شباط 2000م |
مجلة النبأ ـ العـد د 42 |
ذو القعدة 1420 |
في السطور التالية حاولت بيان وجهة نظر الدين في تحديد طرق مواجهة وأسباب تعرض المجتمع لأزمات الفقر والمرض والجوع والعنف والتشرد والخوف وغيرها من الظواهر الاجتماعية، التي تظهر أيضا نتيجة أي حصار قاسي يفرضه الإنسان على الإنسان. |
فلسفة الامتحان الإلهي |
في القرآن الكريم |
عينان الطائي |
|
هذا الموضوع لربما يثير استغراب بعض مواطني البلدان المسلمة بما فيهم قوى المعارضة السياسية - التي تحاول إلقاء كل أسباب أزمات شعوبها على حكوماتها. و قد يرفض الساسة العلمانيون ربط وقائع وأحداث الإنسان على الأرض في الحياة الأولى بإرادة السماء، انطلاقاً من تحرر معتقداتهم السياسية من التوجيهات والقواعد الدينية الموروثة من الأجداد!! و يحتمل ان ينجرف بعض المتدينين وراء ذلك التيار الرافض، للتأكيد على حرية الإنسان وعدم خضوعه لجبرية غيبية – أي ترديداً لمقولتي ان الإنسان في حياته الدنيا مخير وليس مسيراً وان الحساب الرباني العادل يتنافى مع قضية الجبر. و ربما يظن البعض باني أحاول تفسير التاريخ البشري تفسيراً غيبياً أو أحاول ترويج أفكار العقيدة الجبرية وإلقاء أسباب الحصار على إرادة السماء، لتبرئة بعض الشعوب من مسؤولية تعرضها للخوف والجوع والبطالة والتضخم الاقتصادي والمرض. ان الولوج في دراسة موضوع الجبر والاختيار ليس هدفي، ولذلك لن يكون كلامي في هذه المقالة مناقشة لآراء من بحثوا في فلسفة الجبر و التفويض من فرق و علماء و مختصين. على إنني اسلم بالقاعدة المشهورة التي تقول »لا جبر مطلق ولا تفويض مطلق ولكن أمر بين أمرين«، المستندة إلى الكثير من الآيات القرآنية – بما فيها الخاصة بالبلاء والفتنة وقوله تعالى ( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (سورة الرعد، آية 11) وقوله سبحانه ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) (سورة النساء، آية 79). و لا يخفى على العاقل بان هذه القاعدة تؤكد حرية الإنسان في تصرفاته في حياته الدنيا ضمن قوانين كلية جبرية إلهية، وهي لذلك لا تبرئ حكومة أو امة من مسؤولية ما يصيبهما من شر دنيوي وأخروي. ولذلك قررت الاستعانة بما جاء في القرآن الكريم من آيات وقصص للتدليل على الأفكار الواردة في أدناه، باعتبار الكتاب المجيد مصدراً تشريعياً ومعرفياً عاماً تشترك فيه كل الطوائف الإسلامية. |
|
تدخل إرادة السماء في حياة البشر |
|
لمعرفة حقيقة وجود الامتحان السماوي لابد من الإجابة على التساؤل الآتي: هل للسماء دور في حياة سكان الأرض في الحياة الأولى ام انها خلقتهم وتركتهم أحرارا فيما يفعلون؟ أن مبرر هذا التساؤل هو لاعتبار الامتحان والحصار السماوي صورة من صور تدخل الإرادة العليا المطلقة، أي إرادة السماء، في حياة البشر على الأرض في حياتهم الأولى. لقد وردت في الكتاب الكريم العديد من الآيات والقصص الدالة على تدخل الإدارة الربانية في حياة البشر عن طريق جنود السماء والأرض، ومن الآيات التي تحدثت عن هؤلاء الجنود عن هذا التدخل ما يلي: ( و لله جنود السموات والأرض) (سورة الفتح، الآيتان 4 و7). ( اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها) (سورة الأحزاب، الآية 9). ( و ما يعلم جنود ربك الا هو) (سورة المدثر، الآية 31). ( و انزل جنوداً لم تروها وعذب الذين كفروا) (سورة التوبة، الآية 26). ( ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها) (سورة النمل، الآية 37). ( و ان جندنا لهم الغالبون) (سورة الصافات، الآية 173). ( فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا) (سورة العنكبوت، الآية 40). ( ان نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفاً من السماء ان في ذلك لآية لكل عبد منيب) (سورة سبأ، الآية 9). و من قصص القرآن التي تعرف الإنسان ببعض جنود الله تعالى وتدلل على دور السماء في محاصرة الإنسان في الحياة الدنيا ما يلي: 1 ــ السيول والفيضانات: في معرض وصفه للقحط الذي أصاب سكان اليمن القدماء نتيجة الفيضانات قال تعالى: ( فأرسلنا عليهم سيل العرم) (سورة سبأ، الآية 16). و عن سيول المياه المنبثقة من الأرض لإغراق قوم نوح قال سبحانه ( و فجرنا الأرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر) (سورة القمر، الآية 12). 2 ــ المطر: قد تحبس السماء المطر عن قوم أو تفيضه عليهم. ففي حياة النبي يوسف… انزل سبحانه المطر على ارض مصر لمدة سبعة سنوات متتالية ثم حبسه عنها خلال السنوات السبعة التالية. وقد اخبر النبي يوسف… المصريين بهذين الحدثين قبل وقوعهما، مما يؤكد بأن المطر هو أحد جنود الله تعالى ووسائله الفاعلة في رسم حياة المجتمعات وتسجيل وقائع التأريخ. و كان نزول مطر الغضب الإلهي على قوم النبي نوح… خير الأحداث التاريخية الكبرى التي تذكر الإنسان بهذا السلاح الرباني الفاعل. وقد وصف تعالى تلك الحادثة بالقول ( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر فدعا ربه اني مغلوب فأنتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) (سورة القمر، الآيات 9 – 11). 3 ــ الرياح: نتيجة إصرار قوم عاد، الذين استخلفوا في الأرض من بعد قوم نوح، على الشرك بالله تعالى ورفضهم لنصيحة النبي هود عليه السلام سخر سبحانه عليهم الريح العاصفة. وعن هذه الحادثة قال تعالى: ( و اما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية. سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام مسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم اعجاز نخل خاوية) (سورة الحاقة، الآيتان 6 و7). ( و في عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شئ أتت عليه الا جعلته كالرميم) (سورة الذاريات، الآية 41). 4 ــ الصواعق: ألقى النبي صالح… الحجة على قوم ثمود، الذين جاءوا بعد قوم عاد، لكنهم رفضوا الايمان بالله سبحانه وتعالى فأتتهم الصاعقة بأمر من السماء. وعن تلك الواقعة قال جل وعلا: ( و في ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين. فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون) (الذاريات الآيتان 43 و44). 5 ــ الزلزال: حذر النبي شعيب… قوم مدين (أصحاب الأيكة) من مخالفة تعاليم السماء الا ان بعضهم أبى الاستجابة لتحذيره، إذ لم يوفوا الكيل وبخسوا الناس أشياءهم وحاولوا صد المؤمنين عن صراط الله المستقيم، فضربهم تعالى بزلزال قوي. وعن ذلك الحدث قال سبحانه: ( و إلى مدين أخاهم شعيباً فقال يا قوم اعبدوا الله وارجو اليوم الآخر ولا تعثوا في الأرض مفسدين فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) (سورة العنكبوت، الآيات 26 و27). 6 ــ الملائكة: كان سكان مدائن سدوم وصديم ولدنا وعميراء، حسب أحد المصادر، أو مدائن سدوم وعمور ودوما وصاعورا وصايورا، حسب مصدر اخر، قوما منحرفين جنسياً ولم ينتهوا عن فعل السوء هذا برغم تحذيرهم من قبل النبي لوط (عليه السلام). فأمطرهم الملائكة بمطر سوء. وقال سبحانه وتعالى عن تلك الواقعة: ( و امطرنا عليهم مطراً فأنظر كيف كان عاقبة المجرمين) (سورة الأعراف، الآية 84). ( قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين. مسوّمة عند ربك للمسرفين) (الذاريات الآيات، 32 – 34). و في معركة بدر بعث الله جل وعلا خمسة آلاف من الملائكة لنصرة المؤمنين وعن تلك الحادثة قال سبحانه: ( ( يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين) (سورة آل عمران، الآية 125). 7 ــ الانهيارات الأرضية: بالرغم من كثرة الأموال التي امتلكها قارون الا انه لم يحمد الله سبحانه وتعالى على ما منحه من نعم ثم استكبر واغتر بعمله وماله فعاجله تعالى بعذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة. وعن تلك العقوبة قال جل جلاله: ( فخسفنا به وبداره الأرض) (سورة القصص الآية 81). 8 ــ الطير: فيما حاول جيش أبرهة احتلال مكة أرسل عليه سبحانه وتعالى طيوراً ترميه بحجر، مما افشل مسعى ذلك الغازي ومنع تأريخ المنطقة من المرور بتجربة قاسية أو اخذ مسارات غير التي أخذتها فعلاً في أعقاب تلك الحادثة. وعن تلك الواقعة قال ربنا العظيم: ( و أرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول) (سورة الفيل، الآيات 3 – 5). و جاء الهدهد إلى النبي سليمان بأخبار عن قوم الملكة بلقيس، وخاصة ظلمهم لا نفسهم بعبادة الشمس، فكان سبب هداية أولئك القوم وتحولهم من الكفر إلى الإسلام. 9 ــ البحر: طارد فرعون وجنوده الرسول موسى… واتباعه لكن الله سبحانه وتعالى اغرق تلك الفئة الفرعونية الضالة، وعن تلك القصة قال جل جلاله: ( فأخذته وجنوده فنبذناهم في اليم) (سورة القصص، الآية 40). 10 ــ الآفات: يسخر سبحانه وتعالى بعض الآفات لإنجاز مهمات معينة، كإبادة مزروعات وإنزال عقوبة المجاعة بقوم ما. فأصحاب البستان البخلاء، الذين عاهدوا أنفسهم على عدم تزكية عوائدها، تعرضوا لذلك الموقف، إذ قال سبحانه عن تلك القصة أو الحادثة: ( فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم) (سورة القلم، الآية 20). كما استخدم سبحانه وتعالى القمل والجراد للتخويف، إذ قال عما استخدمه من هذه الوسائل ضد قوم فرعون بعد ما عجز أسلوب تجويعهم عن إنهاء حربهم ضد المؤمنين: ( فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات) (سورة الأعراف، الآية 133). ان الأمثلة السابقة حول تدخل إرادة السماء في حياة البشر لتؤكد بأن هناك رقابة فوقية على تصرفات الإنسان وان لتلك التصرفات عواقب دنيوية وأخروية وان الأمر على الأرض لم يفوض بصورة مطلقة للإنسان. |
|
من المؤكد القول بأن للسماء دوراً في تعريض المجتمعات في الحياة الدنيا للفقر والمجاعة والبطالة وزيادة الوفيات والتضخم الفاحش والكساد، التي هي أيضا نتائج أي حصار قاسي يفرضه الإنسان على الإنسان. و في أدناه إشارة إلى تلك الآيات من خلال بيان متى ولماذا يصيب خالق الكون الإنسان في الدنيا بالظواهر السابقة الذكر. 1 – التحذير والهداية جاء في القرآن المجيد الكثير من الآيات التي تؤكد على ان إصابة الإنسان بالبأساء والضراء والخوف وغيرها من مظاهر البلاء انما هي محاولة ربانية لهداية بعض الأقوام، التي تخرج عن طاعة الإله وتخالف تعاليمه، إلى الصراط المستقيم، لكي تصلح حياة البشر التي تتضرر أيما ضرر بما يمارسه الإنسان من أفعال السوء المخالفة لأوامر السماء. و قد استخدم سبحانه وتعالى عدة كلمات مترادفة، كي يتقون ويرجعون ويضرعون ويذكّرون، للدلالة على عودة الإنسان الضال إلى الطريق الحق، صراط الله المستقيم. و يبدو واضحاً مدى انطباق هذا الأسلوب الرباني مع أسلوب المعالجة الطبية بالكي، الذي يقال عنه بأنه آخر الدواء، أو العلاج الأخير الممكن تجربته لإنقاذ المريض من سقمه. و مما جاء في الكتاب الكريم من آيات بخصوص ما جاء أعلاه ما يلي: ( و ما أرسلنا في قرية من نبي الا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون) (سورة الأعراف، آية 94). ( و لقد ارسنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون) (سورة الأنعام، الآية 42). ( و لقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكّرون) (سورة الأعراف الآية 130). ( و لقد أرسلنا موسى بآياتنا إذا هم منها يضحكـــون وما نريهم من آية الا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون) (سورة الزخرف، الآيات 46 – 48). ( و قطعناهم في الأرض أمما فمنهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون) (سورة الأعراف، الآية 168). ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) (سورة الروم، الآية 41). ( و لنذيقنهم من العذاب الادنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) (سورة السجدة، الآية 21). و يستفاد من الآيات السابقة ما يلي: أ – ان خالق الكون، الحليم، لا يتعجل في معاقبة الإنسان الضال، بل يمهله وقد يعرضه لامتحان معين عله يعود إلى الطريق القويم وينال السعادة في الدارين. وبهذا الابتلاء وذلك التأخير تظهر رحمة الخالق بالمخلوق، إذ يظهر ان الابتلاء وسيلة للهداية وكسب رضوان الله سبحانه وتعالى ونعيمه كما يظهر بأن تأخير العقوبة هو إفساح المجال للإنسان – المعرض طوال حياته للزلل – للتوبة واستمرار العيش على الأرض. و قد بين القرآن المجيد تلك الرحمة بالقول: ( ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى اجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستئخرون ساعة ولا يستقدمون) (سورة النحل، الآية 61). ( و لو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم) (سورة يونس، الآية 11). ب – ان إصلاح حياة الناس بابتلائهم بالشدائد ينطبق مع طبيعة النفس الإنسانية، التي إذا ما أصابتها المكاره تتذكر الله سبحانه وتعالى وتطلب عونه ومساعدته. وفي هذا المجال قال تعالى: ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين) (سورة العنكبوت، الآية 65). ( و إذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً) (سورة يونس، الآية 12). ( و إذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه) (سورة الروم، الآية 33). 2 – العقاب الدنيوي إذا تمادى الإنسان في سلوكه المخالف لتعاليم السماء ولم يردعه نهي عن منكر أو بلاء تأديبي إصلاحي ولم يستفد من الدروس المأخوذة من قصص الأقوام الغابرة، التي ذكرها القرآن المجيد مرات كثيرة وفي سور مختلفة، قد يباد أو يصاب بالفقر والخوف والمرض أو يبتلى بالحروب والتوتر الدائم، عقاباً له في الحياة الدنيا ثم ينال عقوبة اشد في الحياة الأخرى. و قد تحدث القرآن عن أمم أهلكت جراء إلحادها أو إشراكها بالاله الواحد أو ارتكابها الفاحشة أو بطرها وترفها أو غير ذلك من أسباب، مثال ذلك: ( و ما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى الا وأهلها ظالمون) (سورة القصص، الآية 59). ( و ما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) (سورة هود، الآية 117). ( و كذلك اخذ ربك إذا اخذ القرى وهي ظالمة ان أخذه اليم شديد) (سورة هود، الآية 102). ( و كم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوماً آخرين فلما أحسوا بأسنا إذا هم منها يركضون. لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسألون. قالوا يا ويلنا كنا ظالمين. فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيداً خامدين) (سورة الأنبياء الآيات 11 – 15). ( ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكناهم في الأرض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السماء عليهم مدراراً وجعلنا الأنهار تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرين) (سورة الأنعام،: 6). ( لقد كان لسبأ في مساكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور. فاعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط وشئ من سدر قليل) (سورة سبأ، الآيتان 15 و16). ( و جعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقناهم كل ممزق ان في ذلك لآيات لكل صبار شكور) (سبأ: 18 و19). ( و ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) (سورة النحل الآية 112). ( و من اعرض عن ذكري فأن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى) (سورة طه، الآية 124). ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ان كنتم مؤمنين فإن، لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) (سورة البقرة، الآيتان 278 و279). من العرض السابق نجد ان تعامل الجماعة الإنسانية، وخاصة المحسوبة على الجماعات المؤمنة بتعاليم السماء، بالربا وإعراضها عن ذكر الله وتفضيلها لحياة الترف وبطرها ومحاربتها للمؤمنين وعدم التراحم فيما بين أفرادها وطغيان المصالح الذاتية الأنانية على المصالح العامة هي الأسباب المؤدية إلى تردي أحوالها المعاشية وتشردها وهلاكها. 3 – امتحان المؤمنين في زمن الرسالات، التي تذهب أحداثها عبرة وذكرى للناس على مر السنين، امتحن سبحانه وتعالى معتنقي أوامره وتعاليمه بالخوف والجوع والمرض والقتال والفقر تحقيقاً لأهداف عديدة. لقد امتحن الله تعالى قوم موسى بمثل هذا الامتحان خلال تواجد هذا النبي بين ظهرانيهم، كما امتحن المسلمين أثناء بعثة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) – حينما حوصروا في شعب أبي طالب في بداية الدعوة الإسلامية. و قبل بيان أهمية هذا الامتحان للبشرية يمكن ذكر العديد من آيات القرآن الكريم الدالة عليه، مثل: ( و لنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) (سورة البقرة، الآية 155). ( و نبلوكم بالخير والشر فتنة وإلينا ترجعون) (سورة الأنبياء، الآية 35). ( لتبلون في أموالكم وانفسكم ولتسمعن من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين اشركوا أذىً كثيراً وان تصبروا وتتقوا فأن ذلك من عزم الأمور) (سورة آل عمران، الآية 186). ( و اعلموا انما أموالكم وأولادكم فتنة وان الله عنده اجر عظيم) (سورة الأنفال، الآية 28). ان من أهداف هذا الامتحان الصعب ما يلي: أ) غربلة المجتمع: ان لهذا الامتحان دورا في كشف العناصر الانتهازية وإبعادها عن المجتمع الإيماني. وبهذا الخصوص قال تعالى: ( و لا تهنوا ولا تحزنوا وانتم الاعلون ان كنتم مؤمنين. ان يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين) (سورة آل عمران، الآيتان 139 و140). ( احسب الناس ان يتركوا ان يقولوا آمنا وهم لا يفتنون. ولقد فتنا الذين من قبلهم فلنعلمن الذين صدقوا ولنعلمن الكاذبين) (سورة العنكبوت، الآيتان 2 و3). ب) إقامة دولة الايمان: عندما ينجح المؤمنون في هذا الاختبار الإلهي تتهيأ لهم فرصة إقامة الدولة الايمانية. فكم من أمة تعرضت للجوع والمرض والتعذيب على أيدي الكافرين لزمن طويل استطاعت النهوض والوقوف على وجه الأرض بعد ان تمسكت بتعاليم السماء. فأمة النبي موسى… ، التي لاقت الذل والهوان على أيدي فرعون وجنوده، اقامت دولة الايمان، بعد ان تمسكت بالمبادئ الإلهية – إذ قال تعالى عن تلك القصة: ( و نريد ان نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) (سورة القصص، الآيتان 5 و6). ( و أورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا) (سورة الأعراف، الآية 137). ( و من قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون. قطعناهم اثنتي عشرة اسباطاً أمما واوحينا الى موسى اذ استسقاه قومه ان اضرب بعصاك الحجر فأنبجست منه اثنتا عشرة عيناً قد علم كل اناس مشربهم وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم) (سورة الأعراف، الآيتان 159 و160). ( أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون فأرسل فرعون في المدائن حاشرين. إن هؤلاء لشرذمة قليلون. وإنهم لنا لغائظون. وإنا لجميع حذرون. فأخرجناهم من جنات وعيون. وكنوز ومقام كريم. كذلك وأورثناها بني إسرائيل) (سورة الشعراء، الآيات 52 – 59). وبنفس الخصوص جاءت الآيات 23 – 28 من سورة الدخان. إن اتباع النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) كان لهم قصة مشابهة لقصة اتباع النبي موسى… . فكم عُذب المسلمون على أيدي امراء مكة في بداية الدعوة الإسلامية. وبعد ما صبر اولئك المؤمنون واثبتوا صحة ايمانهم اورثهم الله سبحانه وتعالى الأرض التي تعرضوا فيها للامتحان القاسي كما اورثهم أراض أخرى أظهر أهلها العداء لهم. و مما جاء في الكتاب الكريم من آيات تخص هذا الموضوع ما يلي: ( و أنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً. واورثكم أرضهم وديارهم واموالهم وارضاً لم تطؤها من قبل) (سورة الأحزاب، الآيتان 28 و28). ( و هو الذي كف أيديهم عنكم وايديكم عنهم ببطن مكة من بعد أ، أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيراً… لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام) (سورة الفتح، الآيتان 24 و27). ربما يتصـــور البعض بأن هذا الامتحان ونتيجته ينحصران بزمن الرسالات فقط الا انه سبحانه وتعالى أكد في كتابه العزيز عموميتهما، أي عدم تعلقهما بزمان ومكان معينين، إذا جاء فيه: ( و لقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون) (سورة الأنبياء، الآية 105). و يعتبر هذا النص بمثابة قانون اجتماعي عام، ينطبق على ارض الواقع عندما تتوفر شروطه في أي زمان ومكان. وقد عزز سبحانه وتعالى تعريفه الناس بهذا القانون بالعديد من القصص التاريخية الواقعية المذكورة في الكتاب المجيد، كقصص أقوام نوح وعاد وثمود، وبنصوص قانونية أخرى مستوحاة من تلك القصص ومعللة لها، مثل: ( و قال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكنكم الأرض من بعدهم، ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) (سورة إبراهيم، الآيتان 13 و14). إن هذا القانون ينطبق على كل من خاف مقام رب العالمين ووعيده ولا ينحصر بزمن الرسالات، والا لكان الجهاد في عصور ما بعد الرسل والأنبياء غير مجدياً ولا مشروعا ولأعتبر هدراً محرماً للدماء والأموال. و من خلال التدبر بهذا القانون الاجتماعي أو هذا النص القانوني، الذي يؤكد عدالة خالق الكون واطلاقية قوانينه، يتأكد المرء بأن الأمة التي تشترع لنفسها ما تشتهي من أحكام وعقائد مخالفة لتعاليم السماء ستتعذب وستنتهي وتحل على أنقاضها أمة مؤمنة، متى وجدت هذه الأمة الصابرة على بلائها والمحتسبة امرها لدى ربها والسائرة على الصراط المستقيم – بدليل قوله تعالى: ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليبدلنهم من بعد خوفهم امناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون) (سورة النور، الآية 55). ج) كسب حق الدخول إلى الجنة: و فيما تؤكد الفقرة السابقة على ان اجتياز المؤمنين لامتحانهم بالفقر والجوع والقتال ونقص الأموال والثمرات يمنحهم نعيم الدنيا فأن من آيات القرآن المجيد ما أكدت بأن لهذا النجاح نتائجاً في الحياة الآخرة اكثر خيراً وابقى من سابقتها. وعن هذه الحقيقة قال تعالى: ( أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله الا إن نصر الله قريب) (سورة البقرة، الآية 214). ( أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يعلم الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) (سورة آل عمران، الآية 141). د) إظهار الرحمة الإلهية بالعباد: بالرغم من قسوة الحصار السماوي الا ان فيه من الرحمة الشيء الكثير، وذلك مصداق قوله تعالى ( عسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (سورة البقرة، الآية 216). فهو أولا، ينقي المجتمع من الشوائب. وثانياً فهو يوفر الفرصة للمجتمعات المنحرفة عن الصراط المستقيم للتوبة والرجوع إلى تعاليم السماء والفوز بنعيم الدارين. وهو ثالثاً، يخلص البشرية من المجتمعات السيئة، التي تصر على كفرها وفجورها وانحرافاتها، ويسمح للبشرية بالبقاء على وجه الأرض حتى يوم القيامة الموعود. |
|
كيفية التعامل مع الحصار السماوي |
|
منذ آلاف السنين وحتى الان عاشت على هذه الأرض وارتحلت عنها أمم إنسانية كثيرة، منها من أقامت دولاً وإمبراطوريات عظيمة دامت قروناً عديدة أو عقوداً قليلة من السنين ومنها من انهارت على أيدي ضعاف الناس أو أشدائهم بل وحتى اصغر واضعف المخلوقات الأخرى. لقد كانت ملكة بلقيس، حيث اليمن حالياً، دولة قوية ورجالها ذوي بأس شديد، حسب ما ورد في الآية 33 من سورة النمل، لكنها خضعت لسيطرة النبي سليمان… بسبب طير صغير، هدهد، نقل أخبارها إلى هذا النبي القوي المسلح بقوى كبيرة ومتعددة ومؤيدة من مالك الكون وليس لأحد من الناس الكفار القدرة على مقاومتها. واستطاعت إحدى ممالك اليمن القديمة تخزين مياه الأمطار بإنشاء سد حجري، مما مكنها من استخدام أراضيها الزراعية بكفاءة وزيادة إنتاجها القومي وبالتالي تحسين مستوى دخل المواطن وتأمين فرص العمل للكثيرين ورفع قدرتها العسكرية. لكن تلك الحياة الاجتماعية تغيرت صورتها بل انقلبت على رأسها بسبب حيوانات صغيرة قذرة، فئران، بدأت تثقب جدران السد وتسببت في تسرب مياهه ومن ثم إنهيار النظام الزراعي في تلك المملكة وتردّي الأحوال المعاشية لسكانها واضطرار الكثير منهم إلى هجرة الوطن بحثاً عن مصادر الرزق. و قبل البعثة المحمدية كان سكان شبه الجزيرة العربية يعانون من التفاوت الطبقي الكبير، حيث قلة من الناس تستوحذ على خيرات كثيرة وأغلبية فقيرة، والتفتت العشائري والصراع المسلح الدائم من اجل البقاء والاستئثار بالثروات وسبل العيش. وعلى حد تعبير القرآن الكريم كان العرب على شفا حفرة من النار فأنقذهم تعالى منها (راجع الآية 103 من سورة آل عمران). أما بعد البعثة المحمدية المباركة فقد تحول العرب من أمة فقيرة متشرذمة وخاضعة لنفوذ الإمبراطوريات أو الأمم المجاورة إلى أمة موحدة قوية متحررة من النفوذ الأجنبي. و بعد فترة عز وازدهار عاشها العرب في ظل الإسلام خضعوا للنفوذ ثم الاستعمار الأجنبي ولدكتاتوريات ظالمة وتدهورت أحوالهم المعاشية والعلمية وعانوا مجدداً من الاقتتال والصراع فيما بينهم. و امتلك الإنكليز والفرنسيون والأسبان والهولنديون والروس واليابانيون وغيرهم وسائل قوة ضخمة، استعمروا بها أمماً كثيرة لفترات تراوحت ما بين عدة قرون وعقود من السنين. و استطاعت أمم غربية عن طريق استخدام النظرية الرأسمالية، التي تؤيد إقامة نظام ديمقراطي يصون الملكية الفردية ويحد من تدخل الحكومة في الحياة الاقتصادية ويسمح لقوانين العرض والطلب بأخذ دورها في تحديد الأسعار وتوزيع الموارد الاقتصادية بين السكان، وبناء اقتصاد متطور لكنها أُصيبت بأمراض اجتماعية خطيرة، كاستئثار الأقلية من السكان بأغلبية الثروات الوطنية وانحلال النظام العائلي وانتشار التفسخ الأخلاقي والاصطدام المسلح والسياسي والاقتصادي المتكرر فيما بينها وبما هدد ولا زال يهدد وجودها فضلاً عن تعرض بعض أبناءها لمخاطر البطالة والتضخم والركود الاقتصادي ولجوء حكوماتها إلى استعمار البلدان المختلفة من اجل تصريف أزماتها الداخلية على حساب الشعوب الخاضعة لسيطرتها المباشرة أو غير المباشرة وكذلك من اجل الاستئثار بثروات تلك الشعوب. و تمكنت الدولة السوفيتية الاشتراكية الأولى في العصر الحديث من تحويل مجتمعها الزراعي إلى مجتمع صناعي، وامتلكت كل وسائل القوة العسكرية، وصعدت قبل غيرها من الدول إلى الفضاء الخارجي، وحاولت تخليص مجتمعها من أمراض الرأسمالية، وخاصة البطالة والتضخم والركود والتفاوت الطبقي والمنافسة غير الشريفة بين أصحاب الأموال وعدم خضوع الاقتصاد الوطني لرقابة صارمة تجنبه تبذير الموارد والصراعات التنافسية المضرة بالطبقة العاملة وباقي فئات المجتمع. و بالرغم من كل هذه النوايا الحسنة ابتلي المجتمع السوفيتي بأمراض اجتماعية عديدة، مثل الرشوة وانخفاض الإنتاجية وانتشار الفاحشة وزيادة تعاطي الخمور، ومن ثم تعرض نظامه السياسي للانهيار واتجه ساسة البلاد نحو التخلي عن الأيديولوجية الماركسية واعتناق مبادئ العقيدة الرأسمالية. لقد أثار تبدل أحوال الأمم من حال إلى حال تساؤلات الكثير من المفكرين، كإبن خلدون وكونفوشيوس ومكيافللي وماركس وغيرهم كثير – الذين اقترح كل منهم حلولاً معينة لأزمات مجتمعاتهم واحياناً المجتمعات الأخرى. و من العرب والمسلمين من تساءل عن أسباب تعرض مجتمعاتهم في أواخر القرن العشرين لأنواع من الحصارات الداخلية والخارجية، التي حصدت أرواح الملايين من أبناءها وابتلت الآخرين منها بالجوع والخوف والأمراض المختلفة، كما اقترح بعضهم العديد من الحلول لهذه المآسي. من هؤلاء المتسائلين من اعتقد بأن هذه الخسائر والمعاناة الإنسانية الكبيرة هي امتحان من رب العباد للمسلمين ومنهم من اعتقد بأنها نتيجة غضبه - جراء ابتعاد المسلمين عن أحكام عقيدتهم السماوية. و من المفكرين في بلاد الإسلام من دعا إلى استقطاب الرساميل الأجنبية وتشجيع رأس المال المحلي على الاستثمار داخل البلاد ومنهم من طالب بالتركيز على تنمية القطاع الزراعي وتطوير الصنــاعة التحويلة وإقامة مجتمعات زراعية صناعية وتشجيع السياحة ومَكْنَنَة الإنتاج من اجل تخليص المسلمين المحاصرين بهذا الأسلوب وذاك مما هم فيه من فقر ومرض وخوف. اما الفكر الديني فهو ليس ضد بعض تلك المقترحات والتشخيصات بل يربطها بقيم أخلاقية وبمقدمات خاصة. لقد اعتبر القرآن الكريم ان لكل نجاح أو فشل مقدمات، السيئة تقود إلى الفشل والصحيحة تقود إلى النجاح، كما أشار إلى أمم تعرضت للحصار السماوي بهدف اختبار صحة أيمانها وتحقيق أهداف أخرى كما أشار إلى أمم وجماعات وأفراد تعرضوا لحصار سماوي جزاء ابتعادهم عن تعاليم رب العالمين. إن استنكار المسلمين المحاصرين حالياً بطرق عديدة لتلك الإشارات أو القصص القرآنية ومقارنة واقعهم الحياتي الحالي مع واقع الأمم المذكورة في تلك القصص سيعرفهم بمقدار اقترابهم من تعاليم السماء أو ابتعادهم عنها كما سيعلمهم فيما إذا كانوا في موضع امتحان السماء أو عقابها وسيصلون إلى الطريق الذي ينقذهم من محنة الحصار وأية محنة قاسية مماثلة أخرى. إن المجتمع الذي تسوده ظواهر اجتماعية خطيرة لا ترضي الله سبحانه وتعالى والتي كانت سبباً لإثارة غضبه على بعض الشخصيات والجماعات والأمم الماضية، كظواهر الإلحاد والشرك وانتشار الفاحشة وقساوة القلب وعدم التراحم والتعامل بالربا ومنع الماعون عن الفقراء والترف وكنز الأموال والمحسوبية الحزبية والعنصرية واعلاء شأن الجهلة وإذلال العلماء والمثقفين وتسليم زمام أمور الناس إلى أيادي الافاقين والجهلة واعداء الله الوطن، قد يستطيع الخلاص من ذلك الغضب، الذي يعكس تعرض المجتمع لحصار سماوي ، عن طريق طلب المغفرة والعودة إلى تعاليم رب العالمين وترك كل فعل يغضيه. اما المجتمع المؤمن بتعاليم السماء والعامل لدينه ودنياه والمبتلى بكل أو بعض مظاهر الفقر والجوع ونقص الأموال والأنفس والحروب والمواجهات السياسية والتضخم الاقتصادي والبطالة ما عليه الا ان يصبر على بلاءه ويصر على أيمانه بتعاليم السماء ويضاعف السعي من اجل زيادة الإنتاج وتوفير فرص العمل للقادرين عليه وضمان حقوق الأيتام والعاجزين عن العمل وما إلى غير ذلك من أمور تنفع الناس وتبعد الأذى عنهم حتى يأتيه الفرج من السماء، والا فإن الانحراف عن جادة الصواب تحت ضغط الواقع لن يكون من نتائجة الا تعميق المحنة والتعرض للتشتت والضياع. و سأكتفي هنا بذكر بعض الآيات القرآنية الدالة على هذين التوجهين اللذَيْن يؤكدان ارتباط الواقع الإيماني للمجتمع مع وضعه المعاشي والسياسي والعسكري: ( و لو ان أهل الكتاب آمنوا واتقوا لكفرنا عنهم سيئاتهم ولادخلناهم جنات النعيم. ولو انهم أقاموا التوراة والإنجيل وما انزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون) (سورة المائدة، الآيتان 15 و16). ( و لو ان أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض) (سورة الأعراف، الآية 96). ( و لئن شكرتم لأزيدكم) (سورة إبراهيم، الآية 7). ( وان استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى اجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وان تولوا فأني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) (سورة هود: 3). ( فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها الاقوم يونس لما أمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) (سورة يونس، الآية 98). (
فقلت استغفروا ربكم انه كان غفاراً يرسل
السماء عليكم مدراراً ويمددكم ( و ذا النون اذ ذهب مغاضباً فظن ان لن نقدر عليه فنادى في الظلمات ان لا اله الا أنت سبحانك اني كنت من الظالمين فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) (سورة الأنبياء: 87 -88).( و من اعرض عن ذكري فأن له معيشة ضنكاً) (سورة طه، الآية 124). ( و أيوب اذ نادى ربه اني مسني الضر وانت ارحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) (سورة الأنبياء، الآيتان 83 و84). ( ذلك بأن الله لم يكن مغيراً نعمة انعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (سورة الأنفال، الآية 53). و بذلك نجد ان صحة اختيار المجتمع لمقدمات نموه وازدهاره وسياساته هي التي تسدد خطواته من اجل التقدم ومواجهة الأزمات والعبور من الامتحان... |
|
|
|
|