رمضان في العراق: عودة الحيوية والأجواء الروحانية

 

شبكة النبأ:  للمرة الاولى منذ اجتياح بلادهم وأعمال العنف الطائفية، يستعيد العراقيون نمط الحياة الرمضانية التي طالما افتقدوها خلال الاعوام الخمس الماضية.

فقبل نحو عامين، كان من المستحيل التجوّل في ساعات متأخرة في شوارع بغداد ومعظم المدن العراقية الاخرى باستثناء مناطق اقليم كردستان الذي ظل ينعم بالأمان الكبير نسبياً.

ومثلما تعج الكثير من المدن بالحركة الدؤوبة بعد الافطار في رمضان الحالي أخذت الاعمال الكوميدية تطغى على الشاشة الصغيرة أملاً في اعطاء الناس المتعة والسعادة والتسلية على الرغم من الاوضاع الامنية المتذبذبة في البلاد.

العراقيون يستعيدون أيام رمضان

في الفلوجة التي كانت مسرحا لأكبر عملية عسكرية بين القوات الاميركية والمتمردين عام 2004، تعود وتيرة شهر رمضان الى طبيعتها.

وعاود سكان المدينة تقاليدهم مثل تبادل الزيارات مع الاقرباء لتناول وجبة الافطار المميزة لدى المسلمين.

وقال عمر صالح (27 عاما) احد اهالي الفلوجة "نتجول حاليا لساعات متأخرة خلال ايام رمضان، كما يجتمع الشبان في جلسات سمر في الساحات العامة طوال الليل، ولم يكن هذا ممكنا في رمضان الماضي". واضاف ان "عودة المسحراتي الذي يجوب الاحياء ليلا، علامة مشجعة تؤكدة استعادة ايام رمضان السابقة".

والمسحراتي الذي يقرع الطبل ليلا مناديا "يا نايم وحد الدايم" لايقاظ الصائمين ليتناول وجبة السحور، احدى الفروض الرمضانية.

وكانت هذه التقاليد الرمضانية اختفت خلال اشهر رمضان السنوات السابقة، مع تصاعد اعمال العنف التي خلفت عشرات الالاف من القتلى. واكد صالح ان "حياتنا وتقاليدنا تعود شيئا فشيئا". بحسب فرانس برس.

وفي شارع ابو نواس ببغداد، بدت الحدائق المنتشرة على ضفاف نهر دجلة، اقرب لدعوات افطار جماعي حيث غصت بعشرات العائلات التي تتناول مادبة الافطار وتجتمع حولها.

ووضعت شاشات تلفزيون كبيرة في الحديقة تعرض برامج رمضانية، في حين يجلس اخرون يدخنون النرجيلة وسط لعب الاطفال ومرحهم.

وقال هشام قاسم (28 عاما) بينما كان جالسا مع زوجته واطفاله "واخيرا، نستطيع الخروج للافطار والاسترخاء بعد يوم صيام وعمل متواصل". واضاف وهو يتناول مزيدا من المأكولات التي صنعتها زوجته "لم نعد نخشى الخروج ليلا ونجول في كل مساء من مكان لاخر، الليلة هنا وغدا في الكرادة او المنصور". والكرادة والمنصور من الاحياء التجارية والسكنية في بغداد.

اعمال كوميدية تهيمن على الشاشة الصغيرة

وتطغى الاعمال الكوميدية على الشاشة الصغيرة في شهر رمضان في العراق املا في اعطاء سكان هذا البلد "المتعة والسعادة والتسلية" على الرغم من الاوضاع الامنية في البلاد.

ويقول احمد محسن منسق البرامج في قناة "العراقية" الفضائية لوكالة فرانس برس "اخترنا اعمالا كوميدية لرمضان على الرغم من الاوضاع الامنية في البلاد"، لاننا "نسعى من خلال هذه البرامج الى بث الفرحة والراحة".

وتعرض القناة مسلسلين كوميديين يتحدث احدهما، "يوميات راضي" عن المظاهر الاجتماعية الخاطئة باسلوب كوميدي ساخر ويقع في مقدمة البرامج التي يستهل بها العراقيون مشاهدتهم للاعمال التلفزيونية مساء.

ويقع المسلسل الذي اخرجه الفنان وديع نادر في ثلاثين حلقة وبين من يؤدي الادوار فيه احسان دعدوش وسوسن شكري وسامي محمود وسعد ابراهيم وحسين سلمان. ويتمتع هؤلاء بشعبية كبيرة لدى العراقيين. بحسب فرانس برس.

ويرصد المسلسل بعض المظاهر الخاطئة والسلبية التي تطبع تفاصيل الحياة اليومية للعراقيين ويسلط الضوء عليها بطريقة كوميدية تدعو المواطن لرفضها والعمل على التخلص منها.

وقال محسن ان "كل المسلسلات التي انتجناها صورت في العراق في محاولة لتشجيع المخرجين والفنانين المقيمين في الخارج للعودة للعمل في البلد".

واكد ان التلفزيون ينتج اعمالا منذ 2003، لكنه اقر بان صعوبات كانت تواجه الفنانين بسبب المخاطر الامنية. وقال ان "هذا العام كان افضل بسبب التحسن الامني". من جهتها، تعرض قناة "الشرقية" التي تبث برامجها من دبي نحو عشرة اعمال معظمها كوميدية.

وقال علاء الدهان مدير برامج الشرقية في دبي لفرانس برس "اخترنا الاعمال الكوميدية لان الناس يعانون في العراق، ونريد ان نرفه عنهم ونسليهم ونجلب لهم السعادة والمتعة".

واوضح ان "معظم الفنانين في كل المسلسلات عراقيون مقيمون في الخارج وكل المشاهد صورت في سوريا"، مبررا ذلك "بالاوضاع الامنية، وهجرة الفنانين الكبار والمخرجين الى خارج العراق".

ويأتي مسلسل "فاصوليا" في مقدمة برامج الشرقية. ويمثل في هذا المسلسل الفنانون الكوميديون عبد الرحمن المرشدي وناهي مهدي وسعد خليفة يشاركهم في ادوار ثانوية ممثلات سوريات.

ويتحدث البرنامج الذي نال اعجابا كبيرا، عن مطربين يبحثان عن فرصة باستخدام طرق غير نزيهة للوصول الى اهدافهم للتعاقد مع مدير شركة انتاج.

اما العمل الكوميدي الثاني فهو "دار دور" الذي يقوم ببطولته الفنان قاسم الملاك وهو عمل نقدي ساخر يتناول الاوضاع السياسية باسلوب فكاهي.

وهناك مسلسل "دولة الرئيسة" الكوميدي ايضا الذي تؤدي دور البطولة فيه الراقصة العراقية "ملايين" ويتناول قصة حاكم اوصى قبل ان يفارق الحياة بان يخلفه نجله الذي لم يولد. لكن بعد وفاته تحكم زوجته البلاد باسلوب غير مسوؤل تعرض شعبها ونظامها لمشاكل.

وتبث قناة "السومرية" مسلسلا احتل حيزا من اهتمامات المشاهدين بعنوان "ماضي يا ماضي". ويتناول حياة فلاح يعيش في الريف العراقي تستهويه لعبة المقالب التي يوقع فيها ابناء قريته.

ليالي رمضان في اربيل تشهد حركة لاتتوقف

وفي اقليم كردستان ونظرا للاوضاع الامنية الجيدة هناك، وللتحسن الكبير في توزيع الطاقة الكهربائية، باتت ليالي رمضان في اربيل تختلف عن المدن الاخرى حيث تشهد المطاعم الشعبية حركة كبيرة تستمر حتى السحور فجرا.

وما يميز ليالي رمضان في اربيل (350 كلم شمال بغداد)، كبرى مدن الاقليم، الاقبال اللافت للمواطنين على تمضية اوقاتهم في المطاعم الشعبية وتناول وجبات سريعة من المشاوي اعتبارا من صلاة العشاء والتراويح.

ويكثر هذا النوع من المطاعم خلال شهر رمضان لبيع المشاوي وخصوصا الطحال وبيض الغنم، بالاضافة الى الطيور البرية مثل الحمام والقبج.

واكثر المناطق ازدحاما خلال رمضان حي التعجيل القديم الواقع جنوب قلعة اربيل الاثرية حيث المحلات والمنازل القديمة التي يعود معظمها الى مطلع القرن العشرين وكان معروفا بتواجد اليهود الاكراد قبل رحيلهم الى اسرائيل ابان الخمسينيات. كما يشهد شارع السلطان مظفر الواقع غرب القلعة زحمة كذلك. بحسب فرانس برس.

ويقول احمد شهاب احمد (52 عاما) وهو صاحب مطعم في حي التعجيل مخصص لبيع الطيور البرية المشوية في رمضان ان "وجبات الطيور والحمام يتناولها المرفهون بسبب اسعارها المرتفعة".

ويتابع قائلا "عملنا يبدأ بعد الانتهاء من صلاة العشاء والتراويح ويستمر لغاية السحور حيث يقصد المواطنون المطعم لشراء الطيور البرية التي يرغبونها ونبيع الحمامة الواحدة بحوالى خمسة دولارات والفروج الصغير باكثر من عشرة اما القبج البري فسعره يبلغ تسعة دولارات".

من جهته، يقول نايف جوهر (47 عاما) صاحب مطعم يقع في شارع السلطان مظفر ان مكاسبه خلال ليالي رمضان "افضل بكثير من الليالي والايام الاعتيادية والسوق يبدأ عادة بعد الافطار ونادرا ما ياتي احد في هذا الوقت. يقصدونا الناس بعد صلاة العشاء ويبقون حتى الثانية والثالثة فجرا".

وبالنسبة للمشاوي التي يرغبها الزبائن، يوضح جوهر "هناك اقبال كبير على الطحال وبيض الغنم وتقريبا نبيع كل مساء عشرة كلغ من الطحال ومثله من بيض الغنم اما المعلاق فنبيع منه سبعة كلغ وكذلك اللحم، في حين نبيع ثلاثة كلغ من الكباب". وردا على سؤال حول سبب الطلب الكبير على الطحال وبيض الغنم، يضيف "انها من المشاوي التي لا يتم تحضيرها في المنازل".

وقد ادى التحسن الكبير في تزويد المواطنين بالكهرباء وكذلك انارة الشوارع في مدينة اربيل، الى تشجيع الناس على الخروج وبقاء المطاعم الشعبية والمقاهي حتى يحين موعد السحور. ويقصد المواطنون هذه الاماكن المزدحمة من مناطق بعيدة في بعض الاحيان من اجل تمضية اوقاتهم في ليالي رمضان والاستمتاع بتناول وجبة سريعة من المشاوي.

ويقول زاهر صابر عزيز (29 عاما) بينما كان جالسا في احد مقاهي حي التعجيل "هذا الشارع يزدحم اثناء ليالي رمضان ومنذ زمن بعيد نظرا لطابعه التراثي القديم كما انه لا يوجد حي اخر مثله في اربيل". ويضيف عزيز المتزوج حديثا انه يسكن "حيا بعيدا ما دفعه الى الطلب من زوجته المبيت لدى عائلتها ليلتين ليتمكن من البقاء حتى السحور في هذه المطاعم الشعبية والمقاهي.

ويوضح "تزوجت قبل فترة قصيرة. وفي رمضان الماضي كنت ابقى في المقهى حتى السحور اما اليوم فلا استطيع البقاء حتى وقت متاخر الى ما بعد منتصف الليل لكنني اخذت زوجتي الى منزل والدها مدة يومين لاستطيع البقاء لغاية السحور واتذكر الماضي".

 جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17/أيلول/2009 - 27/رمضان/1430

[email protected]