اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية

مجلة النبأ      العدد 44        محرم  1421       نيسان 2000     ملف عاشوراء

 

 

الإمام الحسين في الشعر العربي المعاصر

 

 حيدر الجراح   

كيف رسم الحسين بفرشاته تلك اللوحة التي توجها بلون الدم القاني؟ وكيف استطاع أن يرسم على الرمال تلك الدروب التي تقود خطانا منذ القرن الأول للهجرة وحتى الوقت الحاضر وإلى سماع الصيحة؟

وكيف وظف الشعراء تلك اللوحة بخطوطها وانحناءاتها وألوانها في شعرهم منذ عام 61 هـ وحتى ديوان الشعر المعاصر. وكيف برز الرمز الحسيني وما يتعلق به كربلاء... وطفاً، وعاشوراء من خلال قصائد الشعر ومدن الكلمات والجراح؟

منذ فاجعة كربلاء سجل الشعر حضوره، واستطاع الشعراء تسجيل مواقفهم بعداً أو قرباً من تلك الفاجعة.. وظهر لون جديد من الشعر عُرف بالمكتمات لعدم قدرة الشاعر على الجهر بهذا الصوت الشعري الجديد..

لقد عبر الشعراء (عن) رمز الفاجعة الأوحد ولم يعبروا (بهذا) الرمز فترى قصائدهم تسجيلاً لتلك الفاجعة بشخوصها وخيلها.. وتسمع من خلالها صليل السيوف ومطاعن الرماح.. وهذا اللون ساد فترات طويلة، وامتاز بمباشرته وتقديريته.. أي أن هذا الشعر كان تأريخاً وتسجيلاً لتلك الحادثة المأساوية..

لقد كان التراث والرموز التراثية في كل العصور بالنسبة للشاعر هو الينبوع الدائم للتفجير بأصل القيم وأنصعها وابقاها، والأرض الصلبة التي يقف عيها ليبني فوقها حاضره الشعري الجديد، والحصن الذي يلجأ إليه كلما عصفت به العواصف فيمنحه الأمن والسكينة..

في الشعر العربي المعاصر أصبح توظيف الشخصية التراثية يأخذ منحىً جديداً، وهو المنحى التعبيري الذي يحمل بعداً من أبعاد تجربة الشعر المعاصر.. بعبارة أخرى أن تلك الشخصية تصبح وسيلة تعبير وإيماء في يد الشاعر يعبر من خلالها ـ أو بها عن رؤياه المعاصرة..

وهذا التوظيف للشخصية التراثية هو آخر الوشائج في علاقة الشاعر المعاصر بموروثه.. واصبحت ظاهرة التوظيف هذه شائعة في شعرنا المعاصر وسمة بارزة فيه..

وكان التراث المستلهم هو هذه الأصوات التي سمعناها والتي استطاع الشاعر المعاصر من خلالها أن يعبر عن أفراحه واحزانه، وأن يبكي هزيمته أحرّ البكاء واصدقه وافجعه، وأن يتجاوز تلك الهزائم والفجائع في نفس الوقت بينما كان كل كيان الأمة ينوء منسحقاً تحت وطأتها الثقيلة وأن يستشرف النصر ويرهص به في أفق غامت فيه بيارق النصر..

إن حالات الرفض التي استحضرها شعراؤنا ليواجهوا بها حيرة هذا الزمان واشتداد الطغيان فيه هي اشراقات الوعي والشهادة في سبيل الحرية.. وإذا كانت هذه الرموز غائبة عن الرسمي من الكتب فإنها حاضرة في الوجداني من صدور الناس تمثل احتجاجهم على فشل الواقع في تحقيق زمن التنوير في نهضة يكون للفقراء والزنج والإمام الحسين وأبي ذر الغفاري فرصتها وعدالتها وقصائدها العظيمة..

ويمكن تصنيف الشخصيات التاريخية التي استخدمها الشاعر المعاصر إلى نوعين رئيسيين تمتّ كلها بصلة إلى طبيعة الظروف التي كانت تمر بها الأمة العربية في نصف القرن الأخير هي بحسب استحواذها على اهتمام الشعراء:

أولا: أبطال الثورات والدعوات النبيلة الذين لم يقدر لثوراتهم أو دعواتهم أن تصل إلى غايتها فكان مصيرها ومصيرهم الهزيمة الظاهرية، ولم يكن سبب هذه الهزيمة نقصاً أو قصوراً في دعواتهم أو مبادئهم وانما كان سببها أن دعواتهم كانت اكثر مثالية ونبلاً من أن تتلاءم مع واقع ابتدأ الفساد يسري في أوصاله..

ثانيا: شخصيات الحكام والأمراء والقواد الذين يمثلون الوجه المظلم لتاريخنا سواء بسبب استبدادهم وطغيانهم، أم بسبب انحلالهم وفسادهم، وكذلك الشخصيات التي استغلها هؤلاء كأدوات للقضاء على الدعوات والقيم النبيلة في عصرهم.

وإلى جانب هذين النوعين الرئيسيين ثمة شخصيات أخرى قد لا تندرج اندراجاً مباشراً تحت أي نوع من هذين النوعين، ولكنها تمت بصلة أو بأخرى إلى هذا النوع أو ذاك، وذلك مثل شخصيات الشهداء الذين انتصرت القيم والمبادئ التي استشهدوا من اجلها..

وسيكون النوع الأول هو محور هذا الموضوع..

وابرز من فتن شعراءنا من شخصيات النوع الأول شخصية الحسين(ع) ـ وتكاد تكون اكثر شخصيات الموروث التاريخي شيوعاً في عصرنا المعاصر ـ فقد رأى شعراؤنا في الحسين(ع) المثل الفذ لصاحب القضية النبيلة الذي يعرف سلفاً أن معركته مع قوى الباطل شهادته وشهادة أصحابه،ولكن ذلك لم يمنعه من أن يبذل دمه الطهور في سبيلها، موقناً أن هذا الدم هو الذي سيحقق لقضيته الانتصار والخلود، وأن في استشهاده انتصاراً له ولقضيته..

وبهذه الدلالة استدعى شعراؤنا شخصية الحسين ليعبروا من خلالها عن أن الهزيمة التي تلقاها الدعوات والقضايا النبيلة في هذا العصر، واستشهاد أبطالها المادي أو المعنوي ـ انما هو انتصار على المدى الطويل لهذه الدعوات والقضايا..

ويأخذ الحسين(ع) موقعاً متميزاً في مسيرة الشهادة من وجهتي النظر التاريخية والفنية، وتحضر كربلاء رمزاً للأسى والجراح والحزن والندم، وقد اخذ الرمز ببعديه التاريخي والشعبي حيزاً في جملة من القصائد، واصبح النداء باسمه إشارة رمزية للغضب والحزن والشهادة في أعلى أبعادها الدينية والشعبية معاً في سبيل الموقف، بل وصار رمزاً لخذلان الثائر العظيم من مؤيديه..

وفي مأساة الحسين باعتبارها من المآسي الكبرى تقع ـ كما يقول جبرا إبراهيم جبرا ـ (أنواع شتى من مآسي الإنسان في جو القيظ والعطش والقسوة والقتل الجماعي وحز الرؤوس، هناك مأساة الجنون البشري، ومأساة الخيانة، ومأساة القتل المجاني، وكذلك مأساة المروءة والفضيلة.. الحسين اكبر من الحياة، ولعله لكبره وعلوه خارج الدائرة التي يمكن للمرء ضمنها أن يتوحد مع البطل رغم تطلعه إليه ولذا يكون التعبير الفني عنه قاصراً على مداه الفاعل)(1) صورة الحسين حاضرة في بعض قصائد عبد الرزاق عبد الواحد، ومنها ألواح الدم التي يستدعي فيها الحسين ويجعله نداءاً عظيماً يهتف به:

يا حسين

إن للصمت في أرضنا آيتين

أن يكون كريماً، عظيماً، رحيماً، كصمتك

ممتلئاً بالمروءة، ممتلئاً بالنبوة، ممتلئاً بالنشوز

غبشاً يتوسط بين انتهاء الحياة وبدء القيامة

وعليه علامة

انه مفعم بالحضور.. أو يكون كصمت القبور(2)..

ويأخذ رمز الحسين موقعاً عميقاً في بعض قصائد شوقي بزيّع، فهو الرمز الضدّ لكل ما هو سائد ومهزوم، إن توحّد راس الحسين بجسده من جديد يعني عودة الحياة إلى نقائها ويعني بعث الحياة من جديد..

سيأتي زمان الولادة

والفصل بين الخلافة والسوط

شيء يعيد الملايين بعض إله

ويقذف في الصدر نارا

ويرجع راس الحسين وجسم الحسين سويّا.. (3).

أما عند أمل دنقل فأن حالة كربلاء وعطش الحسين تصبح رمزاً لسؤال كبير في الورقة السابعة من قصيدته (من أوراق أبي نؤاس) حيث يقف الشاعران (أبو نؤاس ـ أمل دنقل) أمام ضمأ الحسين، أمام جرعة الماء التي مات ولم تمنح له.. انه الموقف الحق الذي يُستباح لان ضعاف النفوس يعميهم الذهب:

كنتُ في كربلاء

قال لي الشيخُ إنّ الحسين

مات من أجل جرعة ماء

وتساءلت: كيف السيوف استباحت بني الاكرمين

فأجاب الذي بصّرته السماء

إنه الذهب المتلألئ في كل عين

... مات من أجل جرعة ماء

فاسقني يا غلام صباح مساء

اسقني يا غلام

علّني بالمدام

أتناسى الدماء(4).

ويستدعي قاسم حداد الحسين ليكون راية السائرين في زمان الشاعر نحو هدف أعلى في قصيدة يرسم فيها ملامح الثورة وأزمتها في الواقع العربي المعاصر... ويعطي القصيدة عنواناً دالاّ هو (خروج راس الحسين من المدن الخائنة):

نسير ونعرف كيف نشق التراب، ونبذر داخله

كيف نحزّ الرؤوس ونزرعها عبر كل العصور

فنحن الحسين المسافر من كربلاء

ورأس الحسين الممزق بين دمشق وبين الخليج

ونحمله نستريح على سورة المومياء(5).

ويضمّن قاسم حداد في القصيدة نفسها، عبارة السياب من قصيدة (أنشودة المطر) وهي (ما مر عام والعراق ليس فيه جوع) ويضع كلمة (الخليج) محل كلمة (العراق) ويطوّع الرمز:

ويستقبل الجوع راس الحسين، ويفتح باب الحريق

ليدخل راس الحسين.

آنذاك تقام سرادق الأعراس وتصير البلاد عروساً لها ألف طفل، وتنهّد جدران المسافات، ويحمل الجمع رأس الحسين (الرأس هنا رمز الثورة، والتوحّد بالجسد غير وارد)، فالثائرون يحملون راس الحسين ويسيرون إلى مدن النار وتبدأ الثورة في الخليج..

وهذه القصيدة ذات بناء يتنامى فيه غضب ورؤية لزمان قادم، مستمدة من وعي بالرمز الأصــل، وهو راس الحسين الذي حمل إلى عبيد الله بن زياد ثم إلى يزيد بن معاوية: راس الحسين الذي يتحول إلى راية في زمن آخر احتجاجاً على الظلم والموت والحيرة والقلق..

وهناك نص هو (العودة إلى كربلاء) لاحمد دحبور، وهو معاول للإنسان الفلسطيني الذي ووجه بالخذلان، وادخل إلى نار المذبحة، وفار دمه ودم أهله، كما فار دم الحسين واهله في كربلاء.. إن الرمز هنا لكربلاء الفلسطينيين: الأسى والعطش والحصار والغضب والمأساة.. انه البحث عن ماء في زمن العطش، لقد وصل إلى كربلاء رغم الطرق المغلقة، ورغم مشقة الطريق آملاً أن تكون البداية، ووجد الحسين نفسه وحيداً في المواجهة بينما تقاسم الآخرون أسرارهم وثمر النخيل.. انهم الذين خذلوا الفلسطيني المعاصر:

شاهدتهم، ومعي شهودي

أنت، والماء الذي يغدو دماً

ودم لديهم صار ماءْ

والنخيل

شاهدتهم ـ عين المخيم فيّ لا تخطئ ـ وكانوا:

تاجراً، ومقامراً، ومقنعاً، كانوا دنانير النخيل

ودخلت في موتي وحيداً أستحيل

وطناً، فمذبحة، فغربة..

يا كربلاء، تفور فيّ النار،

أذكر يكف تنقلب الوجوه(6)..

وحضور الرمز هنا استدعاء مباشر ليقول من خلاله ما يريد، وهو رمز لا يحتاج إلى بناء مركب في مثل هذا النص المباشر أيضا، أي الذي يريد صاحبه الاحتجاج من خلاله على القتل، ويريد أيضاً أن يتحول الدم ـ كما تحول دم الحسين ـ إلى محرّض، ودعوة لثورة مستمرة، لخروج الماء من أرض كربلاء لتروي عطش الحسين:

آتٍ على عطش وفي زوادتي ثمر النخيل

فليخرج الماء الدفين اليّ.. وليكن الدليل..

ومن صور توصيف مأساة مقتل الحسين وما حلّ بأصحابه واهل بيته مقطع من قصيدة لحميد سعيد يشير فيها إلى فلسطين، إذ يمزج بين حزن النساء على فلسطين، وبين حزنهن التاريخي على الحسين وهو حزن بنات الحسين:

...وفلسطين لما تزل في دمي

شغف

النساء تحدثن عنها.. بكين.. وقلتُ:

لعل فلسطين واحدة من بنات الحسين... (7).

هذه أمثلة من قصائد وظفت كربلاء ومأساة الحسين وأهله في محاولات من الشعراء للتعبير بها عن أبعاد مأساة العربي المحاصر: بين حدّي الظمأ إلى الحرية والتقدم، وقيد السلطة وظلم الولاة/الحكام..

ويمكن اعتبار تعامل (أدونيس) مع تجربة الحسين من التجارب العميقة في توظيف المأساة، ففي (مرآة الرأس) يقدم حواراً بين رجل وزوجته، فقد احتزّ الرأس وعاد إليها يبشرها بمال الدهر، لكنها ترفضه عند ما تعرف انه عاد برأس الحسين:

أبشري،

جئتك بالدهر، بمال الدهر

ـ من أين، وكيف، أين؟

ـ برأسه...

ـ ويلك يوم الحشر

ويلك لن يجمعني.. طريق أو حلم أو نوم

إليك بعد اليوم

وهاجرتْ نوّار.. (8).

إن إسقاط الخبر التاريخي والحكايات الدينية الشعبية عن النص الشعري هنا، والاكتفاء بهذه الإشارة العميقة يحقق نصاً يتقدم على غيره من نصوص وظفت مأساة الحسين..

وفي (مرآة الشاهد) صورة عميقة أخرى لاستيعاب الحالة كلها وصياغة حوار بين زمنين متباعدين لحالتين قديمة ومعاصرة ضمن رؤية جديدة، وصياغة فنية للتعبير عن موقف نضالي يقدم من خلاله إحساس الغضب والألم باعتبارهما حافزين للناس على الثورة، وفي لوحة إنسانية عميقة الصدى في التعبير عن التجربة، وهذه القصيدة تعبر عن أن استشهاد الحسين قد احدث أثره في كل مظاهر الوجود وفي هذه اللازمة التي تذكرنا بالنشيد الجماعي (الحسين.. الحسين عليه السلام.

حينما استقرت الرماح في جسم الحسين،

وازّيّنت بجسد الحسين،

وداست الخيول كل نقطة في جسد الحسين،

وأستلبتْ، وقسمت ملابس الحسين،

رأيت كل حجر يحنو على الحسين،

رأيت كل زهرة تنام عند كتف الحسين،

رأيت كل نهر يسير في جنازة الحسين (ع)(9)

والمرآة الثالثة عند (أدونيس) لمسجد الحسين إذ تطوف حوله الأشجار والسيوف:

ألا ترى الأشجار وهي تمشي

حدباء

في سكر وفي أناة

كي تشهد الصلاة ألا ترى سيفاً بغير غمد

يبلى

وسيّافاً بلا يدين

يطوف حول مسجد الحسين(ع)(10)

أن نموذج أدونيس هنا يقدم الرمز البطل بدلالات قيمته النفسية، والحسين هنا (بطل التراجيديا) وليس مجرد (بطل التاريخ) الحقيقي..

لقد تحولت الحقيقة التاريخية إلى أسطورة، وخلق الشاعر من الأسطورة ومن رؤيته حالة جديدة للبطل هي حالة الحضور الحدسي الوجداني، واصبح موت الحسين علامة وجوده المستمر، واصبح التلاحم بين الحسين وبين الجمهور المشبع بذكراه يمر من خلال قصيدة، بعد أن كان يمر من خلال التاريخ والسيرة الشعبية..

وفي قصيدة (الصخرة والندى) للشاعر حسب الشيخ جعفر يصور فيها أن الحسين ـ رمز كل شهيد في سبيل قضية نبيلة ـ اصبح راية تلتفّ حولها الجموع، فحينما استقر به المطاف:

رأساً وحيداً مترباً مقطوع

في طبق من ذهب يضوع بالمسك والحناء

رأى وجه أمه الزهراء

مبللاً طوال ليل الموت بالدموعْ

ورفرفتْ حمائم بيضاء

تؤنسه طوال ليل الموت كالشموعْ

وبعد معاناة عذاب الاستشهاد وآلامه يغدو رأس الحسين الشهيد راية تسير وراءها الجموع:

أيتها الشمس

طاف على الرمح، وها عاد إلى منبته الرأس

حياً، مكرّاً، بيرقاً مغير(11)...

وهناك نموذج آخر لمظفر النواب وهو (وتريات ليلية) ففيه نلحظ غضبه العفيف من أبي سفيان (رمز شورى التجار) وإيقاظا لرمز الإمام علي مستفيداً من الصورة التاريخية لأحداث كربلاء وشخوصها:

ماذا يقدح في الغيب؟

أسيف عليّ

قتلتنا الردة يا مولاي كما قتلتك بجرح في الغرّة

هذا راس الثورة

يحمل في طبق في قصر يزيد

... ويزيد على الشرفة يستعرض أعراض عراياكم ويوزعهنّ كلحم الضأن

لجيش الردّة..

ويصبح نداء الثورة مشتعلاً

ونداء لملك الثوار أن يظهر من جديد(12)

والى جانب هذه المدالــيل العامة لشخصية الحسين، عبّر الشعراء به عن قضية أخرى، وهي تفرد أصحاب الدعوات الكبرى ووحدتهم وسلبية الجماهير إزاءهم وإزاء دعواتهم، لان القضايا الجليلة لا يقوى على حملها الا المجاهدون الكبار…

في قصيدة (واتكأ على رمحه) للشاعر ممدوح عدوان يصور الشاعر من خلال تصويره لوقوف الحسين حاملاً جلال قضيته ونبالة إصراره على عدم التنازل عنها بعد أن انفض من حوله أصحابه عند اشتداد الكرب حين حال جيش بن زياد بين الحسين وبين الماء ورفض أن يسقيه إلا إذا بايع ليزيد، نرى وقفة أصحاب الدعوات في كل العصور:

حين أتاك ذلك النداء

إن كنت تبغي شربة من ماء

فدع على الرمال هذا السيف

لم يبق واحد من الصحابة

وكنت واقفاً تحيطك الغرابة

وسط أتون الصيف(13)...

ومن خلال هذا الموقف ذاته يدين شاعرنا المعاصر تقاعس الأمة وسلبيتها الذميمة حين تنتهك حرماتها، ويصبح أنبل ما فيها كلأً مستباحاً لقوى الفساد والطغيان...

في قصيدة (الفارس الصريع وكربلاء الهزيمة) للشاعر راضي مهدي السعيد، يعبر الشاعر من خلال تصويره لمأساة الحسين في كربلاء عن إدانته لسلبية الأمة وتقاعسها وجبنها:

في كربلاء ألامس كان الجرح والهزيمة

لأمة لم تحمل الراية حين شبّت السيوف

وأخترقت مفاوز الصحراء خيل تمتطيها أذرع لئيمة

ترهب فارساً أتاها يزرع الحتوف

في أعرق تشدها خطى محاريب

سنين شمسها رميمة(14)...

ويتداعى الواقع العربي منهاراً في النص ويشتعل الإيقاع غضباً، يستعين بالغاضبين الثائرين من رموز الرفض والثورة في تراثنا العربي الإسلامي، بأولئك الذين يشكلون النماذج العليا تاريخياً، وشعبياً، وسلوكيا ـ ولا يفوتنا أن نذكر استحضار مأساة الحسين في المسرح العربي المعاصر من خلال ما كتبه عبد الرحمن الشرقاوي في مسرحيته (الحسين ثائراً) و(الحسين شهيداً) ومسرحية (ثانية يجيء الحسين) لمحمد الخفاجي ومسرحية (هكذا تكلم الحسين) لمحمد العفيفي ومسرحية (كربلاء) لوليد فاضل.

وتبقى مأساوية استشهاد أصحاب الدعوات النبيلة هي الأكثر استحواذاً على خيال شعرائنا ووجدانهم..


1 ـ مقدمة جبرا لمسرحية عبد الرزاق عبد الواحد الشعرية (الحر الرياحي) /ص7/ط1/1982 بيروت.

2 ـ آفاق عربية/ السنة العاشرة/كانون الأول/1985/ العدد 12/ 4.

3 ـ شوقي بزيع/عناوين سريعة لوطن مقتول/ ص67.

4 ـ أمل دنقل/الأعمال الكامل/ص 266-267.

5 ـ قاسم حداد/خروج راس الحسين من المدن الخائنة/ص65.

6 ـ ديوان احمد دحبور/ص258-262.

7 ـ ديوان حميد سعيد/ ص173.

8 ـ أدونيس/المسرح والمرايا/مرايا وأحلام حول الزمن المكسور 16 و17 ص83 و84.

9 ـ أدونيس/المسرح والمرايا/مرايا وأحلام حول الزمن المكسور 16 و17 ص83 و84.

10 ـ المصدر السابق/رقم18 ص85.

11 ـ حسب الشيخ جعفر/ديوان (نخلة الله) ص8.

12 ـ مظفر النواب/ وتريات ليلية/ص21-23.

13 ـ مجلة الآداب/تشرين الأول/1967/ص8.

14 ـ راضي مهدي السعيد/مرايا الزمن المنكسر/ص196.

 

 

اكتب لنا

اعداد سابقة

العدد 44

الصفحة الرئيسية