لنجعل من شهر رمضان انطلاقة نبوغ وتطوير

 

عن الإمام علي (عليه السلام) (من تساوى يوماه فهو مغبون، ومن كان أمسه أفضل من يومه فهو ملعون..)

التطور رغبة كل إنسان، فما من أحد إلا ويحب التفوق على أقرانه ويحب التطلع والتعرف على المجهول ويستزيد معرفة ونبوغاً، ولكن هناك مشاكل الحياة والأعمال اليومية التي تملأ كل وقت الفرد، فلا تتاح له فرصة التفكير، لتخطيط المستقبل في فترات العمل – لأن الإنسان العامل يفرغ طاقاته النشيطة وذكائه الفكري، لتدبير حياته، وترفيه معيشته اليوميتين، ومكافحة المكاره والمتاعب.. ولا يسعه – بعد ذلك – أن يفكر ملياً، في تجديد حياته، ورسم الخطوط العريضة لمستقبل أفضل، ولو أنه استغل الفرص القصار، لهذا التفكير العظيم، فإن العلاقات التي تربطه بحوادث اليوم، تخضع تفكيره لتأثرات مفروضة عليه، فتجعله شديد التحيز، لمسبقاته وتأثراته الحاضرة، ولا ترسله على سجيته المستقيمة لتعبر عن إرادتها، وتنتج نتاجاً مستقيماً...

والفكرة التي يستخرجها الإنسان من زحمة الوقائع، ومرتكم المناقضات وهو يتوسط معترك الحياة.. غير متكاملة ولا تصمد أمام العواصف والزوابع، كالجندي الذي يحاول برمجة خطط الهجوم والدفاع، وهو في اشتباك مع خصمه يتنازعان الأرواح..

لذلك نجد أكثر الناس يسيرون على الخطة التي وجدوها أمام أقدامهم يوم فتحوا أعينهم على النور، دون أن يناقشوها ويفكروا فيها، ولو سئلتم عنها لقالوا:

إنا وجدنا آبائنا على أمة، وإنا على آثارهم مقتدون...

والفرصة الكافية لتجديد النظر في الحياة تتاح للإنسان على أوفرها في شهر رمضان.. لهذا نجد الإسلام يحث على أن ينسلخ الفرد – طوال رمضان – من حياته السابقة، ويتجرد من أواصر المادة، وصِلاتها العذبة المغرية – مهما أستطاع – وينصرف بكلّه إلى عبادة الله، ويتفرغ للتلقي والتجاوب مع دواعي الدين والضمير، حتى يكون على أهبة واستعداد تلبية بواعث الإلهام..

وكل هذه الانسلاخات لتكون حياة الفرد – في هذا الشهر – غير حياته في سائر الشهور، فيتذوق تطور الحياة.. وينال فترة الاستجمام.. ويتمتع بفرصة النبوغ، للمناقشة والتفكير، حول وضع مخطط المستقبل... وتقديم الأهم فالأهم.

وهناك برامج وكتب كثيرة تفيد في تنظيم الوقت والبدء بحياة أكثر جدية وفاعلية ومن ضمن البرامج في هذا الشهر الفضيل:

1- أفضل الأعمال في هذا الشهر هو: الورع عن محارم الله تعالى، فلنحاول أن نستقصى الذنوب التي ندمن عليها طوال العام، فإن هذه فرصة نادرة للإقلاع عن كثير من السيئات المهلكة، فأجواء الشهر الكريم مؤاتية لجلب كل خير، ودفع كل شر!

2- من الممكن أن نخادع أنفسنا، فإن طبيعة النفس لا تميل إلى السير الطويل في طريق الطاعة، فإنها ميالة إلى اللعب واللهو، مملوة بالغ! فلة والسهو – كما يصف ذلك إمامنا السجاد (ع) – وعليه فنحاول أن نخادع أنفسنا، ونطلب منها المسايرة على الأقل في هذا الشهر الكريم.. ويا حبذا لو أكملنا أربعين يوماً ولو بالاستعارة من شهر شوال – لنجعل هذه الأربعينية: فترة زمنية متميز، تمثل أفضل فترة زمنية طوال نشاطنا في السنة.

3- كما أن لتجار الدنيا سنة جرد مالية، فمن المناسب لطلاب الآخرة ونعيمها، أن يجعلوا هذا الشهر الكريم بداية سنة روحية، فلنأخذ الآن ورقة وقلماً، لنسجل فيها ما علينا وما لنا، ولنخطط لسنة جديدة خالية من المعاصي – إلا اللمم وما لم تكن بالاختيار – فإن هذا شعار يستبطن خير الدنيا والآخرة.

4- من موانع الفيض الإلهي في هذا الشهر – وخاصة في ليالي القدر – حالة الشحناء والبغضاء والتدابر وخاصة مع الأرحام.. فحاول أن تنظر إلى من حولك، وخاصة الوالدين وذوى الحقوق، لئلا يكون حولك قلب منكسر كنت سبباً في ذلك، فإن من كسر قلباً فعليه جبره!!

5- ساعة الإفطار مباركة، أكمل فيها الإنسان امتثال أمر إلهي ثمرته التقوى.. فبالغ في الدعاء وخاصة طلباً لفرج ولي أمرك فإن في ذلك فرجك أيضاً، ومن بعد ذلك غفران الذنوب.. ويا حبذا لو ألتزمت بأدعية الإفطار البليغة وخاصة هذا الدعاء الذي روى النبي (ص) أنه قال: (ما من عبد يصوم فيقول عند إفطار: (يا عظيم!.. يا عظيم!.. أنت إلهي لا إله غيرك، أغفر لي الذنب العظيم، فإنه لا يغفر الذنب العظيم إلا العظيم) إلا خرج من الذنوب كيوم ولدته أمه.

6- لا تحاول أن تؤخر صلاة أول الوقت وخاصة عند المغرب، إلا إذا نازعتك نفسك إلى الطعام، أو كان قوم في الانتظار.. فإن أعطاء الروح حقها، خير من تقديم حظ البطن الذي يقيم صلبه لقيمات قليلة.

7- ليس من المناسب أبداً أن تستيقظ لطعام السحور، ثم تخلد بعدها إلى النوم مباشرة من دون وقفة ليلية مع رب العالمين.. فإن الله يحب المستغفرين في الإسحار، والتجليات الإلهية الخاصة لأوليائه في جوف الليل لا يمكن أن تتكرر في باقي الأوقات، فإن ساعة كسب المقام المحمود!! والأغرب من ذلك أن لا يفوت العبد طعام سحوره، مفوت!! صلاة الفجر الواجبة، لتكون قضاء كباقي أيام السنة.

8- للمؤمن ختمة واعية في شهر رمضان، يحاول أن يستوعب على الأقل المعاني الظاهرية للآيات، ثم يحاول أن يعمل تفكيره لعله يعطى هبة متميزة في فهم القرآن الكريم.. أوليس من الجميل أن يفهم الإنسان مغزى خطاب من يحبه ويهواه!! ولنكثر في هذا الشهر قراءة التوحيد في الساعات الضائعة من اليوم – وما أكثرها – فإن ثلاثاً منها تعادل ختمة القرآن، والآية في هذا الشهر تعادل ختمة القرآن.. أو هل تصورت التوالد العددي المذهل من هذا الحساب الواضح؟!!

9- حاول أن تعطي لاسحار الجمعة في شهر رمضان حقها، فإنها من خير الساعات في العالم كله.. أو هل تعلم معجوناً أكمل من ذلك حيث: الشهر الكريم، والليلة المباركة، وساعة انفتاح أبواب السماء.. ولكن كم نحن غافلون!!

10- إن الاسترسال في مشاهدة الزخرف من وسائل الإعلام التي تكثر م أباطيلها هذه الأيام – بدعوة البرامج الرمضانية التي لا تمت إلى الشهر الكريم بصلة، بل تعاكسها في كثير من الحالات – من موجبات عقوبات عديدة، منها: السقم في البدن، والحريمة في الرزق، والقساوة للقلب، كما يفهم من روايات الدخول فيما لا يعنى.. وهل تتوقع سحراً متميزاً من ليل: أوله الغفلة والسهو، ووسطه المبالغة في طلب اللذائذ؟!

11- لا تتوقع ليلة قدر مميزة والحال ما سبقتها من الليالي كانت ليال لا تفترق عن باقي ليالي السنة بما يعتد به، فلا بد من الصعود التدريجي من بدايات الشهر، لتكون ليلة القدر قمة التألق، في مجال عقد الصفقات الكبرى مع رب العالمين، وقليل أهلها!!

12- علينا أن لا نهمل الجانب التكافلي في هذا الشهر: كفالة لليتيم، ودعماً للفقير، وحضا على طعام مسكين.. وأما إفطار الصائم فله من الأجر ما يذهل الإنسان، ولكن بشرط الإخلاص وعدم التباهي، واختيار من نتقرب بهم إلى الله تعالى في تقديم الطعام إليه.. فإن هذا من مصاديق تقديم القربان بين يدي الله تعالى، وهو الذي لا يقبل إلا من المتقين.

أولاً يكفي ما قلناه لأن نحقق شعارنا:

ليكن هذا الشهر خير رمضان مر علينا؟!

فعلى بركة الله تعالى فليستبق المتسابقون، وليفز الفائزون، تحديا لقوم اجتمعوا على مائدة: شبعها قليل وجوعها طويل!!