مجلــة النبــأ       العــددان (21 ـ 22 )      السنــة الرابعــة1419 هـ

 

مقاطعــة الظلمــة

و النتائج

.................

الأسباب


علي عبد الرضا     alromaithy@netzero.net

لماذا مقاطعة الظالمين؟ وما هي الأسباب والنتائج المترتّبة على ذلك؟، سنجيب في هذه المحاولة المتواضعة على بعض الإشكالات والآراء التي تُطرح هنا أو هناك والقائلة بأن الاقتراب من الظالم لا يلوّث المقتربين منه هذا أولاً، وثانياً ربما يوجد احتمال إصلاح هؤلاء الظلمة وهدايتهم، حيث يورد البعض شواهد تاريخية نادرة وقعت في فترة خاصة وفي ظروف محدّدة جداً، فنقول:

لمن النصيحة؟

إن الحاكم عندما يقبل الحق ويعترف بالخطأ ويصلح ما قام به لا يمكن أن نصفه بصفة الظالم، الظالم من يرتكب الظلم ويصرّ عليه ويحاسب من يشير عليه وينصحه، يعني أنه وصل إلى نهاية الخط (مرحلة اللاعودة) وهذا لا يحتاج إلى نصيحة وموعظة حسنة فهو ليس غافلاً أو ساهياً وإنما يحتاج إلى حركة نوعية تهزّ وجدانه وكل جوارحه تضغط على أعصابه وعقله، تهدّد كيانه واستقراره، هذه الحركة ربما تجعله يفيق من سكرته ونشوته ليعود إلى صوابه. إلا أن الظالم المعاند في الغالب يصرُّ على منكراته، غاطساً في ملذّاته يحسب الناس عبيداً له، والأمة ملك أمره الأمر الذي يجعله يتناسى ما له وما عليه..

وهذه الحالة تربي الأمة على الذّل والخنوع والتملّق ومسايرة الظالمين والانصياع الكامل لجميع قراراتهم الخاطئة وبدعهم المضلّة.

نحن لا ننفي أن الدين النصيحة.. لله.. ولكتابه.. ولرسوله.. ولأئمة المسلمين ولكن أي حاكم؟ هل للحاكم الطاغي، المستبد، المتجبّر، الذي يغير أحكام الله وسننه ويظهر البدع وإذا نصحته تأخذه العزّة بالإثم؟ أم للغافل والساهي أو ذلك الذي اتخذ قراراته نتيجة لأخبار وتقارير حفنة من المتملّقين والمشبوهين؟

صعوبة الاستثناء

لقد ذكر التاريخ إن بعضاً ممن دخلوا صروح السلطان أو أعانوه أو ركنوا إليه ولم يتلوّثوا وهم القلّة النادرة التي قد تقارب العدم، ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن نعتبرهم حجّة ومثالاً يحتذى، فهم استثناء والاستثناء لا يؤخذ به كمقياس للأشياء. وإذا حكمت الظروف الاضطرارية أحياناً أن تعمل بالاستثناء فلا بدّ الفحص عن تحقق شرائط الظرف والبعد الاستثنائي وأننا مصداق لهذا الظرف حتى يصبح العمل به مقبولاً ومن هذه الشرائط أن يكون العمل به اضطرارياً ملحاً وبعد التأكد بأن لا سبيل إلا به، وان مصلحة الأخذ به أكبر من مفسدة تركه ونحو ذلك من الشرائط الصعبة التي ينبغي أن يرجع فيها إلى أهل الخبرة والفتيا وهم المراجع الفقهاء الحافظون لحدود الله وحرماته.

ومن الضروري أيضاً أن نعرف أن الاستثناء يجب أن لا يتوسع فيه مطلقاً ولا يتسرّع في الأخذ به، لان القاعدة الأولية حدّدها كتاب الله ورسوله وعترته الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين، وأشار إليها في اكثر من موقف وحادثة الإمام الكاظم (عليه السلام) وحديثه إلى (صفوان الجمال) يغلق الباب على جميع الآراء والنظريات الداعية للمسايرة والمزاورة. نعم أبقى الإمام (عليه السلام) علي بن يقطين في وزارة هارون العباسي لأنه يحمل بعض الاختصاصات التي فقدها الآخرون، بالإضافة إلى التشخيصات والظروف الموضوعية والزمانية التي ينظر إليها الإمام (عليه السلام) والتي جعلته يأذن لعلي بن يقطين بالبقاء بعد أن سدّده عليه الصلاة والسلام بقدرة الإمامة، ولو كان غير ذلك لربما كان يسقط في أول امتحان وينال ما نال من هارون العباسي، ومسألة الوضوء، والدراعة المنسوجة بالذهب التي أعطاها إياه هارون تكشف عمق الإسناد الذي كان يوليه الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام لعلي بن يقطين، وهذا الدعم من الإمام هو الذي جعل بن يقطين يوافق على البقاء مع الظالم، فقد ذكر بعض المحققين بأن بن يقطين استأذن الإمام اكثر من مرة في ترك عمل السلطان، إلا أن الإمام (عليه السلام) أذن له وضمن له الجنة وأن لا تمسه النار(1) لحكم ومصالح كان يعرفها الإمام عليه الصلاة والسلام بالنسبة لهذا الشخص الخاص ولا يمكن أن نعدها نحن قاعدة عامة لكل فرد منّا..

تجنُّب التهم!!

الركون إلى حاكم ظالم أو التقرب إلى سلطان غاشم، أو التعاون والاشتراك مع أعوان الظلمة في مشروع معين أو أطروحة خاصة أو عامة، يؤدي بلا شك إلى مهاوي الردى ومزالق الضياع والنسيان، واقل الأضرار أن الداخل مع السلطان تتقاذفه التهم وسوء الظن من كل حدب وصوب، ومثله كمثل الجالس مع الأشرار حيث أن (مجالسة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار)(2) وكما قيل: صحبة الأخيار تورث الخير وصحبة الأشرار تورث الشر، كالريح إذا مرّت على النتن حملت نتناً وإذا مرّت على الطيب حملت طيباً.

ومن الواضح انك إذا رأيت إنساناً خارجاً من بيت باغية ولم يكن معصوماً من قبل الله تعالى فإنك تظن به سوءاً «فمَنْ وقف نفسه مواقف التهمة فلا يلومنّ من أساء به الظن»(3).

والذي يصاحب الظالم الشرير لا يسلم على نفسه أن يبتلى بمظالمه أو تنتقل طباعه إليه وهو لا يعلم، يقول أمير المؤمنين (عليه السلام) : «لا تصحب الشرير فان طبعك يسرق من طبعه شراً وأنت لا تعلم»(4)، ويقول الإمام الصادق (عليه السلام) : «من يصحب صاحب السوء لا يسلم»(5)، والى ذلك أشار الشاعر بقوله:

عن المرء لا تسأل وسلْ عن قرينه         فكل قريـــــــــن بــالمقارن يـــــقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم         ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

ولعلَّ هذا من أسرار قوله تعالى ( ولا تقربوا الزنى..) (6) إذ أن مجرّد التقرب من الزنا فيه خوف الوقوع فيه، كذلك الركون والتقرب إلى الحاكم الظالم قد يكون بداية الانزلاق إلى هوّة سحيقة مذمومة العواقب، واللبيب من يتجنّب مواقع الاتهام والتي من اظهر مصاديقها التقرّب إلى الحكام والسلاطين الظلمة، وربما يقول البعض إن المقترب من الحاكم الظالم لا يتأثر بالأوضاع ويسلم من مختلف التأثيرات، ولكن هذا لا يكفي، المهم أن يؤثر ويصلح الفاسد ويهدي الضال، وعلي بن يقطين قد يكون من الذين لم يتأثروا بالجو العباسي الفاسد ولكنه في نفس الوقت لم يؤثر في نظام نخره الفساد حتى العظم، وإنما تعبد بقول الإمام (عليه السلام) «عسى أن يجبر الله بك كسراً ويكسر بك ناثرة المخالفين من أوليائه»(7)، وترك الأمر للحكمة التي يراها الإمام (عليه السلام) .

لا تكنْ جسراً للظالم

على (الفرد أو الجماعة) أن تتذكر دائماً أنها أضعف ـ مادياً ـ من الدولة وان الحاكم الظالم له قدرة كبيرة على توظيف جميع إمكانات الدولة ومواردها المختلفة لتحقيق مآربه وتعزيز مكانته وإحكام قبضته على الأمور، وعالم اليوم يتميز من جملة ما يتميز به هو امتلاكه الثروات المادية والبشرية ودخول التخصّص في كل شعبة من شعبه ووفرة المعلومات والأسرار، فهناك وزارات وأجهزة ومؤسسات (للأمن والمخابرات والإعلام والثقافة..) مهمتها في اغلب الأحيان تشويه السمعة، وتغيير الصورة وتزييف الحقائق، وقلب الوقائع لصالح السياسة، لذا من الصعب على الراكن إليهم والمتعاون معهم الإفلات من مغريات وحبائل الظلمة المتنوعة أو الهروب منها عندما يريد، ومن الصعب جداً أن يركن الفرد إلى ظالم ولا تشمله لعنة المظلومين أو سطوة الظالمين وحماقاتهم ونزواتهم عندما يستنفدون أغراضهم منه أو يستنفدون المهمة التي أنيطت إليه.

والى هذه الحقيقة أشار الإمام زين العابدين (عليه السلام) في رسالته المعروفة إلى محمد بن مسلم الزهري عندما حذّره من التقرّب إلى الحكام الظلمة والسّاسة المستبدين حتى لا يجعلوه جسراً لتحقيق مآربهم وسلماً للصعود إلى أهدافهم فيقول: «.. واعلم أن أدنى ما كتمت وأخفّ ما احتملت أن آنست وحشة الظالم وسهلت له طريق الغيّ بدنوّك منه حين دنوت وإجابتك له حين دعيت.. أوَ ليس بدعائه إياك حين دعاك جعلوك قطباً أداروا به رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسلّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيهم، سالكاً سبيلهم، يدخلون بك الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهّال إليهم.. فما اقلّ ما أعطوك في قدر ما اخذوا منك..»(8).

خطوة إلى الظالم خطوتان عن الله

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «ما اقترب عبد من سلطان إلا تباعد من الله، ولا كثر ماله، إلا وطال حسابه، فإياكم وأبواب السلاطين وحواشيه فان أقربكم من أبواب السلاطين وحواشيهم أبعدكم من الله عزّ وجل، ومن آثر السلطان على الله اذهب الله عنه الورع وجعله حيراناً»(9).

فالمتقرّب من السلطان (خوفاً أو طمعاً) يكشف عن بعده عن الله سبحانه وعدم معرفته بمجريات الكون، فالخوف من الظالمين مثلاً ومسايرتهم لكسب ودّهم واتقاء غضبهم يساوي في الأغلب التخلّي عن الإرادة المستقلة والاستسلام لإرادة الآخر (الظالم)، وهذه قد تكون إحدى علائم عدم الإيمان بالله وبالسنن الكونية الإلهية، والمؤمن الواقعي هو الذي لا يعرف أي معنى للخوف من ظالم أو فاسق ومتجبّر لأنه مع الله والله معه، أما إذا لزم الآخر وترك حبل الله، فان الله يوكله إلى غيره، ثم أن هذا الغير يطرده.

فمن لزم السلطان افتتن، وما يزداد من السلطان قرباً إلا ازداد من الله بعداً(10).

وفي الحديث المروي عن النبي صلى الله عليه وآله أن هناك أموراً أربع إن عمل بها الإنسان يكون قلبه قاسياً وفاسداً ولا يتكلّم إلا بنفاق منها: إتيان باب السلطان(11).

والدخول على السلطان يدعو إلى.. محبة الدنيا.. ونسيان الموت..(12).

لا للمصلحة الذاتية

مخالطة الحكّام الظلمة والظهور معهم على مسرح الحياة وأمام أعين الناس ومسمعهم دون الإنكار عليهم بقول أو فعل، يوحي إلى عامة الناس بأن هذا (الفرد أو الجماعة) يداهن الظلمة ويؤيدهم، مما يجعل الناس يشكون في إخلاصه ويشركونه في مسؤولية الظلم.

وتزداد القضية سوءاً كلما كان الفرد من ذوي النفوذ ويتمتع بمركز اجتماعي أو سياسي أو ديني مرموق أي كان فرداً غير عادي حيث تكون المصيبة اعظم والأضرار اكبر على مصلحة الأمة، فهفوة الرجل الكبير مهلكة وزلّة العالم مغرقة والله سبحانه يغفر للجاهل سبعين ذنباً ولا يغفر للعالم ذنباً واحداً.. لذلك عليه أن يتأمّل لدى كل خطوة قدم يخطوها وكل حركة يقوم بها ويحسب لها ألف حساب وحساب فالأمة متربّصة لهكذا أفراد تنظر إليهم نظرة الرجل العارف الحكيم تقتدي أثره وتسير على وقع أقدامه، فخطأه إن حصل سيكون عظيماً على الأمة وربما يجرها إلى ويلات ودمار ويبعدها عن الطريق القويم مئات السنين حسب مقام الشخص ومستواه ودرجته.

فالفرد غير العادي أو الجماعة العاملة عندما تريد كسب مصلحة أو دفع مفسدة عليها فقط وفقط أن تفكر في شيء واحد لا غير وهو رضى الله ورضى الأمة، أما أن تأخذ برأيها فقط دون استشارة الآخرين وتراعي في تحركها مصالحها الذاتية ولا تنظر بعيداً والمستقبل الذي سيقول ويكتب كل شيء عنها، فإنها ستزرع الانقسام في المجتمع وتبذر الإحباط والتشتت في صفوفه وتجعله يتخبط في مسيره لا يدري أي سلوك يتبع. وطبيعة بعض أبناء المجتمع عندما يشاهد نماذج كان يحترمها ويقدّسها تسير وراء الظلمة وتداهنهم فانه عادة سيختار إحدى هذه المسالك الأربع وكلها لا توصل إلى نتيجة تذكر فهو:

1- إما أن يسلك طريق هؤلاء المداهنين ويسير على نهجهم.

2- أو يعتزل الحياة ويتقوقع في إحدى الزوايا المظلمة.

3- أو يتمرّد بقوة فيتخذ أساليب العنف والعصيان منهجاً له، وفي هذه الحالة قد يكون العنف الموجه إلى أعوان الظلمة أقسى من الظلمة أنفسهم.

4- أو على الأقل يكفر بالقيم والمبادئ والمثل التي يتشبث بها الواقفون على أعتاب السلاطين وأبواب الظالمين فيشعر بتناقض كبير بين فكره وعمله، مما قد يتركه حيراناً لا يرى فصلاً بين المسلم والإسلام فيبدأ يحمّل الإسلام انحرافات المسلمين وسلوكيات بعض المرموقين فيهم..، وهذه الحالة لازالت تحزّ في جسم الأمة الإسلامية وتعزل قطاعات كبيرة من المسلمين عن العمل والتحرك بعد أن تصيبهم بالإحباط والهزيمة.

ولعلّ إلى هذا يشير الحـــديث المروي عـــن أمير المؤمنيــــن (عليه السلام) : «زلة العالم كانكسار السفينة تغرق ويغرق معها غيرها»(13)، لأن الزلّة غير محصورة في محيط العالم وإنما هي موج عظيم يجرف أفواجاً من البشر معه، فالعالم ليس ملك نفسه، انه ملك الأمة، وعليه أن يراعي مصالحها فقط عند كل منعطف أو مطب. ومن هنا كان ثوابه في سننه الحسنة مضاعفاً وعقابه في سننه السيئة مضاعفاً أيضاً.

عواقب الظلم

قد ينظر البعض إلى الكثير من المسائل نظرة استصغار متغافلاً عن أن اغلب الأشياء الصغيرة قد توصل الفرد إلى افدح الخسائر واكبر الأضرار على شخصه ومن يلوذ به في الدنيا والآخرة، وتعد مسألة مزاورة الحكّام الظلمة ومخالطتهم من أبرزها، وربما يعتبرها البعض مسألة وقتية تنتهي بانتهائها، ولكن ذلك يفتقد إلى بعض التأمّل إذ أنها قد تتعدى المعقول وحتى تصوّرات الفرد ذاته في الحاضر والمستقبل فضلاً عن التاريخ فان نتائج الظلم خطيرة وتوقع أضراراً مادية وبشرية عظيمة خصوصاً إذا كان الراكن إلى الظالم (رمزاً) في أمته أو (عَلَماً) في قبيلته ومريديه، فكلّ حركة يقوم بها أو ممارسة يجريها ستترتب عليها آثاراً آنية ومستقبلية لا يعلمها إلا الله سبحانه. وإذا أردنا أن نقيم الأمور من منظار الربح والخسارة فنشاهد أن المتقرب من الظالم سيخسر جملة من الأمور:

1/ سرعان ما ينتهي ويفقد مقامه ومنزلته عند سقوط الظالم، فيفقد بذلك اعتباره ومكانته فضلاً عن فقدان المدافع والحليف الذي يتقوّى به.

2/ ستوجّه إليه التهم والإهانات والاحتقار من قطاعات المجتمع المظلوم وربما سيكون محلاً لنزول الغضب الشعبي عليه.

3/ ستلاحقه وذريته مختلف الآثار الوضعية المترتّبة على ركونه مع الظالم وتعاونه معهم وستصيب أحفاده وذراريه بلايا متنوعة طبقاً لسنة الله في الكون حيث قال تعالى ( وليخشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم، فليتقوا الله..) (14).

4/ يحدثنا التاريخ بأن أغلب الذين ركنوا إلى الظالم وتعاونوا معه فقدوا حياتهم وخسروا دنياهم وكل ما يتعلّق بهم من قبل الظالم نفسه لأن الظالم أو الملك كما قال رسول الله (ص): «أقلّ الناس وفاءً، وأقل الناس صديقاً»(15).

حيث أن طبيعتهم الدكتاتورية لا تبقي لهم صديقاً ولا تجعلهم يحافظون على وعد لأن الديكتاتوريين لا ينظرون إلى مصالحهم فقط وأغراضهم فوق الجميع لذلك هم يسيئون الظّن بأقرب المقربين إليهم ويغدرون بأعزّ رفاقهم، ولا يعرفون معنى للحب والتغاضي والتسامح والوفاء.

ينقل أن أحد سلاطين إيران بسبب سوء ظنه بابنه، وبدون أن تصدر منه أية مخالفة أو فعل يوهم خيانته، أمر بقطع رأسه ووضعه في صحن كبير من الذهب، ثم وضع الصحن بين يديه بجانب مائدة طعامه، وأكبّ هو على تناول غذائه، وكان هذا السلطان فضلاً عن قتل الابن قد أعمى عيني اثنين آخرين من أولاده لمجرّد سوء ظنه بهما(16).

5/ الخسارة الكبرى والخزي الأعظم ليس في الدنيا فقط فهي متاع زائل وإنما الآخرة المتاع الدائم والمقيم حيث يحشر مع من كان يتولاّه ويلوذ به إلى جهنم زمراً، جراء عمل كان يحسبه (بسيطاً).

وهل هناك خسارة أفدح من ذلك؟!!.

المقاطعة الإيجابية

موقف (المقاطعة) تجاه الحاكم الظالم ورفض أي أشكال التعاون معه لا يعني بأية صورة من الصور الابتعاد كلياً عن الساحة والعزلة عن المجتمع وترك ذلك للظلمة وأعوانهم، فسلبية الموقف هنا يجب أن توازيها إيجابية كبيرة في مواقف أخرى، تحرك متميز ونزول إلى مختلف ميادين العمل لإعطاء الصورة الإيجابية النقية عن الإسلام الحق وتعريف المجتمع بدور الحاكم والوظائف المخوّلة إليه، ودور الأمة في مراقبة الحاكم وتقويمه أو عزله عند ظهور بوادر الظلم والفساد في حكومته.

أما أن يبتعد الخيّرون من الساحة فهي الغاية التي يعمل لأجلها الحاكم المستبد فيما إذا عجز - بالدرجة الأولى - عن استقطابهم لتبقى أيادي وأرجل السلطان تصول وتجول بدون أي رادع أو معارض أو مراقب.

فالمقاطعة للظالم لا تعني العزلة والابتعاد وإنما تحول الطاقات والقدرات إلى مسار جديد وأسلوب آخر في مواجهة الظالم لعزله وإسقاطه ليعيش الناس في أمن وسلامة.

(1) سفينة البحار، ج6، ص439.

(2) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : ج2، ص54.

(3) تحف العقول: ص274.

(4) شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد، ج20، ص272.

(5) البحار: ج68، ص278.

(6) سورة الإسراء: 32.

(7) سفينة البحار: ج6، ص440.

(8) تحف العقول: ص198.

(9) أعلام الدين: ص408.

(10) انظر أمالي الصدوق: ج1، ص270.

(11) انظر الخصال: ج1، ص62 وص108.

(12) الاختصاص: ص261.

(13) غرر الحكم: ص426. البحار: ج2، ص58.

(14) سورة النساء: 9.

(15) أمالي الصدوق: ص14.

(16) ممارسة التغيير للإمام الشيرازي: ص432.

إتصلوا بنا

أعداد سابقة

العددين 21-22

الصفحة الرئيسية