شبكة النبأ: يعد مدفع الافطار أحد
أبرز مظاهر فلكلور رمضان بالعراق وأصبح مرتبطا بالذاكرة الشعبية
العراقية في ظل أساطير تحيط به. وانتقل مدفع الافطار الى العراق كما
انتقل الى بقية البلدان العربية قادما من مصر التي عرفته قبل نحو 562
عاما.
وهناك أكثر من حكاية لمدفع الافطار تروى حوله بيد أن أشهرها تلك
التي ترجع بنشوئه الى عصر المماليك في مصر وتشير الرواية الى أنه بينما
كان الجيش المملوكي يستعد للحرب انفجر مدفع صدفة ساعة الأذان والافطار
فبزغت للسطان المملوكي (خشقدم) سنة 865 هجرية فكرة اطلاق المدفع ساعة
الافطار ايذانا بحلول موعد الافطار.
وتفيد رواية ثانية بأن الامبراطور نابليون عند احتلاله لمصر رأى أن
يقدم على عمل يتقرب به الى المسلمين هناك فأمر بأن تنصب المدافع حول
قلعة القاهرة وتطلق منها قنابل البارود ايذانا بحلول رمضان واثباتا
للعيد.
وتشير رواية ثالثة حول نشأة مدفع الافطار الى أن الوالي محمد علي
الكبير كان قد اشترى عدة مدافع حربية حديثة آنذاك عندما عزم على تسليح
جيش مصر ورأى أن يجربها في رمضان فأطلقت أول قذيفة تلك المدافع لحظة
غروب الشمس في أول يوم من أيام رمضان المبارك فظن العامة من الناس أن
والي مصر لجأ الى طريقة جديدة للاعلان عن موعد الافطار.
وأعجب الناس بتلك الطريقة المبتكرة وشكروا الوالي وطالبوا بأن يتكرر
ذلك خلال السحور أيضا فوافق الوالي الذي ظل يستخدم الذخيرة الحية حتى
عام 1859.
وعلى الرغم من الاختلاف في الروايات حول نشوء هذا المدفع فانه لا
يمكن الاختلاف في أن أول استخدام له كان في مصر.
وفي بغداد اختفى صوت مدفع الافطار في ظل دوي أصوات الانفجارات
الناجمة عن سيارات مفخخة أو قذائف هاون أو عبوات ناسفة وبات وجوده على
أي ضفة من نهر دجلة خطرا محدقا بالحي الذي يقابله.
وقال صالح الحيدري رئيس ديوان الوقف الشيعي لوكالة الأنباء الكويتية
(كونا) هنا "لاعلاقة للوقفين الشيعي أو السني ولا أي مرجعية دينية
باختفاء مدفع رمضان".
ويضيف استعضنا ببث تسجيل لاطلاقة قذيفة من مدفع على شاشة التلفاز
وليس ثمة علاقة باختفائه بأي توجه ديني مؤكدا أنه جزء من الموروث
الشعبي الذي بدأت تختفي ملامحه مع مستجدات العصر.
أما ناصر جخيم الذي كان يعمل نائب ضابط في الجيش العراقي قبل تقاعده
"كنت أحد أفراد طاقم مدفع الافطار في منطقة الصالحية وبقيت أعمل هناك
طيلة خمس سنوات".
وأوضح جخيم لمراسل (كونا) "نبدأ بتحضير مدفع الافطار قبل بدء شهر
رمضان بنحو أسبوع من قبل وزارة الدفاع التي كانت مسؤولة عنه وكانت هناك
مدافع أخرى كان ثمة واحد في الأعظمية وآخر قرب القشلة في منطقة السراي
الملكي. ويتابع ناصر جخيم "نتسلم قبيل شهر رمضان 30 طلقة غير حقيقة
تسمى بالعامية العراقية (خلب)" مضيفا "لكل واحد من طاقم مدفع الافطار
وظيفته فهناك (المعمارجي) ومهمته وضع الطلقة في مكانها داخل ماسورة
المدفع أي يعمرها والثاني (رام) ومهمته تشغيل (الترباس) الذي يحكم
اخراج الطلقة والثالث (طومار) وهو الذي يقوم بتبريد الماسورة بعد اخراج
المقذوف منها بينما تكون مهمة الرابع احضار الطلقة ل(المعمارجي)
بالاضافة الى المشرف على كل ذلك وهو العمل الذي كنت أتولاه". ويوضح أنه
كان يطلق على طاقم مدفع رمضان تسمية عسكرية وهي (زمرة). وغالبا ماكانت
العوائل التي تسكن قرب مكان وجود مدفع الافطار ترسل وجبة افطار الى
أفراد طاقمه.
ويقول المواطن صاحب عودة "كنت أشاهد عددا كبيرا من العوائل
البغدادية وهي تحضر الطعام والشراب لطاقم المدفع وقت الافطار اعتزازا
بدورهم في اشعار الصائم ببدء الافطار".
وأبدى عودة استغرابه من الغاء فكرة المدفع أو تناسيها هذا العام
فيما بدا كأنه جهل بالقيمة التاريخية لهذا المدفع الذي صار سمة رمضان
المميزة في كل البلدان العربية والاسلامية.
ويضيف ساخرا "يبدو أن أصوات الانفجارات أحالت مدفع رمضان الى
التقاعد".
غير أن أشهر المدافع في بغداد لم يستخدم كمدفع للافطار وهو الذي شاع
باسم (طوب أبو خزامة) ويعزى سبب هذه التسمية الى وجود خرق صغير في فوهة
المدفع كأن منخرا له.
وطوب أبو خزامة حسبما ورد في مصادر تاريخية عديدة جيء به الى بغداد
عند احتلالها من قبل العثمانيين عام 1638م بقيادة السلطان مراد خان
الرابع.
وحين نصب المدفع في بغداد صار بسطاء الناس يزورونه للتبرك به اذ
كانوا يصدقون الخرافات التي قيلت عن الطوب فيذهبون اليه (ولا سيما
النسوة).
وتقول الأساطير الشعبية في تعليل وجود نقوش لتسع أسماك على جانبيه
كانت قد لصقت به عند اجتيازه (بحر القدرة) أثناء نزوله من السماء ومنها
أن المدفع عند استقراره في الأرض أخذ يتلقف التراب ويحوله بقدرة الله
الى قنابل يقذف بها العدو.
وصلت الأساطير حول كرامات (طوب أبو خزامة) الى حد صارت فيه النساء
يتبركن به وينذرن له النذور ويربطن به الخيوط على نحو ما يصنعن في
المراقد المقدسة.
وجرت العادة في بغداد أن يؤتى بالمولود الجديد في يومه السابع فيطاف
به حول المدفع ويدخل رأسه في فوهته ثلاث مرات وظلت هذه العادة جارية
حتى عهد متأخر.
ولم يترك العوام التبرك بالمدفع الا بعد نقله الى المتحف الحربي في
(الباب الوسطاني) في منطقة الشيخ عمر السهروردي في العام 1967 فنسيه
الناس آنذاك ونسوا كراماته.
ومنذ عهد قريب أعيد المدفع الى ساحة الميدان قرب موضعه الأول وصنعت
له قاعدة متينة وهو اليوم يعتبر أثرا قديما لا قدسية فيه. |