وصايا المرجع السيد صادق الشيرازي في شهر رمضان المبارك

شبكة النبأ: في ليالي شهر رمضان المبارك يتوافد العلماء والفضلاء وطلاب الحوزة العلمية ومختلف الشخصيات وعامة المؤمنين على بيت المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في مدينة قم المقدسة. وخلال لقائهم بسماحة السيد يدور الحديث حول المباحث العلمية والمسائل الفقهية والتاريخية والثقافية، إضافة إلى ما يتفضل به سماحته من وصايا وتوجيهات اقتبسناها من موقع مؤسسة الرسول الاكرم

s-alshirazi.com.

 ومن توجيهاته لشباب جامعيين من طهران زاروه ببيته المكرّم:

إن الله سبحانه وتعالى أودع في باطن كل إنسان قوتين مهمتين متضادتين لهما الدور البالغ والمؤثر والمصيري في جعل الإنسان سعيداً أو شقيّاً، وهما: المعتقدات والأهواء أو الميول. وقد عُبّر في القرآن الكريم وفي روايات أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين عن الأول بـ(العقل) وعن الثاني بـ(الشهوات). وفي الحقيقة يمكن القول أن سر سعادة الإنسان وتوفيقه هو تفضيل إملاءات عقله على إملاءات شهواته، سواء كان رجلاً أو امرأة، وعالماً أو جاهلاً. وبقدر التزام المرء بذلك ينال السعادة والتوفيق.

وقال سماحته أيضاً واصفاً شهوات النفس بأنها مضرّة للإنسان: صحيح أن العمل بالمعتقدات قد يكون مخالفاً لميل النفس ورغباتها لكن له ثمرات وبركات كثيرة وطويلة الأمد، منها الصون من الزلل والذنوب والأخطاء، والأمان من كثير من الأمراض البدنية والروحية كالجنون وانهيار الأعصاب. وإذا أهمل المرء عقله وأعار اهتمامه لشهوات النفس وميولها فسيزلّ ويذنب ويخطئ كثيراً ويصاب بالحسرة والندم، وربما يجنّ أو ينتحر.

وأضاف سماحته: لو قام أحدكم بزيارة تفقدية لدار المجانين فسيجد فيهم التاجر، والطبيب، والمهندس، والأستاذ، والعامل، والرجل والمرأة، والشيخ والشاب، لكنه لا يجد فيهم مجتهداً أو مرجعاً للتقليد، والسر في ذلك أن بلوغ مرتبة الاجتهاد والمرجعية غير ممكنة إلاّ بتفضيل المعتقدات على الشهوات.

وأكّد سماحته مخاطباً الطلاب الشباب: إن كثيراً من العظماء في المنظومة الإسلامية الذين خلّدهم التاريخ كسلمان، وأبي ذر، وحبيب بن مظاهر، وعلي بن مهزيار، ونصير الدين الطوسي لم يولدوا عظماء، بل صاروا كذلك بتفضيل معتقداتهم على شهواتهم. فإن كنتم تبغون السلامة في الدين والدنيا، ونيل مرضات الله تبارك وتعالى، والعظمة في الدارين، يجدر بكم أن تفضّلوا العمل بالمعتقدات على العمل بالشهوات دوماً، وهذا أمر ممكن وسهل وذلك بالعزم والتصميم الصادقين، وكل من يعزم بصدق ينل التوفيق من الله جلّ وعلا.

القرن الحالي هو قرن الإمام أمير المؤمنين

ومن توجيهات السيد المرجع الشيرازي في هذه الليالي الشريفة ما تطرّق سماحته إلى الحديث حول كثرة الذين يستبصرون بنور آل البيت سلام الله عليهم وقال: لله الحمد بات الناس في عالم اليوم يعرفون ويطلعون على أحقية مولانا الإمام أمير المؤمنين ومولاتنا فاطمة الزهراء صلوات الله عليهما. فقد استبصر بنور أهل البيت سلام الله عليهم الكثير من الناس وخصوصاً من علماء العامة ومثقفيهم.

وقال سماحته: زارني في بيتي أحد السادة العاملين في منظمة اليونسكو، وهو أديب بالعربية وقال لي بأنه قد استبصر بنور أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم وبدأ يواجه مشاكل عديدة إثر ذلك، فقلت له:

يقول مولانا أبو جعفر الإمام الباقر سلام الله عليه: «ما يضرّ من عرّفه الله الحقّ أن يكون على قُلّة جبل يأكل من نبات الأرض حتى يجيئه الموت».

وأضاف سماحته: إنّ الكثير ممن استبصر بنور آل البيت الأطهار تعرّضوا لمضايقات ومشاكل عديدة كالسجن والتهديد بالقتل. فقد زارني أحد أئمة الجماعة من أهل العامة من إحدى مدن محافظة زاهدان الإيرانية وذكر لي أنه إثر استبصاره بنور أهل البيت سلام الله عليهم اُجبر على طلاق زوجته من قبل أهلها فطلّقها، ثم هُدّد من قبل آخرين بالقتل إن بقي في المدينة، فاضطر إلى مغادرتها وتركها والعيش في مدينة أخرى.

وأكّد دام ظله: إن القرن الحالي هو قرن مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه.

الاستقامة والالتزام والثبات على الحق

ومن توجيهاته ما قاله سماحته: كتبت لي إحدى الأخوات أنها مخيّرة بين الالتزام بالحجاب الشرعي وبين الطرد من العمل مثلاً أو عدم السماح لها بالدخول لجلسة الامتحانات، فماذا أفعل؟

فكتبت لها: إن أجدادك المسلمين الأوائل تحملوا العديد من المشاكل وصمدوا في سبيل الحفاظ على دينهم، فيجدر بك أن تتأسي بهم، حتى يعبّد الطريق للجيل الذي يليك.

وقال سماحته: حقيقة إنه لأمر عجاب أن تجد بعض الناس ليست لديهم أعمال عبادية كثيرة في الدنيا، ولكن في الآخرة تجدهم قد حظوا بمقام رفيع وذلك لشدة تحرّجهم في أحكام الله تعالى. فقد عاصرت شخصاً في مدينة كربلاء المقدسة، كان اسمه عبد الرضا وكان بياعاً للثلج. وكان يسكن مع عائلته في بيت مساحته عشرون متراً مربعاً. وكان يعمل من النهار إلى الليل لأجل كسب مقدار ضئيل من النقود، لكنه كان يقضي معيشته ومعيشة عائلته بصعوبة بالغة، فقد كان فقيراً بكل معنى الكلمة.

هذا الرجل كان أباه ميتاً، وبعد ذلك بسنين توفي جدّه وخلّف أموالاً، فأجازت له محكمة الدولة الرسمية التي كانت تعمل وفق مذهب أبي حنيفة أن يرث من جدّه. فجاء هذا الشخص إلى أخي المرجع الراحل رضوان الله تعالى عليه وسأله عن ذلك، فقال له أخي: حسب فقه أهل البيت سلام الله عليهم لا يجوز لك أن ترث من جدّك لأنّ أباك مات قبله فلم ينتقل إليه شيء لينتقل إليك، وبما أنك من أتباع أهل البيت فيجب عليك أن تمتثل لحكمهم سلام الله عليهم. فامتثل الرجل للحكم الذي بيّنه له الأخ الراحل.

ومن ارشاداته في هذه الليالي الشريفة ما اشار اليه دام ظله من ضرورة التأسّي بسيرة العلماء الصالحين وعمل عملهم، وعدم الاكتفاء بذكرهم أو التفاخر بهم فقط حيث قال: يقول مولانا الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه في إحدى خطبه التي تحوي كلمات رائعة وعجيبة والتي قال عنها ابن أبي الحديد المعتزلي (لقد قرأت هذا الكلام ألف مرة خلال خمسين سنة): «ولأن يكونوا عِبَراً أحق من أن يكونوا مفتخراً» .

واضاف سماحة السيد الشيرازي: إن الدنيا لا تعرف شيئاً عن أهل البيت صلوات الله عليهم، وحقيقة إن عرفوا أهل البيت فسيتبعونهم. وهذا بحاجة إلى بذل الهمم من العلماء والتجار والمثقفين وخصوصاً الشباب.

ومن توجيهاته: لكل أزمة ومشكلة نهاية، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الزمان نهاية للبلايا والأزمات والمشاكل.

إن محمد بن أبي عمير كان من خواصّ أصحاب الإمام موسى بن جعفر سلام الله عليهما وله مكانة سامية عند أهل البيت صلوات الله عليه. هذا الصحابي الجليل سجنه هارون العباسي سبعة عشر عاماً، وتعرّض إلى أشدّ أنواع الأذى والعذاب من قبل جلاوزة هارون. وذكر التاريخ عنه أمرين لم يذكرهما لغيره. فقد كان من المعمول لدى السلاطين أنهم ما كانوا يحضرون عمليات تعذيب الضحايا حتى لا تنسب لهم هذه المظالم. لكن هارون حضر بنفسه عندما جلدوا محمد بن أبي عمير بالسياط، هذا أولاً.

أما ثانياً فقد نقلوا في التاريخ أنه من جملة الأدوات التي كانت تستعمل لتعذيب السجناء خشبة كان طولها نصف متر وعرضها عشرون سانتيمتراً، وكانوا يجعلون فيها مسامير، وكانوا يعرّون السجين ويضربونه بهذا الخشبة. فكان بعض السجناء يغمى عليه بأول ضربة. وقد ضرب محمد بن أبي عمير بهذه الخشبة ألف ضربة.

وعقّب سماحته: على المؤمنين أن يتأسوا بإخوانهم الماضين ويتعلّموا منهم الاستقامة والثبات على الحق، ويتحمّلوا الأذى والمتاعب الدنيوية، فالعاقبة للمتقين.

© جميع الحقوق محفوظة 

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 3 تشرين الاول/2007 -20/رمضان/1428

[email protected]