الإنفاق والعطاء في شهر رمضان المبارك

قبسات من فكر الامام الشيرازي

 

شبكة النبأ: يعيش العالم الإسلامي في هذه الايام شهرا فضيلا مباركا تتزكى به النفوس وتتقرب فيه الى الله الواحد الأحد أكثر فأكثر لتنال غفرانه ورضوانه تعالى من خلال أعمالها الصالحة صيامنا وصلاة وعطاء وإنفاقا في هذا الشهر الكريم المبارك الذي قالوا عنه بأنه (شهر الله) سبحانه، فهو الذي يجزي فيه الانسان حق جزائه.

وطالما اننا نعيش في رحابة هذا الشهر الكريم، فإننا لا ريب نرغب بمرضاة الله تعالى ونسعى إليها، ولعلنا لا نخطئ إذا قلنا بأن الانفاق والعطاء هو سمة من سمات المؤمنين المخلصين، فهناك الكثير من المسلمين ممن هم غير قادرين على توفير احتياجاتهم او الكثير منها، لا سيما ما يتعلق بهذا الشهر من اهمية توفير الطعام والغذاء بأنواعه، فليس مستبعدا أن نجد كثيرا من العوائل المتعففة التي لا تتمكن من توفير مستلزمات الافطار او الايتام والعوائل المعوزة وما شابه.

فحري بالمؤمن الصالح ان يسهم في سد حاجة بعضهم لا سيما عوائل الايتام منهم، فالإنفاق ركن مهم من رسالة الانسان وهو يدفع الكثير من المعرضات عن الانسان، وفي هذا الصدد يقول الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي رحمه الله في كتابه الثمن الموسوم بـ (إنفقوا لكي تتقدموا):

هنالك أحاديث كثيرة تشجع الناس على الإنفاق والإعطاء والوقف والضيافة والهبة وغيرها.. وفي بعض الأحاديث: إن الصدقة تدفع البلاء وتوجب زيادة الرزق وأنها تدفع الموت وتدفع ميتة السوء.

وقد أخبر عيسى بن مريم (عليه السلام) بموت حطاب ثم لم يمت في الوقت الذي حدده عيسى فسأله الحواريون عن سبب عدم موته فقال اسألوه ماذا صنع؟ فسألوه فقال: أنفقت طعامي.

وهكذا يكون الإنفاق في الطعام او غيره بمثابة دفع البلاء للانسان في الوقت الذي يعين عائلة او انسانا على تجاوز محنة الحاجة والعوز سواء ما يتعلق بالطعام او الاحتياجات الاخرى للانسان، فكيف اذا كان الانفاق والإعطاء في مثل هذا الشهر الكريم المبارك الذي يتوجه فيه الانسان الى ربه بقلب نقي صاف يطلب الرحمة والصفح والمغفرة، وقد كان لنا ولغيرنا في رسولنا الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمتنا الاطهار خير مثال في جانب العطاء والانفاق، فقد جاء في هذا المجال بكتاب الامام الشيرازي نفسه رحمه الله: (كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفق كل ما استطاع إنفاقه، ويعد مالا يقدر عليه، حتى استشهد وهو مديون وقد كانت الأموال تأتيه كالسيل وكان علي عليه السلام ينفق كل ما يجد، وكان لا يدع لنفسه حتى مقدار الأكل اليومي، وهو يقول: (يا بيضاء! ويا صفراء! غري غيري)، ولما استشهد كان مديوناً بسبعمائة ألف أوصـــى بأن يوفيها الإمام الحسين عليه السلام).

ولعل الصدقة عامل مهم لادامة صلاح المسلم في كل اوان ومكان، بيد ان هذا الشهر المبارك له خصوصيته عند الله تعالى، ناهيك عن احتمالية حاجة الناس للطعام او الكسوة او غيرها في مثل هذا الشهر مما قد يعيق امكانياتهم الجسدية والمعنوية في اتمام صيامه، لهذا تكون المعونة في الانفاق والعطاء مهمة، ولنا في من سبقنا من المسلمين نماذج مشرقة في هذا الجانب، فهم لم يقصروا الصدقة والعطاء في جانب الطعام فحسب بل تجاوزا ذلك الى الى حاجات مادية كبيرة يحتاجها الاسلام كي يمضي قدما بين الامم ، وقد جاء في كتاب الامام الشيرازي رحمه الله بهذا الصدد: (جزى الله المسلمين السابقين.. فقد أكثروا من الصدقة، والإنفاق، والوقف، حتى أنهم وقفوا لكلاب القوافل، ومن درس أوضاع البلاد الإسلامية بدقة، رأى المساجد، والحسينيات، والربط، والخانات، والبساتين، والحوانيت، والدور الموقوفة).

بيد أن هنالك نقص في هذا الجانب، وربما يمكن ان نقول هناك قصور من لدن أثرياء المسلمين في هذا الجانب، فمع تطور العصر والقفزات الهائلة التي تحققت في حقل التكنولوجيا والعلوم بشكل عام، شحت بعض نفوس الاثرياء من المسلمين في الاسهام بدعم المشاريع الاسلامية التي من شأنها الحفاظ على قيمة وكرامة الانسان من خلال الانفاق والعطاء وتوفير الاموال التي يمكن ان تُوظَّف في مجالات تصب في صالح المسلمين والانسانية عموما.

وقد جاء في كتاب (إنفقوا لكي تتقدموا) للامام السيد الشيرازي رحمه الله بهذا الخصوص:

(في هذا العصر الذي تفجر النفط في كثير من بلاد الإسلام، لا ترى حتى نصف ذلك المقدار من موقوفات جديدة، فهل هذا زهد من المسلمين في الآخرة، أم زهد منهم في الدنيا؟ فإن الدنيا أيضاً تتوقف على الأوقاف والخيرات.. وبالعكس: ترى غير المسلمين يوقفون بكثرة هائلة.

ولو كتب إنسان الأحاديث والروايات، والقصص ــ في شأن الإنفاق ــ وما عمله السابقون، لاحتاج إلى مجلدات ضخام، فليرغب أثرياؤنا في ثواب الله سبحانه وأجره، وليحفظوا دنياهم بالإنفاق والوقف).

إذن لايجوز أن يغفل المتمكنون من المسلمين جانب العطاء والانفاق والوقف، كون هذه الامور تصب في صالح الاسلام والمسلمين، فعلى المستوى الفردي يدفع المسلم الاذى والبلاء عن نفسه من خلال مساعدة الاخرين لا سيما في هذا الشهر الفضيل.

أما على المستوى الجمعي فإننا كمسلمين سوف نصل الى مستوى اجتماعي واعي ومعاصر ويتعامل مع شؤون الحياة وفق نظرة عصرية ملتزمة في آن واحد.

وبهذا نستطيع ان نعرف اهمية الانفاق والعطاء بصورة عامة، وفي هذا الشهر المبارك على وجه الخصوص، فإن الهدف الاساس هو تنمية روح الايثار والايمان لدى المسلمين عموما من خلال جعل الانفاق والصدقة والوقف لمن يتمكن من ادائها منهاج عمل دائم يصب في خدمة الاسلام والمسلمين.

 جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/أيلول/2009 - 25/رمضان/1430

[email protected]