ذكرى العظماء تجسيد للمثل العليا

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم:(بسم الله الرحمن الرحيم، أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلاّ أن يقولوا ربنا الله).

لماذا نحيي ذكرى العظيم؟ لماذا نجدد ذكرى وملف الشهيد والعظيم؟ ولماذا إحياء ذكرى آية الله الشهيد السيد حسن الشيرازي (قدس سره)  بالذات؟، العظيم هو ذلك التجسيد الحي للمثل العليا وللقيم السامية، فإحياء ذكر العظيم هو إحياء كل تلك المثل التي تجسدت في ذاته وفي شخصيته وفي مسيرة حياته، ثم إن الإنسان وحسب ركائز نفسية وسايكولوجية مغروسة في أعماق ذاته يجنح إلى تقمص شخصية العظماء..  إلى الاحتذاء بحذوهم فإذا قدمت له الأنموذج الصالح تطبّع بطباعه، واهتدى بهديه وسار على مسيرته، هذه قاعدة نفسية وحقيقية تكوينية خارجية.

إننا نحيي ذكرى العظماء والشهداء لكي نستعين بهم في عملية الصراع الكبرى الدائرة بين سلطان العقل وبين السلطات الأخرى التي تقع في الخندق المقابل، الشهوات، النفس، الهوى، الدنيا، في هذه المعركة المصيرية والحاسمة يتجلى لنا البطل الشهيد العظيم أنموذجاً مثالياً يزرع فينا عوامل الخير وينمي ويغذي فينا دواعي الرقي والسمو نحو مدارج الكمال ونحو القمة السامية في معاني الخير.

إننا نحيي ذكرى العظيم والشهيد لكل ذلك نحيي فيها القيم، نحيي فيه الأنموذج الصالح، القدوة المثالية ونحيي فيه مسيرتنا وحياتنا ومنهجنا الذي ينبع من ذات الإسلام الأصيل، ولماذا الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره)  بالذات؟ إن الشهيد كان هو ذلك المزيج الفريد بين التقوى والزهد من جهة، وبين الفكر الوقاد والعطاء المتجدد وبين العمل الصالح والخدمات وبين الشجاعة والصمود والتصدي والتحدي أيضاً لجحافل الظلام...  لقد كان الشهيد رضوان الله تعالى عليه هو ذلك المزيج النادر بين هذه المجموعة من الخصال، لذلك نحيي ذكراه كل عام.

كان الشهيد رضوان الله تعالى عليه، من القمم في العطاء الفكري المتجدد.  أوائل الثورة كان أول من دعا في لقاءاته الصحفية إلى تشكيل مجلس شورى لمراجع التقليد دعا إلى مجلس شورى المراجع في لقاءاته الصحفية المتعددة، مطبوع جانب منها في كتاب (الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي فكر وجهاد).  لماذا مراجع التقليد؟، لأنهم كمجموع هم وكلاء الإمام الحجة(عج)  فمن الطبيعي أن يكون لمجموعهم القرار النهائي في شؤون الأمة، ولأنهم هم المنتخبون الطبيعيون لشتى شرائح الأمة ولأنهم أيضاً هم الذين بمقدورهم كمجموع أن يحافظوا على الأمة في مسيرتها نحو الكمالات، كان من أوائل من دعا إلى هذه الفكرة التي دعا إليها أخوه الأكبر المرجع الديني الكبير، فكر مختمر بالتجارب، فكر ناضج، فكر حيوي، يستشرق آفاق المستقبل ويكشف عن المجاهيل التي قد تعترضنا في مسار حياتنا، أيضاً كان من الذين من أوائل من دعا إلى الحكومة الإسلامية وكان يصرح في لقاءاته الصحفية أيضاً قائلا:  بأننا ندعو إلى حكومة الكتاب والسنة، ندعو إلى تلك الحكومة التي تنبثق من الآية الكريمة الشريفة:(يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم) إلى تلك الحكومة التي تنطلق من «لا تكن عبد غيرك» إلى تلك الحكومة التي تنطلق من منطلق «ما جاع فقير إلاّ بما متع به غني».

الشهيد كان يسبق الزمن في كثير من أفكاره، نحن نحيي هذه الذكرى لنحيي فيه تلك اللمسات المصيرية التي تعيد للأمة مجدها وسعادتها وقيمتها وكرامتها أيضاً، كان فكره فكراً متجدداً حيوياً وهو إلى ذلك، كان ذلك الشخص الزاهد المتقي الذي كان ينظر إلى الدنيا من منظار «الدنيا قنطرة فاعبروها ولا تعمروها»، كانت حياته تجسيداً حقيقياً لهذه الكلمة، لم يكن يمتلك سيارة شخصية ولم يكن يملك رصيداً في البنك ولم يكن يفعل كثيراً مما يفعله الآخرون، ممن كانوا دون مستوى قدراته وطاقاته وإمكانياته، كان زاهداً في الحياة، ليست الحياة إلاّ جسراً نعبر عبره للآخرة، فلماذا التكالب عليها ولماذا، ولماذا؟. كانت تجسيداً عملياً للرواية الشريفة التي تقول«القناعة كنز لا يفنى» فلنكن نحن كذلك أيضاً، لنزهد في هذه الدنيا الفانية، الدنيا جيفة وطلاّبها كلاب، إذا نظرت إلى الدنيا وإذا نظرنا إلى هذه الحياة، بهذا المنظار وبهذه الرؤية لتغيرت كثيراً من المعادلات ولعدنا سادة العالم من جديد، الزهد في الحياة، التقوى من الله سبحانه وتعالى.

ما هي التقوى؟ إنما هي تلك المفاضلة الصعبة والمصيرية بين سخط الخالق وبين سخط المخلوق، هل أنتخب سخط الخالق لكي أحرز وأحوز على رضا المخلوق؟، أم سأعكس الأمر؟، هذه هي التقوى، وتظهر هذه الحقيقة جلياً في معادلة الشجاعة في التصدي لقوى الضلال، للبدع، للانحراف وللضلالة الموجودة، هنا يتجلى جوهر الإنسان وتظهر حقيقته، هل يضحي بجسده وبقدراته المادية وبماء وجهه أيضاً لإحياء شعائر الدين؟، هل يضحي بالذات للغير أم يضحي بالآخرين لذاته وشخصه؟، هنا تظهر معالم التقوى الحقيقية وهنا نستكشف في مرحلة الامتحان المصيري من نحن؟ وما هو مدى صدقنا مع ذواتنا ومع ديننا ومع قادتنا؟، الشجاعة الحقيقية هي التي تكشف الجوهر لهذا الإنسان، لقد كان الشهيد رحمة الله عليه ورضوان الله عليه المثال في الشجاعة في التصدي وفي التحدي أيضاً لقوى الضلال وللطغاة.  في العراق تعرض لتلك الأنماط الرهيبة من التعذيب ولم يستسلم، ولم يتراجع ولم يعترف كما يشاؤون، تحدى طغاة العراق وصمد حتى النهاية، تعرض لأربع وأربعين نوعاً من التعذيب، ربما أتحدث عن التعذيب وربما أعاني منه شخصياً، وربما أسمع شيئاً وربما يرى الإنسان، لا سمح الله، تلك الحقيقة مجسدة في الخارج، كنموذج عابر سريع من أهون ما مرّ به الشهيد، ربما صادف أحدنا أن شكت إبرة إصبعه، كم يتألم؟ فكيف إذا انغرست الإبرة في أعماق بدنه؟، إحدى أنماط التعذيب كانت هذا النمط، أبر صنعت خصيصاً للتعذيب، وكانت هذه العملية تمارس بحقه، تؤخذ الإبرة وتغرس في المنطقة الوسطى بين الأظفر وبين الأصبع ثم تدق بالمطرقة حـــتى يغمى عليه، مرة وأخرى وثالثة ورابعة، تصور مدى هذا الصمود ومدى تلك الشجاعة ومدى تلك الأصالة في التقوى، في الخوف من الخالق الحقيقي عند التعرض لامتحان مصيري، لقد كان الشهيد الأنموذج في الشجاعة، في التصدي للبدع، في التصدي للتيارات المنحرفة، إبان المد الأحمر في العراق، كتب كتاب الاقتصاد وكان يعد تحدياً فكرياً حضارياً متطوراً وكان يعرضه لما يمكن أن يتعرض له، كل من يتصدى للموجة القوية وبالتيار الذي يجرف بالكثيرين إلاّ أنه صنع ما صنع، واستمر حتى اللحظات الأخيرة، إننا نحيي في الشهيد هذه المعاني وهذه المناقبيات وهذه المثاليات، كم تحمل وكم عانى في تأسيس الحوزة العلمية في السيدة زينب(ع)،  إننا نرى عادة الجانب المشرق من حياة العظماء ولا نتأمل ونتعمق في تلك الجهود الجبارة وتلك المشاكل الجمة والعقبات الخطيرة التي تعترض طريق العظيم، الشيخ الطوسي أسس الحوزة العلمية في النجف الأشرف، أحمد بن زياد النينوي أستاذ الشيخ الطوسي، أسس الحوزة العلمية في كربلاء المقدسة، الشيخ عبد الكريم الحائري، أسس الحوزة العلمية في قم المقدسة، هل نفكر في مدى العناء الذي تحمّلوه في هذا الطريق والعقبات والمشاكسات والمعاكسات وشتى المصاعب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها.

إننا لو نظرنا إلى الجانب المر وإلى تلك المشاق التي عاناها العظيم في تأسيس الحوزة أو في تأسيس سائر البرامج والنشاطات لاستلهمنا منه تلك الروح التي تعطينا مزيداً من الاندفاع وتجعلنا نتصلب في مواقفنا أكثر فأكثر ولا نخرج من الخندق ولا نتخلى عن خط المواجهة لمجرد عقبات ومتاعب ومشاكسات..  كلمات من هنا وهناك.

إننا نحيي في الشهيد هذه المعاني ونأمل من الله سبحانـــه وتعالى أن يوفقنا لكي نسير في هذه المسيرة وعلى هذا الطريق، إن الشهداء الروحانيين العظماء يتربعون على عرش القلوب، ومملكة القلوب خالدة ولقد كان الشهيد آية الله السيد حسن الشيرازي من رجال الله الذين تربعوا على عرش القلوب، لذلك فإن مملكته ستكون خالدة على مرّ التاريخ، (لقد كان في قصصهم عبرة..).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الكلمة التي ألقاها سماحة العلامة السيد مرتضى الشيرازي في الاحتفال الكبير الذي أقامته الحوزة العلمية الزينبية في ذكرى شهادة المفكر الإسلامي الكبير آية الله السيد حسن الشيرازي (قدس سره)