بناء الاسرة المسلمة

في فكر السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره)

شذى علي - جامعة كربلاء/كلية العلوم

من الأمور التي يتفق عليها متابعوا محاضرات السيد آية الله محمد رضا الشيرازي (قدس سره) وهم كثيرون والحمد لله، هو قوة تأثيرها في الملتقي بغض النظر عن جنسه أو عمره، بحيث تتدخل في رسم الكثير من تفاصيل حياته سواء في القول أو السلوك أو طبيعة التعامل مع مفردات الحياة اليومية والمستقبلية.

وحين أتحدث الآن عن نفسي كامرأة لا زالت في طور الشباب وحين أنقل مشاعري تجاه محاضرات السيد (رحمه الله)، فإنني أعرف في الوقت نفسه مدى تأثير فكره على إيماني وبالتالي على سلوكي كشابة تعيش وتتحرك في وسط إجتماعي ومحيط دراسي وعملي وما يتوجب عليها من ضوابط شرعية ترسم لها خريطة سلوكها وأقوالها أيضاً، وهذا ما يترك على عاتقي ديناً حيال السيد الشيرازي (رحمه الله) الذي علمني الكثير ومن علمني حرفاً ملكني عبداً.

وكوني شابة تطمح لبناء مستقبلها في تأسيس أسرة اسلامية ناجحة، فأنني أحتاج إلى وسائل تساعدني على تحقيق ما أرغب به في هذا المجال، لأن التربية وحدها لا تستطيع أن تقدم لي المشورة الكاملة، نعم أنا أعترف بأن تربية محيطي العائلي وضعتني على سكة الطريق الصحيح، لكنني أثناء رحلتي في الحياة سأواجه صعوبات جمة وعقبات كثيرة (كما واجهت ذلك فيما مضى من حياتي) ولذلك أحتاج إلى من يأخذ بيدي ويمنحني نور الفكر الاسلامي الخلاق كي أضع مخططاً عملياً تنظيمياً لبناء مستقبلي من خلال بناء الأسرة الاسلامية الناجحة، ولعل أهمية بناء مثل هذه الأسرة تكمن في كونها نواةً للمجتمع الاسلامي الناجح.

لقد وجدت كفتاة مسلمة حلا لما تطرقت إليه عن بناء الأسرة المسلمة الناجحة، وقد حصلت على هذا الحل من خلال متابعتي لمحاضرات السيد الشيرازي (قدس سره) وبودي هنا أن أنقل لأختي المرأة تجربتي الشخصية في هذا المجال، فقد حرصت على أن أتابع ما كان يلقيه سماحته من محاضرات تربوية عبر النوافذ الاعلامية المتعددة ومنها القنوات الفضائية كقناة الانوار، ومع إنني أتابع (وحسبما يتوافر لي من فراغ) معظم المحاضرات المتعلقة بمختلف شؤون الحياة للمسلمين والمسلمات، إلا أنني كنت أكثر شغفاً وتعلقاً بالمحاضرات التي كانت تخص بناء الأسرة المسلمة وأهمية دور المرأة في تحقيق ذلك.

كما إن الدور الكبير الملقى على عاتقها في تنشئة الطفولة كما يأتيني مفصلاً في فكر السيد الشيرازي (قدس سره) وغالباً ما كان يستل مواقفاً من صميم الحياة الواقعية للعائلة ويضرب بها أمثلة تقرب الفكر الاسلامي الوقاد إلى المستمع أو المستمعة وتجعل من الصعب سهلاً ومن غير المفهوم في متناول العقول على اختلاف مستوياتها.

ولعل الجانب الهام الذي ينبغي أن أشير إليه هنا هو حرص السيد الشيرازي (قدس سره) على إيصال أفكاره على جميع المستويات، أعلاها وأبسطها، بل كان (رحمه الله) برحمته الواسعة يحرص على أن يعطي حصة البسيط (من الفكر) قبل غيره كونه الاكثر حاجة للوعي من غيره، فكان سماحته (قدس سره) يقترب إلى المستوى الأدنى من الناس البسطاء ويضع بين أيديهم خرائط عمل في الحياة مأخوذة من صميم التعاليم الاسلامية السمحاء ومن سيرة نبينا الاكرم (ص) وآل بيته من الأئمة الاطهار (ع).

وكنت بدوري كأمرأة مسلمة تحمل وعياً جامعياً (كوني طالبة في المرحلة الجامعية) أجد ثراءاً فكرياً عالياً في محاضراته (قدس سره) ولا يؤثر مستوى العمق الفكري العالي للمحاضرات على سلاسة الطرح وبساطة اللغة وتداول المفردات، بل العكس هو الصحيح، حيث تقدم لنا هذه المحاضرات فكر إسلامياً ثرياً وعميقاً بمفردات لغوية متداولة بين بسطاء الناس وبين النخبة المثقفة أيضاً، وهذا باعتقادي كامرأة احد أهم عوامل نجاح السيد (رحمه الله) في الوصول إلى قلوب المسلمين والمسلمات كباراً وصغاراً.

ومن الأهداف التربوية التي زرعها فكر السيد الشيرازي في نفوسنا عبر محاضراته القيمة، كيفية التعامل مع الطفل كونه (أول الزرع) والغرس الذي يمكن أن يكون صالحاً أو طالحاً حسبما نتحكم به نحن الكبار وخاصة في المحيط التربوي الأول (العائلة) فالطفل هو مادة المجتمع الاولى وطريقة تربيته والاجواء التي يعيشها كما يقول السيد (قدس سره) هي التي تحدد نوعية هذا الطفل، لذلك ركز سماحته في معظم محاضراته التربوية على خطورة التعامل مع الطفل وأهمية نقاء الاجواء التي يعيشها ومن جملة ما أكده (قدس سره) الرحمة في رعاية الطفل والابتعاد عن ضربه وزرع الشفقة والمحبة في قلبه ووجدانه.

فالطفل المسلم هو نواة المجتمع الاسلامي الصغرى ومن هنا تأتي أهمية تربيته في أجواء اسلامية سمحاء، ولا أنسى ذلك المثال الذي ضربه (قدس سره) عن تعامل أحد الآباء المتهورين (والمحسوب على المسلمين) مع طفلة بطريقة متوحشة فقد ذكر السيد الشيرازي في هذا المثال بأن أحد الآباء البخلاء (أو الحريصين أكثر مما يجب) إشترى طقماُ جديداً من (القنفات) وجاء به إلى البيت ووضعه في غرفة الاستقبال وكان له طفلاً صغيراً عبث في إحدى القنفات إستشاط غضباً وفقد صوابه وراح يضرب على يد الطفل عند الزند بالآلة الحديدية نفسها بقسوة وتوحش حتى تجمد الدم بيد الطفل وتحولت إلى ذراع أسود، فتنبه الأب لوحشيته ورعونته وهرع بأبنه الى الطبيب الذي فحص ذراع الطفل ولكنه أخبر الأب بأسف شديد بأن يد الطفل يجب أن (تبتر) فذهل الأب وتهالك على الأرض من شدة الصدمة وحاول مع الطبيب بأية وسيلة أن لايبتر يد الطفل لكن الطبيب أخبره بصورة حازمة (يجب أن نبتر الذراع لأن المرض سيسري إلى عموم جسد الطفل فيقتله) وعند ذاك رضخ الأب للأمر الواقع وأجريت العملية وتم بتر يد الطفل وبعد أن أفاق الطفل من التخدير رأى أباه يجلس جنبه وينظر إليه باكياً فسأل الطفل أباه قائلا:

أبي اذا كبرت وحصلت على المال وأستطعت أن أعيد لك القنفة فهل تستطيع أن تعيد لي يدي التي بترت؟!!

أختي المسلمة وأخي المسلم، هذا مثال واحد من بين مئات الامثلة التربوية التي تضمنها فكر السيد الشيرازي (قدس سره) في محاضراته الاسلامية الانسانية القيمة، وهي في مجملها تهدف إلى تربية إسلامية ناجحة للكبار والصغار معاً.

لكن الافضلية للأطفال (خذوهم صغاراً) وكذلك (التعلم في الصغر كالنقش على الحجر) ويبقى دور المرأة المسلمة حجر الزاوية في بناء الاسرة الاسلامية الناجحة، فهي المصدر الاول لبث المعلومات والسلوكيات لدى الطفل وهي الصورة الاولى التي يبصرها الطفل فينفتح العالم امامه واسعاً من خلال نافذة الام التي تضخ في فكره وسلوكه التعاليم الاسلامية السمحاء.

وهذا هو جل ما يهدف اليه السيد محمد رضا الشيرازي (قدس سره) في مجمل افكاره التي تتضمنها محاضراته ذات الصبغة التربوية الكبيرة، وهكذا يكون لزاماً على المرأة المسلمة فتاة كانت أو شابة أو اكبر من ذلك، أن تنهل من هذا الفكر الاسلامي الشفوق الذي أعطى للمرأة ما تستحقه من اهتمام وطالباها أيضاً بالقيام بدورها الاسلامي التربوي كما يجب.

* فاز كأفضل مقال في المسابقة التي أعلنتها مجلة بشرى بمناسبة الذكرى السنوية الاولى لرحيل المقدس الشيرازي (قدس سره) ونشر في الاصدار الخاص

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 30/آيار/2009 - 2/جمادى الآخرة/1430

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1430هـ  /  1999- 2009م