مجلــة النبــأ       العــددان (21 ـ 22 )      السنــة الرابعــة1419 هـ

مؤتمـــــرات الإنقــــــاذ

نهـــــج لا بــــد منـــــه


أحمد الهادي

لا شكّ أن الاجتماعات واللقاءات ضرورة لا بدّ منها.. خاصة إذا تبلورت في مؤتمرات.. فقد أصبحت المؤتمرات اليوم ضرورة حيوية لا يمكن التغافل عنها.

ولا أظن أحداً يتصوّر أنه قادر على أن يعمل وحده أو يصنع مصيره وحده أو يلبي طموحه بمفرده. إن الحياة تكافل وتكامل في القوى والطاقات والأفكار والتصوّرات..

فما جعل الله بحكمته الكمال لشخص واحد كما لم يحصر المواهب والقدرات في أحد دون أحد.. بل وزعها على الجميع توزيعاً عادلاً وحكيماً ليبقى الجميع بحاجة إلى الجميع مهما قووا وبلغوا ما بلغوا..

والنظام القائم في عالم اليوم نظام التجمّعات والتكتلات.. والمؤسسات والأحزاب في كافة المجالات والأبعاد..

وعالم تحكمه المؤسسات والاجتماعات وتديره وتدبر أمره الإرادة الحرّة والحوار والتفاهم والتنسيق المشترك..

العالم الذي ينهض على أساس قبول الآخرين واحترام التعددية وتقسيم الأدوار لا يمكن أن نعيشه نحن بالفردية في الفكر والعمل والتخطيط..

إذ لا بدّ من الاجتماع.. ولا بدّ من الحوار والتنسيق المشترك هذا إذا أردنا أن نعيش عالمنا بعقلية يومنا وغدنا.. وإذا أحببنا أن يكون لنا صوت يسمع وإذا أردنا أن نحتلّ موقعنا ونمارس دورنا ونشعل شمعة في طريقنا..

في عالم اليوم يعقدون مؤتمرات ومؤتمرات لدراسة أضرار التدخين ومضاعفاته لأن الجميع يسلّم بأنه وحده لا يقوى على صنع شيء يرضي الطموح أو يحقق الهدف.. هذا في مجال التدخين فما ظنك بالأهم والأكبر والأخطر؟!

فإن العالم الشاسع في مداه والواسع في تنظيمه وتدبيره ورؤاه.. هذا العالم أصبح قرية صغيرة في بقعة واحدة من الأرض لا تفصلها بحار ولا محيطات ولا جبال ولا أنهار.. ولا تحصره لغة أو قومية أو عنصر.. في هذا العالم الذي تجاوز الحدود والفواصل ويجمع قواه وعقوله ويحشد إمكاناته من اجل تخطيط مشترك وأهداف مرسومة لمكافحة التدخين.. في هذا العالم تجد البعض منا ـ ومع الأسف - لا زال يفكر أنه الوحيد وأنه الأقوى وأنه القادر على أن يعيش وحده في هذه القرية الصغيرة وبمعزل عن الآخرين.. أو متجاوزاً للآخرين؟!.

ولازال البعض الآخر يتصوّر إذا تعرض بيت الجيران إلى الخطر سيكون بيته في مأمن من الأخطار؟!.

وإذا خسرت تجارة زميله ستبقى تجارته دارّة للأرباح والمكاسب؟! والبعض الآخر يعتقد أن فاصلة المكان وتباعد القارات وتنائي الدول يجعله بعيداً عن أصحابه وأخوته.. فإذا عانوا من الأزمات والمشاكل في بقعة من الأرض سيبقى هو واقياً ما دام في معزل عنهم!! وبالعكس..

وهذا تصوّر خاطئ .. وأقل ما يمكن أن نسميه أنه تصور لم يلتفت إلى طبيعة العالم وتركيبة الثقافة الحاكمة فيه ولا إلى الأساليب المتبعة.. وربما لم يدرك حقيقة الأخطار المحيطة به في الحاضر والمستقبل!!

فإذا أردنا أن نذهب إلى أبعد من اليوم.. ولكي نقول إنّا هنا وفي الغد المشرق سيعلو وجودنا ولا يعلى عليه لا بدّ أن نبني لنا حصناً يحمينا من المخاطر ويكون قاعدتنا في بناء حضارتنا وانفتاحنا على الآخرين..

فالحاجة إلى المؤتمرات - مؤتمرات الإنقاذ - والتجمعات ليست تمليها علينا ضرورة المرحلة فقط بل هو أمر تمليه علينا ضرورة العيش وديمومته بعزّ وسلامة..

كما تفرضها علينا طبيعة الحياة المعاصرة في السياسة والاجتماع والاقتصاد والإدارة والنظام العالمي.. هذا فضلاً عن الأهداف العليا التي تستدعي الاجتماع والتنسيق والتفاهم..

إن الغرب يعقد مؤتمرات تلو مؤتمرات من أجل التخطيط لأكلنا واستعمارنا والسيطرة علينا بعد نهب خيراتنا فألا ينبغي لنا أن نشكل نحن مؤتمرات للخلاص منه؟

وأن المنظمات العالمية شكلت جبهات إعلامية وثقافية كثيرة وكبيرة ضدنا لتفسد شبابنا وتطيح بمجدنا وحضارتنا وتشوّه ديننا وتخرب دنيانا ألا يحتاج هذا إلى توحيد قوانا وتلاحم أيادينا للدفاع عن أنفسنا وديننا ومستقبلنا؟.

إذن المؤتمرات ضرورة والاجتماعات حاجة والتعاون والتنسيق أمر لا بدّ منه!! هذا إذا أردنا أن نعيش يومنا بطموح المستقبل ونواكب الحال بتفكير الاستقبال.

لا بدّ أن نجتمع ونلتقي ونحكم الحوار والتوافق في أجوائنا.. أي لا بدّ لنا من المؤتمرات والاجتماعات.. فإن المؤتمرات وأفضل طريق نخطوه لجمع آرائنا ولملمة طاقاتنا وبلورة أفكارنا ثم تحقيق أهدافنا في مدّة قياسية من عمر الزمن..

ومعلوم إن هذا ليس بالأمر اليسير.. بل يحتاج إلى المزيد من التفكير والتأمّل فضلاً عن الدراسة والتخطيط..

وحيث أن كل عمل بحاجة إلى مقدمات سابقة.. وجدنا من المناسب أن نذكر بعض الأمور.. من باب المقدمة فأقول:

لكي نوفر في أنفسنا القدرة على عقد المؤتمرات واستثمارها في طريق الأهداف بشكل جيد وحكيم لا بدّ من رعاية بعض الشروط والمقومات..

مقومات المؤتمرات الناجحة

أولاً: حيث أن الهدف من المؤتمرات تقريب وجهات النظر وحل الخلافات أو تجميدها لمصلحة أهم أو للتوصّل إلى قناعات مشتركة وتخطيط مشترك يجمع الآراء ويوحد الجهود ويلاحم القوى ويصبّها في طريق الهدف الموحد. إذن لا بدّ من توفير مقومات ذلك والسعي الحثيث للحفاظ عليها.. ومن أهم هذه المقومات الدخول إلى المؤتمر بروح حيادية وصدر واسع وعقل منفتح على الرأي الآخر فإن من أكبر عقبات المؤتمرات الدخول إليها بروح متعصبة وبفكر منغلق وقناعات مسبقة نرفض مناقشتها أو نقدها أو الخوض في فوائدها وآثارها.. ومن الواضح أن القناعات المسبقة والحكم على الأشياء من منظار واحد وقبل الخوض فيها يقود الاجتماع إلى الجدال دون الحوار وربما ينتهي إلى العنف ثم الانقسام كما حدث في العديد من المؤتمرات التي يقوم بنيانها على هذا الأساس فبدلاً من أن تلملم الطاقات تفرقها وبدلاً من توحيدها تقسمها.. وهذا نقض لأهداف المؤتمر وإفشال لنتائجه.

ثانياً: ينبغي أن نلتفت إلى عوامل إنجاح المؤتمر والخروج بنتائج مرضية للجميع ومعلوم أن النتائج لا تكون مرضية إذا لم نجعل التفاهم والاتفاق الأصل الأولي الذي يحكم على أجواء الاجتماعات وروحية المؤتمرين..

وأما إذا وضعنا معادلة الربح والخسارة الشخصية أو الفئوية حتى ندخل في المؤتمر فلنعرف مسبقاً أننا حكمنا على المؤتمر بالفشل.. إذ لا يمكن التوصل إلى قناعات مشتركة من دون بحث حر وحوار مفتوح لا يشعر فيها الأطراف أن هناك تحميلاً للآراء أو فرضاً أو مصادرة..

ثالثاً: توزيع القدرة وتقسيم الأدوار هو العامل الآخر الذي يساهم في إنجاح المؤتمر وتحقيق أهدافه.. فإن الجماعة المباركة في خطوطها وخطواتها تلك التي توزع أدوارها وتتقاسم الهموم والمشاكل.. كما تتقاسم الأرباح..

وليس من الإنصاف أن يتحمل بعض الأطراف المشتركة في المؤتمر الأتعاب ويبذلون الجهود وينضحون عرقاً في سبيل العمل بينما يكتفي البعض الآخر بحيازة الغنائم أو يقتنع البعض بالتفرج والنظر إلى الأمور عن جنب وإذا أراد أن يتفاعل مع الأمور بعض الشيء فإنه يكتفي بطرح الرأي وإبداء الاقتراح.

طبعاً إن إبداء الآراء وطرح الأفكار نقداً أو تكميلاً من الأمور التي لا غنى لأي جماعة عنها إلا أن إبداء الرأي إنما يكون مؤثراً في المجموع ويمكن أن نعده فاعلاً في كسب النتائج إذا كان مقروناً بالتخطيط والعمل والتعاون من قبل الجميع.. وصاحب الرأي إذا مدّ يده في البناء واستنشق غبار العمل وحمل لبنة ليضع أخرى يكون رأيه أكثر تأثيراً وأمضى في النتائج..

رابعاً: لا شك أن كل شخص يتمتع بمكانة خاصة ويحظى برتبة اجتماعية أو علمية أو إدارية.. حسب اختلاف المواقع والمراتب.. وهذا الترتب الطولي والعرضي في الأدوار والمسؤوليات والمواقع أمر لا يمكن التغافل عنه في كل عمل ومؤسسة. من الجهة الإدارية والتنفيذية.. إلا أن المؤتمرات تخضع لقاعدة استثنائية وتعتبر أصلاً أولياً من الأصول التي ينبغي مراعاتها حتى نوفر للمؤتمر أسباب النجاح.. وهذه القاعدة هي غض النظر عن الشخصيات الحقوقية للأفراد لدى الدخول في المؤتمر..

فإننا إذا أردنا أن نأخذ المقامات والرتب التي يتمتع بها الإفراد ونجعلها معياراً للدخول في المؤتمر أو إعطاء حق المناقشة أو التصويت فإننا نكون قد حكمنا على المؤتمر بالفشل وعلى النتائج بالخسارة..

وذلك لأن المؤتمر الذي يبنى على التفاهم والحوار والتنسيق ينبغي أن تلحظ فيه كل ما يمكن أن يساهم بشكل وبآخر في تحقيق هذا الهدف وتوفير مقوماته وتطوير قدراته ومستوى أدائه..

وليس من الحكمة بمكان أن نفقد الكثير من الطاقات أو نحرم العديد من الاستعدادات المتوزّعة في الأفراد لأنهم لا يحظون بالرتبة الأولى من العمل أو الرتبة الثانية أو الثالثة..

فبما أن الأصل هو الحوار والتفاهم والتخطيط والتنسيق المشترك إذن من الضروري أن نجمع في ذلك كل ما يمكن أن ينجح ذلك..

إذن غض النظر عن الرتب وإلغاء حالة الطبقية داخل المؤتمر ولدى المشاركة فيه من أهم المقومات التي تساعد على إنجاح المؤتمر وتحقيق غاياته.

خامساً: ينبغي أن تحكم أجواء المناقشات في المؤتمر الأساليب الاستشارية والديمقراطية الحرّة ثم التصويت حسب قاعدة الأكثرية فإن قاعدة الأكثرية هي الفيصل الذي يحسم موارد الخلاف إذا لم نتوصّل إلى إجماع أو رأي موحد.. كما هي طريقة عقلانية من شأنها أن تضمن للجميع حقوقهم وتحقق لهم نسبة عالية من الرضا والقبول.

سادساً: ومن الأسباب التي تمهّد طريق التفاهم والتنسيق انتخاب الموضوعات المشتركة بين الجميع وغض النظر عن مواقع الاختلاف..

إذ لابدّ للمؤتمر من موضوع يبحث ليخرج المؤتمرون بنتائجه ورسم الخطط لتنفيذه فليس من الحكمة أن نثير مواقع الاختلاف ومواضع الجدل تاركين وراءنا المشتركات ونقاط الاتفاق.. لأن ذلك سوف يعكس علينا النتائج ويطيح بأهداف المؤتمر..

وإنما لا بدّ من التركيز على الهموم المشتركة والأفكار المشتركة أولاً. حتى نخرج بنتائج إيجابية متفقة حتى إذا أصبحت المؤتمرات ثقافة سلوكية لكل تجمع وجماعة وأدرك ضرورتها الجميع وأحسّ كل واحد منا بأنه لا غنى له عن الآخرين وصار التفاهم هو الأصل في علاقاتنا والاتفاق هو القاعدة نبدأ بطرح القضايا التي تكون مثاراً للجدل حسب قانون الأهم والمهم.. وأولويات العمل.. وبهذا نكون قد مهّدنا السبل لكسب نتائج افضل وهذا أمر يحتاج إلى بعض الدراسة والتأمل حتى يمكن تنفيذه بخسائر أقل وأرباح اكثر ولعل أول خطوة في هذا الاتجاه إذا تمكنا من إيجاد لجان معدّة للمؤتمر تتمتع بالرشد والتوازن والقدرة على التخطيط والتأثير لتطبخ الأفكار وتنضج التصورات وتدرس كل ما يحيط بالمسالة من جوانب جزئية وكلية بعد التشاور مع أهل الحل والعقد والأطراف المعنية ليتم التمهيد للمؤتمر بالشكل المطلوب..

وواضح أن النتائج الطيبة تبتني على مقدمات طيبة أيضاً وأما إذا حدث خلل في المقدمات فليس من المستغرب إذا وجدنا النتائج على غير ما يرام وخرجت بما لم نكن نتوقع لها. لأن النتائج دائماً تتبع اثر المقدمات كما يقول المناطقة.

سابعاً: ولعلَّ من المناسب التذكير بنقطة أساسية هنا وهي أن الأعمال الاستراتيجية عند التأسيس تحتاج إلى المبادرة.. وفي الغالب تبتني على شخص واحد مبادر ثم بعد ذلك يجتمع حولها الآخرون.. إذ ليس من المنطقي أن نجلس جانباً نتوقع من الآخرين يقومون بمهمة الجمع والدعوة إلى المؤتمر ولمّ الشمل وتعيين موضوع البحث ونحو ذلك من مقدمات..

فإن الإنسان في أي موقع كان ومن أي موقع بدأ إذا دخل البيوت من أبوابها وبادر إلى العمل وهندس إلى مشروعه وتخطى العقبات وسلك المسالك بمنطقية واعتدال ودراسة فإنه سوف يحظى بسمة التأسيس والمبادرة أولاً.. ويكسب الأنصار والمعاونين من جهة ثانية وفي كليهما مكسب معنوي وروحي كبير إذ هو في كلا الطريقين محقق لإحدى الحسنيين إما المبادرة أو تحقيق الهدف..

لذلك لا ينبغي علينا التواكل أو الانتظار حتى يبادر الآخرون أو يدعوننا إلى المؤتمر كمشتركين إذ مادامت الفكرة صحيحة والهدف صحيح إذن لا بدّ من المسير والتقدم إلى الأمام فإن كنا جماعة فهو الأفضل والضروري وإن لم تحصل على أحد في بادئ الأمر فلنبادر نحن وسيلتحق بنا الآخرون فيما بعد.. قال تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون).

إتصلوا بنا

أعداد سابقة

العددين 21-22

الصفحة الرئيسية