2000 |
آب |
1421 |
جمادى الاولى |
48 |
العدد |
النبأ |
مجلة |
آراء ومناقشات |
عبد الكريم الحائري |
قال ابن منظور في لسان العرب في مادة أمم 1ـ الأمة القرن من الناس يقال مضت أمم أي قرون وايضاً الأمة الجماعة من الناس. 2ـ الأمة الرجل الذي لا نظير له ومنه قوله تعالى (أن إبراهيم كان أمة قانتاً لله(. 3ـ الأمة الرجل المنفرد بدين ولعل نفس الآية تكون شاهداً على ذلك. 4ـ الأمة المعلم. 5ـ الأمة العالم. 6ـ أم القوم رئيسهم. 7ـ أم الكتاب فاتحته وأم الكتاب اصله. 8ـ قال أبو اسحق معنى الأمي المنسوب إلى ما عليه جبلته أمه ولعله إشارة إلى فطرته التي لم تدنس. وهذه اهم المعاني التي ذكرها وهناك معاني أخرى تتناسب مع هذه المعاني وجاء أيضاً في اللغة الأم هي الأصل ومنها عليها يتخرج قوله تعالى (أم القرى( إذ هي الأصل حيث ورد في الحديث أن الله تعالى خلق الكعبة أولا ومنها بسط الأرض أو دحاها. وكلمة الأمي تصلح أن تكون مأخوذة من كثير من هذه المعاني كما سيأتي الكلام فيها عند نقل الأقوال والمحتملات. |
||
(هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) الجمعة2 وجاء في سورة الأعراف قوله تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي... ) وأيضا قوله تعالى (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي... ) الاعراف157-158. وليس البحث في تمام الآية بل البحث في ما يستفاد من الآيات من نسبة النبي(ص) إلى الأمية أو (في الأميين رسولاً منهم) ولا شك أن البحث الذي يجري عليه الفقهاء في مسائلهم أولاً استنباط القرائن وفهم المعنى من القرآن الكريم ثم من السنة المطهرة ثم الاجماع ثم العقل ونحن نجري على ذلك النمط من البحث. فالمعنى اللغوي للكلمة الشريفة ليس هو عدم القراءة والكتابة كما زعمه جماعة من المتأخرين بل يفهم هذا المعنى كما ذكره أبو إسحاق وغيره أنها نسبة إلى الأم ويكون المعنى أنه كما كان في ما جبلته أمه لم يعرف ذلك فالنسبة بمعنى البقاء على ذلك وهذا معنى مستنبط وحتى لو قلنا أن المعنى اللغوي هو هذا فلا يضر بالبحث ولكن المتأخرين تأثروا بالاصطلاح الذي صار لهذه الكلمة والتبادر منها عند المتأخرين فكأن معناها اللغوي القديم كذلك والحال أنه ليس كذلك فلم يذكره أهل اللغة بعنوان النص بل بعنوان كونه مستنبطاً نعم ذكر ذلك ألمفسرون وعلى أي حال يجب الرجوع إلى القرآن الكريم لفهم هذه الكلمة الشريفة فقد جاءت هذه الكلمة في موارد منها (قل للذين أوتوا الكتاب والأميين) آل عمران20 ومنها قوله تعالى (ذلك بانهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) آل عمران75 وعندما نقف على استعمال القرآن الكريم نرى هل أن هذا المعنى المتعارف الاصطلاحي مختص بهذه الأمة في أول أمرها أو أن الرسالة عامة وشاملة إلى آخر الازمان ما دامت البشرية (ولكن رسول الله وخاتم النبيين) وقال تعالى عنه (لأنذركم ومن بلغ) وكذلك جاء (إني رسول الله إليكم جميعاً) (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) فهل هذا عنوان لهذه الأمة المرحومة وما معناه إذا كان كذلك فيحتمل أن يكون عنواناً عاماً والأميون هم الذين قال عنهم (كنتم خير أمة) فالنسبة إذن إلى الأمة التي هي خير أمة أخرجت ومنهم نبيهم خير النبيين ولم نعهد من القرآن الكريم يذكر قوماً ويعيبهم لعدم معرفتهم بالقراءة بل الضلال الحاصل لهم لعدم اتباعهم للحق ومن تبع الحق فهو على الهدى حتى لو لم يعرف القراءة والكتابة بل حتى لو كان أعمى في الظاهر وفاقداً للبصر وهل كانت الأمم كلها تعرف القراءة والكتابة؟ ولا توجد أمة لم تعرف ذلك فلم لا يكون نبيهم أرسل إلى الاميين بذلك المعنى ولم لم يذكر؟ فمن البعيد جداً إن لم يكن امراً مقطوعاً بعدمه أن تكون كل الأمم عارفة بذلك وليست الأمية بهذا المعنى فخراً حتى يذكروا به ولا ذماً حتى يتميزوا به بل الملاك والميزان الهدى واتباع الحق فكم عارف بالقراءة والكتابة لم يتبع الحق وهو على ضلال والى جهنم فلا ينفعه ذلك شيئاً من عذاب الله تعالى وكم جاهل بها يدخل الجنة وينعم ولا يضره جهله بها فالميزان ليس القراءة والكتابة بل الميزان طاعة الله تعالى واتباع الحق والتسليم لامر الله تعالى (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما) نعم تخلف أمة عن القراءة والكتابة ربما يؤدي بها إلى عدم العلم والمعرفة والابتعاد عن الحضارة فيكون مقدمة للضلال ولكنه ليس هو الملاك إذ لم يذكر القرآن الكريم أمة ويمدحها لمعرفتها بذلك بل قد ذم اقواماً عرفوها وحرفوها (يكتبون الكتاب بأيديهم ويقولون هو من عند الله فويل لهم مما كتبت ايديهم وويل لهم مما كانوا... ) فلم يذكر أمية أمة ولا معرفتها على الاطلاق في القرآن الكريم وأنها كانت سبباً للتميز وقبول الرسالة بل الذين كانوا يستفتحون ويقرؤون الكتب السابقة ويجدون الصفات النبوية عتوا وعصوا وخالفوا الحق واتبعوا هواهم. وخلاصة التقييم لهذه الآيات أن الأمية بالمعنى المشهور عند المفسرين لم يقع في لسان القرآن حول أمة من الأمم غير هذه الأمة والقرآن الكريم إذا أراد ذكر شيء أراد علاجه فإذا أراد الامية بهذا المعنى فلابد أن يكون قد بعث النبي لعلاج ذلك والحال أن المهمة ليست تعليم الكتابة بل تعليم الكتاب فإذا لم يكن هذا المعنى من مأنوسات القرآن الكريم فلابد أن ننظر حتى نرى معناها من نفس الكتاب الكريم فقد جاءت في سورة البقرة آية 78 (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني). فهذه الآية لا تحتاج إلى تفسير بل تكون قرينة لوضوحها على فهم بقية الآيات الأخرى حيث قال تعالى (ومنهم أميون) ثم اتبعها لبيان ذلك وسبب الأمية هي لا يعلمون الكتاب إلا أماني. وهذا هو المعنى الثاني للأمية ومنه يفهم قوله تعالى (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة... ). فالأميون الذين لم يطلعوا على كتاب من قبل ولم يأتهم نبي بتعاليم وكونه منهم أي من هؤلاء أي من أنفسهم لا غريب عليهم مثل قوله تعالى (وخلق منها زوجها) فنسبة الأمية إليه (الأمي) باعتباره من هؤلاء وقد قال تعالى (ما كنت تعلمها أنت ولا قومك) (وعلمك ما لم تكن تعلم) وعلى هذا كل إنسان قبل التعليم أمي ولكن هذه الأمة في أولها وفي مكان بعثة النبي( فيها لم تكن كباقي الأمم حيث لم تكن تشم رائحة الحضارة ولا تأثرت بالنبوات السابقة التي سمعت عنها وليس معنى ذلك كل من كان هناك إذ ما من عام إلا وقد خص فلأجل ذلك بعد مضي الدهور والأزمنة من زمن نوح وآدم إلى زمن الخاتم) وكأن إبراهيم خليل الرحمن كان يرى ذلك فيهم حيث دعى وقال (واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام رب إنهن اضللن كثيراً من عبادك.. ) ولا يخفى أن التعامل مع الحضارات والديانات السماوية السابقة يكون أقل عناءً ممن لم يكن تابعاً لدين وترسخ على جاهلية وعصبية عوجاء، فكانت الأمية فيهم باعتبار أنه ستختم النبوات وبعد لم ينالهم حظ وافر منها فلذا جاءت إليهم ومنهم انطلقت إلى غيرهم وخلاصة الكلام أن هذا المعنى لم يتعرض للمعنى الاصطلاحي بل هو معنى خاص. نعم هذا لا يختص بهذه الأمة وإن اشتهر عنها ذلك بل هي أيضاً من اوصاف اليهود حيث أن الآية المباركة (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) ذكرت في بيان الطائفة الرابعة من اليهود حيث أن أميتهم ناشئة من عدم معرفتهم بالكتاب إلا أماني . أنهم أبناء الله واحبائه وأنه لا يعذبهم إلى غير ذلك من أمانيهم، وكون النبي منهم لا يختص به(ص) بل هو شامل لكل الأنبياء الذين بعثوا حيث انهم بعثوا من أممهم (وما ارسلنا من رسول إلا بلسان قومه) وقد جاء توضيح ذلك في آيات كثيرة في القرآن الكريم منها في الأعراف من آية 159 فما بعد ابتداءً من نوح إلى موسى حيث قال تعالى ولقد ارسلنا نوحاً إلى قومه والى عاد أخاهم هوداً والى ثمود أخاهم صالحاً ولوطاً إلى قومه والى مدين أخاهم شعيباً... وجاء ذلك أيضاً في سورة يونس آية 74 فما بعد (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه ـ إلى قوله ـ ثم بعثنا من بعده رسلاً إلى قومهم).. وفي سورة هود آية 25 فما بعد (ولقد ارسنا نوحاً إلى قومه ـ إلى قوله تعالى ـ والى عاد أخاهم هوداً)... فعندما يقص القرآن علينا قصص الأنبياء فيتعرض لبعثهم ثم يصف اقوامهم بالعصيان أو الطاعة (وما ارسلنا من رسول إلا كانوا به يستهزؤون) وذكرهم بالمدح أو الذم لأجل ذلك لا لأجل معرفتهم بالكتابة والقراءة أو بمدحهما فقد جاء قوله تعالى في الشعراء آية 195 فما بعد. (كذبت قوم نوح المرسلين إذ قال لهم اخوهم نوح إلا تتقون) (كذبت عاد المرسلين) (كذبت ثمود المرسلين) (كذبت قوم لوط المرسلين) (كذب أصحاب الأيكة المرسلين) فلامهم على تكذيبهم وعنادهم فلو كانوا يحسنون القراءة والكتابة فليس في ذلك مدح ولو كانوا يجهلونها فليس في ذلك ذم إذ كل ذلك منصب على الطاعة لله ولرسوله فهل كان بلال افضل أم المعاندون ممن يحسنونها وهل كان أصحاب الصفة افضل أم غيرهم ونريد أن نتلخص من كل ذلك أن روح القرآن بعيد عن تلك الجهة الاصطلاحية التي يراها القوم كيف والقرآن الكريم لما ذكرهم (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) فعالج المشكلة بقوله تعالى (يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) فيفهم من هذا السياق أن سبب أميتهم عدم معرفتهم بالكتاب وعدم التزكية لنفوسهم ولأجل هذا الداء جاءت الرسالة بذلك الدواء. ونكتفي بهذا المقدار في البحث والاستدلال بالكتاب الكريم لاستكشاف معنى الأمية. |
||
الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياتهم ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) فكيف كان يعلمهم ما لم يحسن ولقد كان رسول الله(ص) يقرأ ويكتب باثنين أو قال بثلاث وسبعين لسان وإنما سمي الأمي لأنه كان من أهل مكة ومكة من أمهات القرى وذلك قول الله عز وجل لتنذر أم القرى ومن حولها، ونقل الصدوق الحديث بسند آخر أيضاً. والحديث يتضمن الانكار أولا ثم التوضيح لمعنى الأمية بالملازمة إذ أنه عليه السلام كيف يعلمهم ما لم يحسن فهو يحسن القرآن المنزل عليه فليس أمياً وهم لا يحسنون فهم أميون فكما أنّ الإنسان الذي لا يعرف القراءة والكتابة بعد التعليم يرتفع عنه العنوان كذلك هنا فبعد أن يعلمهم يرتفع عنهم العنوان ثم وضح المعنى الثاني في النسبة إليه(ص) حيث أن النسبة إليه بمعنى النسبة إلى أم القرى وفيه رد على الذين يزعمون عدم صحة النسبة. 2ـ ونقل كل من الصدوق والصفار بسند صحيح عن أبي عبد الله…: كان(ص) يقرأ. 3ـ ونقل الصفار بسنده عن أبي عبد الله… أن النبي(ص) كان يقرأ ما لم يكتب ولعل الحديث يشير إلى وجود القدرة عند النبي والمعرفة وإن لم يظهرها لأحد لعدم المصلحة في ذلك. 4ـ ونقل علي بن إبراهيم بسند صحيح عن أبي عبد الله… في قوله (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم) قال كانوا يكتبون ولكن لم يجيء عندهم كتاب من عند الله ولا بعث رسولاً فنسبهم إلى الأميين. وهذا الحديث بيّن أنه يوجد فيما بين العرب في مكة من كان يعرف الكتابة ولكن ليست الأمية لأجل عدم معرفة الباقين بها بل لأجل عدم معرفتهم بالنبوات وبالكتب السماوية وهذا فيه تأييد لما استفدناه من الآيات السابقة في معنى الأمية في الكتاب الكريم. 5ـ وجاء في أصول الكافي عن أبي عبد الله… في حديث طويل منه فكتب (يعني النبي(ص) للأول والثاني) لهما في التراب (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر). 6ـ وجاء في حديث النبي المشهور بحديث المعراج أنه(ص) رأى مكتوباً على باب الجنة لا اله إلا الله وكذلك رآها في أماكن أخرى من السماء وكذلك في المأثور الشريف أنه(ص) كما نقل رأى مكتوباً على ساق العرش إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة. 7ـ الحديث المعروف بحديث الرزية وحديث يوم الخميس الذي رواه العامّة والخاصة عن ابن عباس أن النبي(ص) طلب دواة وقرطاساً قال(ص) حتى اكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدي أبداً.. وهذه الأحاديث تبيّن الوقوع لا المعرفة فقط بل ورد في بعض الأحاديث أيضاً أنه(ص) قرأ وحده كتاب العباس عمّه الذي أرسله إليه من مكة وبعد ذلك اخبر الأصحاب. والمتحصل من السنة الشريفة المطهرة أن النبي(ص) كان عارفاً بذلك ولكنه لم يكن يظهره قبل البعثة لوجود المصلحة وقد اظهره قليلاً بعد البعثة بمقدار ما تمس إليه الحاجة. وسيأتي مزيد من البيان في بحث الاجماع إنشاء الله. ملاحظة: نقلت هذه الأحاديث عن تفسير البرهان في تفسير سورة الجمعة وكذلك تفسير نور الثقلين. |
||
ولا يوجد في المسألة اجماع يستدل به لوجود المخالفين في المسألة نعم القول المشهور بين الأمة هو ذلك المعنى الاصطلاحي للامية بمعنى عدم القراءة والكتابة فلو وجد الاجماع فلا يمكن الاستدلال به لأنه لا يكشف رأي المعصوم اذ رأى خلافه لوجوده في السنة الطاهرة بل لو صح وجود اجماع فهو مستند إلى ظاهر اللفظ من دون إعمال النظر في بقية الآيات التي تصلح أن تكون قرينة صارفة إن قلنا يوجد ظهور للفظ في المعنى الاصطلاحي فإن لم يكن هذا الاجماع حجة ولا يمكن الاستدلال به فكذلك الشهرة وللمزيد من الاطلاع لا بأس بنقل بعض آراء العلماء في ذلك. 1ـ قال السيد المرتضى كما نقله العلامة المجلسي في البحار ج16 ص82 ماكان يحسن الكتابة قبل النبوة فأما بعدها فالذي نعتقده في ذلك التجويز لكونه عالماً بالقراءة والكتابة لأن الاتهام كان قبل البعثة فأما بعدها فلا والسيد رحمه الله ينظر إلى التفصيل قبل نزول الوحي عليه بالرسالة والبعثة وبعدها فقبلها يمكن أن يوجب الارتياب (ما كنت تقرأ من كتاب ولا تخطه بيمينك إذن لارتاب المبطلون) يعني قبل البعثة كانت الانظار متوجهة إليه وانه لم يكتب ولم يقرأ فإذا بعث فالتهمة بعيدة عنه بأنه تعلم من كتب اليهود والنصارى حيث لم يعرف الناس عنه ذلك ومعنى الآية أن لا يفتح مجال للشك. والشبهة والتهمة عليه وما بعد الرسالة فلا يوجد ذلك الريب. 2ـ قال الفخر الرازي ج3 ص138 ط. دار الكتب العلمية اعلم أن المراد بقوله (ومنهم أميون) اليهود ثمّ بيّن فرقة رابعة من اليهود المعاندين للحق ووصفهم بالأمية لأنهم كانوا يقلدون في المعارف ويمتنعون من قبول الحق. 3ـ وجاء أيضاً في تفسير سورة آل عمران ج7 ص213 في بيان سبب كونهم أميين قال وصف مشركي العرب بانهم اميون لوجهين الأول لما لم يدعوا الكتاب الإلهي وصفوا بانهم أميون تشبيهاً بمن لا يقرأ ولا يكتب.. وجاء في ج8 ص12 في قوله (الأمي) منسوب إلى الأم وقيل منسوب إلى مكة وهي أم القرى ولم يرد على هذا القول أنه مخالف لقواعد النحو وتأمل في كلام الفخر الرازي كيف فسر الأمية وبه يقوي في نفسك المعنى المتقدم في الآية الشريفة في ضوء الكتاب الكريم. 4ـ وجاء في تفسير المنار ج1 ص358 ط. دار المعرفة في تفسير (ومنهم أميون) الآية في كلام له منه قال: لا علم لهم بشيء من الكتاب ولا معرفة لهم بالأحكام وما عندهم من الدين فهو أماني إلى أن يقول وهذا محل الذم لا مجرد كونهم أميين (بمعنى عدم معرفة القراءة والكتابة) فإن الأمي قد يتلقى العلم عن العلماء الثقات ويعقله عنهم فيكون علمه صحيحاً وهؤلاء لم يكونوا كذلك. 5ـ وجاء في ظلال القرآن ج1، ص110 قوله في تفسير الآية (ومنهم أميون) قال ثم يستطرد (القرآن الكريم) ويذكر للمسلمين من أحوال بني إسرائيل انهم فريقان فريق أمي جاهل لا يهتدي شيئاً من كتابهم الذي نزّل عليهم ولا يعرف منه إلا اوهاماً وظنوناً وإلا أماني في النجاة من العذاب بما أنهم شعب الله المختار وفريق يستغل هذا الجهل وهذه الأمية. وبالتأمل في كلام المفسرين عندما يفسرون الأمية يأكدون على جهلهم وعدم معرفتهم بكتابهم السماوي المنزل من الله تعالى. 6ـ وجاء في تقريب القرآن ج9، ص60، الأمي نسبة إلى أم القرى وهي مكة وبمعنى الذي لم يتعلم عند معلم (لا الذي لا يعرف) وإن كان(ص) يعلم كل شيء بوحي الله وارادته والعرب تسمي من لم يتعلم عند معلم الأمي نسبة إلى الأم كأنه بقى مثل ما ولدته أمه. وفي ج8 ص98 الأمي منسوب إلى الأم والمراد بهم العرب سموا بذلك أما لانهم من أهل أم القرى أي مكة وأما لأن الغالب منهم لم يكونوا يعرفون القراءة والكتابة فهم في جهلهم كالذي خلق من الأم ولا يعرف شيئاً وقوله تعالى (منهم) من أنفسهم ومن أهل بلدهم. 7ـ وذكر في مجمع البيان في الأمي احتمالان، الأول لا يقرأ ولا يكتب، الثاني منسوب إلى الأمة أمي الجبلة ولعله يقصد الفطرة السليمة، الثالث منسوب إلى الأم، الرابع منسوب إلى أم القرى. 8ـ وجاء في تفسير من هدى القرآن ج3، ص463 وكلمة الأمي كما يبدو لي نسبة إلى الأمة التي يقول عنها ربنا في آية أخرى (وإن هذه امتكم أمة واحدة أنا ربكم فاعبدون). ملاحظة: ذكر أكثر المفسرين احتمال كون الأمي منسوباً إلى أم القرى دون رد على ذلك ويفهم منه صحة النسبة وإلا لردوا عليه بالبطلان ولا بأس بنقل كلام بعض النحاة كشاهد لذلك. جاء في شرح الألفية للسيوطي وابن عقيل فقال ابن عقيل في باب النسبة: إن كان العلم مركباً تركيب إضافة فإن كان ابناً أو كان معرفاً بعجزه حذف صدره ثم يقول: فيه نظر.. إلى أن يقول فإن لم يخف لبس عند حذف عجزه حذف عجزه ونسب إلى صدره فتقول في امرء القيس امرئيو أن خيف اللبس حذف صدره ونسب إلى عجزه. وقال السيوطي في نفس البحث واحذف الثاني ما لم يخف لبس فقل في امرء القيس امرئي وأن خيف لبس حذف الأول وانسب للثاني. وقال في النحو الوافي ج4 ص739 المسألة 79. إن كان المركب اضافياً علماً بالوضع أو بالغلبة فالأصل فيه أن ينسب إلى صدره فيقال من خادم الدين فوز الحق وعابد الإله (الثلاثة اعلام) خادمي وفوزي وعابدي. فسكوت أدباء المفسرين في احتمالهم أنه منسوب إلى أم القرى مع ورودها في الروايات مما تصح النسبة وأهل البيت أدرى بما فيه. وهذه بعض كلمات المفسرين ومنه تعرف عدم وجود اجماع على تلك النسبة المعروفة عندهم. |
||
قد جاءت في نسبة الأم احتمالات وآراء لا بأس بنقلها والاطلاع عليها. 1ـ أنه منسوب إلى الأمة أي الأمة المرحومة حتى ورد في بعض كتب اليهود والنصارى أن الأمة التي يبعث فيها نبي آخر الزمان هي الأمة المرحومة فالنسبة إليها أمي والأميون هم الأمة المرحومة. فإن هذه الأمة مرحومة والنبي ارسل إليهم رحمة كما قيل أنه الرحمة المهداة (وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين) وجاء أيضاً (بالمؤمنين رؤوف) وخصوصاً تظهر الرحمة في يوم القيامة حيث قال ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي حيث ينادى كل إنسان وانفساه وينادي النبي(ص) كما ورد الحديث رب أمتي. 2ـ منسوب إلى الأم لشدة تعلق الطفل بها و تعلقها بالطفل فاخذ فيه شدة التعلق والمحبة وكان(ص) يقول لفاطمة أم أبيها لشدة تعلقه بها ولشدة تعلقها به. 3ـ منسوب إلى الأمة التي ذكرت في القرآن الكريم(كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر). 4ـ منسوب إلى الأم بمعنى الأصل كما ورد في اللغة وكما جاء في القرآن أيضاً في قوله تعالى (منه آيات محكمات هن أم الكتاب) أي أنها الأصل التي يرجع إليها في تشخيص باقي الكتاب وإرجاع المتشابهات إليها. وأيضاً (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) أي اصل القرآن. والمعنى على هذه النسبة أي أنه هو الأصل ونبوته اصل النبوات فهو الأصل في خلق الخلائق أي لأجله وأن نبوة الأنبياء وبعثتهم مقدمة له ونبوته الأصل الباقي إلى يوم القيامة فهو أول الأنبياء، ميثاقاً وآخرهم مبعثاً فقيل على هذا يكون الأمي رمز بينه وبين حبيبه المصطفى وقد بيّنه في موارد وشواهد نقلت إلينا وتكون من البطون القرآنية إن لم تكن من ظواهرها ولعل على هذا القول تكون كالحروف المقطعة التي هي رموز ولعله يراد به أن له ظاهراً يأخذ به وهو أم القرى ونسبة باطنية أخرى هي أنه الأصل في النسبة إلى الخلقة وغيره على مائدته ولأجله. ولأهل المعرفة مطالب تشرق على قلوبهم للرياضات الصحيحة فيلتذون ببعض المعارف إن لم يمكنهم بيانها بدقة أو لا يمكنهم إقامة الدليل عليها لأنهم ادركوها بالشهود فصعب على أهل الظاهر القبول منهم بل لا يجب عليهم القبول إلا مع إقامة الدليل أو الاطمئنان به. ولعل أصحاب هذه الأقوال أو الاحتمالات لا يريدون حصر معنى الأمي في معنى واحد بل يريدون أن يحتمل أن يكون معانيه متعددة بحسب تعدد الفهم أو البطون أو الرموز والإشارات. |
||
قال بعض أهل المعرفة أن الامية التي ذكرهاالمفسرون والمشهور منهم بمعنى عدم القراءة والكتابة فهذا المعنى لا يختص بالنبي(ص) فمن علم آدم الكتابة والقراءة وعند من تعلم نعم علمه الله تعالى الأسماء وتعليمه تعليم معرفة لا تعليم قراءة وكتابة فتجري هذه الأمية في الأنبياء إذ لا دليل على انهم تعلموا من أحد بل لعل الاصلح في قبول الأمم من انبيائها أن لا يتعلم الأنبياء عند أهل القرى ثم يدعون النبوة عندهم ومثل هذا موجب للشك ولكن عدم المعرفة أمر وعدم إظهار ذلك أمر آخر فلا يلزم من عدم الاظهار أنه لا يعرف. نعم الاظهار ليس فيه مصلحة بل موجب للشك والارتياب (... ولا تخطه بيمنك إذن لارتاب المبطلون) فمن الاظهار يحصل الريب لا من معرفتهم النفسية بل واضح أن بعض أنبياء أولوا العزم حين النبوة لم يكن يظهر ذلك بل لم يكن قد مضى من عمره مقدار التعليم حتى يقال أنه تعلم من أحد فإذا كان عدم التعلم من الناس يسمى أمياً فاحق الأنبياء بذلك عيسى بن مريم إذ أنه بعث في أول يوم من ميلاده (قال إني عبد الله اتاني الكتاب وجعلني نبياً) فأين تعلم عيسى وعند من وهل كان أمياً حتى تجرى في نبينا(ص) وهكذا يقال في يحيى (وآتيناه الحكم صبيا). نعم نبينا لم يظهر ذلك ولم يعرف عنه أنه قرأ كتاباً (ولا تخطه بيمنك إذن لارتاب المبطلون) لئلا يكون ذريعة للمغرضين وتشويهاً على سيد المرسلين فكون النبي(ص) منهم وقد عاشروه وعرفوه بالصدق والأمانة والأخلاق الفاضلة ولم يعهدوا أنه التقى بالعلماء وعاشرهم أو قرأ كتبهم فيكون اقرب للقبول وليس كما زعم البعض أن الأمية بمعنى عدم معرفة القراءة والكتابة كمال للنبي(ص) فعلى أي مقياس قيس الكمال وقلنا أن الحكمة تقتضي عدم الاظهار لا عدم المعرفة فالجهل بالشيء نقص لا كمال. نعم قد تكون بعض الأمور نسبية كما قيل في حسنات الابرار سيئات المقربين. وهذا الأمر يكون بالقياس إلى المقام. والعناية الربانية بالنبي(ص) من أول خلقته في عالم النور إلى هذا العالم وعناية السماء به من أول ولادته وسقوط الأصنام واطفاء نار فارس وغير ذلك مما وقع من آيات ولادته الشريفة تدلنا على أنه كما قال(ص) كنت نبياً وآدم بين الماء والطين ومع التوجه إلى جعله (رحمة للعالمين) وانه (بالمؤمنين رؤوف رحيم) وأن وجوده يمثل الوجود الإلهي حيث قال جل ذكره (ما زاغ البصر وما طغى) وقال (ص)إذن خير لكم (وما ينطق عن الهوى) (ما كذب الفؤاد ما رأى).. (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي انقض ظهرك) (ما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق ايديهم) (طه ما انزلنا عليك القرآن لتشقى) عندما ورمت قدماه من كثرة العبادة (نزل به روح الأمين على قلبك) ـ إلى غير ذلك من الآيات التي تبيّن اعتناء السماء بأمره وتطهير جوارحه واعضاءه وطلب رضاه (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وقوله تعالى في كمال عنايته (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) فجعل الصلاة بشكل الفعل المضارع كما يقول أهل الأدب أنه يدل على التجدد والاستمرار ومن يرقى إلى هذا المقام السامي مقام قاب قوسين أو أدنى وبعد كل ذلك يقال عنه أنه أمي لا يحسن القراءة والكتابة ولعمري أن البعيد عن الذوق والعرفان ليقول أن كل ذلك أمر خطابي وليس بدليل ولا برهان فما يقال لمن لا يرى ويستصغر هذه الأمور ويستعظم شأن القراءة والكتابة التي يحسنها الأطفال ولا يحسنها سيد المرسلين لأن جرمه (لئلا يرتاب المبطلون) وقد اتضح معناه انه لا ربط لها بعدم المعرفة بل في مقام العمل والإظهار. فمن اطلع على أسرار الكون ورأى الملكوت وصلّت خلفه الملائكة والأنبياء والمرسلون فما قدر حروف لم يحسنها ثم من تمسك بالقشور كيف يمكنه أن يتعداها ويصل إلى اللب إلا أن يترك القشور والأوهام ويصل إلى لب المعارف وأصولها ولعمرى القول بعد هذا بالامية المصطلحة شطط من القول ولا يمكن التمسك لرواية وردت مع ورود روايات أخر تعارضها فلابد من حملها على التقية وعلى ما يقوله أهل الظاهر الذين أرادوا بذلك نفي فضيلة لأهل بيت النبي(ص) حيث قال ايتوني بدواة وقرطاس اكتب لكم كتاباً فكما أن الثاني نسب إليه الهجر فكذلك قوم قالوا ما كان يعرف الكتابة حتى يكتب فهي قضية سالبة بانتفاء الموضوع وجرى على مثل هذا من يقول بعدم معرفته وهناك من يفصل قبل البعثة وبعدها فهل كانت عناية السماء منقطعة ثم جاءت ومتى تركه ربه (ما ودعك ربك وما قلى) فإذا هو نبي وآدم بين الماء والطين وله ذلك المقام فهل صعب على عناية الله تعليمه وقياس ذلك بالشعر قياس مع الفارق ولا يخفى الأمر على العارف أن الشعر يتدخل فيه الخيال والمبالغة والكذب وهو بعيد عن الحقيقة الناصعة التي لا يحتاجها صاحب الحقيقة الذي لا يحتاج إلى مبالغة وكذب إذ قالوا أكذبه أعذبه وليس ما جاء صرف الكلام على الأوزان الخاصة. حتى قيل كما ورد في لسان الأدلة أنه يعرف كل لسان لئلا يحتاج إلى مترجم بل لابد أن تنفى حاجته إلى غيره فلو كان يحكم بالظواهر واتفق اثنان من أهل لسان ظاهرا الصلاح على شخص ثالث وجاءا به إلى النبي الذي لا يعرف لغته وقالا أنه ينكر النبوة أو التوحيد أو يصر على شركه ويحكم بالظواهر ولابد أن يقتله أو قالا أنه يقر أربع مرات على نفسه بالزنا أو غير ذلك فيجري عليه الحكم ظلماً فيوجب الفساد والظلم على أنه جاء لدفع الفساد والظلم فقد قيل أن نفس الدليل يجري في القراءة والكتابة لأية لغة كانت. انتهى. ولتوضيح الأقوال المذكورة حيث فصل بين حاله(ص) قبل البعثة وبعدها: قال ابن منظور في لسان العرب في مادة (قرء) والأصل في هذه اللفظة الجمع وكل شيء جمعته فقد قرأته وسمي القرآن لأنه جمع القصص والأمر والنهي والوعد والوعيد والآيات والسور انتهى. ومنه تعرف القراءة حيث يجمع القارئ الحروف ويتلفظ بها جمعاً لا مفرداً حتى تتكون الكلمة والكلام. وفي الذكر الحكيم (اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم) فقد كرر القراءة مرتين ثم تعرض للتعليم بالقلم إشارة إلى أهمية ذلك واهتمام الشريعة بها حيث قال في أوائل ما نزل أيضاً (ن والقلم). وثبت في علم الأصول أن التكليف لابد أن يكون مقدوراً فلما كلفه الله تعالى بالقراءة لابد أن تكون مقدورة له وليست القراءة صرف المتابعة لجبرئيل كما فهمه جمع من المفسرين بل الظاهر أن الصحيح أمر بالقراءة لا المتابعة كما ذكر ذلك جمع من المفسرين. جاء في تفسير المراغي في تفسير هذه السورة قال (اقرأ باسم ربك الذي خلق) أي صِْر قارئاً بقدرة الله الذي خلقك وقد جاء الأمر الإلهي بأن يكون قارئاً وإن لم يكن كاتباً وسينزل عليه كتاباً يقرأه وإن كان لا يكتبه ثم قال بعد ذلك والخلاصة: أن من كان قادراً على أن يخلق من الدم الجامد انساناً حيّاً ناطقاً يسود المخلوقات الأرضية جميعها هو قادر على أن يجعل محمداً(ص) قارئاً وإن لم يتعلم القراءة والكتابة. وقال الالوسي في روح البيان في تفسير هذه السورة أن جبرئيل قال للنبي(ص) اقرأ قال وما اقرأ؟ كرر عليه ثلاثاً ثم قال اقرأ باسم ربك الذي خلق. ثم قال بعد ذلك رداً على الآمدي: وأما بناء الاستدلال على ما جاء في بعض الآثار من أن جبرئيل جاء إليه(ص) وقال اقرأ قال ما أنا بقارئ ثم قال بعد ذلك فلا يخفى حاله فتأمل. ثم قال بعد ذلك في قوله تعالى (الذي خلق) لتذكيره(ص) أول النعماء الفائضة من سبحانه مع ما في ذلك من التنبيه على قدرته تعالى على تعليم القراءة بالطف وجه. وقال في قوله تعالى (الذي علّم بالقلم) أي بواسطة القلم لا غيره فكما علم سبحانه القارئ بواسطة الكتابة والقلم يعلمك بدونها. انتهى. وقال في ظلال القرآن في تفسير هذه السورة: روى الطبري باسناده عن عبد الله بن الزبير قال قال رسول الله(ص) فجائني (وأنا نائم) بنمط من ديباج في كتاب فقال اقرء فقلت ما اقرء؟ ثم كررها ثلاثاً... إلى قوله وهببت من فرحي وكأنما كتب في قلبي كتاباً. وهذه الرواية تؤيد ما نقله الالوسي وهذه الرواية واردة عن الإمام الباقر عليه السلام وفهم البعض أن الأمر الإلهي (اقرأ) على نسق كن فيكون أي اوجد فيه القدرة على القراءة وهذا يصح إن لم يكن قبل الأمر عارفاً بها فيكون الأمر تكوينياً ولكن الظاهر من الاستفهام أنه تشريعي فيكون عارفاً بها قبل مجيء الأمر ولو على نحو التعليم ثم الأمر كما فهمه هؤلاء المفسرون وقال في تفسير الميزان في هذه السورة في قوله تعالى (علم بالقلم) فهو قادر على أن يعلمك قراءة وكتابة وأنت أمي وقد امرك بالقراءة ولو لم يقدرك عليها لم يأمرك بها. |
||
لا شك أن الأمور العقلية لها موازين خاصة تدخل تحت عنوان المستقلات العقلية أو اللوازم ومن المستقلات الحسن والقبح العقليان فكما أن العقل يرى قبح الظلم وحسن العدل كذلك يرى حسن المعرفة وقبح الجهل ولا شك عند ذي اللب أن الذي يحسن القراءة والكتابة اماط الجهل بهما عن نفسه ويشعر بلذة المعرفة ومن تاح كل الخدمات لحبيبه وامطر عليه وابل فيضه وحمله اثقل واشرف شيء (إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً) (نزل به الروح الأمين على قلبك) (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله) فاعطاه تلك القدرة على حمله وبعد ذلك كله يمنعه من أمر هو أهل له ولا مانع من حمله فالعقل يرى منع هذا مع عدم داعي للمنع بل يكون المقتضي موجوداً والمانع مفقوداً قبيحاً لا يليق بالجميل منعه عن مظهر جماله. وهذا واضح لا يحتاج إلى إطالة بيان واقامة برهان. وتعيّن بالأدلة القطعية من الكتاب والسنة والعقل. أنه كان يحسن القراءة والكتابة ولكن لم يظهرها برهة من الزمن لمصلحة دفع الذرائع التي يمكن أن يتذرع بها المغرضون. والسلام على من اتبع الهدى. |