يولد صعوبة على نفس المنفق حين الإعطاء. الثانية: توقع الجفاء من قبل الرحم لأن الرحم يشعر بذل واستصغار أمام رحمه إذا أنفق عليه أما الفقير من غير ذي الرحم فانه لا يشعر بذلك الشعور. وهذان السببان من بين أسباب عديدة تجعل الإنفاق على الرحم أصعب على النفس من غير ذي الرحم وقد تكون قطيعة بين الأرحام لوجود مشاكل عديدة بينهما ويريد أحدهما الإنفاق عليه فيكون صعباً على النفس تقبل هذا الأمر إلى أسباب أخرى لا مجال لبحثها هنا. وأما بالنسبة للوالدين فالأمران اللذان ذكرناهما يكونان أصعب وأعظم عليهما لأن الوالدين يعتبران ولدهما وما يملك لهما فكل ما يعطي لا أثر له عندهما من هنا قال علماء الأخلاق أنه من الصعب على الإنسان أن يعطي شيئاً لا أثر له عند الآخذ. |
قال رسول الله (ص): (صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل)(18). ومن الصعب على النفس أيضا أن تعطي شيئاً دون أن يعرف بذلك أحد ولكن الله سبحانه والأحاديث الشريفة قد حثت عليه وفلسفتها أن الآخذ لا يشعر بالذل أما المعطي فيفقد المدح فإذا كان الإعطاء علنياً وهناك من يمدحني لا يجعلني استصعب الإعطاء أما في السر فمن ذا الذي يمدحني؟ فقد قلّ من مالي كمية دون أن يمدحني أحد ولكن هذه العطية تطفئ غضب الرب سبحانه، والله سبحانه سريع الرضا وليس بسريع الغضب أي لا يظهر غضبه بسرعة فإذا عصى العبد مرة ومرتين أو اكثر لا ينزل به العذاب أما إذا عمل عملاً صالحاً فانه سريع الرضا والأجر.. بعكس الإنسان إذا ما غضب فانه سرعان ما يظهر على جوارحه وخصوصاً اللسان فكلما يخطر على باله يظهر بلسانه أما الله سبحانه فليس كذلك ولكن لو ظهر غضبه على البشر لا راد لأمره وانتقامه. لو أراد الإنسان أن يكون سريع الرضا وبطئ الغضب صعب ذلك عليه وفيه مشقة كبيرة على النفس كما أن الإنفاق في السر دون مدح صعب ولكنه يطفئ غضب الرب الذي لا راد له إلا هو سبحانه. إذن المهم في الإنسان هو ممارسة الفضائل والتحلّي بالأخلاق الرفيعة وتربية النفس على ذلك بتحمل المشاق والسيطرة عليها، وان لا يبخل على الناس لكي لا يتأذى المحتاج من ذلك والحمد لله رب العالمين. |
الهوامش |
1 ـ آل عمران/ 92. 2 ـ البقرة/ 267. 3 ـ مجمع البيان، ج1-2، ص473. 4 ـ التبيان في تفسير القرآن، ج2، ص530. 5 ـ راجع العدد رقم 47 من مجلة النبأ. 6 ـ الجمعة/ 2. 7 ـ نهج البلاغة، حكمة 73. 8 ـ طه/ 114. 9 ـ البحار، ج41، ص133، باب 107، ح45. 10 ـ الإنسان/8. 11 ـ جمع البيان، ج9-10، ص407. 12 ـ إرشاد القلوب، ج1، ص137، الأعلمي. 13 ـ البقرة/ 267. 14 ـ آل عمران/ 92. 15 ـ النحل/ 62. 16 ـ جامع السادات، ج2، ص132. 17 ـ جامع السعادات، ج2، ص141. 18 ـ جامع السعادات، ج2، ص145. |