لا يخفى أن
الإنسان محاسب عن كل دقيقة مرّت عليه
إن خيراً فخير وان شراً فشر فمن جملة
الأمور التي يسأل عنها الإنسان يوم
القيامة:عن عمره فيم أفناه.. ثواني
ودقائق عمره كيف قضاها وماذا حصل
منها، لذا أكد الإسلام على استغلال
الوقت وعدم تضييع ثوانيه منذ بادية
حمل الأمانة واستلام المسؤولية، حيث
يصبح الإنسان معجوناً بالجدية
والاستقامة متحمّلاً أصعب الظروف
واشد الضغوط، وإذا كانت بداياته هكذا
لا بدّ وان يكون ناجحاً في جميع
مشاريعه وأعماله لأنه جد وعمل واستغل
الوقت بكامله.
أما الذين ما
زال الوقت يقف حائلاً دون تقدمهم في
العمل أو الدراسة، ولم يستطيعوا
السيطرة على عوامل هدره وأسباب
تضييعه فنقدم لهم بعض الحلول:
1- دراسة
معطيات الماضي، وتصفح تاريخ الأيام،
وقراءة حياة المتفوقين الذين
استطاعوا أن يحفروا أسماءهم على
صفحات التاريخ المشرق، فهذا الشيء
يحرض الإنسان ويدفعه نحو العمل
ومواصلة المسيرة وتحمل المشاق
للوصول إلى ما وصل إليه الأعلام
والمتميزين.
أما إذا
كانوا أحياء فيكون من اللازم زيارة
هؤلاء والتعرف عن قرب لكيفية تمضية
أوقاتهم والطرق العملية للسيطرة على
الوقت وعوامل نجاحهم في بعض
المجالات، وهذا كفيل بزرع التحرك
وإعطاء الشحنات اللازمة للانطلاقة،
يقول أحد الخطباء إنني عندما أصاب
بحالة من الكسل والخمول أسافر إلى
مدينة قم المقدسة لزيارة سماحة
المرجع الديني الإمام محمد الشيرازي(حفظه
الله ورعاه) فأنا عندما أشاهده أحس
بانتقال شحنات قوية من عزيمته
وإصراره على العمل والمواظبة على
التحرك إلى روحيتي لذلك اعتبره (داينمو)
دائم التحرك يعطي شحناته لمختلف
الأطراف والجهات القادمة إليه.
وعبقرية
الإمام الشيرازي تحتاج إلى وقفة تأمل
ودراسة دقيقة، فهي قدوة مثالية في
طريقة تعامله وتصرفه بالزمن، وتعود
كثرة مؤلفاته وتخطيها الألف الأولى
إلى هذا السبب بالذات، أما مطالعاته
فكثيرة وفي مختلف المجالات يكفي أن
نعرف أن كتاب [الفقه السياسة] كتبه
بعد أن طالع أكثر من 400 كتاب سياسي
ولذلك جاء الكتاب متميزاً في حقله
وفريداً في نوعه.
2-
اعتماد
المرحلية في العمل والدراسة، فالذي
يرسم برنامجاً دقيقاً لتأليف كتاب
ويحدد له سقفاً زمنياً معيناً مع
ملاحظة جميع الاحتمالات والطوارئ
سيصل إلى نتائجه بدون تضييع للوقت
ولا إرهاق للنفس وهدر للطاقات، وهكذا
ينتقل إلى مرحلة أخرى ليبدأ من جديد
وهو مطمئن بأنه سينال غايته ويحقق
أمنياته بدون أدنى شك.
وتتأكد
المرحلية في الاستراتيجيات الطويلة
والسياسات أو الممارسة الممتدّة،
حيث تحتاج إلى تقسيم للمراحل وتوزيع
للجهود والطاقات لكي يصل الإنسان إلى
الغاية القصوى وهو ما زال بكامل قواه.
3- الاستفادة
من أوقات إقبال النفس، فالإنسان الذي
يدرس بلا شك سيمر في حالات إقبال
وإدبار للنفس فإذا استطاع تنظيم
أوقاته بحيث يجعل أوقات إقباله
كالصباح الباكر أو أي وقت آخر يرى فيه
النفس مطمئنة، يجعلها للدروس
المعمقة والثقيلة، في حين يترك
الحالة الأخرى لمطالعاته العامة
والبسيطة ليرفع بذلك ضجره وملله،
وبهذه الطريقة يكون قد وفق للاستفادة
من جميع أوقاته بدون استثناء، وقد
وردت الأخبار حث الناس إلى استثمار
حالات الإقبال في النفس للتزود فيها
من النوافل وأعمال الخير، فإن «للنفس
إقبال وأدبار».
4- التصميم
على عدم التفكير في المشكلة في غير
الأوقات المعينة ووضع حواجز
كونكريتية بين ما يحدث له في البيت أو
ضغوطات الحياة الكثيرة وبين محل عمله
أو وقت دراسته ليجعل الزمن يعيش حالة
استقرار كامل أثناء العمل أو الدراسة
أو التفكير.
ثم إن
الإنسان عليه أن يلقن نفسه بان
المشاكل مسائل طبيعية في الحياة وليس
هو الوحيد الذي يصاب بها وكل من سار
في هذا الطريق وجميع العظماء مروا
بمختلف المشاكل والصعاب، فحينئذٍ
تتصاغر المشاكل عنده ويرتفع إحساسه
بالنقص واعتياد ما يمرّ به مما يدفعه
للانطلاق نحو ميادين العمل بروح
متفائلة واثقة.
5- على
الإنسان أن يزرع في نفسه روح التحدّي
والمنافسة، إذ أن للتنافس دوراً
كبيراً في إيجاد الروح الجدية والسير
الحثيث نحو الهدف، ونجاح الكثير من
التجار يعود إلى هذا السبب فترى كل
واحد منهم في صراع دائم (إيجابي) مع
أقرانه للحصول على المكاسب الكبيرة،
كذلك بالنسبة للعامل والطالب عليه أن
يوجد خطاً تنافسياً قوياً مع رفاقه
ومع الزمن لرفع مستواه الدراسي
والثقافي أو تطوير أعماله.
ويجب أن لا
ننسى أن التنافس محبذ ومطلوب في
مجالاته الواسعة كما قال تعالى:] وفي
ذلك فليتنافس المتنافسون[ أما أن
يتحول إلى حالة مرضية كالحسد مثلاً
فهذا أمر مرفوض ومنهي عنه، بل ويخرج
عن كونه تنافساً إلى صراع وشتّان
بينهما.
6- كن
إيجابياً ومتفائلاً.. ولا تقترب من
كلمة (أحاول)، (سوف) لتؤجل أعمالك
اتكالاً على المستقبل الغامض فأنت
ابن وقتك، والخاسر من يترك وقته
اعتماداً على ذخيرة مستقبلية غير
مضمونة، ثقتك بنفسك بأنك قادر على
إنهاء العمل أو الانتقال إلى مرحلة
متقدمة كفيل بان يعطيك الزخم القوي
من المعنويات والطاقات الإضافية
التي تساعدك على اختزال الكثير من
الأوقات الإضافية.
إن حالة
التردد والتشاؤم يجب أن تقتل في
مهدها قبل أن تستفحل وتصبح حالة
سلبية فالإصرار على نبذ التشاؤم
والتحرك بسرعة لقتل حالات الترديد
والتسويف مؤكد عليها في كل آن وقد قال
أمير المؤمنين عليه السلام:«اعمل
لدنياك كأنك تعيش ابداً، واعمل
لآخرتك كأنك تموت غداً ».
7- ملء
الفواصل الزمنية، وفترات الاستراحة
بين الأعمال، ودقائق الذهاب والإياب
في التفكير والتأمل أو مطالعة بعض
الكتيبات الصغيرة، فإن هذه الأوقات
وان كانت قصيرة تافهة للنظرة الأولى
لكنها توفر للإنسان نتائج ومعطيات
كثيرة إذا اجتمعت، أليس البحر يتكون
من قطرات الأمطار والصحارى من
الذرات؟
ثم إن هذه
الفواصل والمقاطع والفترات عموماً
كثيرة فإن تركت سوف تمتد إلى الأوقات
الأصلية للدراسة أو العمل، فافضل
طريقة للقضاء عليها أو تحجيمها هو
عدم تركها وحيدة واستغلالها في مختلف
البرامج قبل أن تستفحل وتتحول إلى
كابوس مرعب.
8- الشعور
الإيجابي بالنقص، وهو محفّز قوي لجعل
الإنسان يحسّ بمدى احتياجه للوقت
لسدّ النقص الحاصل في ذاته، والذين
وصلوا إلى الكمالات السامية
والدرجات الرفيعة انطلقوا من هذا
الشعور بمعناه الايجابي الذي يجعلهم
دائماً في نقص واحتياج وطلب المزيد
فجدوا واجتهدوا واستغلوا دقائقهم
وثوانيهم لبناء أنفسهم.
9- الإحساس
بالمآسي والمشاكل، عبر الاحتكاك
الخارجي وعبر العيش في بطن التجربة
ولمس الواقع المعاش، ينمي روح
المسؤولية وتقبّل المهام الكبرى،
ومن أحسّ بالمسؤولية وتقبل المهمة
يصعب عليه عدم العمل وإنهاء المهمة
بأكمل وجه وبأسرع وقت.
أليس ما يجري
للمسلمين اليوم وما يخطط لهم
مستقبلاً حافزاً قوياً لتحريك
الاحساسات وتقبل مختلف المهام
واستغلال كل الظروف لمواجهته ودحره؟!
إننا محاسبون
عن كل دقيقة أهدرناها وعن كل ثانية
فقدناها لان المواجهة كبيرة والخطر
عظيم ولا يمكن مقاومة ذلك ونحن نعيش
حالة من الخمول والكسل وأوقاتنا تذهب
سدىً والزمان لا يكرّر نفسه والفرص
تمر مرّ السحاب والآخرة على وشك..
وصدق أمير المؤمنين عليه السلام
عندما قال:«من وجد مورداً عذباً
يرتوي منه فلم يغتنمه، يوشك أن يظمأ
ويطلبه فلا يجده».
|