دور القرار السياسي والقرار الاقتصادي في توحيد الأمة الإسلامية |
|
حيدر حسين كاظمي |
كادت الوحدة الإسلامية أن تكون في الوقت الراهن حلماً يراود الكثير ممن اخلصوا الحب والولاء لعقيدتهم وذلك نظراً للظروف الراهنة والصعبة والمعقدة على حد سواء التي تحيط بالأمة الإسلامية من جميع الجهات سواء على صعيد أبناءها أو على صعيد أعداءها. ولعل من بين العديد من المناقشات التي تدور حول حقيقة هذه الوحدة على ساحة الأحداث اليوم هو القرار الذي تتعلّق به هذه الوحدة هل هو القرار السياسي؟ أم هو القرار الاقتصادي؟. وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة نود أن نوضح مسألة هامة هي أن الوحدة والحكومة الإسلامية الموحدة في ظل اقتصادها الإسلامي هو أمر ليس خيالاً ولا ضرباً من المستحيل، ذلك أن عدم تطبيق شيء مدة مديدة من الزمن لا يلازمه عدم صلاحية ذلك الشيء للتطبيق إذ أن الصحة شيء والتطبيق شيء آخر، فإذا كان دواء الحمى لم يؤخذ ولم يطبق فهل معنى ذلك أن ذلك ليس دواء فقد ينشأ عن عدم الأخذ بالشيء عن الجهل به سواء كان الجهل ناشئاً عن الجهل المطلق أو ناشئاً عن عـــدم رشد البشر حتى يشعرون بالفائدة، أما الجهل مطلقه وخاصه بالشيء فلا يحول دون الأخذ به إلاّ في زمان وجود الجهل فإذا ارتفع الجهل وظهرت الحقيقة لزم الأخذ به. ومن المعلوم أن الاقتصاد الإسلامي قد طبق على البلاد الإسلامية في أكثرية ساحقة منذ زمن الرسول (ص) والى فترة قريبة بحيث كانت صبغة البلاد الإسلامية هي (الاقتصاد الإسلامي) أما عدم تطبيق الاقتصاد الإسلامي في الوقت الحاضر فهو يرجعنا إلى نقطة بدء الموضوع ألا وهي. |
القرار السياسي أم القرار الاقتصادي |
لا شك أن كلا القرارين لهما تأثير كبير على ضمان تطبيق الوحدة الإسلامية بكافة جوانبها والذي نعني به هنا الجانب الاقتصادي ولكن يدور الجدل حول من يسبق الآخر القرار السياسي أم القرار الاقتصادي. ولو نظرنا إلى التاريخ وتصفحنا أحداثه لوجدنا أن القرار الاقتصادي كتطبيق لم يكن على الوجود إلا في ظل الوحدة السياسية فعندما توحدت الأمة الإسلامية تحت راية الرسول(ص) وتحت قرار سياسي واحد أمكن إعطاء الاقتصاد الإسلامي المساحة الكافية التي يجب أن يسير عليها... وبالمقابل لو نظرنا إلى أسباب انفكاك هذه الوحدة وتشرذمها لوجدنا أن الأسباب الاقتصادية كان لها الدور البارز في صياغة شكل الأحداث ويبدو أن التلازم الواضح في القرارين السياسي والاقتصادي لا يمكن فصلهما عن صياغة شكل النظام السائد فعندما امسك البلاد حكام جائرون صار القرار السياسي يوجه الأمة إلى هاوية الضعف الاقتصادي الذي بدوره اضرّ ضرراً بالغاً بالوحدة السياسية ولكن تبقى قوة القرار السياسي راجعاً إلى قوة الاقتصاد وهو أمر لا جدال فيه وأنه على ضوء كثير من التجارب نرى أن المال هو الذي يأتي بالساسة وهو أيضاً يُذهب بهم بعيداً إلاّ انه سوف تبقى دائرة السياسة والاقتصاد لا تخرج عن وجهي العملة الواحدة ويبقى السؤال الرئيسي؛ هل يمكن صياغة واقع وشكل الوحدة الإسلامية على ضوء القدرات الاقتصادية المتاحة؟. |
التجربة الأوربية وصعوباتها |
لا بد لنا قبل الخوض في حيثيات وسائل الوحدة الاقتصادية التي يرسمها العالم الإسلامي لنفسه في هذا القرن لابد لنا أن ننظر بشيء من التأمل إلى تجارب الأمم المعاصرة في هذا المضمار ومن بين احدث التجارب العالمية في هذا النطاق هي التجربة الأوربية في توحيد عملتها، ومن المعلوم أن القرار السياسي لدى الدول الخمسة عشر الأوربية قد نضج إلى درجة كبيرة وهو يكاد يكون متفق عليه في محاولة إرساء قاعدة الوحدة بكل جوانبها التكنيكية والتكتيكية ولكن ما مدى نجاح هذه التجربة في بلورة شكل الوحدة القادمة في أوربا. |
صعوبات اليورو |
لقد اصبح اليورو عملة موحدة في أوربا ولو بالشكل البدائي فاصبح منذ الآن لكل سلعة سعران الأول سعرها بالعملة المحلية الحالي والثاني سعره بالعملة الموحدة وان هذه المقارنة الحساسة تشكل في بادئ الأمر إحدى المشاكل الأساسية وهي: |
1- القياس والتقييم: |
لا شك أن وجود هذين السعرين يجعل الصعوبة واضحة على خيارات المستهلك الشرائية وتوجهات المنتج في سياسته الإنتاجية ولو أن الجميع يعني المنتج والمستهلك متفقون على ضرورة التكيف مع وضـــع العملة الحالية لان هذا التكيف يعني في المستقبل الوصول إلى حالة الاستقرار والمنافسة القوية مقابل العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار الأميركي. أما جوهر الصعوبة لدى المنتج والمستهلك يكمن في مسألة عدم قدرة الاثنين على ترجمة الاقتصاد الوطني إلى لغة أرقام اليورو وان اغلب المتعاملين حالياً على نطاق السوق يتعاملون عبر الإنترنت والبورصات وما إلى ذلك وان استبدال كل هذه التشابكات المعقدة أمر صعب وخاصة على الذين يعتمدون في استثماراتهم على الأرباح المتجمعة من فارق العملات من جهة ومن هامش الربح البسيط التي تعطيه كل سلعة من جهة أخرى فلو حدث أي خطأ في عملية القياس والتقييم لما يريد شراءه أو لما يريد بيعه يعني كارثة على الاثنين أما حل هذه المشكلة فلا يأتي على المدى القريب وإنما يأتي على المدى البعيد بعد أن تستقر الأسواق على وضع اليورو الجديد وتنحل الارتباطات المالية القديمة والتعاملات السابقة وتبدأ بمعاملات جديدة على مستوى سعر اليورو الجديد وهنا تبدأ الصعوبة الأخرى ألا وهي ضمان بقاء القرار السياسي ثابتاً نحو الأهداف الاقتصادية التي رسمها لها معاهدة (ماسترخ) والتمسك بالمعايير التي وضعها مؤشر (Faynantial time) لكل دولة. |
2- السياسة الاقتصادية: |
ولتوضيح هذه المشكلة فان من المعروف أن السياسة المركزية لكل دولة تنقسم إلى قسمين: أ- سياسة ضريبية. ب- سياسة مالية نقدية. ج- التحديات الخارجية. (أ) أما السياسة الضريبية فإن لكل دولة من الدول الأعضاء سياسة خاصة بها تختلف صعوداً ونزولاً وبما أن جميع الدول ترتبط بعملة واحدة فإن اختلاف سياساتها الضريبية سوف يؤدي إلى اختلاف التوازن الاقتصادي لكل دولة وهو يعني نشوء حالة من الكساد في بلد وحالة أخرى معاكسة لها في بلد آخر ولو توجهت البضائع إلى البلد الآخر لأختل ميزان مدفوعات كل دولة وهذا يعني الرجوع مجدداً إلى حالة عدم الاستقرار ومن الواضح أن السياسة الضريبية ينبغي توحدها قبل كل شيء. (ب) السياسة المالية: وهي تحاول إيجاد استقرار بالعملة وتخفيض معدلات التضخم ومن الظاهر انه لا يمكن أن نقول بان السياسة المالية سوف تتوحد فعلى سبيل المثال في ألمانيا يوجد تضخم ولو أردنا معالجة ذلك لرفعنا من أسعار الفائدة في سياسة البنك المركزي وهذا يعني توجه الاستثمارات إلى ألمانيا ووجود كساد آخر في بلد أوربي آخر مما يجعل من حالة التضخم تظهر مرة ثانية في بلد آخر وهكذا دواليك. وللوصول إلى حال التوازن الكامل لابد أن تكون السيادة المركزية لكل دولة أن تصبح جمعية لكي يتسنى لها محاربة التضخم أو تقليل الأعباء الاقتصادية على بعض الدول ومن الطبيعي أن الوصول إلى هذه السياسة الجماعية لا يمكن له أن يتم بين لحظة وأخرى بل لابد أن تصل كل دولة إلى نفس مستوى الدولة الأخرى الاقتصادية وخاصة ميزان مدفوعاتها. لذلك رأينا منذ البداية أن سعر اليورو شكل في بادئ الأمر وميضاً كاذباً حيث وصل سعره مقابل الدولار الأميركي 1,35 أما بعد مضي عدة أسابيع على التعامل ظهرت المشاكل وفقد اليورو ذلك الوميض وسجل حالياً مقابل الدولار 1,14 وهذا لا يعني النظرة التشاؤمية على اليورو إنما هناك أسباب عديدة وهي أسباب مؤقتة وقفت عاملاً مساعداً على هذا الانخفاض منها أن العديد من الدول وعبر العديد من شركاتها مرتبطة بعقود لازالت نافذة مع دول أخرى وهي عقود طبعاً بالعملة المحلية السابقة وكلما بدأ التعامل باليورو يأخذ نطاقاً أوسع يمكن اعتبار ذلك دليلاً على تحسن وضعه القادم. (ج) التحديات الخارجية: من الواضح أن العملة الأوربية سوف يكون لها تأثيرات عديدة على اقتصاديات دول العالم منها أمريكا ودول شرق آسيا والدول العربية وينبغي عدم المغالاة في الثقة بالنفس بالنسبة لاقتصاد أوربا فينبغي البدء الآن بضبط في الميزانيات لكل دولة وعدم الخوض في برامج اجتماعية مكلفة والتي عادة ما تفيد أنصار المحاسيب وإعطاء التكاليف كثيراً من الاعتبار، والحفاظ الكامل على معدلات مرتفعة الادخار والاستثمارات للوصول إلى اكبر قدر من القوة في المنافسة التي سوف تواجهها مع دول شرق آسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وينبغي المحافظة على القرار السياسي الذي من اجله تُرشح العمال مرشحيها الذين وعدوهم بمعدلات عالية من الأجور وتخفيض الضرائب ولا شك أن هاتين المسألتين -المنافسة- ووعود الساسة لشعوبها سوف تواجه بالنهاية مشاكل ينبغي الالتفات لها مسبقاً قبل السقوط في أي اقتراع فوري. قد يلاحظ البعض الآخر أن انعكاسات اليورو حول العالم لا تبدوا بهذا الشكل من المأساة إنما قد تكون انعكاسات إيجابية فالسياسة الأمريكية الاقتصادية ليست نائمة أمام هذا التغير وطالما أنها قد أعدت لها عدتها فان الانعكاسات لا تبدوا خطيرة ودول شرق آسيا طالما بقيت محافظة على تدني تكاليف إنتاجها وجودة منتجاتها وتقبلها على مستوى الأسواق العالمية فانه أيضاً لا يوجد انعكاسات خطير وإذا كان الأمر كذلك فإننا نقول إذن ستكون السياسة خطرة على دول أوربا نفسها ذلك أن اقتسام خمس عشرة دولة أرنباً واحداً ليس كما لو أخذته دولة واحدة أو اثنتين هذا يشكل ضعفاً في نموها الاقتصادي وتراجعاً ملموساً في ميزانيتها التجارية وتبقى هذه المشكلة مطروحة لربما قد تحلها السنين القادمة التي يبدأ بها اليورو تعامله بشكل واسع. أما عن انعكاساته على الأسواق العربية فهو يبشر بخير إذ أن التعامل مع البلاد العربية سيكون واسعاً لسهولة التعامل مع اليورو الذي يمثل عدداً لا بأس به من الدول الأوربية بكل منتجاتها هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى من الممكن أن تزداد الاستثمارات العربية باليورو اكثر من الدولار لأنه إذا نجح واصبح عملة موحدة سوف يتخذ مركز الصدارة بالنسبة للاستثمارات فهو يمثل أرضية واسعة وكبيرة تمتد بامتداد أوربا كلها وخاصة إن ارتفاع أسعار الفائدة أو انخفاضها من مكان لآخر سوف يشكل عامل جذب كبير لرؤوس الأموال العربية. |
التجربة الإسلامية والعربية |
بعد أن بدأت تجارب العالم تأخذ أبعادها وصورها الملموسة على واقع الخارطة الجغرافية -التكتلات الإقليمية-الاقتصادية-السياسية- ينظر المسلمون بعين الألم والحسرة إلى تلك التجارب التي لو صيغت على واقع الأمة الإسلامية لوجد الإنسان المسلم نفسه ذا قوة على التحدي – المنافسة – القرار - التقدم وكما أوضحنا سابقاً أن الوحدة الإسلامية هي وحدة قائمة منذ الجذور أي ليس هناك انقسامات جذرية في واقع الأمة الإسلامية إن الإسلام قام على أساس توحّد المسلمين واشتراك المصير والهدف وأن الدولة التي أسسها الرسول(ص) لم تأخذ بطياتها واقع التجزئة الحالي التي تعيشه الأمم الإسلامية بل اعتبرت هذه التجزئة من الكوارث التي طالما حذر منها الرسول(ص) أمته وحثها على التمسك بالوحدة والجماعة والتآلف كما أعطت الآيات القرآنية العديد من الصور التي قامت عليها دعوة الرسول الكريم(ص) والتي يجب أن تكون عليها، ولعلنا يجب أن لا نأخذ موضوع ومسألة الوحدة الإسلامية على أنها حلم رومانسي أو واقع خيالي لأن واقعنا الحالي لبداية الدعوة الإسلامية. أن الأسس موجودة والأهداف والوسائل واضحة وضوح الشمس وما نحتاجه اليوم هو -القرار السياسي- القدرة الاقتصادية- وإن تجربة الوحدة ستكون في المستقبل واجبة ومفروضة على شعوب العالم الإسلامي في عصر يرى فيها المسلم نفسه محاصراً بين تكتلات لا ترحم الضعيف فإذا كانت الوحدة اليوم حلماً أو اختياراً بالتأكيد ستكون غداً ضرورة وواجب. ويبقى السؤال: حتى لو كانت الوحدة ضرورة وواجب في المستقبل هل تستطيع الدول الإسلامية تحقيق واقع الوحدة وفق قرار سياسي موحد؟. |
التجربة العربية المتواضعة |
وقبل الإجابة على هذا السؤال لنأخذ مثالاً بسيطاً يأخذ بعدا واحداً ووجهاً واحداً من أوجه الوحدة الإسلامية في قرارها السياسي المصحوب بالقرار الاقتصادي. حرب النفط: عندما استخدم العرب سلاح النفط ضد إسرائيل وحلفائها أعطى هذا السلاح نتائج كبيرة وحتى مطرحه في نفوس الأمة الإسلامية وهنا لدينا قرار سياسي موحّد صاحبه قرار اقتصادي مذهل. إن عوامل النجاح التي حققتها التجربة السابقة يستدعي من اكثر من وقفة لمعرفة الاسباب والنتائج ولو تمعنا بالكثير من النظر إلى واقع التجربة ونجاحها لوجدنا أن العرب كانوا في وضع يختلف كليا عن الوضع الحالي سواء من الناحية الاقتصادية أو من الناحية السياسية. أما من الناحية الاقتصادية: فان مجمل الدول العربية كان ميزان مدفوعاتها بمستوى الفائض التجاري أي أنه كان لا يعاني من عجز في ميزان مدفوعاته على العكس فان هناك فائض تجاري خلقته أسعار النفط المرتفعة التي تزايدت بشكل ملحوظ مع بقاء الاستهلاك المحلي والمشاريع الفضفاضة بمستوى منخفض هذا يعني وجود قوة للمساومة على المدى البعيد، فأنت عندما تريد أن تخوض حرباً لا بد لك أن يكون عندك خزيناً كافياً لضمان استمرار قتالك بوجه التفوق المطلوب والفائض يعني قوة مخزونة في رصيد المقاومة العربية وقتالها ناهيك عن عدة أمور خلقتها المقاطعة الاقتصادية النفطية وهي إيجابية على الدول العربية منها أنه عندما سحب العرض من الأسواق بصورة جماعية أدى إلى زيادة الأسعار بصورة جيدة وهذا يعني أنه لو كان سابقاً ينتجون مليون برميل مثلاً بسعر 15 مليون. اصبح الآن ينتجون نصف مليون ولكن بسعر 15مليون أيضاً وقد حقق ذلك مهمتين: 1- بقاء الدخل القومي على نفس المستوى السابق. 2- حرمان الدول المعادية من عنصر القوة لديها وهو النفط وهذا يعني ترجيح كفة المقاومة لصالح العرب وإعطاؤها عنصراً زمنياً إضافياً فضلاً على الاقتصاد الصحيح بالثروة القومية وهي النفط. وهنا لابد أن نقول أنه على الرغم من وحدة القرار السياسي وإجماعه فقد كان هذا القرار مصحوباً بقدرة اقتصادية تستطيع تنفيذ هذا القرار من جهة ومن جهة ثانية التصدي لقوة الأعداء ومحاولات الغرب من جهة ثانية. |
عودة إلى الواقع |
ولنعود إلى سؤالنا الأول عن إمكانية تحقيق الوحدة الإسلامية وبعد استعراض تجربة من تجارب الدول الأوربية الحالية وتجربة من تجارب العرب السابقة استطعنا أن نصل إلى نتيجة مفادها - أنه لابد قبل أن تتحقق الوحدة أن يكون هناك قرار سياسي موحد وقرار اقتصادي ضامن له ولكن نتساءل هل يمكن تجاوز هاتين المشكلتين في هذا العصر وكيف؟. القرار الاقتصادي: لا شك أن القرار الاقتصادي هو من القرارت الصعبة إذ أنه يحتاج إلى ارضية واسعة ومساحة واضحة للعمل الاقتصادي بينما لا يحتاج القرار السياسي ذلك التوسع في المساحة انما هو ارادة ثم تبني ثم العمل ومن بين اهم المشاكل التي يجب العمل على تجاوزها في هذا القرار هي: |
1- التفاوت الاقتصادي من بلد إلى آخر: |
(لقد وجد في احدى تقريرات البلاد العربية النفطية أن ثلاثة الاف أنسان يملك كل واحد منهم اكثر من الف مليون دولار في حين أن أن المعلم العراقي حالياً يصل راتبه إلى 3 دولارات شهريا وفوقه المعلم السوداني ثم المعلم المصري والى آخره)(1)،.هذا يعني تفاوتاً بالقوة الشرائية لكل فرد من افراد الأمة الإسلامية وعندما تكون القوة الشرائية متفاوته من بلد عربي لآخر هذا يعني اختلاف واضح في سعر صرف العملة الواحدة والمشكلة التي يطرحها بعض المعارضين لاقامة هذه الوحدة هي كيف يتسنى للدول العربية تخفيض هذا التفاوت فعندما تحدث الوحدة سوف يتركز اكبر عدد ممكن من العمال العرب مثلاً في دول الخليج بالنظر إلى قوة عملتها بينما سوف تعاني دول اخرى من العجز الواضح في الايدي العاملة نتيجة ضعف عملتها والجواب على هذا الاشكال المطروح يعود بنا إلى اكثر من نقطة للوقوف امامها ومعرفة مضامينها،. ان الوحد الاقتصادية لا تحدث بين عشية وضحاها ولا لمجرد قرار سياسي يتخذه القادة في اجتماعهم وفي اليوم الثاني سوف نرى الوحدة واضحة المعالم،.أن التجربة الاوربية خير مثال فعلى الرغم من أن الدول الاوربية وصلت إلى مرحلة متقدمة في اقتصادها وانعقد عزمها على قيام الوحدة الاوربية فلقد رأينا أن الحدود فتحت قبل الاسواق وأن القرار السياسي نفذ وطبق بينما لازال القرار الاقتصادي يعاني من عجز واضح في المسير بموازات القرار السياسي أنه يحتاج وحسب ما سلف ذكره فقط من حيث توحيد العملة إلى عدة سنوات قادمة لتتوضح مدى نجاح تجربته وفشلها هذا ناهيك عن خلفية قيام هذا القرار الذي تعود به الى عدة سنوات اذن لا بد للقرار العربي أن ياخذ مساره في هذا المجال الواضح في الفترة الزمنية المحسوبة،. |
التفاوت النقدي: |
ان مسألة التفاوت النقدي ليست مشكلة تحتاج إلى بناء حاجز ضخم امام الرغبة في أظهار هذا المشروع فأولاً من حيث القوة الشرائية للنقد فعندما تتوفر الصياغة الموحدة للعملة العربية أي قيام عملة عربية موحدة سوف تزول هذه المفارقات في القوة الشرائية والمشكلة لا تكمن هنا بل المشكلة في كيفية الوصول إلى عملة موحدة عربية -هنا يبدأ الصراع بين القرار السياسي والقرار الاقتصادي لان هنا تبدأ المصالح بالتشابك والتضارب في بعض الأحيان فعندما يكون هناك قطر عربي يحمل عملة وطنية تعادل 1،5 دولار مثلا وقطر آخر يحمل عملة محلية سعر الدولار =2000 دينار مثلاً هذا التفاوت الهائل في حجم القوة المصرفية للعملة لا يجعل من السهولة قبول القطر (أ) باتحاده مع عملة القطر (ب)،.هنا لا بد من مؤشرات وموازين تطبيقية وتمهيدية قبل التوحيد يصلها كل من (أ) و (ب) للوصول إلى حالة التوحيد في العملة،.أ- مستوى التضخم: ان مستويات التضخم مختلفة من بلد لآخر ناهيك عن حالة التضخم المتزايدة التي تعاني منها بعض الاقطار وللوصول إلى حالة من الاستقرار والانخفاض في التضخم فلابد للدول المعنية بهذا الزيادة ان تشير وفق اجراءات اقتصادية صارمة ومشددة للتقليل من هذه النسب ومنها على سبيل المثال -سعر الفائدة تقليل النفقات العامة- زيادة الاستثمارات-زيادة الناتج القومي المحلي-تخفيض الاجور والرواتب-زيادة الضرائب- ...الخ،. وهذه الاجراءات وان كانت بسيطة الظاهرة إلاّ أنها حيث التطبيق تواجه الكثير من الصعوبات، ولو كانت الإرادة للدول متينة متوافقة يمكن التغلب على هذه الصعوبات وفق قياس زمني معلوم لأن أهم ما يواجه هذا التطبيق هي مشكلة المنافسة الخارجية ولو كانت الدول الخارجية المحيطة بهذه الدولة صاحبة هذه القرارات مساعدة لها ولا تشتغل ظروف السوق المحلية ولا تسمح بانهيار اسعار عملتها سوف تستطيع هذه الدول من الوقوف والخروج من هذه الازمة خاصة اذا قلنا ان الدولة العربية تمتاز بعنصر مساومة قوي ألا وهو النفط الذي يشكل اكثر من 70% من مجموع دخلها القومي وحينها يبدأ التضخم بالانخفاض والوصول إلى حالة الاستقرار الاقتصادي او على الاقل التوصل إلى حال التضخم الاقل ضرراً،. ب- أسعار الفائدة: لابد لاسعار الفائدة ان تكو متجانسة مع طبيعة الاستقرار الاقتصادي في البلد وهو يلعب دورا رئيسياً في جلب الاستثمارات الاجنبية إلى البلد المعني من خلال اغراء سعر الفائدة وهنا تبدأ حالة التضارب في المصالح من خلال انه اذا رفع سعر الفائدة البلد (أ) لمواجهة مشكلة اقتصادية مثل التضخم هنا سوف يضطر البلد (أ) إلى رفع سعر الفائدة هذا يعني ان البلد (ب) سوف يعاني من حالة كساد نظراً إلى ذهاب الاستثمارات إلى البلد (أ) فقد تُحل المشكلة في (أ) وتنشأ مشكلة اخرى في (ب)،.وهنا يظهر عنصر التوحد والارادة السياسية فول كانت الارادة السياسية موحدة بصدق فانها سوف تضحي بشيء من الفائض في ميزان مدفوعاتها لحساب دولة اخرى تعاني من عجز في ميزان مدفوعاتها أي ان الامر لا يخلوا من التضحية ببعض المصالح فما دام هناك تفاوت لابد من التضحية لان التفاوت لم ينشأ إلا على اساس الحرمان في مكان والتخمة في مكان آخر وكما قال مولانا أمير المؤمنين (ع): (ما جاع فقير إلاّ بما متّع به غني) وعندما تتوحد الارادة السياسية مع الارادة الاقتصادي سوف يكون بالامكان حل جميع المشاكل ما جام ان الأمة تتمتع بموارد هائلة تمكنها من إجتياز الازمات المقبلة،.ومن خلال ما تقدم اذن يمكننا حالة مشكلة التفاوت النقدي من خلال توحيد ميزان المدفوعات لك دولة على الاقل ولا نعني بالتوحيد الوصول إلى حال الكمال بل نعني الوصول إلى القياس الأمثل في مستويات التفاوت الاقل ضرراً بمصالح الدول المشاركة،. وعندما تحل مشكلة التفاوت النقدي سوف تختفي مشكلة التركيز على منطقة دون اخرى في مسألة اقبال الايدي العاملة فسوف تكون اجرة العامل مثلاً في الخليج 3 دولارات يومياً وفي المغرب العربي 2،750 سنتاً هذا التفاوت البسيط لا يجلب الايدي العاملة من المغرب لتعمل في الخليج فضلاً عن مستوى الفرص المتاحة فلو هجرت الايدي العاملة من المغرب إلى الخليج نتيجة هذا التفاوت سوف تنشأ حالة من المنافسة بين العمال في دول الخليج هذه المنافسة تعطي الفرص لصاحب العمل في تخفيض الاجور والرواتب فسوف يعود مستوى التفاوت إلى سابق عهده مما يجعل من العامل المغربي الرجوع إلى وطنه بدل البقاء هناك فضلاً عن امكانيات توفر الفرص الكبيرة للعمل وكما قلنا ان عمليات الاستثمار سوف تشمل معظم الاقطار المشاركة بالوحدة هذا يعني ان الفرص المتاحة قد تكون في المغرب بالنسبة للعمل اكثر من الخليج لان في البداية لا تحتاج دول الخليج إلى مشاريع استثمارية اكبر من دول المغرب وبهذا يمكن التخلص من هذا الاشكال المطروح حول مشكلة العمالة وهجرتها وتركيزها في مكان واحد،. |
الوحدة الكمركية: |
ومن المشاكل التي يمكن ان تظهر على ساحة الوحدة السياسية والاقتصادية هي مشكلة الحدود والوحدة الكمركية ومن أهم الاسباب التي تدفع كل دولة لسد حدودها وجعل رسوم كمركية على كل سلعة داخلة اليها هو حماية اقتصادها الوطني وسلعها من المنافس من قبل السلع الداخلة وهذا سيجعل الدول التي تفعل ذلك تخسر الكثير من العملات الصعبة ويحدث الخلل والواضح في ميزان مدفوعاتها بينما تعاني سلعها الوطنية من كساد لا حد له هذا طبعاً سيتبعه بطالة يتبعها تضخم وكارثة اقتصادية هذه ببساطة البعبع الذي تخاف منه الدول فيما بينها والتي جعلت حول نفسها هذا الطوق الحديدي الذي لا يُقهر،.وعندما يحدث القرار السياسي والارادة الجدية لازالة هذه الحواجز ألا يعني هذا بقاء المشكلة على حالها سوف تذهب سلع الدول (أ) التي هي أرخص تكلفة إلى الدول (ب) وتنافس سلعها الغالية هذا يعني اقبال المستهلكين على سلع (أ) وكساد سلع (ب) فماذا فعلت الوحدة السياسية أو القرار السياسي؟.الجواب: لا يمكن فعل شيء دون قرار اقتصادي فعلى الدولتين منذ البدء بالمشروع السياسي ان تترجم اقتصادها إلى ارقام سلعية واضحة ويبدأ المشروع الاقتصادي بالتغلغل إلى كل دولة بحيث يعالج اولاً المشاكل الاقتصادية التي جعلت من السلع (ب) اكثر تكلفةً من السلع (أ) وبعد معالجة هذه المشاكل ووضع الحلول المناسبة لها حسب قياسات كل سلعة سوف يكون بالامكان السلع (ب) منافسة السلع (أ) فدخول السلع (أ) إلى اسواق (ب) لا يعني لها شيئاً سوى مستويات الجودة وقد تكون المعالجات الاقتصادية اكثر جذرية فبدلاً من ان تعالج السلع (ب) للوصول إلى حالة المنافسة تلغى من السوق وتدخل السلع (أ) كلياً إلى اسواقها وتقوم سلع اخرى هي (ج ) من اسواق (ب) فتدخل اسواق (أ) وهكذا ينشأ نوع من التوازن السلعي والتبادل التجاري السليم فقد تكون تكلفة انتاج السلع (ب) اكبر من تكلفة استيرادها اي استيراد السلعة (أ) هذا من الناحية الإقتصادية يكون من الأفضل عدم انتاج (ب) واستيراد (أ) ومن خلال هذا التوازن السلعي والتجاري بين الدول الاعضاء ونظرا الى تفاوت الموارد الهائلة بين الدول العربية مناخها - جغرافيتها - مواردها الطبيعية - كل ذلك التفاوت يجعل من مصلحة البلدان القيام بعملية التبادل الداخلي بينها وخاصة اذا تحقق قبل ذلك التوحد في العملة وسعر صرفها،. اذن اصبح العائق الكمركي بعبعاً خيالياً امام هذه الارادة السياسية والاقتصادية وان خلق هذا النوع من الانفتاح سوف يخلق حالة من الابداع في الانتاج السلعي هذا كله بدوره سوف يؤثر تأثيرا ايجابياً على حالة التبادل الخارجي والتجارة الخارجية سوف يكون بامكان السلع العربية منافسة السلع الاجنبية ولديها قوة مساومة اولاً لانها وصلت إلى حالة الجودة ثانياً لا وجود لكساد فيها فهناك اسواق داخلية تحتاجها وبهذا تسير العجلة الاقتصادية ناهيك عن عنصر المساومة الموحد فاذا كان البلد (أ) ينتج نفس سلعة البلد (ب) وبنفس السعر نظراً للتوحد في العملة سيكون هناك عنصر مساومة موحد لهذه التجمع الكبير لهذا العناصر يخلق حالة القوة في المنافسة وفي القرار الاقتصادي ولاشك فانه يعود إلى قوة في القرار السياسي ومن خلال هذه النظرة السريعة والمبسطة تستطيع ان تستنتج انه لا قرار سياسي دون قرار اقتصادي ولا قرار اقتصادي دون ارادة سياسية موحدة فمتى توفرت هذين الارادتين يمكن ان يقول المواطن ان هناك أملاً وصورة في المستقبل تعبر عن طموحات الأمة ورغبتها بالوحدة والائتلاف. |
(1) الفقة -كتاب الاقتصاد لسماحة السيد الشيرازي- ص140. |