اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ      العدد 44        محرم  1421       نيسان 2000

 

 

التأسيسات النهضوية في أروقة

 

السبيل الى انهاض المسلمين

احمد البدوي   

ضرورة الوعي الخارجي

الهدم والبناء

إسلامية التوجيه

أين تقع الأمة، في خضم الصراع بعد هذا النسق الطويل للرسالة زمنيا وبكل التشكلات الحضارية التي مرت بها، ومفارقها، وإزائيتها وأزماتها هنا وهناك.

كل ارتقاء بلا شك يشكل حلاّ لسكونية زمنية أو خوار أو انهواء في قعر ما أو انعطاف صنف عن جادة الصراط المستقيم الذي رسمته الرسالة، وهذا الحل يمثل تحديد الأزمة بادئا بكل أبعادها الذاتية (الداخلية) والمتاخمة (الخارجية).

الأزمة الذاتية، تمثل المنهج والمضمون للهوية والتراث، فالمضمون الإسلامي في رسالته، باليقينية المعرفية والإيمانية التي تحدها من كل جانب في طاقتها الحضارية إلا أن البعد البشري للعقل الذي توالى بالاشتغال على النص المقدس، قد يملك تراكمات السنين السياسية بأوج بؤرة ألقت بظلالها على النتاج الثقافي.

كذلك هناك أبعاد منهجية، وهي السلوك العلمي للنخبة المسلمة في استلهام واستثمار الأفكار الرسالية على طول الخط وتعرجاته، حيث أن الحاجة تتوالى عمودياً وأفقيا، زمنياً ومكانيا. وهذا يفرض الخوض مع معرفية الزمان والجيل، وكدح عقلي متجدد، في ارسالة النظرية الإسلامية على الواقع.

أما الأزمة الخارجية، فهي التحديات التي تواجه الرسالة تاريخياً، فكما ينبثق الصراع فردياً في وجهة ما التي تعرفها البشرية مذ بدأت، فكذلك تتشكل عادة بين الأيديولوجيات وهو جزء من الصراع التاريخي بين الحق والباطل. فهناك جهد كبير يبدل في دوائر الغرب والمنعطفين في جنف ما في عملية الاختراق الثقافي واختراق ذات الجيل لصنع الإفلاس الشبيبي لانكاس وحصر الأنا مع هذه الأزمات والانتكاسات التي لاحقت المسلمين. شكل القرن الأخير وعي متجدد.. حاول نزع الثوب القديم والخروج إلى الحياة لتوجيهها إسلاميا. ومن ذلك الهم الرسالي الذي خرج في كتابات آية الله العظمى السيد محمد مهدي الشيرازي. وبالذات الخصوصية المعرفية في أسس النهضة في كتابه (السبيل إلى إنهاض المسلمين) والذي نتعامل به الآن هو طبعته السابعة. الصادر في بيروت عام 1994.

الكتاب إسلامي معرفي لهموم العالم الإسلامي، ومنهج تأصيلي للحياة في جل مناحيها والأسس النهضوية المفروض إقتداؤها من المسلمين، ولذا سنحاول أن نركز (كقراءة فكرية) على أسس النهوض في فكر سماحته.

يرى الإمام الشيرازي انه مع هذا الكم الهائل (ما يقارب الفي مليون مسلم) الآن إلا انه نجدهم مبعثرين، جغرافياً وإقليميا، ولغوياً، ويعيشون تحت سيطرة الاستعمار والاستغلال. أما قوانينهم فقد أصبحت وضعية بعد ما كانت إلهية(ص11). ويدخل إلى سبب الأزمة في قوله: وإنما أصابهم هذا التبعض والتشتت لعدم اتخاذهم الإسلام منهجاً عملياً في الحياة(ص12). ويستشهد بآية ( ومن اعرض عن ذكري فان له معيشة ضنكا) ويعتبرها سنة في الانهيار على وجه رؤيته السابقة.

حينما يلج سماحته إلى الأزمة وأفق علاجها يرى أن في طليعة الأسس المهمة التي يتكأ عليها في نهضة الأمة هي: نشر الوعي الإسلامي فعلى كل مسلم أن ينشر الوعي الإسلامي العقائدي والاقتصادي والسياسي والشرائعي والاجتماعي والتربوي والعسكري والزراعي والصناعي والاستقلالي(ص16).

فلم يركز السيد على بعد من أبعاد الحياة دون آخر، وهذا يدل على مدخلية تلك الأبعاد الأخرى في صنع النهضة.. فكما للعقيدة دور فللاقتصاد دور في نهضة المجتمع واستقراره وهذا ما أكد عليه الإسلام في عدة مواضع رسالية. وكذا للتربية (ومنهج الروح) وللجيش وعنوانه في بعد الأمن وإرهاصات الثغور. وكذا لمفهوم الاستقلال وخصوصيته الانطلاقية وبأي واسطة (التي نجد بها الوجه العصري للعلاج) يرى سماحته ذلك بواسطة الإذاعات والصحف والمجلات والنوادي والكتب والمؤتمرات وغيرها. ويقول سماحته في توجيه اكثر في قضية الكتاب ودوره على خط التوعية: إننا لو طبعنا ألف مليون كتاب ووزعنا هذه الكتب في كل البلاد الإسلامية فستكون حصة كل فرد مسلم كتاباً واحداً. وهذا أقل الواجب في سبيل التوعية(ص16)0

ويعرج سماحته على منهجية العدو (على طريقة اعرف عدوك) ومن منطلق الإيقاظ على ما نحن فيه يقول: لقد أذاع راديو إسرائيل أن الكتب التي وزعت داخل إسرائيل بلغت ما يقارب خمسة عشر مليون كتابا في سنة واحدة ومعنى هذا أن كل إسرائيلي حصل على ما يقارب خمسة كتب من الطفل الصغير إلى الشيخ الكبير، فإسرائيل تعطي لشعبها الفكر المنحرف الظالم، وتكرس الجهود للمزيد من التسميم الفكري، فلماذا لا نفعل مثل ذلك بالفكر الواعي لأجل ألف مليون مسلم ونحن أصحاب حق؟(ص17)0

ويلاحظ واضحاً الوجهة التأنيبية لترك النظام والمنهجية الراكزة التي هي اصل إسلامي قبل غيره، والغير يتعامل بها ونحن على غير ذلك. وهذه الانتباهة تدل على الإطار الحديث للمرجعية الإسلامية في وعيها الزماني والمكاني وعدم الانغلاق والاطلاع بل ملاحقة ما يدور هنا وهناك.

إسلامية التوجيه

ثم يعود سماحته ليؤسس رؤاه إسلاميا، في نهج النهضة بزاوية الكتاب والثقافة وفضائها والعلم وكينونته، كأس نهضوي، ولا يترك الأمر رأياً مجرداً. فنراه يقول: إن أول سورة نزلت في القرآن ـ على المشهور ـ سورة (اقرأ) وسنةً قال الرسول الأكرم(ص) (طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة) وما قاله الإمام الصادق… : (لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقهوا) والتفقه بمعنى التفهم وأحد جزئياته فهم الحياة، ونرى هنا الطريقة التي تناولها سماحته في فهم النص، وذاك عند كلمة (التفقه) فهو لم يحصرها بالمعنى الاصطلاحي في استنباط الأحكام الشرعية في أدلتها التفصيلية، وانما الوعي بتشكلات الحياة زمانياً. وهذا ما عرف عن سماحته في مراقبة الصحافة العالمية حتى في مكانه (قم) التي لا يصلها هكذا إعلاميات وفي مختلف الظروف واحلكها (على ما عرفته من أحد الثقاة) وكذا مع الانترنيت والاطلاع على ما يدور في الدنيا شرقها وغربها، وترقب أوضاع المسلمين.. في كل بلاد الأرض وللأسف هذا ما نراه يشكل أزمة جداً مهمة في وعي ما يدور في العالم عند البعض. وهذا ما يفضي إلى حالة حوزوية يستثمرها الأعداء.

ويقارن سماحته وهذا يدخل في (الأزمة الخارجية) التي تناولناها في مقدمة المقالة لقضية الصراع بين الأيديولوجيات. فهو يتأسف في انه لماذا ترجم كتاب (ماوتسي تونع المسمى بالكتاب الأحمر) إلى أربعمائة لغة رغم عدم مرور حتى نصف قرن على تاريخ انتشار (الماركسية المادية).

وفي المقابل نرى أن القرآن الكريم ورغم مرور زهاء خمسة عشر قرناً على نزوله على نبي الإسلام (ص) لم تتجاوز ترجماته الـ(230) ترجمة! كما ذكره بعض المطلعين، ويتأسف: لماذا تركنا التوعية (كأس نهضوي) في حين تمسك بها الآخرون(ص17). لقد تركنا توعية الناس ونشر المعارف الإلهية فتأخرنا وقام المبطلون والمنحرفون بنشر أفكارهم فتقدموا، وتلك هي سنة الله في الحياة(ص18). هذه الإشكالية نلاحظها بارزة جداً.. في أزمة المراكز الإسلامية وجامعاتها.. حيث أن التوعية ركزت في مكان معين وتركت باقي البقاع بل من الألم المؤسف ما نراه أن محافظات وديارا قريبة من المراكز الحوزوية مرت عليها أجيال.. وهي لا تعرف معالم دينها، وهذا ما تألّم له الإمام الشيرازي وركز عليه واعتبره في طليعة الأسس التي تركت منّا نحن المسلمون وهي سنة من الله تجري في الحياة مع التوجيهات الكبيرة إسلاميا فلا حجة لدينا أمام ذلك.. ألم يقل جلّ وعلا ( فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين، ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون) .

وارتأى سماحته أن إقامة الحكومة الإسلامية يتحقق بهذا البعد الثقافي. ثم يعرّج على آية كريمة يستشف منها أفقا يزخر بمعرفية الثقافة واسها، فهو يتناول(ص18) آية: ( إن إبراهيم كان أمّة) ويقول إن الله تعالى يعتبر إبراهيم… أمة وسبب ذلك هو رشده الفكري كما قال تعالى: ( ولقد آتينا إبراهيم رشده) .

ولهذا لابد من شكلية (يرتئيها سماحته) شكلية جهاد بالقلم واللسان وبمختلف وسائل الإعلام العصرية المؤثرة. ويعتبر ذلك افضل من جهاد المعركة ثم يرسخ الرؤية إسلاميا بالحديث الشريف: (مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء) ويحلل عقلياً لماذا هذه الفائقية تنطلق من كون القلم واللسان سبب تحرك الناس نحو الجهاد في ميادين القتـــال، إضافة إلى انهما هما اللذان يحفظان الشريعة ويحافظان على مكتسبات الجهاد في المعارك.

الهدم والبناء

حينما ابتدأنا في انبغائية دراسة الأزمة الذاتية والخارجية، انطلقنا من عقلائية أن الحل والعلاج يبدأ بعد اكتشاف المرض والخلل، من هذا أيضاً انطلق السيد في تأسيس خطاه. على المذهب العقلائي كما هو في منهجه الاستدلالي المعرفي سيما الفقهي. حينما يناقش مسألة الذهنية الإسلامية أو بالأحرى الشخصية الإسلامية بشكل عام فيرى أن هنالك مرحلتين لبناءها وهما الهدم والبناء. أما الهدم فهو الآلية الموجهة للثقافات الاستعمارية الغازية، وهدم البنى الفكرية المستوردة(ص22)0 ويدخل إلى البعد العقلائي العلاجي في وجوب معرفة الأمراض الكامنة في جسد الأمة الإسلامية، ومعرفة كيفية تحقق الهيمنة الاستعمارية علينا، وما هي خططه ومؤامراته التي يحركها ضد الإسلام من وراء الكواليس، وذلك لان الإنسان ما لم يعرف المرض لا يستطيع معرفة العلاج، وكذلك علينا معرفة أسباب تخلفنا، وعلل استعمارنا واستغلالنا وعوامل سيطرة الدكتاتورين والعملاء علينا، واسباب تبعض المسلمين وتشتتهم إلى دويلات متناحرة.

ولمعرفة الحلول والأجوبة علينا أن نعــرف السياسة الإسلامية، كيف هي وكيف تطبق في الظروف الحــاضرة؟ والاقتصاد الإسلامي، والاجتماع في الإسلام، والزراعــة، والتجارة، والصناعة، والجيش، والحرب والسلم، والعلاقات الدولية، والأحلاف والمعاهدات وتحقيق الحرية، وتوزيع القدرات في مراكزها الطبيعية (ص22)0

إذن هناك منطلقات وابعاد تتشعب بقدر شعب الحياة الأساسية ولهذه الأبعاد لابد ان تكون أسس تؤصل من الإسلام ومعرفة حكمه فيها ليكون للموقف والقضية غطاءاً إسلاميا... لضمان صلاحه وتوائمه مع الطبيعة البشرية.

فلكل واحد منها أسلوب وطريقة خاصة في الإسلام يجب معرفتها على قول سماحته والاهم في قوله ويجب معرفة كيفية تطبيقها في الزمن الحاضر (ص21)0وهذا من أهم الأسس والانتباهات التي لابد أن تراعى وهو حيثية العصر ومعرفية التطبيق بكيفية تعطي للإسلام صورته الناصعة.

يرى سماحته أن سبب عدم قيام تشكل إسلامي كحكومة مثلاً مع كل هذه النهضات التي خرجت من حركة السنوسي في ليبيا إلى الإمام الميرزا محمد تقي الشيرازي، بسبب أن الأمة كانت تعتمد على الجزء السلبي فقط، أما الجزء الإيجابي في طرح برنامج متكامل بديل متكامل فلم يكن مطروحاً ، أو كان ولكن لم يخرج إلى حيّز التنفيذ(ص22).

ويحاول الرجوع إلى صفحات التاريخ وأروقته وأحداثه في استلال علل حركة الأحداث في قضية الحكم الإسلامي ودولته.

فتساءل لماذا المسلمون الذين تحركوا لإسقاط الحكومة (اليتوقراطية) الأموية لم يجعلوا الحكم في أيد أمينة، ويعلل ذلك في أن المسلمين آنذاك لم يكن لديهم وعي إسلامي كامل، فتصوروا أن أبا مسلم الخراساني وأبا سلمة الخلال والمنصور والسفاح وأشباههم لو استلموا الحكم فستمطر السماء ذهباً، ولم يفكّروا انّ الخلافة من حق الإمام المعصوم… وهو أجدرُ الناس بها(ص23) هذا من جهة ومن أخرى: لم يفكروا أن القدرات لو تجمعت بيد شخص أو حزب واحد أو عائلة واحدة لاستأثروا بها ولأسكرتهم كما أسكرت الذين من قبلهم قال الله تعالى: ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى) وكذا يؤسلم الموقف العقلائي نصياً في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين… (من ملك استأثر) أليس ذلك لعدم الوعي(ص23) والا الانسياق وراء حقائق العقل ولافتاته يفضي غالباً لمناهل الحيوية الاجتماعية في كل أبعادها الحضارية.

ضرورة الوعي الخارجي

من الخطى المهمة في مسيرة التوعية للذهن الإسلامي وفعله هو الخروج عن نطاق البقعة الجغرافية للمسلمين وعدم الوقوع في التحجيم السلبي.. ولابد من إيصال هذا الوعي إلى ابعد مدى ممكن للمسلمين في العالم خارج إطار الشرق.. والا لو تُرك أولئك فانهم بلا شك ينماثون ويذوبون في بوتقة الوجهة الأيديولوجية التي تتأطرها تلك المجتمعات.

يرى سماحته من الضروري نشر الوعي الإسلامي في البلاد الأجنبية باعتماده على دعامتين.

الأولى: تثقيف المسلمين المتواجدين في تلك البلاد بالثقافة الإسلامية وتعليمهم كيفية التبليغ للإسلام.

ثانياً: إيصال صوت الإسلام إلى الكفّار عبر محطات الإذاعة المخصصة لهذا الغرض وبكل اللغات، وكذا عبر المجلات والجرائد والصحف، وبكثافة كبيرة، وكذا نشر الكتب التي تبيّن لهم ماهية الإسلام وأهدافه الإنسانية، وذلك لهدايتهم أو على الأقل للتخفيف من عدائهم للإسلام(ص25).

ويعلل ذلك بما فعلته الدعايات الشيوعية والصهيونية والصليبية وأثرت به في تشويه الصورة الحقيقية للإسلام إلى حد الوحشية، يؤكد الأمر بما يراه من عدم المبالاة والمعارضة من قبل شعوب تلك الحكومات حينما تقوم تلك الحكومات بقمع ومحاربة المسلمين أينما كانوا(ص25) للذهنية المشكلة إعلاميا من قبل دوائر الاستكبار.

ثم يمتد في عرض الأسلوب التقني الإعلامي وطرق السيطرة وخلو المسلمين من ذلك بشاهد اليهود مثلاً فهم يسيطرون على اكبر منافذ الإعلام في العالم.. فقط خارج إسرائيل (ألف جريدة) بينها أمهات الجرائد العالمية.

ثم يعود سماحته إلى النصوص الغزيرة الواردة في الحث على طلب العلم... التي تصل أحيانا إلى وجوب عيني، فيرى سبب هذا التأكيد وهذه الغزارة. لرفع المستوى الفكري للمسلمين وجعلهم علماء في كافة المجالات حتى لا يكونوا عرضة للتمزق والتحطم أثر ضربات الأعداء وحـــتى يستطيعوا المقاومة أمام الأعداء وجر الأعداء إلى صفوفهم أيضا إذ يكونون بأقلامهم مناراً للضالين.. فالمسلم الجاهل لا يستطيع إقناع الآخرين عكس العالم العامل(ص26).

ويرى أن ذلك (أي نشر الوعي في البلاد الأجنبية ونصب الإعلاميات، ومراكز التبليغ) ليس صعباً مع الجهود المضنية، ويشيد هذا الأمل بكلمة أمير المؤمنين… ( يطير المرء بهمته كما يطير الطائر بجناحيه).

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية