الحمد لله الذي منّ علينا بنعمة
الإسلام، وهدانا للإيمان والتصديق به. وجعلنا
من العاملين في ساحته الطاهرة، والغارسين في
رباه العالية.
إن أهم ما يميز الدين الإسلامي عن
غيره من الأديان الأخرى، هو أنه دين يخاطب
العقل، والروح، والوجدان، ولا يهمل شيئاً
منها على حساب شيء آخر من هذه الجوانب
الإنسانية.
وقد جعل القرآن الكريم لكل من
العقل والروح، والوجدان أساليب خطابية
تناسبه وتنفذ إليه.
فجعل الدليل والبرهان والمقارنة
أساليب تخاطب العقل بقصد تأهيله إلى إدراك
المعارف الموصلة إلى الله فيقول الله سبحانه
وتعالى في خطاب للعقل:(
وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام
وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرّة وهو
بكلِّ خلقٍ عليم) (سورة
يس: 78-79).
فإن القادر على الخلق الأول من عدم.
يكون أقدر على إعادة الخلق من موجود وهذا
برهان ودليل قاطع يخاطب القرآن به العقل
لإقناعه بالبعث.
وجعل التأمل والنظر وإثارة الشعور
أساليب لمخاطبة الروح لكي تسمو الروح وتكتسب
القدرة على التذوق الرفيع الذي يوصلها إلى حب
الله. يقول الله سبحانه وتعالى في خطاب للروح:(
أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء
ويجعلكم خلفاء الأرض أإله مع الله قليلاً ما
تذكرون أمّن يهديكم في ظلمات البر والبحر
ومن يرسل الرياح بـــشراً بين يدي رحمته أإله مع
الله تعالى الله عما يشركون) (سورة النمل: 62-63).
فإن الخطاب هنا موجه مباشرة إلى
الروح فيحرضها على التأمل في وحدانية الله
ويهزّها بعنف لتنقيتها وتصفيتها من شوائب
الشرك، ويرسم لها معالم العشق الإلهي.
وأما الوجدان فقد جعل القرآن
الوسيلة إلى خطابه إرجاع النفس إلى فطرتها
وبعودة النفس إلى فطرتها تحيا الضمائر
وتجعلها هي الحكم في التصرف وبسلوك اتجاه
الله سبحانه وتعالى واتجاه دينه. يقول الله في
خطابه للوجدان:( قل إنما
أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم
تتفكروا ما بصاحبكم من جنّة إن هو إلاّ نذير
لكم بين يدي عذاب شديد) (سورة
سبأ: 46).
فالخطاب تحريض واضح للضمير
والوجدان ليحكم في حقيقة النبي محمد صلوات
الله عليه وآله والذي حالت الأهواء والمصالح
دون الحكم الصحيح عليه.
وحيث أن حكم الضمير غالباً لا يحدث
إلاّ بعد مراجعة الإنسان لنفسه أو لصديق يثق
الإنسان بضميره. أمر الله سبحانه وتعالى نبيه
بأن يعظهم بأن يقوم الإنسان فيما بينه وبين
نفسه أو فيما بين الإنسان ومن يثق به فالتخلّص
من الأهواء والمصالح الأنانية تحول بين
الإنسان وضميره.
والغرض الأساسي من تلك الخطابات هو
إشباع العقل بمقومات الكمال وإشباع الروح بما
يجعلها مطمئنة غير قلقة ولا مضطربة. وإشباع
الوجدان بما يقوم توازنه فتتجنب النفس تعذيب
الضمير.
لذلك فإن الخطاب الإسلامي للإنسان
-بما هو إنسان- طريق هدفه السمو البشري
بالارتقاء إلى مستوى العلّة من خلقه ( وما خلقت الجن والإنس إلاّ ليعبدون)
.
ومن ثمّ فإن الدعوة إلى الإسلام
العزيز تعني الدعوة إلى كل تلك المتوازنات عن
طريق سياقه الخلق إلى الله خالقهم، وردّهم
إلى فطرتهم التي فطرهم عليها. وهذا هو معنى
إخراج الناس من الظلمات بجميع معانيها
ومصاديقها إلى النور الذي تُرى به حقائق
الأشياء.
لذلك اعتبر القرآن الكريم العمل في
حقل الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأسماها
على الإطلاق.
(
ومَنْ أحسنُ
قولاً ممن دعا إلى الله، وعمل صالحاً وقال
إنني من المسلمين) (سورة
فصّلت:33).
ولما كانت الدعوة الإسلامية على
هذا القدر الهائل من الخطر وعلى هذا النحو من
الأهمية يتوجب على حملة لواء الدعوة أن
يكونوا على هذا المستوى الخطر والأهمية. فهم
يسيرون على خطى الأنبياء، ويمشون في ركب
الصالحين وهم نقلة الإسلام من جيل إلى جيل ومن
وادٍ إلى آخر.
ونظراً لخطورة وأهمية الدعوة إلى
الله لم يدعها القرآن الكريم للارتجال
والعشوائية. بل أصّل قواعدها، وحدّد لها
إطارها العلمي في قوله تبارك وتعالى:(
ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة
وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربّك هو أعلم بمن
ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) (سورة النحل:125).
وقال تبارك وتعالى:(
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن
اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) (سورة يوسف:108).
الآيتان الشريفتان تؤكدان أن
الدعوة إلى الله ليست مسألة ارتجالية أو
عفوية أو أنها متروكة للصدفة والعشوائية بل
هي علم من العلوم الهامة ارتكزت على العناصر
المبينة في الآيتين.
أولاً:
الحكمة، ثانياً: الموعظة
الحسنة، ثالثاً: الجدال العلمي الهادف،
رابعاً: البصيرة.
هذه هي العناصر الأربعة التي شكّلت
القواعد والأصول الأساسية لعلم الدعوة
الإسلامية.
وقد دعت الحاجة وألحت إلى وضع
المناهج المبنية على تلك القواعد لدراستها
دراسة كافية لخلق داعية قادر على حمل مسؤولية
الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى.
ولاشك أن كثيراً من العلماء قاموا
بوضع كتب وكراسات في الدعوة الإسلامية إلاّ
أنها في الغالب تخلو من الطابع المنهجي،
وإنما اكتفى واضعوها بنقل تجاربهم الشخصية
وذكر آرائهم الخاصة، وتقديم نصائح وإرشادات
اكتسبوها إما من خلال عملهم كدعاة أو من خلال
فهمهم للآيات القرآنية التي تتناول فن الحوار
والدعوة، ولكن ذلك لا يغن عن وضع منهج علمي
صالح للسير عليه والعمل به في هذا الباب
الواسع.
وقبل الدخول في منهجية علم الدعوة
لابد لنا من مدخل نتعرف فيه على بعض المصطلحات
ذات العلاقة بالموضوع.
|