الفن العربي في رمضان وفخ "الإبتكار الجديد"

اعداد: صباح جاسم

شبكة النبأ: يُعتبر شهر رمضان ساحة للمنافسة بين شاشات التلفزيون العربية التي تسعى إلى جذب أكبر عدد من المشاهدين الصائمين عبر عمليات شراء حصرية لمسلسلات وأعمال درامية رمضانية.

وإذا كانت الموضة في الماضي هي عرض الفوازير الرمضانية وحكايات ألف ليلة وليلة، فأنها الآن مسلسلات اجتماعية وتاريخية بالإضافة الى المولود الرمضاني الجديد وهو الأفلام والمسلسلات الكرتونية التي تتنوع ما بين ثنائية وثلاثية الأبعاد.

كما ان رمضان هذا العام شهد موجة جديدة من المسلسلات القصيرة، التي يطلق عليها اسم "السيت كوم"، وهي عبارة عن مسلسلات ذات مواضيع منفصلة، تدور أحداثها على مدى نصف ساعة، ومعظمها يدور في قالب كوميدي خفيف. ولعل هذه الظاهرة، المستقاة من المسلسلات الأجنبية، لها جمهورها الخاص، وهم من فئة الشباب وصغار السن، الذين يبحثون عن الترفيه والكوميديا في فترة قصيرة، وهو الأمر الذي يختلف عما تقدمه المسلسلات الرمضانية الطويلة ذات القصة الواحدة.

إلا انه من النادر أن نجد عملاً درامياً يحاكي واقع الناس بصورة مباشرة، ويتلمس نقاط حساسة في أعماق مجتمعاتنا العربية، منتقداً بسخرية لا تخلو من الجرأة السياسات الحكومية والعامة، التي في كثير من الأحيان لا تأتي إلا بالأذى على الشعوب والمجتمعات.

الامارات توقف عرض مسلسل بعد شكاوى سعودية

قالت وسائل اعلام عربية إن الامارات العربية المتحدة أوقفت عرض مسلسل تلفزيوني كان معدا للعرض في رمضان بعد شكاوى في السعودية من أنه يذكي خلافات قبلية قديمة.

وقالت وكالة أنباء الامارات إن الشيخ خليفة بن زايد ال نهيان رئيس دولة الامارات أمر بوقف عرض مسلسل "سعدون العواجي" على شاشة تلفزيون أبوظبي الذي بدأت اذاعته ليلا خلال شهر رمضان "استجابة لمناشدات تقدمت بها العديد من القبائل العربية التي يحاكي المسلسل حقبة من تاريخها."وتشعر السلطات السعودية بالقلق لعودة المشاعر القبلية في الاونة الاخيرة. بحسب رويترز.

والحكومة السعودية ذات طابع قبلي تمركزت حول حكم ال سعود وحلفائهم وتواجه الدولة منذ تأسيسها في عام 1932 صعوبة في صياغة هوية وطنية تحت راية حكامها من ال سعود. على خلفية قيام ال سعود بغزو وقتل كل من عاداهم من القبائل الاخرى واخضاعهم بالقوة..

وقال موقع ايلاف على شبكة الانترنت المملوك لسعودي إن مسؤولا سعوديا زار الامارات حاملا رسالة من العاهل السعودي الملك عبد الله يطلب وقف عرض المسلسل التاريخي الذي يستعرض الفترة بين 1750 و1830 اثر ضغوط من أبناء القبائل التي يتناولها المسلسل.

ولم يرد تأكيد رسمي للطلب السعودي لكن وسائل الاعلام السعودية تتحدث منذ أكثر من أسبوع عن غضب القبائل. وكتب الكاتب السعودي محمد الرطيان في صحيفة الوطن السعودية اليومية متسائلا "من هو المستفيد من نبش قبور أجدادنا واعادة الحكايات "القبلية" في زمن الدولة المدنية."

وأشار موقع ايلاف الى أن هذا المسلسل هو ثاني مسلسل يوقف عرضه هذا العام خوفا من اثارة عداوات قبلية بعد أن منع تلفزيون ام بي سي ( تلفزيون الشرق الاوسط) المملوك لسعوديين عرض مسلسل "فنجان الدم".

ويروي مسلسل سعدون العواجي حربا قبلية معروفة بين قبيلتي شَمَّر وعنيزة اللتين تعيشان فيما أصبح الان شمال السعودية في وقت كانت توسع فيه الاسرة السعودية المالكة أرضها في منطقة نجد الجنوبية القريبة من الرياض.

والشخصية الرئيسية في المسلسل الذي انتجته سوريا هي لاحد زعماء قبيلة عنيزة الذي يدعو وابناؤه لعدم قتل أحد أبناء قبيلة شمر كان يسرق الجياد والابل.

وألف الزعيم القبلي قبل وفاته قصيدة مشهورة بين القبائل العربية يدعو فيها أقاربه في العراق للقدوم والثأر لدمه. وتعيش قبيلة عنيزة اليوم في شمال الجزيرة العربية بينما تمتد قبيلة شمر الى العراق وسوريا.

ويقوم ببطولة هذا العمل، النجم السوري رشيد عساف، بالإضافة إلى عدد من المممثلين العرب من بينهم: مرح جبر، وعبير عيسى، ويوسف الجمل.

الأعمال الكرتونية الرمضانية... هل تحاكي الواقع العربي؟

إذا كانت الموضة في الماضي هي عرض الفوازير الرمضانية وحكايات ألف ليلة وليلة، فإنها أصبحت الآن هي الأفلام الكرتونية. وأحد هذه المسلسلات ( فريج)، الثلاثي الأبعاد، والذي تحدثنا إلى مخرجه محمد سعيد حارب، فقال: "لقد أصبحت الرسوم المتحركة الآن أمرا دارجا على القنوات الفضائية، وأمنيتي أن نتمكن في يوم من الأيام على ترسيخ شخصيات عربية في أذهان أطفالنا بدلا من ميكي ماوس، وتوم أند جيري وغيرها."

وعمل آخر هو "شعبية" الكرتون، الذي يتشابه مع فريج في كونه مستقى من البيئة الخليجية، والإماراتية بشكل خاص، إلا أن شخصيات هذا العمل ذكورية أكثر من كونها نسائية، كما أنه مسلسل كوميدي يتحدث أبطاله اللهجة المحلية الإماراتية التي قد لا يفهمها إلا هم أنفسهم. بحسب سي ان ان.

ورغم ذلك، تجد العديد من الشباب يجلسون خصيصا أمام شاشات التلفزيون لمتابعة هذا العمل، حيث يقول أحدهم: "تعجبني "الشعبية" لأنها تحاكي الواقع الذي أعيشه بين أصدقائي."

ويقول آخر: "أتمنى أن أجد في كل دولة عربية مثل هذه الأعمال الكرتونية، حيث أن صاحب العمل يتحكم بشخصياته كما يشاء، ويمكنه أن يضعها ضمن الظروف التي تحلو له، كما أن بإمكانه الوصول إلى أبعد نقطة في الخيال لأنه غير مقيد بظروف الواقع."

ومن بين المسلسلات التي نشاهدها للمرة الأولى هذا العام، عمل للممثل المصري محمد هنيدي، والذي فضل هذا العام الظهور للمرة الأولى على شاشة التلفزيون، ولكن كشخصية كرتونية بدلا من ظهوره الحقيقي.

وفي هذا العمل، نجد هنيدي يسعى لأن تكون شخصيته متميزة في كل شيء، حيث يقوم بدور المحقق، ويسمي نفسه "سوبر هنيدي".

ويشاركه في بطولة هذا العمل كل من طلعت زكريا، وحنان ترك، التي تأتي مشاركتها في هذا العمل كضربة حظ بالنسبة لها، حتى لا تدخل في متاهات أداء الدور بالحجاب أو خلعه.

وفي سنوات سابقة، تم عرض المسلسل الكرتوني "أبو محجوب"، والمستوحى من شخصية أبو محجوب لرسامها عماد حجاج، والذي لطالما تابعه الجمهور الأردني على صفحات الجرائد ضمن الفقرة الكاريكاتيرية.إلا أن أبو محجوب غاب هذا العام عن الشاشة، وفضل البقاء على صفحات الجرائد.

من جهة أخرى، يرى عدد من المراقبين أن هذه الأعمال الكرتونية لن تستمر على الشاشات الرمضانية طويلا، فالجمهور العربي ليس معتادا على هذا النوع من الأعمال، بل يميل أكثر إلى الواقعية التي نراها في المسلسلات الدرامية.

بقعة ضوء".. الواقع على طبق ساخر

من النادر أن نجد عملاً درامياً يحاكي واقع الناس بصورة مباشرة، ويتلمس نقاط حساسة في أعماق مجتمعاتنا العربية، منتقداً بسخرية لا تخلو من الجرأة السياسات الحكومية العربية، التي في كثير من الأحيان لا تأتي إلا بالأذى على شعوب تلك المجتمعات.

أما مسلسل "بقعة ضوء"، فقد أصبح في جزئه السادس، عملاً لا يمكن للمشاهدين قضاء رمضان من دون مشاهدته، فكما كانت "مرايا" ياسر العظمة في التسعينات، أصبح "بقعة ضوء" باسم ياخور وأيمن رضا، هو المسيطر الرئيسي على التلفزيون خصوصاً بعد اختفاء المنافس الأوحد، وهو ياسر العظمة.

المميز في هذا المسلسل أن كتابته توزعت ما بين ستة مؤلفين هم: عمار مصارع، وكوليت بهنا، وأيمن رضا، وباسم ياخور، وعمر حجو، ورافي وهبة، ليجمعها المخرج الليث حجو في قالب واحد، ويضعها ضمن 30 حلقة جاهزة للمشاهدين للتعرف إلى الواقع العربي بصورة مأساوية في كثير من مشاهده، وصورة كوميدية في مشاهد أخرى. بحسب رويترز.

العمل هذا العام جاء مميزاً وفقاً لعدد من متابعي العمل، ففي الحلقة الثانية، التي كان موضوعها حول رغبة المشاهدين في عودة أبو عصام، بطل مسلسل "باب الحارة"، إلى العمل لأنهم يرون أن العمل لا معنى له من دونه، وصور المخرج هذا الموقف من خلال مجموعة من السوريين الذين يتنقلون ما بين بيت مؤلف "باب الحارة"، ومخرجه، ومنتجه، للمطالبة بعودة البطل، الذي يرون أنه مثل الوجدان العربي، وكان قدوة للعديد من الرجال في هذا الزمن.

ولعل المخرج كان ذكياً للغاية في استخدام موسيقى مسلسل "باب الحارة"، وتقمص بعض الشخصيات أدوار رجال باب الحارة كالعقيد أبو شهاب ومعتز، اللذين نالا قدراً كبيراً من حب الناس.

من هنا نجد أن هذا العمل يلمس واقعاً يعيشه معظم الناس في الدول العربية، فكما أن بقعة الضوء قد سلطت على الدراما بشكل عام، واستخلصت أهمية باب الحارة بالنسبة للمتابعين، تم تسليط الضوء كذلك على غلاء الأسعار، ورغبة المواطنين في التعبير عن أنفسهم، والديمقراطية، والحب، وغيرها.

إلا أن هناك بعض الحلقات التي كانت تخرج عن حدود الكوميديا لتقع في مطب "الهزل اللا مرغوب"، كالحلقة التي يتم فيها معالجة موضوع الغلاء وملكية جميع المصانع والمستشفيات والمدارس والحدائق والمرافق الصحية وغيرها، من قبل المجموعة ذاتها.

وبالتالي فإن أي زيادة في الرواتب ومن ثم في الأسعار، ستعود بالفائدة على الأشخاص ذاتهم، ولن يظلم في هذا الأمر إلا المواطنون "الكرام."

ويقول أحد المتابعين للعمل: "أعتقد أن موضوع الحلقة كان مميزاً ومهماً، إلا أنه لم يُعالج بالشكل الصحيح، ففي بعض الأحيان يميل المسلسل إلى تضخيم الأمر بشكل يصبح فيه غير واقعي أبداً."

ظاهرة "السيت كوم"... تقليد أعمى أم استخفاف بالعقول؟

بدأ في رمضان هذا العام عرض موضة جديدة من المسلسلات القصيرة، التي يطلق عليها اسم "السيت كوم"، وهي عبارة عن مسلسلات ذات مواضيع منفصلة، تدور أحداثها على مدى نصف ساعة، ومعظمها يدور في قالب كوميدي خفيف.

ولعل هذه الظاهرة، المستقاة من المسلسلات الأجنبية، لها جمهورها الخاص، وهم من فئة الشباب وصغار السن، الذين يبحثون عن الترفيه والكوميديا في فترة قصيرة، وهو الأمر الذي يختلف عما تقدمه المسلسلات الرمضانية الطويلة ذات القصة الواحدة.

أشهر هذه المسلسلات هو مسلسل "راجل وست ستات"، الذي يدخل هذا العام موسمه الثالث، ويقوم ببطولته النجم أشرف عبد الباقي، وقصته تتمحور حول عادل، الرجل الوحيد في عائلته "النسائية"، إذ يعيش مع زوجته وابنته، وحماته وشقيقة زوجته، وأمه وأخته.

المسلسل حقق شهرة كبيرة منذ عرضه الأول، فقصته خفيفة، وشخصياته ظريفة، كما أن أفكاره مبتكرة، بعيدة عن تقليد الأفكار الغربية.

أحد المشاهدين قال: "أعتقد أن النجم أشرف عبد الباقي برع في أدائه بعالم الكوميديا منذ البدايات، فهو خفيف الظل، وكوميدي من النخب الأول، وهو ما تحتاجه بالضبط سلسلة السيت كوم."

وعلى العكس تماما، نجد عملا آخر هو "تامر وشوقية"، الذي يعتمد في حلقاته، بحسب بعض المراقبين، "على الحركات المبتذلة، والكلام الفارغ، ومحاولة شد انتباه المتابعين، وإرغامهم على الضحك."العمل من بطولة أحمد الفيشاوي، الذي نال نصيبا كافيا من الأخبار في الصحافة الصفراء، ومي كساب.

ويقول أحد المشاهدين: "لم أجد شيئا مميزا في هذا العمل، فشخصياته ضعيفة الأداء، والحوار فيه يستسخف عقل المشاهد، ويعتبره متلقيا تافها."

من جهة أخرى، يعود طلعت زكريا هذا العام بعمل يحمل عنوان "راسين في الحلال"، حيث يملك فيه زكريا مكتبا للزواج، يساعد فيه الناس المحتاجين على اللقاء بنصفهم الآخر، ويمر خلاله بمواقف طريفة ومضحكة.

الدراما البدوية... قصص متشابهة بنجوم مختلفين

خلال العقدين الماضيين، وبمتابعة الدراما الرمضانية السنوية، نجد أن هناك طابعا دراميا معينا يغلب على التلفزيون معظم الأحيان، بحيث يصبح "الموضة السائدة" خلال سنتين أو أكثر، لتأتي موضة جديدة لاحقا وتغطي على القديمة.

ففي السنوات الأولى من الطفرة الدرامية في رمضان، ظهرت موجة الدراما الفانتازية، وكان من أشهر مسلسلاتها الجوارح والكواسر والفوارس.

إلا أن هذه الدراما واجهت هجوما وانتقادات شديدة، نظرا لخلوها من واقعية الزمان والمكان، وبالتالي فإن أي خروج عن هذا المبدأ هو خطأ كبير يقع فيه مخرج هذه الأعمال.لذلك لم تنجح هذه الأعمال في الوصول إلى قلوب الناس، الذين التفتوا لاحقا لأعمال من نوع آخر.

والآن وبعد مرور أكثر من 15 سنة على ظهور الفانتازيا، نجد نوعا آخر من الدراما يطفو على السطح، ألا وهو الدراما البدوية. بحسب سي ان ان.

فإذا ما تابعت المسلسلات التلفزيونية التي تعرض حاليا على الشاشة، ستجد أن هناك مسلسلا بدويا أو اثنين يعرض على كل محطة.

وأبرز هذه الأعمال التي ظهرت، هو مسلسل صراع على الرمال، وهو عن قصة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم إمارة دبي، ومن إخارج حاتم علي، ولعل الجديد في هذا العمل هو الظروف الإنتاجية الضخمة التي بدت واضحة من خلال التصوير، والأزياء، والمكياج، وغيرها.

إلا أن العديد من المراقبين يتساءلون عما إذا كان هذا العمل يندرج فعلا ضمن فئة المسلسلات البدوية، فالأزياء المستخدمة في المسلسل تنتمي إلى فئة الفانتازيا أكثر من الدراما، لما فيها من بهرجة، وأقمشة لامعة، وأغطية حريرية غالية.

في المقابل، نجد أعمالا أخرى فضلت عرض المسلسلات البدوية بالشكل النمطي الذي اعتاد عليه الجمهور، فالأزياء السوداء الخفيفة للنساء، والأثواب البيضاء للرجال، هي ما أستخدمه القائمون على إنتاج هذه الأعمال، حتى لا يقعوا في فخ "الابتكار الجديد"، الذي في بعض الأحيان قد يؤذي صاحبه.

وهكذا، المسلسلات البدوية لن تتوقف عن الشاشة، فهي موجودة منذ انطلاق إنتاج الدراما العربية في المنطقة، وستبقى موجودة حتى يأتي نمط جديد من المسلسلات ويغطي عليها. إلا أن السؤال هنا: هل ستتمكن هذه الأعمال من تغيير الصورة النمطية المسيطرة عليها؟ وهل ستخرج من إطارها الحالي الضيق؟

 جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 23/أيلول/2008 - 22/رمضان/1429

[email protected]