مسؤوليات القائد السياسي تجاه الشعب: علي ابن أبي طالب نموذجا

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: لن يبخل التأريخ على أحد بنماذجه المشرقة في شتى مجالات الحياة ومنها السياسية بطبيعة الحال، وربما أهمها كونها تتحكم بمصائر الناس وأنماط العيش التي تُفرض عليهم جراء سياسة هذا الحاكم او ذاك ومدى قربها او بعدها عن الصواب والخطل.

ولعلنا لن نضيف شيئا جديدا إذا قلنا إن إحدى أهم وأرقى وأروع شخصيات التأريخ السياسية الخالدة هي شخصية الامام علي أبي طالب ليس بوصفه إماما للمسلمين او للشيعة فحسب بل لكونه قدم للانسانية النموذج الأكثر حكمة للقائد السياسي (الحاكم) الذي استطاع أن يوازن بصورة فريدة بين متطلبات الارض ومتطلبات السماء في آن واحد.

فلقد تأسست على يده وبفكره الانساني النقي أول ولادة للمساواة بين الرعية من لدن الحاكم، فتساوى تحت حكمه القوي مع الضعيف والغني مع الفقير، وبذلك كان القوي عونا لأخيه الضعيف وبالعكس وكان الغني سندا لأخيه الفقير وبالعكس ايضا، كل هذا وغيره كان يتم تحت بصيرة الامام النافذة التي استشرفت المستقبل فرسمت الحاضر بعقلية سياسية اجتهدت جل الاجتهاد لتقرّب مبادئ السماء الى الارض ولتجعل منها قوانين راسخة عاملة على تحسين اوضاع الانسان وإنصافه من لدن الحاكم أو القائد السياسي وفقا للمفهوم الحديث.

لذلك ليس من المستغرب قط أن يُقال أن الفقر قد انتهى في خلافة الامام علي أو كاد، وأن الامام حين كان يسمع بأحدهم لا يملك مالا او يفتقر الى عمل او مصدر رزق، فإنه يستغرب حدوث مثل هذه الحالة بالرغم من سعة مساحة الدولة الاسلامية آنذاك، وذلك لأن الهدف الاول والأسمى لسياسة الامام هو القضاء على الفقر وهو القائل عليه السلام (لو كان الفقر رجلا لقتلته).

فبهذه الجملة العظيمة كان الامام يرشد معيته على جعلها عنوانا عمليا ونظريا لجميع انشطتهم حيال الناس من دون استثناء لأنه يدرك بأن القضاء على الفقر هو المرحلة التي ستقود الانسان الى أسمى المراحل تطورا وازدهارا واستقرارا.

وليس بعيدا ولا عسيرا على الباحث، متخصصا كان او من عامة الناس، أن يدخل بطون التأريخ ليرى بإم عينيه الوقائع الفعلية التي انتهجها الامام بصفته القائد السياسي الاول للمسلمين وكيف أدار شؤونهم وكيف كان واحدا منهم جوهرا ومظهرا، لدرجة ان ملبسه كان لا يختلف عن المواطن العادي في ذلك الزمان ناهيك عن ملكيته التي لا تتجاوز ملكية المواطن العادي إذا لم تقل عنها، وبهذه المساواة العظيمة بين القائد ورعيته في الامتيازات والتملك وغيرها والتي لم تكن كلاما فحسب، بل فعلا مجسدا على الارض، وبهذه الروحية العظيمة التي فضّلت الرعية على النفس والاهل، قدم لنا الامام علي (ع) نموذجا خالدا وفذا للسياسي الذي يهدف في اول ما يهدف اليه لإسعاد الشعب وتقدمه وتطوره وصنع النمط الحياتي الذي يرتفع به الى مستواه ويليق بإنسانيته.

ولن ينحصر الامر بمبدأ المساواة بل يتعداه الى مختلف مجالات الحياة وشؤونها، كالامور التي تتعلق بالتعليم او العفو عن المخطئين واعطائهم فرصة لتصحيح مساراتهم وانماط حياتهم التي تتعارض مع حيوات الآخرين، في حين كان المسعى الانساني الدؤوب في تفقد الامام (ع) لرعيته منهجا يوميا من مناهج سياسته التي تحرص على رعاية الفقير وتحسين الحياة اليومية لعامة الناس وبسطائهم، فكان عليه السلام يتجول ليلا في الازقة وبين البيوت متفقدا العوائل المتعففة خشية الطوى او الجوع وإن كان أمرا نادرا في خلافته.

ولم تنسه الاحداث الجسام والفتن رغم فداحتها دوره حيال الحياة اليومية المتمثلة بقوت الرعية ومصادر ارزاقهم وما شابه، فكان الامام مع انشغاله في ترتيب الوضع السياسي للدولة الاسلامية حريصا على متطلبات الناس واحتياجاتهم وفقا لمبدأ المساواة الذي اشتهر به لا سيما ما يتعلق بأموال المسلمين الموجودة في بيت المال آنذاك والذي قاد الى معركة الجمل في الواقعة التأريخية المعروفة.

وربما يحق لنا الآن أن نسأل القائد السياسي المعاصر في عموم البلدان الاسلامية وخصوصا في العراق، هل درس شخصية الامام علي ابن ابي طالب (ع) وهل اطلع عليها وتمثلها حرصا منه على البحث عن شخصية سياسية يستفيد من تجربتها في تحمّل مسؤولية قيادة الناس؟، وهل ما يحدث على الارض يحقق شيئا من هذا التمثّل بشخصية الامام؟ وهل يحق لنا أن نشير الى مظاهر الظلم والاجحاف التي تحصل بحق بسطاء الناس من لدن القائد السياسي ومعيته من المسؤولين عن رعاية الشعب؟ ومن لدن الموظفين صغارهم وكبارهم؟ وهل هناك منهم من حاول ان يقترب مما قدمه الامام لرعيته؟.

إنها سيول من الاسئلة التي قد لا تتوقف والتي لا يستطيع ساسة اليوم في البلدان الاسلامية أن يجيبوا عن جزء منها، فإذا سألنا عن مبدأ المساواة فإن الواقع الراهن هو الذي سيجيب وذلك باستشراء الرشا والمحسوبية والظلم وعدم قضاء حوائج الناس اجتماعيا او في الدوائر الرسمية وغيرها ناهيك عن الجهل والامية المتفشية بين اعداد لا يستهان بها من الناس صغارا وكبارا، مضافا الى ذلك حب الذات الذي طغى عند المسؤولين اولا ثم انتقل بالتدريج الى اصغر الموظفين مسؤولية ومنصبا، وظاهرة الاستحواذ وتفضيل الذات وعدم العمل بالحديث الشريف (أحبب لأخيك ما تحب لنفسك).

وإذا كان زمام الامور لا يزال تحت السيطرة فحري بالقائد السياسي في البلدان الاسلامية ومنها العراق بطبيعة الحال أن يتمثّل قيادة الامام (ع) لرعيته وأن يتخذ منه نموذجا في التنظير والعمل، لا سيما ونحن نعيش ذكرى استشهاده وهو بطل الاسلام الأغر الذي قدم لنا نحن المسلمين وللانسانية جمعاء اروع الامثلة في القيادة النموذجية التي جعلت الناس يعيشون في بحبوحة من العيش في ظل مساواة قل نظيرها في التأريخ الانساني.

 جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 11/أيلول/2009 - 21/رمضان/1430

[email protected]