منهج التعامل مع الظلمة


علي عبد الرضا       alromaithy@netzero.net

قد لا يختلف اثنان في تشخيص مواضع الظلم، وتحديد الظلمة أو درجات تعسفهم واستبدادهم ولكن تنقطع السبل ويحدث الافتراق عندما تصل المسألة إلى كيفية التعامل مع الحاكم الظالم أو طريقة مواجهته، فالسجال لازال على أشده في أكثر من دائرة سواء على مستوى الأفراد أو الجماعات.

فالبعض سرعته واحدة في جميع الطرق والمنحدرات لا يرى وجوداً للحدود في التعامل مع أي حاكم، الأبواب كلها مفتحة مع أي حاكم، الأبواب كلها مفتحة أمامه على مصراعيها، والأضواء قد طليت باللون الأخضر لكي لا يتوقف هنا أو ينتقل إلى طريق آخر، وعنده لكل خطوة يخطوها ألف عذر وعذر!!.

وبعض يعتبر الالتقاء والتزاور والمراودة أفضل وسيلة لإيصال النصائح والمواعظ إلى الحاكم الظالم، بدل تركه لحفنة من المتزلفين والمحسوبين ويقول لك دائماً:  أليس الدين النصيحة!.

وآخر لا يرى قلباً واعياً، ولا أذناً صاغية، ولا عقلاً سليماً حتى يسمعه الموعظة أو يرجعه عن غيّه، فالحاكم لم يحمل وسام (الظلمة)  إلاّ بعد أن أشرب قلبه حبّ الدنيا وسيطرت على عقله سكرة الحكومة ونشوة القدرة فهو يصبح ويمسي بدون إرادة ووعي، ولا هم له إلاّ البقاء في كرسي الحكم أكبر فترة ممكنة ولو اقتضى الأمر إبادة الحرث والنسل، ومقاطعة هكذا حاكم أمر حتمي لا نقاش فيه، وعدم الالتقاء معه في أية نقطة هو الآخر أمر لا غبار عليه.

والبعض الآخر لا يرى هذا أو ذاك، الكيّ دواؤه المفضل، والانتفاضة العارمة أو المسلحة هي وحدها التي تطفئ ظمأ العطشى، وتطوي صفحة الحاكم الظالم من الوجود.

ونحن هنا لسنا في مجال الإفتاء أو التوجيه أو تحديد المسؤوليات للآخرين، فالإنسان على نفسه بصيرة، وهو الأدرى والأعلم بالظلمة وأعوان الظلمة الذين يكتوي بنارهم وبالتالي قد يكون هو الأدرى بالموقف الرشيد الذي يريد أن يأخذ به تجاه الحاكم الظالم أيضاً إذا طابقه مع الحق ووضع له موازين صحيحة تميز له الرشد من خلافه ومن بعد ذلك تكون مرحلة ما يجب وما لا يجب متروكة للفرد أو الجماعة ليوزنوا مواقعهم ومواقفهم بصدق وأمانة، فالمسألة أكبر من كونها موقفاً شخصياً، فهناك آثار وتبعات ومسؤوليات ستترتب على كل موقف أو رأي يطرح ويقال.

لذا سنورد هنا بعض المواقف التي أتبعها أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام)  مع الظلمة وأعوان الظلمة، فهم (عليهم السلام)  وحدهم يحق لهم أن يكونوا الترجمان الواقعي لكتاب الله المنزل، والأنموذج الأمثل لعرض الإسلام الأصيل، والحجة البالغة على كل من يريد الخوض في هكذا أمر، واللبيب من اتعظ بمواقفهم (عليهم السلام).

ماذا يعني الركون؟

وقبل الخوض في غمار المواقف والآراء من الضروري أن نلقي نظرة فاحصة على آية من آيات كتاب الله المجيد (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار) (1)  لنوضح معنى الركون وآراء علماء التفسير والبلاغة في ذلك، حتى نستطيع أن نقارن ونحدد بعض الخطوط الحمراء والخضراء عند التعامل مع الحاكم الظالم.

قال العلامة الطبرسي في مجمعه:«الركون إلى الشيء هو السكون إليه بالمحبة له والإنصات إليه، وقد نهى الله عن المداهنة في الدين والميل إلى الظالمين، لأن الركون إلى الظالمين المنهي عنه هو الدخول معهم في ظلمهم وإظهار الرضا بفعلهم، وإظهار موالاتهم»(2).

وقال العلامة الطباطبائي في ميزانه:«والحق أنه -أي الركون- الاعتماد على الشيء عن ميل إليه»(3).

وقال فخر الدين الطريحي:«ولا تركنوا أي لا تطمئنوا إليهم ولا تسكنوا إلى قولهم، ومنه قوله(4)  أي لقد قاربت أن تميل إليهم أدنى ميل فتعطيهم بعض ما سألوك»(5).

ويقول الإمام الشيرازي (دام ظله):«ولا تركنوا، أي لا تعتمدوا الميل والسكون على شخص أو وجهة ظلموا في عقيدة أو عمل، وهو انحراف عن الاستقامة»(6).

وقال الفخر الرازي:«الركون هو السكون إلى الشيء والميل إليه بالمحبة ونقيضه النفور عنه، قال المحققون:  الركون المنهي عنه هو الرضا بما عليه الظلمة من الظلم وتحسين تلك الطريقة وتزيينها عندهم وعند غيرهم ومشاركتهم في شيء من تلك الأبواب»(7).

أما الزمخشري فقال:«ولا تركنوا، من أركانه إذا أماله.  والنهي متناول للانحطاط في هواهم، والانقطاع إليهم ومصاحبتهم ومجالستهم وزيارتهم ومداهنتهم والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم والتزيي بزيهم ومدّ العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم.  وتأمل قوله تعالى:(ولا تركنوا) فإن الركون هو الميل اليسير.  وقوله تعالى:(إلى الذين ظلموا) أي إلى الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل إلى الظالمين»(8)  وإلى ذلك أشار رشيد رضا في المنار أيضاً.

إذن مجرد الميل اليسير إلى الذين ظلموا والسكون إليهم والاطمئنان بأفعالهم يوجب لفحات جهنم ومساس نارها فالحق لم يجعل ذلك خلوداً ولكن تمسكهم النار فلا تركنوا إليهم(9)،  ولكن أية نار؟ هل نار نمرود التي سجرها إلى إبراهيم الخليل والتي حرارتها أذابت الطيور المحلقة على ارتفاع مئات الأمتار، أم هي نار الله سبحانه التي يقول عنها الإمام الصادق(ع):«إن ناركم هذه جزء من سبعين جزء من نار جهنم وقد أطفئت سبعين مرة!»(10).

فعدم الركون إلى الذين ظلموا بأي شكل وعذر وحجة هو نوع من الوقاية والحماية والحذر من الوقوع في الظلم أو شيوعه وانتشاره، كما هو أسلوب عملي لإضعاف الحاكم الظالم ومنعه من ارتكاب الظلم، وإن الظلم لا يرتكب إلاّ بالأعوان وبسكون أهل الحق عن حقهم، والميل إلى أعوان الظلمة وليس بالظالم فقط.

ومن هنا جاء التحذير واضحاً لا لبس فيه ولا يحمل التأويل والتوجيه، لأن الركون بداية انزلاق وسقوط في مهاوي سحيقة لا نجاة منها.

في مدرسة أهل البيت

فالقدوة التي يجب أن نأخذ بها والمثال الذي نحتذي به هم أهل البيت (عليهم السلام)  وحدهم، لأن حياتهم هي سلسلة مترابطة الجوانب والأبعاد مرت بمختلف الظروف وتخطت جميع الصعاب وجسدت كل معاني المقاومة والمواجهة ولم تبق أدنى مسألة إلاّ وأشارت إليها وأوضحتها بصورة أو بأخرى، فأقوالهم لا تقل شأناً عن سيرتهم، فالكلام عندهم عمل، والعمل عندهم كلام لا توجد هناك فاصلة أو اختلاف، فإذا أردنا أن نسير على هداهم ونعتبر أنفسنا تجاههم تابعين ومقلدين كاتباع الفصيل لأمه، فيجب أن تتجسد مواقفهم أمامنا في كل لحظة، في كل حركة من حركاتنا وسكناتنا، وخصوصاً في أوقات الأزمات والمنعطفات الخطيرة ولعل الموقف من حكام الجور يحتاج إلى تمعن أكثر ودقة أعمق للشاخص الذي وضعناه أمامنا.

كما إن مواقف علمائنا الأبرار ونهجهم العام في مواجهة الظالمين هو الآخر يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار لأنهم خير موضع لمنهاج السماء، وأفضل مفسر لتعاليم الأنبياء والأوصياء، ولأجل ذلك ستكون بعض قصصهم التي استأثرت بالاهتمام والعناية شاهداً لنا في بعض النقاط.

طعام الظلمة

جاء عن النبي(ص)  أنه:«  نهى عن إجابة الفاسقين الظلمة إلى طعامهم»(11).

«قيل عن أحد الملوك:  إنه دعا العلماء والقضاة إلى الإفطار في ليلة من ليالي شهر رمضان المبارك فامتنع أحدهم من الإجابة، وكان قصد الملك من الضيافة هو ذاك الممتنع وإنما أضاف الباقين لأن يشبه الأمر عليه، علّه يجيب، فأصرّ الملك على قبوله، وأخيراً قبل العالم بشرط أن لا يأكل من طعام الملك، وإنما يحضر مجلس الضيافة مصطحباً معه طعام فطوره يأكل منه لكن على مائدة الملك، فقبل الملك شرط العالم، فحضر العالم على المائدة وبسط منديله وأخذ يأكل لقيمات بجنب الملك، فمدّ الملك يده إلى منديل العالم وأكل منه لقمة ليفتح على نفسه طريقاً إلى إجبار العالم على الأكل من طعامه بحجة المقابلة، ولكن فوجئ الملك بقول العالم:  الحمد لله رب العالمين، وجمع المنديل مؤذناً بتمام إفطاره.  قال الملك وهو يائس من نجاح خطته:  أنا أكلت من طعامك فأرجو أن تأكل من طعامي.  قال العالم:  إني شبعت وقد نهى الرسول(ص)  عن الأكل على الشبع.  وبعد ذلك سئل من العالم عن سبب ما فعل؟ قال:  عرفت أن مقصود الملك من أكله من طعامي هو إجباري على أن آكل من طعامه ولذا استعجلت في الأكل ولما أن أكل من طعامي، جمعت المنديل ليعرف أني أنهيت الأكل فلا يبقى له محل في الإصرار على أن آكل من طعامه، وأن الأكل من طعام الخلفاء والملوك ـ عادةً- يقسي القلب وينسي الآخرة ويجرّ الإنسان إلى المداهنة والغض عن ظلمهم للعباد والبلاد»(12).

التحاكم إلى الظلمة

قال رسول الله(ص):«من تولى خصومة ظالم أو أعان عليها، ثم نزل به ملك الموت قال له:  أبشر بلعنة الله ونار جهنم وبئس المصير»(13).  وخصومة الظالم هنا تعني المدافع عن المظلوم (المحامي)  الذي يكون خصماً للظالم، لأنه تحام في محاكم الظلمة.

يقول عمر بن حنظلة:«سألت أبا عبد الله(ع)  عن رجلين من أصحابنا بينهما منازعة في دين وميراث فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة أيحلّ ذلك؟ قال:  من تحاكم إليهم في حق أو باطل فإنما تحاكم إلى الطاغوت وما يحكم له فإنما يأخذ سحتاً وإن كان حقاً ثابتاً له، لأنه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يكفر به قال تعالى:(يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به) (14)،  قلت فكيف يصنعان؟ قال:  ينظران من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حكماً...»(15).

مدح الظلمة

قال رسول الله(ص):«من مدح سلطاناً جائراً وتخفف وتضعضع له طمعاً فيه كان قرينه إلى النار، وقال(ص):  قال الله عز وجلّ:(ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم ا لنار) »(16).

الدعاء للظالم

جاء عن النبي (ص)  أنه قال:«من دعا لظالم بالبقاء أحبّ أن يعصي الله في أرضه»(17).

وعن الحسين(ع)  قال:«لا تصفنّ لملك دواء فإن نفعه لم يحمدك، وإن ضرّه اتهمك»(18).

وسئل سفيان الثوري عن ظالم أشرف على الهلاك في بريّة، «هل يسقى شربة ماء؟ فقال:  لا.  فقيل له:  يموت؟ فقال:  دعه يموت»(19).

مَنْ عذّر ظالماً

قـــــال الإمام الصــــادق (ع):«من عـــذّر ظالماً بظلمه سلّط الله عـــليه من يظلـــمه وإن دعا له لم يستجب له ولم يأجره الله على ظلامته»(20).  (عذّرته):  رفعت عنه اللوم فهو معذور أي غير ملوم.

قراءة القرآن للظلمة

عن أبي عبد الله (ع)  أن أباه كان يقول:«من دخل على إمام جائر فقرأ عليه القرآن يريد بذلك عرضاً من عرض الدنيا لُعن القارئ بكل حرف عشر لعنات ولعن المستمع بكل حرف لعنة»(21).

مصاهرة الظلمة

«يقال:  إنه كان للميرزا القمي صاحب القوانين ولد بلغ سن الرشد وحان وقت زواجه، وكان للملك المعاصر لصاحب القوانين (فتح علي شاه)  بنت أراد تزويجها منه، فأرسل الملك رسوله إلى الميرزا القمي ليكلمه في هذا الموضوع.  قال الميرزا:  سوف أجيب.  ولما رجع رسول الملك، تفرغ الميرزا لمناجاة ربّه، وأخذ يدعو الله ويقول ما مضمونه:  اللهم إني أشكو إليك ما في مصاهرة الملوك من البلايا والفتن، والإقبال على الدنيا والعزوف عن الآخرة وما لا يليق بالعلماء ورجال الدين، اللهم وإنّ ابني هذا ممن سلك طريق العلم وهو يريد رضاك، اللهم فإن كان نجاة ابني من هذا البلاء بالموت، فإني أطلب منك موته.  وبالفعل استجاب الله دعاءه وأخذت الولد الحمى من فوره ولم تمض ثلاثة أيام من دعاء الميرزا إلاّ والتحق الولد بالرفيق الأعلى»(22).

يقول الإمام الشيرازي (دام ظله):«ومثل هذه القصة ينبغي أن تكون درساً لرجال الدين، مع العلم أن (فتح علي شاه)  كان مجازاً من قبل الشيخ جعفر كاشف الغطاء في إدارة أمور البلاد ورعاية شؤون العابد، فإن الإجازة موجودة بنصها في كتابه كشف الغطاء، وكان نوعاً ما مواظباً على الأحكام الشرعية»(23).

ديوان الظلمة

عن أبي عبد الله (ع)  قال:«من سوّد اسمه في ديوان ولد فلان، حشره الله عزّ وجلّ يوم القيامة خنزيراً»(24).

يذكر أن المقدس الكاظمي صاحب (الوسائل في الفقه)،  كان في الزهادة والورع بمكان، حتى أنه زاره من إيران بعض الشخصيات المرموقة في سفرة له إلى العراق في داره، فوجد الدار في غاية البساطة بادية عليها آثار القناعة والعزوب عن الدنيا، ووجد صاحب الدار في غاية العظمة بادية عليه آثار الزهد والورع.  وبعد أن جرى بينهما ما تعارف من التحية والترحاب، وتفقد كل منهما أحوال صاحبه، وتزاوروا، أطال الزائر جلوسه وهو لا يعلم بأن المقدس قد أخرج زوجته وطفله الصغير إلى ساحة الدار تحت الشمس المحرقة في حرّ الظهيرة، ولذلك التفت المقدس إلى زائره وقال:  لو دار الأمر بين مستحب وحرام فما هو الأهم؟ أجاب الزائر:  معلوم أن الحرام هو الأهم، فإنه يجب ترك المستحب حتى لا يرتكب الحرام، ثم قال:  وكيف؟ فأجابه المقدس:  هل تسمع صراخ طفل صغير؟ أنصت الزائر إليه ثم قال:  نعم وما هو؟ قال المقدس:  إنه وزوجتي تصهرهما الشمس حيث لا ظلال لنا إلاّ هذا المكان وقد أخلياه لنا.  وعندما عرف الزائر مغزى سؤال المقدس فاعتذر من إطالة جلوسه وقام وانصرف وهو معجب بزهد المقدس وورعه.  ولما رجع الزائر إلى إيران، وزاره الملك، سأله:هل أتيت من العراق بهدية؟ قال:  نعم وأعظم الهدايا، ثم ذكر للملك ما شاهده من المقدس الكاظمي من زهد وورع، فتأثر الملك بذلك تأثراً كبيراً وأمر بمال كثير للمقدس، فجيء بالمال مع مبعوثين من قبل الملك إلى الكاظمية، ولما وصل مبعوث الملك إلى الكاظمية زارهما الأعيان والأشراف باستثناء المقدس الكاظمي، فكلما ألحّ عليه أن يزورهما لم يقبل، حتى اضطرا مبعوثا الملك- أن يزوراه بأنفسهما، فأقبلا إلى دار المقدس وزاراه بأنفسهما، وقصا عليه قصتيهما وإرسال الملك المال معهما إليه على أثر ما جرى بين المقدس الكاظمي وبين زائره، حيث قد قصّ الزائر ذلك على الملك وأطلعه عليه.  فلما سمع المقدس الكاظمي مقالتهما أجهش بالبكاء واعتذر من قبول المال المبعوث إليه وأصرّ على ذلك حتى يئس مبعوثا الملك من قبوله وأرجعا المال إلى إيران، وبعد ذلك قيل للمقدّس:  ممّ كان بكاؤك؟ قال:  من جهة علمي بأن ما جرى بيني وبين زائري قد صار سبباً لأن يذكر اسمي في ديوان الظالمين(25).

تكثير سواد الظلمة

عن الواقدي قال ابن الرماح:«كان بالكوفة شيخ أعمى قد شهد قتل الحسين(ع)  فسألناه يوماً عن ذهاب بصره، فقال:  كنت في القوم وكنا عشرة غير أني لم أضرب بسيف ولم أطعن برمح ولا رميت بسهم، فلما قتل الحسين (ع)  وحمل رأسه رجعت إلى منزلي وعيناي كأنهما كوكبان، فنمت تلك الليلة فأتاني آت في المنام وقال أجب رسول الله، قلت مالي ولرسول الله، فأخذ بيدي ولزم تلبابي وانطلق بي إلى مكان فيه جماعة والنبي (ص)  جالس وهو مغتم حاسر عن ذراعيه وبيده سيف وبين يده نطع وإذا أصحابي العشرة مذبحين بين يديه، فسلّمت عليه فقال:  لا سلام الله عليك يا عدو الله، أما استحييت مني تهتك حرمتي وتقتل عترتي؟ قلت:  ما قاتلت، قال:  نعم، ولكن كثّرت السواد، وإذا بطشت عن يمينه فيه دم الحسين (ع)  فقال:  اقعد فجثوت بين يديه فأخذ مروداً وأحماه وكحل به عيني فأصبحت أعمى كما ترون»(26).

الدخول على الظلمة

عن عبد الغفار بن القاسم، عن الباقر (ع)  قال:«قلت له:  يا سيدي ما تقول في الدخول على السلطان؟ قال:  لا أرى لك ذلك، قلت:  إني ربما سافرت إلى الشام.  فأدخل على إبراهيم بن الوليد.  قال:  يا عبد الغفار، إن دخولك على السلطان يدعو إلى ثلاثة أشياء:  محبة الدنيا، ونسيان الموت، وقلة الرضا بما قسم الله»(27).

الساعي بأخيه إلى الظلمة

قال (ص):«شرّ الناس المثلث.  قيل:  يا رسول الله، وما المثلث؟ قال:  الذي يسعى بأخيه إلى السلطان فيهلك نفسه، ويهلك أخاه ويهلك السلطان»(28).

مداهنة الظلمة

قال رسول الله (ص)  أوحى الله إلى أيوب (ع):  هل تدري ما ذنبك إلى حين أصابك البلاء؟ قال:  لا.  قال:  إنك دخلت إلى فرعون فداهنت في كلمتين»(29).

الحب القلبي للظلمة

عن صفوان بن مهران الجمال قال:«دخلت على أبي الحسن الأول (ع)،  فقال لي:  يا صفوان كل شيء منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً، فقلت:  جعلت فداك، أي شيء؟ قال:  إكراؤك جمالك من هذا الرجل يعني هارون- قلت:  والله ما أكريته أشراً، ولا بطراً، ولا للصيد، ولا للهو، ولكن أكريته لهذا الطريق، يعني طريق مكة، ولا أتولاه بنفسي، ولكني أبعث معه غلماني، فقال لي:  يا صفوان، أيقع كراؤك عليهم؟ قلت:  نعم -جعلت فداك- قال:  أتحب بقاءهم حتى يخرج كراؤك؟ قلت:  نعم، قال:  من أحب بقاءهم فهو منهم ومن كان منهم كان ورده إلى النار»(30).

النظر إلى الظلمة

عن سليمان بن جعفر الجعفري قال:«قلت لأبي الحسن الرضا (ع):  ما تقول في أعمال السلطان؟ فقال:  يا سليمان الدخول في أعمالهم والعون لهم والسعي في حوائجهم عديل الكفر، والنظر إليهم على العمد من الكبائر التي يستحق بها النار»(31).

الوصية الخالدة

من وصية أمير المؤمنين (ع)  لكميل:«يا كميل إياك والتطرق إلى أبواب الظالمين والاختلاط بهم والاكتساب منهم، وإياك أن تطيعهم، أو تشهد في مجالسهم بما يسخط الله عليك، يا كميل إذا اضطررت إلى حضورهم فداوم ذكر الله تعالى وتوكل عليه واستعذ بالله من شرهم واطرق عنهم وأنكر بقلبك فعلهم، واجهر بتعظيم الله تعالى لتُسمعهم فإنهم يهابوك وتُكفى شرهم»(32).

وأخيراً قال تعالى:(إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)(33).


(1)  سورة هود:  113.

(2)  مجمع البيان:  ج5 ص263.

(3)  الميزان:  ج11 ص52.

(4)  سورة الإسراء:  74.

(5)  تفسير غريب القرآن:  ص541.

(6)  تقريب القرآن إلى الأذهان:  ج11 ص97.

(7)  التفسير الكبير:  ج18 ص71.

(8)  الكشاف:  ج2 ص433.

(9)  انظر تفسير العياشي:  ج2 ص161.

(10)  سفينة البحار:  ج8 ص352.

(11)  أمالي الصدوق:  ص256.

(12)  من أخلاق العلماء للإمام الشيرازي:  ص29.

(13)  أمالي الصدوق:  ص256.

(14)  سورة النساء:  60.

(15)  وسائل الشيعة:  ج18 ص99.

(16)  بحار الأنوار:  ج72 ص369.

(17)  تفسير الكشاف:  الزمخشري، ج2 ص433.

(18)  بحار الأنوار:  ج72 ص382.

(19)  تفسير الكشاف:  للزمخشري، ج2 ص433.

(20)  الكافي:  ج2 ص334.

(21)  الاختصاص:  ص262.

(22)  من أخلاق العلماء:  ص111.

(23)  المصدر السابق:  ص112.

(24)  ثواب الأعمال:  ص233.

(25)  إيصال الطالب إلى المكاسب:  للإمام الشيرازي ج3 ص279.

(26)  كتاب مائة قصة:  ص14.

(27)  جامع الأخبار:  ص180.

(28)  بحار الأنوار:  ج72 ص373.

(29)  المصدر السابق:  ص380.

(30)  رجال الكشي:  ص373.

(31)  تفسير العياشي:  ج1 ص238.

(32)  سفينة البحار:  ج5 ص385.

(33)  سورة ق:  37.