الوقت كالسيف


مرتضى معاش        mortada@annabaa.org

قال تعالى:(والعصر، إن الإنسان لفي خسر، إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر).

الزمان هو ذلك البعد الرابع الخفي الذي يلازم حركة الكون وينساب معها، وهو الذي يعيش في أعماق الإنسان حيث يشكل تلك الساعة البيولوجية التي مع ولادة الإنسان في اللحظة الأولى تبدأ عداً تنازلياً نحو النهاية.  الزمان أمر نسبي وليس مطلقاً لذلك فهو ضيق واسع قصير طويل، حيث يصبح طويلاً كلحظات الألم والعذاب التي يعيشها الإنسان، وقصيراً في لحظات النشوة والسعادة.  وفي الآية القرآنية (والعصر) ثلاثة أبعاد أساسية:

البعد الأول: العصر وهو الزمان الذي له منزلة كبيرة بحيث يقسم الباري به لأن الزمان هو ذلك الإطار الحركي والانسيابي الذي يتحرك فيه الإنسان ويؤدي امتحانه وتكليفه.

والبعد الثاني:  خسران الإنسان، الذي يخسر اللحظات والثواني الفانية من عمره وهو لا يستطيع أن يستثمرها خاصة عندما يتحكم به الوقت ولا يتحكم هو به فيقع خارج الزمان ويستهلك دقات الوقت ذاته ونفسه فينتهي قبل أن يصل إلى نهايته فيكون كالميت ولكن لا نشعر به.  يقول الإمام أمير المؤمنين(ع)«خذ من نفسك لنفسك وتزود من يومك لغدك واغتنم غفو الزمان وانتهز فرصة الإمكان». فكل ثانية من عمر الإنسان لها قيمة كبيرة وحساب تجاري خاص، فإذا ضيع الإنسان هذه الثواني هدراً فكأنما ضيع الملايين والبلايين إذا أردنا أن نحسب لقضية مادياً كحساب رجال الاقتصاد ولا مقارنة ولكن لبيان ما يخسره الإنسان باستهلاك الثواني والدقائق من عمره، وقد قال أمير المؤمنين(ع):«ما نقصت ساعة من دهرك إلاّ بقطعة من عمرك».

البعد الثالث في الآية:  استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات حيث استثمروا لحظات أعمارهم في سبيل الله وتحول الزمان إلى حركة لا تنتهي نحو السماء، وكان طريقهم إلى ذلك هو التواصي وتحـــمل المسؤولية الاجـــتماعية بأن يتواصى أحدهم مع الآخر بمبادئ الحق والقيم السماوية التي تضع الإنسان على الدرب، فالذين يخسرون أعمارهم وتذهب لحظات حياتهم سدى هم الذين تخلوا عن المبادئ أو تناسوا أو لم يصلوا إليها بعد.  لذلك نجد أن الفراغ وسيف الزمان يقطع أولئك الذين يعيشون فراغاً في عقولهم وأفكارهم عندما تنخر المبادئ الفاسدة حياتهم، أو عندما يتخلون عن مبادئهم من أجل مصالح مادية ضيقة وفانية.  وقد قال أمير المؤمنين(ع):«إن أوقاتك أجزاء عمرك فلا تنفذ لك وقتاً إلاّ فيما ينجيك». والتواصي بالصبر هو قمة القدرة على احتواء الزمان والسيطرة على الوقت، إذ أن الكثير ينهار أمام تسلط الزمن وجبروته فلا يقاوم الضغوط، أو يريد أن يصل بسرعة إلى مبتغاه ولكنه لا يصل فيصيبه الإحباط والسقوط.  ولكن المؤمنين الذين يتعاضدون ويتكاتفون ويتواصون بالصبر والصمود والاستقامة بأن يتحكموا بأنفسهم حتى يستطيعوا أن يتحكموا بالزمان.

والمستقبل دائماً لأولئك الرابحين الذين يحركون الزمان ويسيرونه حسب ما تمليه عليهم مبادئ السماء.

والأخسرين هم الذين يغرقون في لجج الزمان ويخضعون لما يمليه عليهم.

والحقيقة الأساسية التي نستنبطها من هذه الآية القرآنية إن زمان الذين آمنوا وعملوا الصالحات زمان متصل لا ينقطع يستمر معهم إلى أن يصلوا إلى ربهم في الجنان العالية.  ما الأخسرون فإن زمانهم منقطع بانقطاع الدنيا وانقطاع مصالحهم الدنيوية حيث تنتهي لحظات حياتهم في ذلك القبر الضيق في انتظار المجهول بخوف وهلع وقلق.

الزمان يعيش مع حركة الإنسان وأنفاسه فكل نفس يحتسيه الإنسان هو ثانية من عمره تخرج من حياته مع ذلك النفس الذي يخرج من رئتيه.  فقد يحول هذا الزمن حياة الإنسان إلى حياة تعيسة شقية مترعة بالملذات الفاسدة والفراغ واستهلاك الوقت من أجل الانتهاء بسرعة «كما يفعل المنتحرون في بعض الأحيان»، أو يحوّل حياته إلى حياة سعيدة ومفيدة عندما يستطيع أن يستثمر وقته بصورة صحيحة، فالوقت كالمال ينال منه النتائج حسب نوعية الاستثمار والقدرة على الاستفادة منه.

ولكن لكي نعرف كيف نستثمر الوقت ونسيطر عليه لابد أن نعرف ما هو الوقت وما هي خصائصه؟

الوقت هو نفس مقدار حركة الإنسان وسعيه (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) فبمقدار ما يتحرك الإنسان تتحدد كمية الوقت الذي يستثمره، إذ أن الوقت نسبي يتناسب مع حركة الإنســـان هذه، كما أن النــجوم والكواكب والأجرام تتخذ خصائصها وصفاتها بمقدار حركتها وسرعتها.  وبما أن الإنسان هو مختار ومريد فإنه هو الذي يحدد حركته ويختارها وليس مجبوراً كالكواكب، إذن فهو يحدد زمانه وقدرته على استثمار هذا الزمان.  من خصائص الوقت أن الوقت لا يحترم أحداً ولا ينتظر أحداً مهما كان هذا الشخص فقد يتحوّل هذا الزمان إلى بؤس وألم، وقد يحوله إلى شخصية مهانة ذليلة وفي المثل «الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك». وهو سريع الانقضاء ويمر مرّ السحاب وجريان الريح ولا يمهل لحظات للتنفس ولا ينتظر لكي يحقق الإنسان آماله وأحلامه وقد يقلب هذه الأحلام رأساً على عقب، يقول أمير المؤمنين(ع):«بادر الفرصة قبل أن تكون غصة»؛ وعن الصادق(ع):«من انتظر بمعالجة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء سلبته الأيام فرصته لأن من شأن الأيام السلب وسبيل الزمن الفوت».

ولأن الوقت هو حياة الإنسان نفسها، لذلك فإنه مورد نادر لا يمكن شراؤه أو بيعه أو تخزينه أو إبداله لذلك فهو أثمن ما يملك الإنسان فهو رأس المال الحقيقي في الحياة فعن رسول الله(ص):«كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك». إنه مورد محدد يملكه جميع الناس بالتساوي ولا يستطيع أحد زيادته، فكل إنسان يملك 24 ساعة في اليوم، و168 ساعة في الأسبوع، و8766 ساعة في السنة، لذلك فإن كل دقيقة هي مهمة في حياة الإنسان ولها قيمتها الكبيرة وقد قال رسول الله(ص):«إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها فليغرسها». أي أن الوقت مهم جداً ولو كان في الدقيقة الأخيرة في حياة الإنسان.  وقد قال نابليون قديماً:«إن السبب في انتصاري يكمن في أن أعدائي لم يعرفوا جيداً قيمة الدقائق الخمس».

إن أهم أسباب ضياع الوقت وتلفه هو الإدارة السيئة للوقت، فالبعض يعمل 24 ساعة في اليوم ولكنه يحتاج إلى 24 ساعة في نفس اليوم حتى ينهي أعماله اليومية ومن ثم فهو أيضاً لا يملك الوقت الكافي.  ولكن الوقت لا يظلم الإنسان ولا يجور عليه بل الإنسان بأسلوب إدارته السيئة للوقت يمكن أن يحول مقدار حجمها من 24 ساعة إلى 240 ساعة، وقد يحولها بإدارته السيئة إلى لا شيء.  إدارة الوقت الجيدة تعني:

1- تنظيم الوقت:  إذ أن له دوراً كبيراً في توسيع الوقت لأداء المهام بصورة كاملة، وقد قال أحد العلماء وهو السيد صادق الشيرازي (حفظه الله):«إن توسيع الوقت في توزيعه»، أي تنظيمه، والتنظيم يتطلب تحليلاً مسبقاً لكيفية قضائه للوقت ومن ثم التخطيط لبرنامجه اليومي أو الأسبوعي بشرط الالتزام الجيد بهذا التخطيط.

2- تحديد الأهداف:  فكثيراً ما يستهلك الإنسان وقته في غير أهدافه وذلك لأنه غير واضح في تحديد الأهداف، فإذا وضع الإنسان أهدافه المستقبلية والآنية ووضع خططاً لهذه الأهداف المناسبة مع تحديده وتخطيطه لوقته اليومي فإنه يستطيع أن يحتوي الكثير مما يتلف من وقته ويضيع.

3- تحديد الأولويات ومعرفة الأهم من المهم في حياتنا، إذ أن الهامشيات والجانبيات تلتهم الكثير من الوقت وتضيعه، فعندما نحدد الأولويات ونلتزم بالأهم ونترك المهم جانباً فإن هذا يوفر الكثير من الوقت.  يقول أمير المؤمنين(ع):«من اشتغل بغير المهم ضيّع الأهم» ويقول(ع):«شرّ ما اشتغل به المرء وقته الفضول».

4-التقييم والمحاسبة والرقابة بشكل دقيق على ما يصرفه الإنسان يومياً من وقته.  فكما يضيع الإنسان ميزانية لمصاريفه المالية وموازنة لما يصرف أو ينال، لابدّ أن يضع موازنة لوقته ويحسب ما يتلف منه وما يضيع فالعمر والوقت أهم من المال.

هذا والكلام في هذا الباب طويل ولنا متابعة ودراسة مستمرة في القريب العاجل إن شاء الله.