|
|||
خطوات باتجاه تجارة إسلامية قوية |
|||
حيدر حسين الكاظمي |
|
2 ـ 2 |
|
الدعوة إلى رفع القيود |
|||
أمام نداء الإسلام الاقتصادي منذ أكثر من 1400 عام بدأت الدول وخاصة الكبرى منها محاولاتها الحثيثة لرفع قيود التجارة الدولية وبدأت الموائد الخضراء في المؤتمرات الدولية وعلى لسان خبراء الاقتصاد يصرحون حول محاسن حرية التجارة بين الأمم ولكن علينا نحن كمسلمين أن لا ننسى بأنهم يحملون في حقائبهم الأمر الصارم لخنق التجارة الدولية على الدول الأقل ثراءً وهذا رياء قد اعتدنا عليه كما نعلم فإنها التحية التي تقدمها الرذيلة للفضيلة. وقبل أن نبحث في أهم الأساليب والإجراءات التي اتخذتها الدول الراغبة في تحرر تجارتها ينبغي معرفة الأسباب الكامنة وراء هذه التوصية ورغم أننا سنعرض لكم الأسباب الاقتصادية إلاّ أن هناك أسباباً أخرى سببتها الصراعات الموجودة في ثلاث مجموعات في عالم اليوم وهذه هي: «1- الولايات المتحدة وتؤيدها المملكة المتحدة والتي ترغب في تحرير كامل للتجارة وفي توسيع الأسواق المشتركة باعتبارها وسيلة لتحرير التجارة عموماً لأن أول ثمار التجارة الحرة تجنيها الدول الأكثر تقدماً في العالم. 2- مجموعة تمثلها السوق الأوروبية المشتركة بزعامة فرنسا هذه المجموعة قلقة بسبب الدور المسيطر الذي تلعبه الولايات المتحدة في عالم الاقتصاد الدولي والوضع الخاص الذي يتمتع به الدولار كعملة احتياطية. 3- المجموعة الثالثة تتمثلها الدول الناهضة والتي تشعر أن المنظمات الاقتصادية الدولية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية لا تخدم مصالحها بصورة جيدة وإن على الدول المتطورة أن تغير في سياستها الخارجية بصورة جذرية إذا أريد للتطور الاقتصادي في دول العالم الناهضة أن يخطو إلى الأمام»(1). وبين دوامة هذه الصراعات بدأت الخطوات نحو إجراءات أكثر فعالية على طريق التجارة الحرّة وهناك طريقتان للوصول إلى التجارة الحرة ينبغي مراعاتها ليتحقق الهدف المنشود. آ- من خلال المنظمات العالمية أي إنشاء منظمات عالمية تُعنى بالتجارة بين الدول وتنظمها كما وأنها تضع لها قواعد وأسعار ثابتة أمثال اتفاقية (التجارة والتعرفة الجمركية العامة) (الغات). ب- من خلال عمل الدول المختلفة التي تجتمع لتشكيل منظمات في دول متعددة مثل اتحادات التجارة الحرة واتحادات التعرفة الجمركية والأسواق المشتركة وهذه الاتحادات هي عبارة عن وحدة جمركية واحدة تضم بعض الدول المتفقة على هذه الوحدة ورفع التعرفة الجمركية يشملها فقط دون بقية الدول الخارجة عن هذا الاتحاد. وينبغي أن يلاحظ القارئ الكريم أن فرص نجاح هذه الإجراءات وضمان وصولها إلى الأهداف المشتركة مرتبط بعدة أمور لابد للدول أن تسعى إليها. وهذه هي: 1- سلامة نية الأعضاء نحو هذا التوجه وهذا يقودنا إلى توحيد المواقف السياسية أي النوايا الحسنة هنا تلعب الدور الأول في حد مثل هذه المشروعات بوسائل النجاح المستمر وأن أي تجمع دولي لا يمكن أن يستمر إلاّ بتوحيد القرار السياسي والرغبة الصادقة والجدية نحو الأهداف المشتركة. 2- تمتع الدول المجتمعة باقتصاديات متقاربة من حيث المنافسة. 3- تمتع الدول المجتمعة بأشكال إنتاجية مكملة مع بعضها البعض بحيث أن مواد الإنتاج الأولي للدول (آ) قد تحتاجها الدول (ب) وهكذا العكس دون أن تكون دولة مثل (جـ) التي هي خارج الاتحاد تتمتع بأسعار مخفضة في موادها الأولية أو موادها النهائية بالنسبة للدولتين (آ،ب) بمعنى آخر أن كل من الدولة (آ،ب) يمكن لهما الحصول على السلع التي تحتاجانها بكلفة أقل من الدول (جـ) وكذلك يمكن أن ينجح هذا الاتحاد إذا كانتا الدولتين (آ،ب) تنتجان سلعاً ببعضهما البعض الآخر ولا يمكن لهما إنتاج سلع الدول (جـ) وهذه الشروط ينبغي مراعاتها والأخذ بها بنظر الاعتبار في حالة وقوع أي اتحاد تجاري بين الدول لتفادي الوقوع بالآثار السلبية على هذا الاتحاد»(2). مزايا وعيوب الاتحاد الجمركي: عندما أخذت الدول على عاتقها مبدأ الانحراف عن خطى الاقتصاد الإسلامي والذي كان من مبادئه إطلاق حريات التجارة فإن ذلك الانحراف لابدّ أن يكلف الاقتصاديات تلك أثماناً بدأت تدفعها وخاصة عندما أرادت العودة إلى مبدأ إطلاق حرية التجارة والذي نود أن نقوله أن إطلاق حريات التجارة هو ليس عيباً بذاته ولكن عدم استمرار هذا الإطلاق ضمن مساره المحدد له سوف يكلف إعادته أثماناً لابد أن تدفعها الدول مجتمعة وكان هذا الانحراف يمثله القيود والرسوم الجمركية التي فرضتها الدول لحماية ما يدعى بإنتاجها الوطني وهذا المبدأ رغم أنه يشكل عقبة في طريق فتح خطوط التجارة بين الدول إلا أننا لابد أن نعترف أن فيه بعض المزايا التي قد ينتفع منها البلد إذا كانت بقية البلدان تستخدم نفس ورقة الحدود الجمركية بعبارة أخرى لا يتسنى لبلد ما أن يفتح حدوده على مصراعيها أمام كل دخول وخروج للسلع والخدمات ورؤوس أموال بينما البلدان الأخرى تفرض على السلعة الصادرة منه قيوداً ورسوماً جمركية، وهنا عدنا مرة أخرى إلى مبدأ الوحدة الاقتصادية التي يجب أن تحاول الدول الإسلامية إعادة صياغتها وفق الظروف الراهنة كي تشجع أي خطوة أمام هذه الحرية التجارية ولا نريد أن نبتعد كثيراً عن موضوع مزايا وعيوب الرسوم الجمركية حتى يتسنى لنا معرفة منهجية هذا المسلك وبالتالي الحكم على صحته وخطأه أيضاً وقبل الخوض في هذه التفاصيل لابد أن نضع في حسابنا أن الاتحاد هو عبارة عن تجمع دولي لعدد معين من الدول وكما مرّ سابقاً والاتفاق على جملة أمور فيها بينها لصياغة شكل التعاون والتبادل التجاري. |
|||
المزايا |
|||
تمثل الاتحادات هذه حركة تــجارية واسعة بيـــن الأعضاء أكثر حرية وهي بذلك تعطي فرصاً أكبر لتبادل الخبرات التجارية والاستثمارات فيما بين الدول الأعضاء. تساعد هذه السياسة على الحصول على السلع بأسعار مخفضة مما يعني تقليل هذه الأسعار بأسواقها المحلية مما ينعكس إيجابا على المواطن وخاصة على قدرته الشرائية. تمثل هذه الاتحادات نوعاً من حماية الإنتاجيات المحلية داخل دولها إذ أن التبادل سوف يؤول دون اضطرار هذه الدول إلى الاستيراد من دول خارج الاتحادات وهذا سوف ينعكس إيجابا على وحدات الإنتاج المحلية من حيث تدني كلف الإنتاج، وتوفر الأسواق الملائمة لتصريف الإنتاج. يمثل هذا الاتحاد وحرية التجارة مكاسب كبيرة للدول الأعضاء وخاصة التي كانت تعاني قبل تطبيق الاتفاق من ارتفاع في رسومها الجمركية وسوف تكون المكاسب أكبر فيما لو توسعت قاعدة هذا الاتحاد وشملت دولاً أكبر. قد يساهم هذا الاتحاد إلى التوسع الأفقي والعمودي في إنتاجها المحلي وزيادة طاقاته وفتح خطوط إنتاجية جديدة تساعد إلى حد بعيد في خلق سلع وتخفيض كلف كانت سابقاً مرتفعة. يساهم هذا الاتحاد والإطلاق في حريات التجارة إلى إعادة توزيع الهياكل الاقتصادية بشكل متناسب مع حاجة دول الاتحاد أي دون أن يكون هناك هدر في الموارد أو قصور في الإنتاج. يعطي هذا الاتحاد قدر أكبر للمنافسة بالنسبة للدول الأعضاء وبالتالي السيطرة على الأسواق الخارجية بصورة كبيرة. تلعب هذه الاتحادات دوراً بارزاً في صياغة شكل الموازنة في ميزان القوى السياسية في العالم وهي بالتالي تعطي قدرة أكبر على المساومة السياسية ولعب الدور الأوسع على ساحة الأحداث الدولية. تساهم هذه الاتحادات في دمج الأسواق الصغيرة بالأسواق الكبيرة الموسعة مما يعني فرصاً أكبر للاستثمار وللمعرفة وتبادل الخبرات الاقتصادية. |
|||
العيوب |
|||
1 - تشكل هذه الاتحاد سياسة تميز واضحة تتبعها اتجاه الدول التي لا ترغب بالانضمام أو التي ليست لها القدرة على الانضمام. 2- إن هذه الاتحادات سوف تضر بالدول التي تتبع سياسة حرية التجارة وفتح الحدود لوحدها والتي غير منضمة إلى هذه الاتحادات أمام الدول التي تفرض القيود الجمركية على حدودهـــا والسبب في خسارة الدول الخارجة عن الاتحاد والتي تتبع سياسة حرية التجارة هو أن القيود الجمركية باعتبارها ورقة مساومة بيد الدولة أمام الدول الأخرى فإذا خسرتها سوف لا يبقى للدولة هذه ورقة تساوم عليها. 3- قد تستفيد من هذا الرفع الدول أو القطاعات الإنتاجية ذات الكفاءة العالية لأنها شديدة المنافسة ولكن قد لا تستفيد الدول ذات القطاعات الإنتاجية المتدنية لأنها ليست على قدر عالي من الكفاءة يؤهلها للعب دور المنافس القوي وبالتالي سوف تنهار هذه القطاعات وتتخلف عن تقدم القطاعات الأخرى. 4- قد يساهم رفع القيود وإطلاق حرية التجارة إلى زيادة الاستهلاك وفق مستويات عالية عن السابق مما ينعكس سلباً على القدرات الإنتاجية وعدم التكيف السريع لهذا التغير الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع التكاليف في نهاية الأمر ولو على المدى المتوسط أو البعيد. 5- لا يمثل هذا الاتحاد الجمركي طريقاً سهلاً لتحرير التجارة بشكل عام لأن ذلك سوف يسبب آثار سلبية على الدول الخارجة عن هذا الاتحاد. 6 -إن ولادة المزيد من التكتلات الاقتصادية المقابلة لتلك الاتحادات يعني المزيد من المنافسة السياسية فإذا حدث ذلك فإنه سيعني أن عالماً يتسم أساساً بالفقر قد أضاع الفرصة لاستخدام مـــوارده الاقتصادية بشكل أكثر فعالية لتخدم المصالح الشخصية قبل المصالح الإنسانية الكبرى. 7- إن مثل هذه الاتحادات يسبب للدول الفقيرة مشاكل اقتصادية وخاصة على مستوى المنافسة بالإنتاج النهائي لذلك سوف يقتصر الإنتاج على الغذاء والمواد الخام دون أن تكون لها فرصة لتطوير إنتاجها وتصنيعه. الدول الإسلامية والتكتلات الاقتصادية: أمام مجمل التغيرات التي تشهدها ساحة الأحداث السياسية والاقتصادية ومشاريع التكتلات الاقتصادية القائمة والمقترحة لابد للدول الإسلامية من أكثر من وقفة لتدارك وضعها الجماعي كقوة وقاعدة لا يمكن الاستهانة بها من قبل الآخرين وخاصة إذا أخذت هذه الدول بمبادرة لم الشمل الإســـلامي وطرح المشاكل التي لا يمكن لها أن تسير بالأمة الإسلامية على طريق الصراط المستقيم وتوصل بالمسلمين إلى شاطئ الأمان، إن وقفة إسلامية موحدة خالية من التعصبات الفكرية وقلوب أكثر مرونة وشفافية من شأنها أن تعيد صياغة الموازين الدولية ولا يعني الوصول إلى مثل هذه الحالة شيئاً من الخيال وضرباً من المستحيل كما يعتقد البعض فالتجارب الدولية كفيلة بأن تعطي للمسلمين تجارب جاهزة فهذه ألمانيا (النازية) سابقاً والتي دارت رحى الحربين العالميتين الأولى والثانية على هوامش الأفكار المتطرفة التي نشأت بها اليوم نراها في أسرة أوروبية واحدة بل وأنها الابن الأكبر للمجتمع الأوروبي»(3)، فأين خلافات الأمس وأين دمار الأمس وأين الكوارث الاقتصادية التي حلت بأوروبا بالأمس القريب علماً أن ما يجمع أوروبا ليس هو مثل ما يجمع المسلمين من أسس عقائدية وحضارات مشتركة فالتجربة الأوروبية في السوق الأوروبية المشتركة وفي (الغات) وأخيراً في انطلاقة (اليورو) تجعل المسلم يتساءل في كل لحظة لماذا لا نفعل نحن كذلك. إن إقامة وحدة اقتصادية أمرٌ لا يضر بشكل من الأشكال بالنظام السياسي القائم في الدول الإسلامية على العكس بل تدعمه وتُزيد من رفاهية الشعوب الإسلامية. إنها توحد المواقف السياسية للدول الإسلامية وتزيد من قوة مساومة كل دولة باعتبارها جزء من كيان كبير هو الكيان الإسلامي ولا نريد الخوض في غمار ذلك الموضوع نظراً لبحثنا السابق بحثه بتفاصيل أكثر دقة وأوضح سبيلاً والذي نريد قوله أنه لكي تُحسن على الأقل الدول الإسلامية من مركزها الاقتصادي وكذلك من تطورها الاقتصادي فإنها على أقل التقديرات والخطط الاقتصادية المقترحة يجب أن تؤيد ثلاث سياسات اقتصادية مقترحة هي: |
|||
المقترحات |
|||
منظمة لشراء الفائض: أ- تثبيت أسعار الصادرات من خلال اتفاقية إسلامية دولية بين الدول وتضمن الأسعار الثابتة هذه مفاوضات يمكن أن تساهم كل الدول الإسلامية أعني رؤسائها وهذا يعطي الفرصة الناجحة لدراسة أخطاء الأمس وخلافاته وتجاوزها وكذلك يكون له الدور الأكيد في التخفيف من التذبذبات السعرية للسلع المصدرة على المدى الطويل وليس أدل على نجاح هذه الخطوة الأولى من اتفاق دول (أوبك) الأخير على تحديد حجم الإنتاج بنسب محددة ومتفق عليها الأمر الذي أدى إلى نجاح انتشال أسعار النفط المنخفضة والسير بها نحو مستويات مرتفعة وهذا على المدى القصير ويمكن مع بقاء نية الالتزام بهذا الاتفاق أن تصل معدلات أسعار النفط في المستقبل إلى أسعارها التي بلغتها في السبعينات ويمكن دعم تخفيف التذبذب السعري هذا من خلال تكوين منظمة إسلامية تقوم بشراء السلع التي تصدرها الدول الإسلامية في أوقات هبوط الأسعار ثم تقوم بالبيع في أوقات ارتفاع الأسعار وهكذا تتم التسوية لتذبذبها، لقد كانت هذه السياسة هي نفسها السياسة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية في العشرينات لأن تتدخل لتثبيت أسعار المنتجات الزراعية في أمريكا الأمر الذي ضمن للمنتجين الحصول على أسعار أعلى ولو على المدى الطويل. إن إنشاء منظمة إسلامية تقوم بهذا الدور أي الشراء والبيع يعطي عنصراً هاماً في السوق الاقتصادية ألا وهو (الأمان) من تقلّبات الأسعار وارتفاع أو انخفاض الطلب إن الخسائر التي قد تخسرها هذه المنظمة من خلال شراءها في وقت هبوط الأسعار سوف تعوضها في حالة ارتفاع الأسعار مرة ثانية ومن الأجدر بنا ألا نقول خسائر. مثال: لو وصل سعر السلع المصدرة من قبل الدول الإسلامية إلى مستوى متدني ولنقل (10) دولارات وهذا يعني هبوطاً في الطلب، إن علمية الشراء بهذا السعر واكتساح الفائض الإنتاجي يعني أن مستويات العرض والطلب سوف تعود للموازنة مرة أخرى سيقل العرض ويرتفع الطلب ستزداد الأسعار بعدها معنى ذلك أن المنظمة هذه التي اشترت بسعر (10) دولارات سوف تبيع بسعر (15) دولار وهذا كافي لإعطاء مستوى ربح يقدر بـ50 % وعندما تبيع هذه المنظمة مخزونها السلعي التي اشترتها في وقت الانخفاض تكون قد حققت أرباحاً جيدة ولكن بعدها يمكن لها أن تتوقف عن البيع حتى لا تزاحم عرض السلع المستمر من قبل الدول الأعضاء وهكذا تحقق الموازنة المنشودة في الأسعار فإذا ما حدث هبوط آخر فإن فائضها من الأرباح سيكفي لها أن تنقذ المشكلة مرة أخرى علماً أن الخطوط الإنتاجية للدول الأعضاء سوف لا تتبدل عن مستوياتها الثابتة ويمكن دعم هذه المنظمة بإيرادات الدول الأعضاء وخاصة من الأرباح المتحققة سابقاً ويمكن لهذه المنظمة أن تلعب دوراً كبيراً في السياسات الإنتاجية لدول الأعضاء كأن تخلق أوهاماً أو صوراً إنتاجية وهمية لتؤثر على الاستهلاك والإنتاج معاً لترفع الأسعار صناعياً أو فرض قيود على تصريف الإنتاج السلعي للدول الأعضاء حتى لا تعطي للعرض المرونة الكافية وغيرها من السياسات الاقتصادية التي نعالجها في أوقات الأزمات الاقتصادية حسب الضرورات والمقتضيات.. إيجاد صناعات بديلة: ب- السياسة الثانية التي يمكن أن تلعبها الدول الإسلامية أمام هذه التكتّلات الاقتصادية هي سياسة خلق صناعات بديلة للواردات التي تأتيها من الدول المتقدّمة أو المصدّرة للسلع الاستهلاكية في الدول الإسلامية ويبدو أن هذه السياسة هي أكثر نجاحاً وفي هذه الحالة يجب على الصناعات المحلية في الدول الإسلامية أن يكون إنتاجها مرسوماً ومخططاً له ولو على المدى المتوسط بأن يكون معوضاً عن السلع الواردة للبلاد الإسلامية وهذا يعني أن تبدأ حالاً في الإنتاج بتكاليف مخفّضة تكون مستوياتها أي مستويات التكلفة أقل من تكاليف إنتاج هذه السلع في الدول التي تورد هذه السلع ولا نعني بهذا أن تكون مثلاً سعر السلع الواردة (10) دولارات أي علينا أن ننتج السلعة بـ(9) دولارات أو (8) دولارات ونبيعها بأقل من (10) دولارات بل أن نعالج المشكلة من جذورها وهي الرجوع إلى الكلف الحقيقية الني تُنتج بها هذه السلع ومحاولة الانخفاض تحت هذه الكلف حتى لا تستطيع الدول الموردة للسلع هذه أن يبقى لديها حدود للمنافسة أو المساومة وإن حاولت المساومة ولكن بخسارة هنا فإنها سوف لا تصمد فترة طويلة من الزمن وهذا يتطلب مزيداً مـــن الوقت للوصول إلى هذه النقطة ومزيداً من التبادل أو التعاون بين الدول الإسلامية في مجال التكنولوجيا وتبادل الخبرات والمساعدات المالية وبذل الجهود القصوى للوصول إلى أفضل الاختراعات الحديثة التي تضمن الوصول إلى تكاليف الإنتاج المخفضة هذه»(4). ويمكن أن تمارس الدول الإسلامية في بداية الوصول إلى مرحلة التكاليف المخفضة بعض الضغوط الحدودية على السلع البديلة الواردة إليها لتأخذ السلع المحلية فرصتها للظهور وليتعرّف عليها المستهلك وهنا تحدث المقارنة عند المستهلك وبعد أن تأخذ السلع المحلية مأخذها من المستهلك وتستحوذ على أكبر كمية من الطلب المحلي عندها يمكن رفع هذه القيود وبالتالي وإن عادت هذه السلع الأجنبية فإنها سوف لا تحظى بنفس الفرصة السابقة حينها لا يمكنها الاستمرار طويلاً دون أن تنسحب وعلى الدول الإسلامية أن تراعي حينها مقدار الموارد المستهلكة لإنتاج مثل هذه السلع وعليها أن تحافظ على مبدأ الاستخدام الأمثل لهذه الموارد على المدى المتوسط والبعيد حتى لا تكون خسارتها في المستقبل أكبر من الربح والذي نعني به هنا أن الدول وقبل أن تقوم بوضع الخطط الاقتصادية للسلع المتفق على خفض تكاليفها عليها إجراء مسح شامل وكامل لموارد هذه السلع المحلية ومديات استيعابها للطلب المحلي على المدى البعيد ثم تقرر بعدها صياغة شكل الخطة الاقتصادية. توسيع حجم الصادرات: جـ- أما السياسة الثالثة التي يمكن أن تتبعها هذه الدول أي الدول الإسلامية المتفقة هي توسيع حجم الصادرات التي تشتريها الدول الأجنبية من الدول الإسلامية ولا نعني هنا الصادرات هي السلع ذات الطابع الأولي أو المواد الغذائية فقط وإنما السلع المصنعة وشبه المصنعة لان أسعار هذه السلع الأخيرة لا تتذبذب بصورة كبيرة مثل السلع الأولية أو الغذائية «إن ذلك يعطي المجال لدول الأعضاء في هذا الاتفاق الوصول إلى مستويات الاكتفاء الذاتي وكذلك زيادة الدخل القومي لها مع ضمان إنشاء أسواقاً كبيرة يستطيع من خلالها المنتجون لهذه الدول تحقيق مستويات فعالة من الإنتاج مع مراعاة الدول هذه ضمان تقديم المعونات المادية والعلمية للمنتجين وفتح أكبر حرية ممكنة لتعاون الدول في هذا المجال. وبهذه الإجراءات المقترحة والتي تمثل جزءاً من إجراءات اقتصادية أخرى قد تقترح يمكن للدول الإسلامية من متابعة دور المنافسة العالمية في الأسواق العالمية، وبدلاً من أن تبحث الدول الإسلامية عن تنازلات مكلفة عند الدول الأكثر تكتلاً وتساوم على مبادئ غالية جداً عليها البحث في جوهر المشكلة والانضمام بالروح قبل الجسد إلى تعاون اقتصادي يضمن الكرامة للجميع ومع الكرامة الفرصة الجيدة لحياة أفضل للأمة وعلينا نحن كمسلمين أن لا ترعبنا التكتلات الاقتصادية والتقدم الهائل الحاصل في تلك الدول فإن الموارد الطبيعية لهذه الدول ونتيجة السرعة والحجم الكبير في الإنتاج أخذة بالضمور والتنمية المتزايدة المصاحبة للأجور العالية قد تؤدي في النتيجة إلى ارتفاع كبير في تكاليف السلع المنتجة حينها سوف يمكن للدول الإسلامية استغلال عنصر الكلفة المنخفضة لديها للدخول وبقوة في انتاج السلع هذه بتكاليف أقل وبموارد جاهزة وكبيرة جداً»(5). |
|||
لماذا ننادي بحرية التجارة؟ |
|||
هناك مكاسب ضخمة يمكن أن تجنى من تجارة دولية تتمتع بحرية أوسع كما بين ذلك الكثير من الاقتصاديين منذ أوائل القرن التاسع عشر خلال شروحهم لمبدأ المكاسب المقارنة، إن حرية التجارة وخاصة بين الدول الإسلامية تؤدي إلى استخدام موارد العالم الإسلامي بأكبر قدر من الفعالية. إن بعض البلدان الإسلامية لديها موارد ليست متوفرة في البلدان الإسلامية الأخرى وبصورة خاصة النفطية منها والغير نفطية وكذلك تتمتع البعض منها بمناخات غير متوفرة لأخرى. إن مكاسب مثل هذه التجارة الحرة واضحة وخاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن بعض البلدان تختلف عن الأخرى بدرجة امتلاكها لعناصر الإنتاج والمهارات الخاصة المطورة بمرور الزمن والتي تمكنها من انتاج سلع بتكاليف أقل من جيرانها فلو كان بلد إسلامي ينتج اللحوم بكثرة نظراً لتوفر مساحات واسعة من الأراضي ونقص في الأيدي العاملة وبلد آخر ينتج الخضراوات بتكاليف قليلة جداً نظراً لتوفر الأيدي العاملة ولكن لديه نقص في الأراضي الواسعة لذلك فإن مبادلة اللحوم بالخضراوات بين البلدين سيكون مناسباً للطرفين أما لو كان كل منهما يعيش بعزلة أو لو كانت تجارة اللحوم والخضراوات مقيدة برسوم وإجراءات جمركية فإنه من المؤكد سوف يتأخر تطور مثل هذه التجارة في هذه البلدان. مثال: لنأخذ مثالاً واضحاً يعطينا دلالة حول أهمية إطلاق التجارة الحرة بين البلدان وان الرسوم الجمركية والقيود ما هي إلاّ خسارة يتحملها المستهلك وحده عموماً وليس المنتج.. لو كانت الدولة (آ) تنتج اللحوم ويعني بإنتاجها أن انتاج اللحوم تقع ضمن التكاليف المخفضة لديها تنتجه لتوفر عناصر الإنتاج لهذه المادة بكثرة مثل سعة الأراضي كانت هذه الدولة تصدر الكيلو غرام من اللحم بسعر (10) دولارات والدولة (ب) تمتاز بإنتاج الخضراوات فتصدر الكيلو غرام بسعر (5) دولارات هنا التبادل التجاري بين الدولتين مهم ومفيد نظراً لحاجة البلدين لسلعة كل من الآخر ولامتياز البلدين بإنتاج السلعتين وفق التكاليف المخفضة. |
|||
ماذا يحصل لو وضعت قيود تجارية؟ |
|||
لو قام البلد (آ) والبلد (ب) بوضع عراقيل وقيود جمركية عالية لمنع استيراد سلعة كل منهما هذا يعني أن: البلد (آ) سوف يحاول انتاج سلع البلد (ب) ومن الطبيعي أن تكاليف انتاج هذه السلعة (أي سلعة البلد ب) ستصبح عالية لأنه لا يوجد عناصر انتاج تحقق تكاليف السلع (ب) بصورة مخفضة فسوف يحصل مثلاً على الكيلو غرام الواحد من الخضراوات بسعر (7.5) دولار وهذه (7.5) دولاراً تمثل تكاليف انتاج مثل هذه السلعة في البلد (آ) هذا يعني: سابقاً كل 1 كيلو غرام من اللحم يعطي للبلد (2) كيلو غرام خضراوات مستوردة. حالياً كل 1 كيلو غرام من اللحم يعطي للبلد (1.5) كيلو غرام خضراوات محلية. كذلك بالنسبة للبلد (ب) لو أراد انتاج السلع (آ) بتكاليفه المحلية فقد يحصل على كيلو غرام اللحم بسعر (15) دولار هذا يعني: سابقاً كل 2كيلوغرام خضراوات يعطي للبلد (1) كيلو غرام من اللحم المستورد. حالياً كل 3 كيلو غرام خضراوات يعطي للبلد (1) كيلو غرام من اللحم المحلي. فليس من مصلحة البلدين غلق الحدود فيما بينهما نظراً لخسارة كلا البلدين فائض القيمة المستحصلة من التجارة. ناهيك على أنه لو فرضت رسوم جمركية على دخول كل سلعة فإن المنتج لا يتحمل هذه الرسوم - كانت بضاعته سابقاً تباع الكيلو غرام من اللحم (10) دولارات بعد فرض رسوم جمركية بمقدار (2) دولار عن كل كيلو غرام سيبيع المنتج الكيلو لحم حالياً بـ(12) دولار. الدولارين التي أخذتها الدولة كرسوم جمركية لم يتحملها المنتج بل وقعت على عاتق وكاهل المستهلك. من هنا يتبين لنا مخاطر الحد من انطلاق التجارة الحرة بالقدر البسيط من هذا التحليل ولا نريد هنا الخوض في التأثيرات الاقتصادية الكبيرة الأخرى التي تحدثها قيود التجارة ناهيك عن التأثيرات السياسية والاجتماعية الأخرى ويبقى القول أنه مادام هنالك آثاراً إيجابية في مستوى الإطلاق بالإمكان اتباع الدول الإسلامية سياسة تكفل مصلحة الجميع ولا استحالة لهذا الموضوع مطلقاً إنما تبقى القرارات السياسية والتخطيط المتوازن والنوايا الحسنة هي مدار هذا النجاح أو الفشل على الرغم من أن الدول الإسلامية تدرك جيداً فوائد هذا التعاون على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي فضلاً عن المستوى الحضاري العام. وأخيراً يبقى ما للأمة الإسلامية من إمكانات فكرية وبشرية وموارد طبيعية ضخمة بيد القرار السياسي والإرادة الجدية للتغيير فما لم نحرر المسلمين من الاستبداد والقمع ونرفع موانع التقدم من تفرق وتشتت وتوزيع في الأهواء والاتجاهات سيبقى الكلام على ما هو عليه والله الموفق. |
|||
(1) الاقتصاد بين المشاكل والملوك: لسماحة آية الله العظمى الشيرازي ص72. (2) نظرات في علم الاقتصاد: مجموعة مؤلفين 150-153. (3) أسس الأخلاق الاقتصادية: الدكتور عادل العوا. (4) التكاليف الصناعية: علي توفيق علي ص281. (5) الاقتصاد السياسي: للدكتور خالد الحافظ ص330. |
|