الصوم صحة وحياة سعيدة

 

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (من كثر عفوه مُدّ في عمره) (تعافوا تسقط الضغائن بينكم).

(عن الإمام الباقر (عليه السلام): الندامة على العفو أفضل وأيسر من الندامة على العقوبة).

صحيح إن الانتقام حلو المذاق، ولكن المسامحة نتائجها أفضل ومتعتها أكثر، فنسيان مشاعر الغضب لديك تجاه أولئك الذين أخطأوا بحقك أسلوب ذكي للتمتع بصحة جيدة.

إن الإصرار على عدم التسامح هو جزء من الطبيعة الإنسانية ولكن يبدو أنه لا يعوق مجرد رفاهنا الروحي فحسب، بل الصحة البدنية أيضاً، وقد أصبح هذا الموضوع من المواضيع الساخنة في علم النفس السريري اليوم، إذ بلغ عدد الدراسات فيه اليوم (1200) دراسة منشورة مقارنة بـ(58) دراسة نشرت في الماضي القريب، أي عام (1997). الدكتور دين أورنيش، وهو الخبير الأمريكي الأبرز فيما يسمى أسلوب حياة لجميع الأغراض، يعتبر الصفح بالنسبة إلى الروح بمنزلة التوفو الخفيف، بديل صحي لللحم الأحمر الذي يمثله الغضب والانتقام.

وتشير الأبحاث إلى أن الصفح يعمل بطريقتين على الأقل. إحداهما بخفض الضغط الذي تولده مشاعر عدم التسامح، وهي مزيج شديد القوة من مشاعر المرارة والغضب والعداء والكراهية والامتعاض والخوف (من إمكانية تعرضك للأذى أو الإهانة ثانياً) وهذه المشاعر عادة ما تكون لها عواقب فسيولوجية محددة – مثل ارتفاع ضغط الدم والتغيرات الهرمونية – المرتبطة بأمراض القلب، وكبت جهاز المناعة، بل ربما إعاقة الوظائف العصبية أو حتى الذاكرة، إحدى هذه الدراسات قارنت بين (20) شخصاً يعيشون علاقات سعيدة بـ(20) آخرين يعيشون علاقات مضطربة، وتبين من الدراسة أن المجموعة الأخيرة تعاني ارتفاع المستويات الأساسية للكورتيزول، وهو هرمون مرتبط بتعطل الوظيفة المناعية لدى البشر، وهي مستويات ارتفعت حتى بصورة أعلى حين طلب من هؤلاء أن يفكروا بتلك العلاقات.

الفائدة الأخرى للصفح هي فائدة أقل تجلياً: وهي مرتبطة بأبحاث تظهر أن الأفراد الذين يتمتعون بروابط اجتماعية قوية – من الأصدقاء والجيران وأفراد العائلة – ينزعون عادة إلى أن يكونوا أكثر صحة من الانعزاليين.

الشخص الذي يكن الضغائن ويواصل تتبع كل هفوة أو زلة تجاهه لا بد له أن يتسبب في تدمير بعض من علاقاته أثناء حياته. وتقول: شارلوت فانأوين ويتفلت، وهي باحثة في كلية هوب بمدينة هولندا بولاية ميشغان، إن الصفح يجب أن يدمج في شخصية الفرد، ينبغي أن يكون طريقة حياة، لا أن يكون مجرد رد على إهانة محددة.

والصفح لا يتطلب منا أن نتغاضى عن العدل أو أن نتصالح مع أناس لنا كل الحق في إزدرائهم، وفي حين أن للغضب مكانه الطبيعي أيضاً في هيكل المشاعر الإنسانية، فإنه ينبغي ألا يصبح طريقة حياة.

ويقول الدكتور (إدوارد أم هالوويل) وهو عالم نفسي بجامعة هارفارد: الجرأة على الصفح عملية وليست لحظة، ويؤكد أن الصفح ينبغي أن يتم ترسيخه، فهو يتعارض مع النزعة الإنسانية الطبيعية المتمثلة في السعي إلى الانتقام وتقويم وضع ظالم.

وترسيخ عادة الصفح والتسامح يمكن بمساعدة آخرين كالأصدقاء والمعالجين النفسيين أو عبر نوع من التعبد كما يقال وليس هناك أفضل من عبادة الصوم والصلاة والدعاء لترسيخ العادات الإنسانية ومكارم الأخلاق.

والصوم أفضل وسيلة لتخفيف القلق والتوتر وبالتالي إمكان الصفح لأمرين:

1- إنه يرفع المستوى الفكري للإنسان، فوق مجال المادة، والحياة، حتى لا تلح به المصائب والهموم.

2- أنه حيث يخفض ضغط الدم، يخفف اللهب المسعور، الذي يطارد الإنسان إلى الهرع والاندفاع، والقلق والتوتر على إثر الخسارة أو الشعور بالذلة والمهانة.

فعلاً شهر كامل من الصيام والهدوء والاسترخاء والرجوع إلى الله والدعاء للنفس وللمؤمنين والصلاة بخشوع لله تعالى ترويض كاف لمن سمع القول وأتبع أحسنه فالصوم يعلمنا الصبر والسماحة، والكلم الطيب، والرضا عن الله سبحانه وتعالى، ويعلمنا كيف نتقبل المصائب بصبر جميل حتى لا تهد كياننا إذا فاجئنا الأرزاء دفعة واحدة. والصوم يعلمنا كيف نتسامح مع الناس، ونكافح المشادة بالرفق.

والعقد والأزمات بالبساطة والسهولة.

والصوم يعلمنا: كيف نقول الكلمة الطيبة، دون أن نتنازل إلى الابتذال، إن قذفنا لئيم بكلمة بذيئة، ويحفزنا أن نفكر في كلام الله وأنبيائه وأوصيائه وحكماء الناس وعقلائهم ممن يعمر كلامهم القلوب والعقول.