|
الحدود |
الوسيلة |
المفهوم |
الشفع خلاف الوتر والوتر فرد والشفع زوج. قال ابن منظور قد تكرر ذكر الشفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة: وهي السؤال والتجاوز عن الذنوب والجرائم. والمشفّع الذي يقبل الشفاعة والمشفّع الذي تقبل شفاعته ـ لسان العرب واقرب الموارد مادة شفع ـ ومَن تَتَبّع موارد الاستعمال لهذه اللفظة يعرف أنها ضم شيء إلى شيء أو ضم شخص إلى شخص ولو اعتباراً كما لو كان محترماً فيشفع لشخص بمعنى يضمه إلى نفسه فيحسبه منه اعتباراً حتى يعامل معاملته أو تقضى حاجته لوجاهته ولقبول قوله عند الآخرين والشُفعة في الأرض كأن يضم الأرض التي لشريكه إلى أرضه أو أرض جاره إلى أرضه. ولعل معنى الشفاعة واضح في كل اللغات التي تؤدي هذا المعنى لكثرة الحاجة إليها في المجتمعات في قضاء حوائجهم وأمور معاشهم فهم يتداولون هذه اللفظة أو ما يراد منها كثيراً في حياتهم فلذا لا تحتاج إلى مزيد توضيح. |
1ـ قل لله الشفاعة جميعاً. 2ـ من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه. 3ـ لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهداً. 4ـ يومئذِ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً (يوم يقوم الملائكة والروح صفا لا يتكلمون إلا لمن أذن له الرحمن وقال صوابا). 5ـ لا يشفعون إلا لمن ارتضى. 6ـ وكم من ملك في السموات والأرض لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى. |
ولا تعارض في آيات الشفاعة، فمرتبة الشفاعة العليا بالذات لله تعالى وليس لأحد شفاعة بالذات: قل لله الشفاعة جميعاً. وكما أن الملك والأمر والقدرة والتصرف والحول والقوة لله تعالى فقط وانه مالكها وله التصرف فيها كيفما شاء كذلك الشفاعة ملكه وله التصرف فيها وكما له تعالى أن يعطي ملكه أو الحول والقوة والقدرة لاحد فكذلك الشفاعة (ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) فالشخص الذي يشهد بالحق وهو يعلم قد ارتضاه الله تعالى للشفاعة (لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) فبعد الإذن الإلهي وارتضاء قوله وكونه صواباً فحينئذٍِ يرضى بشفاعته. حيث قال جل وعلا ( لا يتكلمون إلا لمن أذن له الرحمن وقال صواباً) ويوضحه قوله تعالى ( يومئذٍ لا تنفع الشفاعة إلا من إذن له الرحمن ورضي له قولا) . وهذه الاستثناءات بعد النفي تفيد الإثبات كما عليه أهل العربية فليس لاحد إنكارها لان ذلك خروج عن فهم اللغة ومن خرج عنها عليه أن يعود إليها ومنها يعرف عدم وجود تعارض في الآيات بل لا تشابه فيها لوضوحها فلله تعالى الحاكمية المطلقة والمالكية العامة وليس لاحد بالذات شيء منها بل تكون بتمليك الله تعالى وإذنه ورضاه. |
الشفاعة من النواميس الإلهية كبقية الأمور العائدة لله تعالى وليس في جعلها لاحد خرق للقوانين الإلهية كيف تكون خرقاً وهو إذن فيها وارتضاها وجعلها فإنكارها موجب للقول بعدم الاختيار الإلهي وعدم إرادته ومشيئته المطلقة وتحديد لها وهو قول باطل وقد قال تعالى فيما يشابه ذلك ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفّر عنكم سيئاتكم) وقال جل ذكره ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) بل قد يكون تصرفه اكثر من ذلك حيث قال جل وعلا ( فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات) وكما قد تدفع السيئة أو تبدل كذلك قد تتضاعف الحسنات (أولئك يؤتون أجرهم مرتين) بل قد يكون كما قال جل شأنه ( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) فله تعالى أن يفعل ما يشاء وكيف يشاء ( لا يُسئل عما يفعل وهم يسئلون) فليست الشفاعة خرقاً للنواميس الإلـــهية بل هي منها داخلة في ملكه وتصرفه. والشفاعة المنفية في القرآن الكريم هي المستقلة عن الله تعالى والثابتة هي ما كانت بتمليكه واذنه ورضاه. فما أشكل على الشفاعة من اشكالات ناتج عن عدم فهم آيات الذكر الحكيم ومع التدبر فيها لا يبقى إشكال وإن فرض وجود متشابه فيها فيمكن إرجاعه إلى المحكمات منها وبذلك يحل الإشكال المتصور. فأصل الشفاعة ثابت في القرآن الكريم لله تعالى بالذات ولمن ملكه الله تعالى من ملك أو نبي أو مؤمن صالح على ما سيأتي التفصيل فيه مسنداً بالروايات الشريفة. |
كثيراً ما نرى في المجتمعات كلها أن الشفاعة جارية في القوانين الوضعية إذ قد يحصل التصادم والتعارض وعدم التلائم بين القانون وبين مصالح بعض الأفراد فيخالف القانون ولاجل أن لا يعاقب يلتجئ إلى الشفاعة في القانون مثل من شمله قانون الضرائب والدفع مضر بحاله أو المقدار مجحف به يلتجئ إلى إسقاطه أو تقليله إلى الوسائط. وكذا من يريد بناء عمارة لا يقبل القانون بالهندسة أو المقدار الذي يريد بناءه فيلتجئ إلى حيلة ووساطة في ذلك لكي يمكنه الاستمرار في عمله وفق مصلحته. فالشفاعة في هذه القوانين تكون لأجل دفع ضرر أو جلب منفعة وقس على ذلك من الأمثلة في المجتمع كلاً حسب حاجته. |
لا يخفى على من عاشر المجتمعات التي يسودها الحكم العشائري أو سمع بها من وجود الشفاعة فيها لأجل الفصل والقضاء بين النزاعات ويكون ذلك بواسطة شخص محترم وهذا المعنى جارٍ أيضاً في الحواضر المدنية خصوصاً في المشاكل التي لا تستدعي الذهاب إلى المحاكم لأي سبب كان. وكثيراً ما تقع في الأمور العائلية من الخلافات التي تلتجئ الأسر فيها إلى هذا النحو من الفصل وكثيراً ما يحصل الفصل بخلاف القوانين الوضعية أما بإسقاط الحقوق أو العقوبات تماماً، اكثراً أو بعضاً وليس ذلك معناه عدم صحة القوانين بل قد يكون على سبيل العفو والصفح عن الفرد أو لأجل احترام شفيع ذي وجاهة في المجتمع. |
لابد أن يكون الشخص المشفوع له لائقاً للشفاعة بنحو يستوجب ذلك كما لو كان خروجه عن القانون والتمرد عن غفلة أو جهل أو لسوء حالٍ أو لغلبة شهوةٍ غير مصرٍ على التمرد بل نادماً على ما صدر عنه غير جاحدٍ لمولوية المولى وحينئذٍ يأتي دور الشفاعة لتجبر ما كسر وتكمل الأسباب ليكون الفرد وكأنه قد سار على نهج القانون ويعفى عنه. |
ولا يتوسل الشفيع إلى الشفاعة بإنكار مولوية المولى ولا أن يطلب منه ترك مولويته أو انكار مقام العبودية للعبد بل يطلب منه أن يرفع اليد عن العبد الذي يستحق العقوبة لا أن ينسخ حكمه عموماً أو في خصوص ذلك الفرد ولا أن يبطل قانون العقوبات بل لا تجري الشفاعة في هذه الأمور وإنما يتوسل الشفيع بصفات في المولى توجب العفو والصفح مثل أن يذكر كرمه وسخاءه أو رأفته ورحمته أو يتوسل بصفات في العبد توجب العفو عنه كمذلته ومسكنته وحقارته وسوء حاله أو أن يقبض على كريمته ويتوسل بجاهه ومقامه عند المولى فلأجل كرامته وقرب مقامه ومنزلته تحصل الشفاعة. |
كما تجري الشفاعة في الأمور الدنيوية وفي القوانين الوضعية وغيرها فكذلك في الآخرة بإسقاط العقاب أو تخفيفه بل تجري في الدنيا فيما يرتبط بالقوانين الإلهية بتوسط الأسباب المعهودة شرعاً كما إذا حكم على شخص بالسجن وتوسل بالله جل ذكره فيمكن خلاصه بالدعاء والتوسل وهذه الشفاعة نحو من توسيط الأسباب وقد قال جل شأنه ( واستعينوا بالصبر والصلاة) وقد ذكر العلماء أنواع من الذكر والدعاء تؤثر على التربية والزرق والخلاص من السجن ودفع البلاء والأمراض ونزول المطر وغير ذلك من بلاء الدنيا أو جلب الخيرات بل ذكرت أمور من الصلوات والأعمال للخلاص من ضيق اللحد أو ضغطة القبر أو غير ذلك وخصوصاً في خواص الأسماء الحسنى قال تعالى ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها) وهذه شفاعة بأسمائه الحسنى حتى أن كثيراً من الكرامات تجري عن هذا الطريق. |
قد يستفاد من بعض آيات الذكر الحكيم وجود شفاعة كونية بمعنى توسيط الأسباب الكونية للوصول إلى المسببات كما يفهم من قوله تعالى ( له ما في السماوات والأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه) حيث ذكرت الشفاعة مع الأمور الكونية وكذا جاء في قوله تعالى ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه) فالشفاعة هنا بعد تدبير الأمور تكون في حدود الأمور التكوينية. والشفاعة هنا هي نهج الأسباب للحصول على المسببات. |
ليست الشفاعة من الأمور المحالة أو وجودها يوجب المحال بل من الأمور الممكنة وقيل أن العقل يدل على إمكان وقوعها لاعلى وقوعها حيث لا وسيلة للعقل ولا مسرح له في ذلك نعم لو قيل أنها من مصاديق اللطف وإنها واسطة من الوسائط التي تقرب العبد إلى الله مع الصفح والتجاوز عنه وتوجب له الوصول إلى الكمال لكان العقل دالاً على وقوعها من هذا الباب أيضاً والتفصيل موكول إلى محله. |
قد يقال أن الوعد بالشفاعة يوجب تجري العبد على المعصية ويغريه على هتك حرمة المولى وهو نقض لغرض بعث الأنبياء حيث يريدون منهم الطاعة والدوام عليها وعدم ارتكاب المعاصي فكيف يعدوهم بالشفاعة التي تنتج خلاف ذلك؟ وجوابه أن الوعد بالشفاعـــة كالوعد بالمغفرة والرحمة والدعوة إلى عدم القنوط واليأس من رحمة الله ورَوْحِه كما قال تعالى ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وكقوله جل شأنه ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) فكما وعد بالمغفرة وعد بالشفاعة هذا أولا. وثانياً: أن التجري يأتي من الوعد لكل فرد على كل ما عمل وليس هذا حاصلاً هنا ومع عدم العلم هل تقبل الشفاعة في حقه وهل يختم له بالخير والإيمان أو لا. فكيف يقدم على هتك المولى مع انه تعالى قال لهم ( وكانت عاقبة الذين اساؤوا السوءى أن كذبوا بآيات الله) وكل فرد يامل الشفاعة ويخاف ذنبه وليس آمناً من مكر الله جل وعلا إلا إذا أمنه الله تعالى يوم الفزع الأكبر وعليه فلا يلزم من ذلك إغراء بالمعصية كما توهم. |
1ـ قد يقال أن الشفاعة لبعض الأفراد توجب ضياعاً لحقوق الآخرين كما لو شملته الشفاعة مع انه مطلوب لجماعة أو فرد أخر بحقوق شرعية فلابد أن يتغاضى عنه في الحساب فإذا شُفع له تركت الحقوق ويوجب ذلك ظلماً لأصحاب الحقوق. وجوابه إذا عرفنا المالكية المطلقة لله تعالى فهو يملك العبد وما يملك وله التصرف في العبد وهو أولى به من نفسه فله تعالى التصرف في ملكه ومملكته فقد قال جل شأنه عن جماعة ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً) مع انه ( ولا يظلم ربك أحدا) فله أن يضاعف حسنات ذوي الحقوق لأجل إسقاط حقهم وله اخذ الحقوق منهم مقابل عفوه عنهم أو مقابل كرمه الدائم والخلود الأبدي الذي لا يستحقونه وتأتي الإشارة إلى توضيحه في الروايات. 2ـ قد يقال انه تعالى قال ( فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً) وقال ( إن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) فالقوانين والسنن الإلهية جرت على معاقبة العصاة والطغاة بالنار وجوابه: إن ذلك تمسك ببعض الكتاب وترك للباقي فكيف تكون الشفاعة خروجاً عن السنن الإلهية وقد ذكرها الله تعالى في كتابه واثبتها فهي أيضاً من النواميس الإلهية وابطالها موجب لتقييد القدرة الإلهية وتحديد دائرة التصرف والاختيار الإلهية ورفضها رفض لبعض آيات الذكر الحكيم ( افتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) . 3ـ قد يقال آيات الشفاعة متشابهة وغير واضحة. وجوابه إذا تنزلنا وقلنا ذلك فهناك آيات محكمات ترجع إليها المتشابهات ويتضح بذلك معناها. |
لا تنفع الشفاعة ولا تجري ولا تشمل جماعات وطوائف منهم المشركون والمنافقون والكفار ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) وقال جل ذكره حاكياً عنهم ( فما لنا من شافعين) وكذا لا تجري في تاركي الصلاة وما نعي الزكاة والذين يتبعون كل ناعق فقد حكى جلّ ذكره عند ما يسألون ( ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين) وقال عن المنافقين ( في الدرك الأسفل من النار) واما غيرهم فيمكن جريان الشفاعة في حقه ( قل ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً) ومن الرحمة التي لا يقنط منها الجميع هي الرحمة المهداة التي قال(ص) ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي كما تلقت الأمة هذا الخبر بالقبول. وبذلك عرفنا حدود الشفاعة وعدم تعديها وشمولها للكفار وما ذكرنا من الطوائف الأخرى ومن الذين لا تشملهم الشفاعة المنكرون لها كما في الحديث الشريف عن الصدوق في الامالي والعيون عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله(ص) من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي. |
لا شك أن الشفعاء هم الذين ارتضاهم الله تعالى ورضى لهم قولا واذن لهم في الشفاعة وهذا عنوان عام وابرز مصاديقهم الأنبياء والملائكة حيث قال جل ذكره ( وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى) ومن يليهم من الشهداء بالحق كما قال عزّ ذكره ( إلا من شهد بالحق وهم يعلمون) وفي الروايات مزيد توضيح فننقل منها شواهد. 1ـ ما جاء في خصال الصدوق رحمه الله بسندة عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله(ص) : ثلاثة يشفعون إلى الله تعالى فيشفعون الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء. ولعل هذا الحديث يبيّن أعلى مراتب الشهداء دون الحصر 2ـ عن الصدوق رحمه الله بسنده عن أمير المؤمنين عليه السلام انه قال لنا شفاعة ولأهل مودتنا شفاعة. 3ـ ونقل العلامة المجلسي عن فردوس الديلمي عن النبي(ص) انه قال الشفعاء خمسة القرآن والرحم والأمانة ونبيّكم وأهل بيته. 4ـ وفي علل الصدوق بإسناده عن أبي عبد الله(ع) إذا كان يوم القيامة بعث الله العالم والعابد فإذا وقف بين يدي الله عز ذكره قيل للعبد انطلق إلى الجنّة وقيل للعالم قف تشفع للناس بحسن تاديبك لهم. وقد جاء في أحاديث أخرى أن شهر رمضان يحشر يوم القيامة على احسن هيئة ويشفع وكذا بعض الأعمال تتجسد يوم القيامة كإدخال السرور على قلب المؤمن وغيرها وتشفع للإنسان في عرصات وظلمات القيامة ومن الشفعاء السقط كما جاء في الروايات يقف محبنطئاً على باب الجنة فيقال له ادخل فيقول لا حتى يدخل أبواي. |
1ـ نقل الصدوق في الامالي بسنده عن الصادق(ع) من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا المعراج والمسألة في القبر والشفاعة. والظاهر انه ليس المراد إنكارها جميعاً مقابل إنكار أحدها موجب للخروج عن ذلك كما جاء في روايات أخر. |
من مراجعة المجتمعات الإنسانية والقوانين الوضعية التي وضعت لسعادة البشر ولتسيير أمور معاشه نرى انه قد لا تتلائم القوانين والأحكام الوضعية مع مصالحه فلذا يلتجئ للهروب منها إلى الحيلة مع احترامها ظاهراً لان الكل يعترف انه لولا القوانين لاشتد الهرج والمرج وعمت الفوضى ولفقد الناس سعادتهم الظاهرية ولعاشوا كوحوش الغاب، وباحترام القوانين تسود السعادة البشرية ومع ذلك فقد لا تتلائم بعض القوانين مع المصالح الشخصية لبعض الناس فلذا تأتي مرحلة الشفاعة وليست الشفاعة هنا إسقاطا للقانون عن الجميع وعدم احترامه بل استثناءاً لبعض الأفراد ويصح إطلاق الشفاعة هنا فكذلك في الشريعة تكون مع حفظ القوانين واحترامها لكن قد يستثنى البعض لجهات خاصة كما أشرنا سابقاً. نعم قد يتصور البعض أن الشفاعة في الآخرة توجب اتكال الفرد عليها مما يؤدي للطغيان والتمرد على القانون فكل ما يفعله جائز له بحجة أن شفاعة يوم القيامة مدخرة له ولا شيء عليه من الحساب كما قد يقال عن لسان بعض أهل الديانة المسيحية أن عيسى بن مريم(ع) قد عبد ربه وصلى وصام من أجلنا وصلب من أجلنا فلذا رفع عنا التكليف فلا نحتاج إلى أداء التكاليف وقد يكون بعض هذه الأمة له هذا التصور وهو تصور خاطئ تنهى عنه الشريعة الغراء فلم ينقل عن النبي وأئمة الدين انهم قد اسقطوا عنا العبادة بل حذرونا كل التحذير من الاتكال على الشفاعة وقد جاء في وصاياهم: (لا تنال شفاعتنا مستخفاً بصلاته) بل قد نقل عن أمير المؤمنين(ع) انه قال (إن من شيعتنا من لا تناله شفاعتنا إلا أن يعذب في النار ثلاثمائة ألف عام). فلا نفهم الشفاعة فهما خاطئاً فهي من القوانين الإلهية التي لها أحكامها وحدودها كالوعد بالمغفـــرة والتوبة وغيرها فلذا جاءت الشريعة بقوانين واحكام للقضاء وحدود وتعزيرات وجاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والترغيب والترهيب كل ذلك حفظاً للنظام الاجتماعي وارشاداً للسعادة الأبدية والتخلف عنها تخلف عن السعادة، والمتأمل في حياة النبي(ص) يرى كيفية الحرص على تطبيق الشريعة وكذا أمير المؤمنين ولذلك سادت الشريعة على البشرية وكلما ابتعد الحكام عن الإسلام وقوانينه كلما أوجب لهم الذل والابتعاد عن الفضائل حتى طغت السياسات الغربية والخارجية على سياساتهم ودمرتهم واستعمرتهم وآل أمرهم إلى ما آل إليه. |
فكما أن هناك شفاعة عامة كذلك هناك شفاعة خاصة لبعض الأمة كما جاء في بشارة المصطفى لشيعة المرتضى، عن الرضا عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله(ص) أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة المكرم لذريتي والقاضي لهم حوائجهم والساعي في أمورهم ما اضطروا إليه والمحب لهم بقلبه ولسانه. |
نقل الصدوق في العيون بسنده عن الرضا عن آبائه(ع) عن أمير المؤمنين(ع) قال إذا كان يوم القيامة وليّنا حساب شيعتنا فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين الله عز وجل حكمنا فيها فاجابنا ومن كانت مظلمته فيما بينه وبين الناس استوهبناها فوهبت لنا ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنا أحق من عفا وصفح. ولعلهم(ع) يطلبون من أصحاب الحقوق العفو مقابل درجات أخرى في الجنة فيطمعون في ذلك ويعفون فلا يكون هضم لحقوقهم. |
1ـ تفسير القمي بسنده عن أبي جعفر الباقر(ع) ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلى شفاعة محمد(ص) يوم القيامة. 2ـ وفي المحاسن بسنده قال: قال رجل لأبي عبد الله(ع) إن لنا جاراً من الخوارج يقول أن محمدا يوم القيامة همه نفسه فكيف يشفع فقال أبو عبد الله(ع) ما من أحد من الأولين والآخرين إلا وهو يحتاج إلى شفاعة محمد(ص) يوم القيامة. ولعله يوضح هذا المعنى نقل منظر من مناظر يوم القيامة كما جاء في 3ـ تفسير القمي بسنده عن سماعة عن أبي عبد الله(ع) قال: سألته عن شفاعة النبي(ص) يوم القيامة قال: يلجم الناس يوم القيامة العرق (ويرهقهم القلق) فيقولون انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا (عند ربه) فيأتون آدم فيقولون اشفع لنا عند ربك فيقول أن لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح فيأتون نوحاً فيردهم إلى من يليه ويردهم كل نبي إلى من يليه حتى ينتهون إلى عيسى(ع) فيقول عليكم بمحمد(ص) فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول انطلقوا فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمن ويخر ساجداً فيمكث ما شاء الله فيقول الله عز وجل ارفع رأسك واشفع تشفع وسل تعط وذلك قوله ( عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) . 4ـ ونقل العياشي عن جعفر بن محمد(ع) انه قال: ما من نبي من آدم إلى محمد صلوات الله عليهم إلا وهم تحت لواء محمد(ص) . إلى غير ذلك من الروايات. وهذه الروايات لا تنافي كون الأنبياء لهم شفاعة إذ شفاعتهم بعد أن تشملهم الشفاعة المحمدية(ص) ثم هم بدورهم يشفعون لأممهم ثم الشفعاء كل يقوم حسب مرتبته ومن هذه الروايات يعلم انه تعالى يأذن أولا للنبي في الشفاعة للأنبياء ثم يرضى شفاعة الأنبياء والأولياء والشهداء وغيرهم من الشفعاء بعد قبول الشفاعة فيهم. |
جاء في تفسير فرات بن إبراهيم بإسناده عن الصادق(ع) قال: قال جابر لأبي جعفر(ع) جعلت فداك يابن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة إذا أنا حدثت الشيعة فرحوا بذلك قال أبو جعفر(ع) : حدثني أبي عن جدي عن رسول الله(ص) قال: إذا كان يوم القيامة نصب للأولياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلى منابرهم ثم يقول الله يا محمد اخطب فاخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في اوساطهم منبر من نور فيكون منبره أعلى منابرهم ثم يقول الله يا علي اخطب فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لا بنيّ وسبطيّ وريحانتيّ أيام حياتي منبر من نور ثم يقال لهما اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام أين فاطمة بنت محمد؟ أين خديجة بنت خويلد؟ أين مريم بنت عمران؟ أين آسية بنت مزاحم؟ أين أم كلثوم أم يحيى بن زكريا؟ فيقمن فيقول الله تبارك وتعالى يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين لله الواحد القهار فيقول الله تعالى: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة، يا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس وغضوا الأبصار فان هذه فاطمة تسير إلى الجنّة فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة... حتى يصيّروها على باب الجنّة فإذا صارت على باب الجنّة تلتفت فيقول الله يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد امرت بك إلى الجنة؟ فتقول يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم فيقول الله يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حب لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فادخليه الجنة. قال أبو جعفر(ع) والله يا جابر إنها ذلك اليوم تلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديء فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا يقول الله يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟ فيقولون يا ربنا أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم فيقول الله يا أحبائي ارجعوا وانظروا إلى من احبكم لحب فاطمة انظروا إلى من أطعمكم لحب فاطمة انظروا إلى من كساكم لحب فاطمة انظروا إلى من سقاكم شربة في حب فاطمة انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة فخذوا بيده وادخلوه الجنة فقال أبو جعفر والله لا يبقى في الناس إلا شاك أو كافر أو مشرك أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى ( فما لنا من شافعين ولا صديق حميم) فيقولون ( فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين) قال أبو جعفر(ع) هيهات هيهات منعوا ما طلبوا ( ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وانهم لكاذبون) ـ إلى غير ذلك من الروايات التي لا يسع المجال لنقلها. |
قال الطبرسي في مجمع البيان في الآية 49 من سورة البقرة عن الشفاعة: وهي ثابتة عندنا للنبي(ص) ولأصحابه المنتجبين وللأئمة من أهل بيته الطاهرين ولصالحي المؤمنين وينجي الله تعالى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين ويؤيده الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول وهو قوله(ص) ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي وما جاء في روايات أصحابنا مرفوعاً عن النبي(ص) انه قال اشفع يوم القيامة فاشفع ويشفع علي فيشفع ويشفع أهل بيتي فيشفعون وإن ادنى المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه كل قد استوجبوا النار ولعله إليه يشير قوله تعالى ( الاخلاء يومئذٍ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) فان الله تعالى يرتضي شفاعتهم ودينهم دون المنحرفين عن أهل بيت النبي(ص) لا يرتضيهم الله كما جاء عن الرضا(ع) (أنه ارتضى دينه) وكما في المحاسن بسنده عن الصادق(ع) انه قال: أن الجار ليشفع لجاره والحميم لحميمه ولو أن الملائكة المقربين والأنبياء والمرسلين شفعوا في ناصب ما شُفّعوا. لان الله تعالى لا يأذن ولا يرتضي هذه الشفاعة. وقال النووي في شرح صحيح مسلم قال القاضي عياض: مذهب أهل السنّة جواز الشفاعة عقلاً ونقلاً ووجوبها سمعاً بصريح الآيات والخبر الصادق وقد جاءت الآثار التي بلغت مجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين واجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها. هذا والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً. تنبيه: الأحاديث التي نقلناها عن الكتب منقولة عن البحار ج8 باب الشفاعة. |
|