أساسيات الحوار... والتفاهم |
|
كيف نبني جسور الثقة والاحترام المتبادل؟ |
|
فاضل الصفار |
|
- لا أظن أحداً يشكُّ في ضرورة وجود علاقات متبادلة مع الآخرين تدعمها المحبة وتقوّمها الثقة والاحترام المتبادل... إلاّ أنَّ السؤال الذي قد يدور في خلد كل واحد منا.. هو: ماذا ينبغي أن أفعل حتى أكسب ثقة الآخرين واحترامهم؟ وربما ينعكس السؤال هكذا أيضاً ما هي الصفات التي يجب أن يتّسم بها الآخرون حتى يحظوا بثقتنا واحترامنا؟ إذ لا فرق بين السؤالين لأنَّ كليهما وجهان لجوهر واحد.. يتلخّص في: مدى الثقة.. والاطمئنان.. والاعتماد على النفس وعلى الآخرين في التعامل الاجتماعي والإداري.. ومن الواضح إنّنا لا نتحدّث عن الصفات الشخصية الخاصة، التي يحظى بها المحترمون وذوو المكانة والشأن في المجتمع من العلم والإخلاص والتواضع ومعاشرة الناس بالحسنى وغير ذلك من سمات النبل والشهامة والتديّن التي ينبغي لنا كبشر أن نتمتّع بها لكونها مزايا إنسانية شريفة أولاً وكمؤمنين ملتزمين بقواعد السلوك والأخلاق القويمة التي أدَّبنا عليها الدين وأولياؤنا الطاهرون عليهم الصلاة والسلام.. إنما الحديث.. يدور عن العلاقات التي ينبغي أن نقيمها بين بعضنا البعض كجماعات عاملة، لها من اختلاف الرؤى والاجتهادات وتباين الأولويات الشيء الكثير الذي قد يفصل بينها في كتل واتجاهات متعدّدة في نفس الوقت الذي تدعوهم المصالح والأهداف المشتركة إلى التفاوض والحوار والتعاون.. |
|
- ينبغي أن نعرف.. أنَّ التعددية في الاتجاهات أمر واقع وطبيعي... هكذا كان البشر في طبايعهم وأطباعهم وربما هكذا أراد الله سبحانه لهم ( وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) (1)... ( واختلاف ألسنتكم وألوانكم) (2) فلا مجال.. لذوبان أحد الطرفين في الآخر.. بل وربما غير ممكن أحياناً لأنّه تعطيل لسنّة الاختلاف كما أنَّ ضرورات الحياة والعمل تجعل من غير الممكن البقاء على حالة الانفصال الدائم وقطع العلاقات بلا حوار ولا تفاوض ولا ارتباط. إذن لابد من وجود طريق ثالث للارتباط هو إيجاد علاقات إيجابية وبنّاءة تنظم الاتصال بالفئات المختلفة وتحفظ للجميع استقلالهم في نفس الوقت الذي تضمن لهم مصالحهم.. إذن الارتباط المثمر البنّاء هو الذي يقوم على أواصر الثقة والشعور بالاطمئنان وإذا توصلنا في يوم من الأيام إلى نتائج سلبية مع أي طرف من الأطراف فلنعرف أنَّ الخلل لم يكن في الحوار أو الارتباط.. وإنّما الخلل في نوعية الارتباط والشعور الذي يعيشه كل طرف من الأطراف تجاه الآخر وهو يمارس دور المفاوض الساعي وراء التعاون والحلول البناءة. فإن الإحساس بالثقة يزرع الأمل بين الجميع ويفرض التفاهم على الخلاف.. بينما الإحساس بالقلق يعكس الأمور إلى الوراء ويخرج بنتائج فاشلة.. إذن لنعيد السؤال الذي ابتدأنا به الحديث ثانية.. نقول: كيف ينبغي أن نعمل لتكوين علاقات وثيقة ومتوازنة مع الآخرين نعيش معها في ظل سلام دائم وثقة متبادلة وتعاون مشترك؟ أو قل.. ما هو السبيل إلى زرع الحوار والثقة بين الجميع.. وفرض أجواء إيجابية مثمرة نتمتع به نحن وغيرنا على سواء؟ |
|
- هناك بعض الخطوات التي ترسم لنا آفاق المستقبل الناجح وتظلل حياتنا العملية و مؤسساتنا بأجواء التفاهم والحوار بعيداً عن القلق والاضطراب.. ومخاوف الهزيمة والفشل. نطرحها بعنوان مقترحات.. - أولاً: لنحرص دائماً على أن يكون أول لقاء لنا مع أطرافنا الأخرى لقاءاً إيجابياً يسوده الصدق والواقعية والاهتمام من أجل التفاهم والحل.. فأحياناً يحدد (أول لقاء) السلوك الذي يظلل أجواء المحادثات والروابط، ويحكم على نتائجها بالإيجاب أو السلب.. يقال.. أنَّ في مواقف المفاوضات تعتبر اللحظات الأولى من أهم لحظات الحوار وأكثرها تأثيراً على النتائج.. ولعلّنا جربّنا بأنفسنا ونحن نمارس أعمالنا في حياتنا اليومية... كم إلتقينا بأفراد وكم تحدثنا وتحاورنا.. وقد مروا علينا الكثيرون أحببناهم في أول لقاء واستمرّ هذا الحب حتى تحول إلى علاقات متينة قائمة على المحبة بالفعل وبعضهم لم نشعر اتجاههم بارتياح أو علاقة جيدة من أول لقاء أيضاً وربما استمرّ هذا لمدة طويلة.. طبعاً.. قد يصيب الانطباع الأول وقد يخطئ.. كما انّه ليس ميزاناً واقعياً دائماً للحكم على الأفراد وتحديد كيفية التعامل معهم إلاّ انّه أمر موجود في العلاقات الاجتماعية ويتحكم فيها عند بعض الأفراد.. كما أنّ هناك من يخضع لهذا الانطباع الأوّلي ويسير دائماً باتجاهه.. فإذا شكل عنده انطباعاً سلبياً اتجاه الآخرين فانّه سيقرر نوع علاقته أيضاً ويجعله يتعامل مع طرفه الآخر بالقلق والخوف وسوء الظنّ والتشكيك بالنوايا.. والعكس بالعكس.. وينبغي أن نعرف.. أنَّ هذا الطبع لا يحكمنا نحن فقط بل قد يحكم أطرافنا الأخرى أيضاً لذلك يجب علينا أن نتذكر في مواقف الحوار والتفاوض كما أنّنا نشعر بالقلق تجاه الآخرين الأمر الذي يدعونا إلى ترك الحوار أو الاستمرار به بطريقة فيها من التشكيك واليأس واستهلاك الوقت أكثر مما فيها من الأمل.. كذلك قد يشعر الآخرون اتجاهنا بنفس الشعور فيدعوهم إلى مواقف شبيهة بمواقفنا في تجنّب الحوار والتعاون.. لذلك لنحرص دائماً على أن يكون أول لقاء لنا مع الآخرين لقاءاً إيجابياً واضحاً وصادقاً فيه من المحبة والوئام والإنصاف ما يدعوا إلى الاحترام وزيادة الثقة والاطمئنان.. وإذا أردنا أن نعرف أننا نجحنا في بناء الثقة أم لا؟ علينا أن نلتفت إلى ردود الطرف الآخر في أثناء الحوار، فإن الطرف الذي يعاني من هذا الإحساس غالباً ما يتجاوب مع الحوار بأحد هذه الطرق –كنموذج-. 1- أن يلتزم السكوت والحذر في أكثر فرص النقاش والتحاور (نوع من الحصانة والدفاع أمام الاختراق). 2- أن يصبح متواتراً فاقداً للتوازن وربما يتخذ أسلوب الهجوم الحاد ويتناول الأمور بطريقة مبعثرة يخلط فيها الأوراق ونقاط البحث بغيرها ويحسب شيئاً على حساب شيء آخر.. (تعبير غير مقصود عن المخاوف والقلق والتشكيك بالآخرين). 3- التظاهر بأنّه أكبر من الموجود وأعلى شأناً منه فيتصنّع إبراز الثقة الزائدة بالنفس فيلقي النكات ويكثر المزاح ليبعد الحديث عن الجديّة ويشير إلى أنّ ما يدور في خلده ويعد في قائمة أولوياته أكبر بكثير من هذا.. أو غير ذلك من أساليب لرد الفعل الذي ربما يدل على اليأس والإحباط وانعدام الثقة.. إذن علينا دائماً أن نكون حريصين على حفظ الثقة والعمل على تناميها وتقويتها لتقودنا إلى حوار جدي مقبول يضمن لنا ولأطرافنا النجاح والتقدم.. ولعلّ من أفضل الطرق إلى ذلك الحديث عن النفس والكشف عن أسباب الخوف ودواعي القلق الذي يكنه الآخرون تجاهنا أو نكنّه نحن تجاههم والكثير من التجارب أثبتت أنَّ أول مسارات القلق تبدأ من غموض الطرف الآخر وعدم الاطلاع على ما يدور في خلده من نوايا وأفكار وتطلّعات.. ومن الواضح أنَّ التعامل مع الغامضين يثير الشكوك ويدفع بالتخيّلات والأوهام لتتحكم بسلوكنا قبل غيرها لذلك علينا أن نبدأ في لقاءنا الأول بتبادل المعلومات والحديث عن النفس وما يدور في خلدها بمقدار الضرورة من أهداف ونوايا دعتك إلى استعداد للحوار لنكون واضحين عارفين ماذا نريد والى أين ننتهي فإنَّ هذا سيساعد كثيراً على أن يفهمك طرفك الآخر بطريقة سهلة وبسيطة وبالشكل الذي أنت تحب أن يعرفك بها أيضاً.. كما يساعد كثيراً على بناء الثقة وزرع الطمأنينة. إنَّ العديد من المفاوضين يذهبون للقاء الآخرين وهم يحملون معهم تداعيات ذهنية وخلفيات سابقة حملوها من لقاءاتهم الأولى.. لذلك يبدأون بالتعامل معهم حسب هذا التقييم فيصابون بالانتكاسة وعدم الإنصاف.. وهذا أمر من شأنه أن يزعزع ثقتك بنفسك وثقة جماعتك بك فضلاً عن ثقة الآخرين.. |
|
ثانياً: لنحرص دائماً على أن نتعرّف على أنفسنا نحن قبل أن نخوض غمار الآخرين.. وعلينا أن نحدّد ما هي مواقع الضعف فينا وما هي مواقع القوة بشكل واقعي ومعتدل لكي نتعرف دائماً أين نضع أقدامنا في الطريق الصحيح وذلك لأنّنا في مواقف التعامل مع الآخرين ننتبه غالباً إلى نواحي قصورنا بدلاً من التركيز على نقاط قوتنا.. إمّا لأنّنا نحذر المواجهة من مواقع الضعف فنصاب بالانتكاس أو لأنّ الضعف يصيبنا بالقلق والخوف أكثر مما تشعرنا القوة بالثقة.. ولعلها النقطة نفسها التي تجعلنا ننظر إلى الأطراف الأخرى من زوايا قوتهم وأحياناً نهوّل ما عندهم بشكل غير مقصود ولا نلتفت جيداً إلى مواقع الضعف فيهم.. والأزمات التي يعانون منها.. فترى في الغالب يدور هذا الحديث بين الأفراد.. * إنَّ الجماعة الفلانية لها من القدرات كذا وكذا.. كما أنّها تتمتع بتنظيم كبير بينما نحن نفقد ذلك.. * وقامت بالانفتاح على مواقعنا في مناطق عديدة.. * وربما قلبت الأوضاع لصالحها على حسابنا.. بينما نحن في تراجع أوفي إهمال أو كسل ونحو ذلك من التصورات.. في حين إذا دققنا النظر نجد أنَّ المبالغة فيه والتهويل أحياناً اكثر من الحقيقة.. - إذن علينا أن ننظر إلى أنفسنا بعين باصرة منفتحة على الحقيقة لنقيّم الأمور بميزانها الصحيح وننظر إلى نقاط الضعف كما ننظر إلى نقاط القوة ونحسب للقوة حساباته كما نحسب للضعف حسابه.. ونفس الأمر يجري لدى تقييمنا للآخرين.. فإنه ينبغي أن يتم وفق نظرة صحيحة ومنطقية فلا نبالغ في قوته ولا نستهين بضعفه.. فانّ الدخول في علاقات عمل وإقامة روابط وتعاون مشترك مع الآخرين يستدعي أن نكون واقعيين لتزداد ثقتنا بأنفسنا وثقتنا بالآخرين.. فإنّ من لا يعرف نفسه ولا يعرف غيره سينتهي في آخر المطاف إلى اتخاذ سياسة في الغالب غير مدروسة فيبتلى بوضع الأمور في غير مواضعها.. لذا قد يصاب بالهزيمة والانسحاب أو يصاب بالكبر والغرور وكلاهما تطرّف في الموقف يقوده إلى الفشل والخسارة. والذي يبدو من خلال التجارب العديدة بل ومن خلال معرفة طبيعة البشر أنَّه لا يوجد أناس دائماً في انتصارات وآخرون دائماً في هزائم.. كما لا يوجد أُناس خيِّرون دائماً وأخرون شريرون دائماً إلا ما ندر.. وكذلك أُناس ناجحون دائماً وآخرون فاشلون. بل كل فرد منّا وكل جماعة أيضاً يملكون خصالاً جيدة وأخرى سيئة كما يملكون مظاهر قوة ومظاهر ضعف.. وهذا لا يمنع من قدرتهم على تنمية القوة وتحجيم الضعف والعكس صحيح إذا أرادوا ذلك وخططوا وقاموا بشرائطها ومقوماتها الصحيحة. إذن علينا أن نتجنب هذا الخطأ دائماً.. ونضع له في أذهاننا نصيباً جيداً من التوجه و الالتفات.. ولعلّ الخطوة الأولى التي تضع أقدامنا على الصواب هي: تقييم قدراتنا وتحديد مواقع ضعفنا ومواقع قوتنا لدى التعامل مع الآخرين وهنالك أساليب توفر لنا فرصاً أكبر للوصول إلى تقييم منطقي مقبول.. منها: أن نعد قائمة نسجل فيها نقاط قوتنا وقائمة ثانية نسجل فيها نقاط ضعفنا بتأنّ وروية وصراحة متناهية..( بَلِ الإِنسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (3). ولنعرف انه كلما ازداد وعينا بقدراتنا وتعرفنا على إمكانياتنا بشكل واضح ودقيق سيكون بإمكاننا تجاوز الأخطاء وتجنب الفشل.. كما سيكون بإمكاننا الاستفادة من القوة. ومنها: وهناك طريق آخر قد يوصلنا إلى الأمر بشكل أدق واشمل وهو القيام باستطلاع رأي الأصدقاء و المعارف الموثوقين عن قدراتنا ومهاراتنا وتشخيص القوة والضعف.. ولو وجّهنا إليهم بعض الأسئلة بتواضع وسعة صدر سنكون أقرب إلى الواقع وأدق في التشخيص كما سنكون أكبر في عيونهم وقلوبهم. *ما هو انطباعك عني وأنا أمارس دوري في العمل؟ كيف ترى فعلي وردّ فعلي في الأحداث ؟ ما هو تقييمك لأفكاري وآرائي التي أبديتها تجاه الأحداث أو للآخرين؟ هل تعدّني ناجحاً أم فاشلاً وما هي الأسباب التي تراها في ذلك؟ ونحو ذلك من أسئلة.. وستجد أنَّ الحصيلة التي تخرج بها تحمل في طياتها الكثير من الحقائق الخفية التي لم تكن تطلع عليها بشكل جيد ودقيق لولا سعة صدرك وإقبالك على تقييم نفسك من وجهات نظر أخرى قد تملك القدرة على التشخيص اكثر منك.. ومنها: وهناك طريق ثالث لا يقل أهمية عن الطريقين الأوليين إلاّ انّه يحتاج إلى المزيد من التوجه والالتفات وهو.. السعي الدائم لدراسة تجاربك في النجاح والفشل.. فإذا عرفت أسباب النجاح وعرفت أسباب الفشل سيدعوك دائماً هذا التشخيص إلى تكرار الناجح واجتناب الفاشل.. الأمر الذي يوفر لك الكثير من فرص التقدم والنمو والرشد والتكامل.. وزيادة الثقة بقدراتك الشخصية. |
|
ثالثاً: عبّر عن انطباعاتك الحقيقية تجاه طرفك الآخر.. واكشف له بواطن تفكيرك عنه.. طبعاً.. لا نقصد من هذا الكشف عمّا يمكن أن يضرّ بك أو بالمحادثات ولا نقصد منه الاستفزاز وإثارة كوامن الغضب فإن الأفراد يختلفون من جهة تحمّلهم وسعة صدورهم فرب طرف لا يتحمّل أن تبوح له عن حقيقة انطباعك عنه وخصوصاً النقد ورب فرد آخر يحبذ ذلك ويعدّه نوعاً من الشهامة والصدق في التعامل.. فهذا أمر ينبغي للحكيم أن يعرفه ويدرك أين يستخدم أسلوب الصراحة وأين يستخدم المجاملة.. إلا أن الكشف عن الانطباع الذي نحمله تجاه الآخرين -في الغالب- يعد نقطة قوة تزيد من أواصر الثقة وخصوصاً في مواقع المدح.. بل والنقد إذا جاملنا في طريقة بيانه. والذي يبدوا أن هذا مما أشارت إليه الروايات العديدة الواردة عن أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.. فمنها ما أشار إلى استحباب أخبار المؤمن بمدى حبك له وحقيقة شعورك الإيماني تجاهه كما أن بعضها أشار إلى ضرورة النصيحة وكون المؤمن مرآة المؤمن وضرورة التفات المؤمن إلى تصرفات أخيه من أجل أن ينصحه ويدلّه على الهدى.. طبعاً العديد منّا ربما يشعر بالحرج إذا أراد التعبير الواضح عن تصوّراته تجاه الآخرين وربما يخشى البعض من ردود أفعال لم يحبذها ولم يقصدها إلاّ أننا نؤكد أن أسلوب الكلام وطريقة التعبير لها دخل كبير في قبول النصح أو ردّه واستقبال النقد واعتباره بنّاءاً أو ردّه واعتباره قدحاً.. لذا قد نترك لك بعض النماذج للتعبير الإيجابي والكشف عن انطباعاتك عن الآخرين.. - انك إنسان تحب النظام الدقيق كثيراً لذا أخشى أن أفشل في تعاملي معك فارجوا أن تساعدني على التوافق. - إنني أهابك شيئاً ما ولذلك أحاول أن أكون دقيقاً في تعاملي معك لنصل إلى نتائج مطلوبة.. - إنني اقدر أتعابك والجهد الذي بذلته من اجل عملك لذلك ينبغي أن احفظ لك هذا الجهد ولا أنساه وأنا أحاورك.. فأتمنّى لو ترعى اهتمامي وأتعابي أيضاً. - إن مرآك يذكرني بالهدوء والتصميم على النجاح. - اعتقد انك تقدّر ما اطمح إليه لأنك رجل صاحب تجربة مريرة في هذا العمل.. لذلك أتوقع منك أن تساعدني في إنجاح مهمتي.. وغير ذلك من التعابير التي تحمل في بطونها وجهين.. وجهاً يشير إلى بعض المخاوف كما يشير إلى نوع من المدح والرضا الأمر الذي لا يجعل كلامك سلبياً ينظر إليه الآخرون بعين قادحة تريد الشماتة.. وهو من شأنه أن يزيد علاقات الود والمحبة ويرفع من درجة الثقة والإخلاص في التعامل.. وخصوصاً في تلك الأحوال التي نريد فيها أن نقيم تعاوناً أو نحل خلافاً ما، إذ أن الشريك يمكن أن يدرك حاجاتنا ومصالحنا بشكل صحيح وربما يدعوه الإنصاف والتعقل إلى العمل على تقديم المساعدة لنا من أجل تحقيقها عندما نحدثه عنها بصراحة وثقة مع تقدير لطموحه وجهوده.. إذن.. إذا أردنا أن نقطع السبيل أما الخيالات والأوهام ونمنعها من التحكم في علاقاتنا بالآخرين فعلينا أن نحرص على لقاءاتنا الأولى ثم نقيّم أنفسنا تقييماً دقيقاً وبعد ذلك نكشف للآخرين ما نحبه ونريده وما نتصوره اتجاههم واتجاه المفاوضات.. فإن ذلك يمنعهم من أن يغرقوا في الأوهام ورسم ملامح شخصيتنا بخيالات هي إلى الأوهام اقرب منها إلى الحقيقة. |
|
- إذا أردنا أن يحدثنا الآخرون عن أنفسهم فإن علينا أن نبدأ بالتعبير عن أنفسنا بصراحة وصدق.. فإنَّ بعض المفاوضين قد ينسون هذه القاعدة المنطقية في الحوار فيبدأون بالغموض فلا يبوحون بما يريدون أو يخافون أن يبادروا أطرافهم الأخرى بالحديث عن أفكارهم ورؤاهم وحقيقة شعورهم.. فيزيدون المحادثات إرباكاً وربما يضيفون عند أطرافهم شكوكاً أخرى تمنع من الحوار المثمر.. وينبغي أن نعرف أن الصراحة قد تكون أحياناً ضارة.. إلاّ أنَّ الصراحة المدروسة الهادفة يمكن أن تكون فاتحة تعارف متبادل وحوار صريح ومثمر.. لأننا عندما نتحدّث عن أنفسنا بصراحة نكون قد قدّمنا لطرفنا الآخر معلومات واضحة وصادقة عن أنفسنا وأغلقنا أمامه أبواب القلق وسوء الظن وفي نفس الوقت نكون قد ألفتناه إلى بعض أولوياتنا التي تدعوه إلى أن يراعيها ويسعى لاحترامها وإعطاءها القدر المناسب من الاهتمام.. في نفس الوقت الذي قد نكون قد أشعرناه بانعدام الفواصل النفسية بيننا وبينه وهو من شأنه أن يزيد من تماسكه واطمئنانه بنا.. الأمر الذي يعود عليه نفسياً بالارتياح والثقة ويدعوه هو الآخر إلى الانفتاح بصراحة وصدق.. وآثار هذه الصداقة والانفتاح على نتائج الحوار واستثماره لا تخفى علينا جميعاً.. فمن المفيد أن نعلم أن من مصلحتنا ومصلحة من نمثلهم في الحوار أن نعطي الآخرين -الذين نريد أن نتوصل معهم إلى تفاهم وتنسيق- فرصة جيدة للتعرّف علينا بوضوح لا أقل من بعض النواحي ذات الصلة بهدف لقائنا ومفاوضاتنا.. فإن الصراحة المتبادلة أثناء الحوار هي دعوة لتبادل المعلومات والمحادثة البنّاءة بين الطرفين كما أنها إشارة إلى نوع من الاحترام للطرف الآخر ومحاولة بناء ثقة متبادلة، كما أنها تمكن أن تكون بداية تواصل حقيقي ومثمر بين الأطراف والذين يشعرون بصعوبة في الحديث عن أنفسهم. هنالك مفاتيح لكلام ينبغي أن نستخدمها ليسهل علينا فتح أبواب الحديث على مساحات رحبة للتفاهم وبناء الثقة وكنماذج بسيطة لهذه المفاتيح.. لنعبر في بداية الكلام هكذا.. - أودّ أن اعبّر لك عن مشاعري ونحن نعايش هذه الفرصة واللقاء. - كم كنت انتظر هكذا مناسبات للالتقاء والاستماع إلى البعض عن قرب وبلا وسائط. - يا حبذا تتكرّر هكذا اجتماعات لنتبادل الأخبار والمشاورات. - احب أن أعلمك أن هذا اللقاء بالنسبة لي وللاخوة هو في غاية من الأهمية وأن الجميع ينظرون إليه بعين متفائلة. - طبعاً قد نحتاج إلى المزيد من الوقت لمدارسة الأمور بشكل اكثر إلاّ إني أود أن أعلمك بأن هذه الفرصة مناسبة جميلة للتعرف وتفهم حقيقة ما نشعر به ونطمح إليه. - إن نتائج محادثاتنا سترشدنا إلى الكثير من الذي ينبغي أن نعمله في المستقبل لنكون على توافق ونجاح متواصل.. وهكذا.. فهنا تجد.. أن كلمة (أود) و (انتظر) و (يا حبذا) و (أحب) ونحوها من التعابير فيها من الظلال النفسي الكبير الذي يعطي الآخر طابعاً إيجابياً وروحاً متفائلة بالنجاح.. كما يضفي الاجتماعات بروح أخوية يسودها الحب والاحترام.. كما تُلمح إليه انك تحب الصراحة بل وتصر على البوح بما يهم في إنجاح الحوار من معلومات وأفكار.. وطبعاً نؤكد مرة أخرى.. علينا أن نحذر أيضاً من البوح بأمور قد تستخدم ضدنا من خلال الحوار أو العمل فيما بعد أو تنتهي في آخر المطاف إلى إفشال الحوار والإضرار بالمصالح الأهم.. فان الحكمة ينبغي أن تلازم خطواتنا واحدة بواحدة لنضمن النجاح والسلامة مهما أمكن.. والضرورات تقدر بقدرها.. كما يقولون. |
|
رابعاً: قد نواجه في أثناء الحوار أُناساً لا يميلون إلى المحادثة الصريحة أو يشعرون بالإحراج في تبادل المعلومات لسبب أو لآخر فماذا ينبغي أن نفعل حتى نحبذهم إلى الصراحة والوضوح؟ قلنا سابقاً أنّ انفتاحنا نحن أولاً قد يجرُّ الطرف الآخر إلى الانفتاح هو أيضاً وهناك طريق ثاني لذلك هو أن نقدم بعض الأسئلة تتضمن إجاباتها معلومات وافية تلم بجوانب الطرف وتعرفنا على نمط تفكيره ومدى اهتمامه بموضوع الحوار.. مثلاً: ما هي وجهة نظرك اتجاه -القضية المبحوثة- وكيف تقيّم أهميتها؟ - هل ترى أنها من الأمور المعقدة التي تحتاج إلى عناية وتفكير شديدين؟ - ما هي مقترحاتك لمعالجة الأمر؟ -كيف تقيّم النتائج التي سنتوصل إليها في الحوار؟ - ماذا ينبغي أن نعمل حتى ننجح في اكتشاف طرق العلاج؟ ماذا تتوقع مني في المساهمة اتجاه الحل؟ - طبعاً قد يتصوّر البعض أنَّ الأسئلة تربك الطرف الآخر وربما تحرجه وتدفعه باتجاه الإحجام أو الانزعاج مما يمنعه من مواصلة الحوار بشكل أفضل.. ونحن نؤيد أنَّ هذا ممكن الحصول بالنسبة للبعض إلاّ أنه أسلوب ناجح أيضاً بالنسبة للبعض كما أننا إذا ركزنا في طريقة كلامنا وعرفنا كيف نمسك بمفاتيح الكلام وأسلوب البيان سنمنع من وقوع الحرج، بل وأحياناً يرفع هذا النوع من الكلام الحرج ويجعل الطرف الآخر يجيب عن أسئلتك بكل سرور وارتياح لأننا بأسئلتنا نكون قد وفرنا له فرصاً جيدة للتعبير عن آراءه وأفكاره كما نكون قد أشبعنا تطلعه في الاستماع إليه بشكل جيد واحترام وجهة نظره وهو أمر يرغب إليه كل متكلم.. إذن اكتشاف شخصية الطرف الآخر لا يحتاج دائماً إلى طرق غير مباشرة.. بل يمكن أن نسلك طرقاً مباشرة واضحة وبسيطة.. بتوجيه بعض الأسئلة التي ترتبط بموضوع المحادثات.. نعم ينبغي دائماً أن نتجنب الإحراج المتعمد أو استخدام الفضول كطريق إلى الحوار.. وفي أي وقت شعرنا أن الكلام بدأ يتخذ هذا المنحى فإن الحكمة تتطلب التوقف والخوض بما له دخل في المهم.. إن الحديث المفتوح والمباشر من خلال طرح الأسئلة الهادفة يوفر لنا ثلاث فوائد هامة في التفاوض... هي: 1- يفتح مجالاً جيداً للمعرفة والثقة واجتناب سوء الفهم. 2- تقديم معلومات صريحة وواضحة ومباشرة من وإلى الآخر. 3- السيطرة على الحديث وتوجيهه إلى النقاط الهامة التي من أجلها عُقد الاجتماع.. أهرب من الحرج ومن الواضح.. أن هذا الأسلوب نفسه يمكن أن يستخدمه الطرف الآخر معنا مستفيداً من نفس الحق لذا علينا أن نحدّد إجاباتنا على أساس ما ينفع في إثراء الحديث وإشباع الحوار بالمعلومات التي تنتهي به إلى النجاح. وأما الأسئلة التي تشعرنا بالحرج أو الفضول أو لا نرى من المصلحة الإجابة عليها.. فيمكن ن نستخدم حق الرفض بكلمة -لا- أو حق السكوت أو حق تغيير الكلام إلى مجرى آخر بحيث لا يسبب للطرف الآخر صدمة لا تليق بالأخلاق أو تمنع استمرار الحوار. كما أننا وبسهولة يمكن أن نجيب هكذا... لنترك الحديث عن هذا.. مع أني أود أن اشرحه لك بالتفصيل إلاّ أن الوقت لا يسمح الآن وسنكمل الحديث في وقت آخر.. ولنعد إلى موضوع الكلام.. وواضح إن هذا النوع من الجواب يفهمه المخاطب اللبيب وربما يلفته إلى أنه قد دخل منطقة محظورة في الكلام أو يكون قد سبب لك بعض الحرج.. وفي نفس الوقت الذي يعطيك مبرراً جيداً للامتناع وبشكل مناسب.. ونقترح.. لمن يتعرّض لهكذا أسئلة ولا يحبذ الإجابة عليها.. أسأل نفسك أولاً.. هل تريد أن تلبي فضوله؟ فإذا كان الجواب.. نعم – لمصالح وحكم ينبغي أن تعرفها أنت – فأجب عن سؤاله بأمانة واحترام.. وإن كان الجواب.. لا- لأسباب ينبغي أن تعرفها أيضاً- فيمكنك أن تعبر عن ذلك بوضوح وأدب فلك كامل الحق في الإجابة أو الرفض... هذه بعض الخطوات التي قد تكون تساعد في بناء جسور الثقة بين الأفراد وترفع من نسبة النجاح في التفاهم والاتفاق. |
|
(1) الحجرات: 13. (2) الروم: 22. (3) سورة القيامة: 14-15. |
|