عن النبي (ص) (من كان عنده صبي فليتصاب له..)
بما أن كل جيل يميل إلى طبيعة سلوك جيله، فمن
تماشى مع سلوكه أحبه وإلا فلا ويؤكد التربويون أن من أهم عوامل نمو
الطفل هو اللعب الذي ينمي حواسه وجسده وعقله، ولكونه نشاطاً ينغمس فيه
الأطفال بحماسة بالغة من تلقاء أنفسهم ويمضون ساعات طويلة في ممارسته.
ومن خلال اللعب تتم عملية التنشئة الاجتماعية
وتكوين الهوية، بإيصال المفاهيم الثقافية والمعلومات وتطوير المهارات.
ومع أن التربويين وعلماء النفس يختلفون في
تفسيراتهم لدوافع اللعب عند الطفل، إلا أنهم يتفقون على ضرورة حرص
الآباء، باختلاف أعمارهم وطبقاتهم وأوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية، على تخصيص أوقات يومية للعب مع أطفالهم.
المربون الإيطاليون يتساءلون عن كمية الوقت الذي
يمضيه الأب للعب مع أبنائه؟ وإذا كان بعض الآباء يتذكر عدد الحكايات
التي رواها لابنه؟ وكم عدد المرات التي فتح فيها الأب الأبواب أمام
مخيلة أطفاله نحو عالم الفنون كالرسم والموسيقى باعتبار الطفل متذوقاً
صعباً ومشاهداً مهماً، لأنه ينتظر على الدوام من يشبع رغباته وحاجاته
واستعداداته للارتقاء؟ وكم اتخذ من المبادرات العملية في المشاركة
بألعاب مستوحاة من واقع المجتمع بعيدة عن ما تفرضه الألعاب الاستهلاكية
الأجنبية المستوردة التي تستوعب فقط الوسائل والتقنيات الإلكترونية ؟
لعب الآباء مع أبنائهم تكاد تكون معدومة في جميع
مجتمعات العالم، مع أنها تعد واحدة من أهم الوسائل التربوية التي على
الأهل القيام بها كواجب يساهم في تطوير مهارات الأطفال وتنمية خيالهم
ومعارفهم واستيعاب مفاهيم مجتمعهم وإدراك العناصر المكونة له.
في الماضي كان الأب هو المصدر الأساس للتربية،
إذ كان يشكل مع الأم، العنصر الوحيد في تنشئة الطفل الاجتماعية، إلا أن
هذا الدور بدأ يضيق شيئاً فشيئاً داخل واقع اجتماعي يتحرك ويتغير بسرعة
مذهلة، الأمر الذي جعله يلجأ بنفسه إلى وسائل الاتصال الجماهيري وبخاصة
البرامج التلفزيونية المتخصصة التي سمّاها الإيطاليون بعالم (تفريخ
تربوي) للأجيال الجديدة، من اجل العثور على الوسائل الكفيلة في التعامل
التربوي مع الأطفال. تلك المكانة التي كان يحتلها الأب لم تعد على ما
كانت عليه في السابق، لم يعد المصدر الوحيد للتربية، فالانتشار الكمي
والنوعي لوسائل الاتصال وللتلفزيون على وجه الخصوص سمح لسلطات تربوية
جديدة بإدخال كل أشكال المعرفة التربوية بإيجابياتها وسلبياتها إلى
داخل البيت لتساهم بالقيادة التربوية.
تغيرات في مجتمعاتنا
يتحتم على الأب أن يكون له حضور فعال في حياة
أبنائه ، وهذا الحضور يتمثل في وصايا المربية الإيطالية الشهيرة ماريا
مونتيسوري التي اعتبرت التربية التي يمارسها الأب والمقرونة باللعب،
نشاطاً يعيشه الطفل من خلال وسائل ومواد تعليمية (ألعاب) تشمل ثلاثة
مجالات: الحياة العملية، الإدراك الحسي، التنمية الأكاديمية، إذ تتطور
الألعاب من البسيط إلى الأكثر تعقيداً، والاهم من هذا من البيئة
المباشرة للطفل لتصل إلى التجريد.
آباء اليوم عليهم إدراك الدور الذي تعدى مهمة
الإنجاب، فعالم اليوم البشري يشكل ظاهرة مركبة تخضع لكثير من
الاعتبارات غير البيولوجية التي تحمل في طياتها مسؤوليات تكميلية
يعــتمد على إنجازها البقاء العضوي للمجتمع واستمراريته الحضارية، وهذه
المسؤوليات تعدت أيضا التربية الجسدية المرتكزة إلى توفير الغذاء
والراحة والحماية إلى مهمة التربية الاجتماعية والنفسية بكل ما تحويه
من قيم ومعارف ومواقف ومهارات وغيرها من مقومات الشخصية.
وهكذا فإن عملية التغيير الكبيرة التي تمر بها
مجتمعاتنا، هي تغيرات غير عادية انبثقت منها انتقالات حضارية أدت إلى
ظهور أنماط جديدة في حياة ترتبت عليها نتائج ومهمات اجتماعية عميقة،
فالأب عليه أن يدرك ان التغيرات المتزايدة هي نتيجة اهتمام الإنسان
بإخضاع جميع وجوه حياته إلى عقلانية العلم والتكنولوجيا المتقدمة،
فوسائل الاتصال الجماهيري، بدءا بالصحافة ، وانتهاء بالتلفزيون
والكومبيوتر، رسمت منعطفات أساسية في تاريخ الإنسانية، وفتحت مراحل
تاريخية جديدة في تطور المجتمعات، وخلقت نمطاً جديداً من الإنسان فأصبح
للأب حضور تحتمه القيم والأعراف الجديدة، حتى في أول لحظات الولادة في
صالات الإنجاب، وهو يشارك في تهيئة المسلتزمات الأساسية للطفل الوليد
كإعداد الحليب والتناوب بالسهر..الخ
وأكدت آخر استطلاعات الرأي في مجلة "صحة"
الإيطالية أن الأطفال يعانون من قلة حضور الآباء في حياتهم اليومية، إذ
أن 15 في المئة من الآباء يقضون معدل 30 دقيقة يومياً مع أولادهم،
وأكثر الألعاب التي يؤديها الأب عادة مع طفله لا ترتقي إلى المستويات
المطلوبة، لان الآباء لا يحملون أي قناعة أو رغبة في ممارستهم هذه،
ولهذا السبب فان الأطفال يفضلون الأجداد والجدات، كونهم قادرين على
المرونة والتعاطف المطلوبين من الطفل.
ويبين الاستطلاع الذي اجري على عينة من 1600 طفل
ما بين 6 و14 عاماً أن أكثر من 85 في المئة يفضلون البقاء واللعب مع
أجدادهم وجداتهم، ونحو 78 في المئة يعتقدون بان آبائهم يمتلكون سمات
سلوكية تتسم بالغلظة والخشونة أثناء اللعب، و82 في المئة يعتقدون بأن
لعب الأب مع طفله بين الحين والآخر، يعتبر واجباً لا بد من إنهائه
بسرعة، و92 في المئة يتمنون مشاركة الأب في اللعب بصورة مستمرة.
ويقول طبيب الأطفال مارشيللو بيرناردي مؤلف كتاب
"مغامرة البحث عن طريق لآباء اليوم" ان "التحالف ما بين الأب وأبنائه
داخل العائلة له وجود حقيقي في العديد من العوائل في مختلف أنحاء
العالم، فالأب الجيد يجب أن يدرك أن عليه احترام الآخرين وان يكون في
الوقت نفسه في موقع احترام الآخرين الذين حوله، وان يعرف كيف يحب من
دون انتظار المقابل وان يكون مقتدراً على الاحتفاظ بقراراته ووعوده مع
أطفاله، ومن شأن المشاركة الدائمة في اللعب مع الأطفال أن تقـوي مـثل
هـذا الدور".
وحول عملية اللعب مع أطفاله، يقول بيرناردي:
"أدوات اللعب تطورت على مر العصور من الدمية إلى
وسائل المواصلات كالسيارة والقطار والطائرة إلى الكومبيوتر
والإلكترونيات وأدوات الفضاء... الخ، والطفل يتعامل معها ويكتشفها بلذة
كبيرة، فيستوعبها ويدخل ضمن أنظمتها الداخلية، فتصبح جزءاً من شخصيته
لتكون هويته الثقافية، عملية اللعب سهلة للغاية إلا أنها في الوقت نفسه
مهمة للغاية من الأم والأب على حد سواء، اللعب هو أداة إيجابية في
تقويم عقلية الطفل وشخصيته ونموهما، ولهذا السبب فإن الألعاب المتكلفة
التي تعتمد على السرعة والشعور بكونها واجباً على الأب تأديتها على مضض،
ينصح بالابتعاد عن ممارستها لأنها تسبب عكس متطلباتها التربوية المرجوة".
ويقول البروفسور بينديتو فيرتيكي من جامعة
لاسبينسا (المعرفة) في روما: "علاقة الطفل مع البالغ أساسية في عملية
التربية منذ بدايات الأشهر الأولى في حياة الطفل، وابتداء من عمر 3
سنوات وما فوق فان عامل نوعية اللغة المستخدمة يكون ضرورياً. لنفترض
مثلاً وجود اثنين من الآباء داخل حافلة نقل ومعهما أطفالهما، عندما
تتوقف الحافلة بصورة مفاجئة، فإن الأبوين يحذران طفليهما بأن يمسكا
بقوة بالكرسي أو الأعمدة الحديدية داخل الحافلة، وعندما يسأل الأول
أباه عن السبب يجيبه بنعم، أما الأب الثاني فيقول لابنه انه خلاف ذلك
سيسقط. فالطفل الثاني هنا يتعلم كيفية تكوين حوار، أما الطفل الأول فلا
يتعلم ذلك. والعملية نفسها تنطبق على برامج الأطفال وألعابهم فإذا كانت
الألعاب مقتصرة على الأجهزة التكنولوجية والتي تستخدم لغة سهلة للغاية
لأجل عملية تشغيلها أمام الطفل، فتلك التي تكتفي بإجابات قاطعة لا تقدم
للطفل إلا القليل في تعلم الحوار وإدارته، أما تلك التي تسهب بالإيضاح
فتكون قادرة على إثراء عقله.
نعود من جديد إلى الكاتب التربوي بيرناردي
لنسأله عن وصاياه للآباء من اجل حثهم على العب مع أطفالهم فيقول: "معرفة
الأب من وجهة نظر العديد من المربين أنها لم تعد عصرية بفعل التطور
السريع للعلوم، إلا أن من ناحية أخرى ليس باللاعب المحترف، لهذا عليه
إلغاء الفكرة القائلة إن الترفيه لا ينطوي على أي سمة تعليمية، عليه إن
ينظر إلى اللعب لا بوصفه عملية خداع للنفس بل كونه أسلوباً تربوياً
مختلفاً بإمكانه الانطلاق للمساهمة في تحسين الظروف للنمو العاطفي
السليم من منطلق تثبيت ثقة الطفل بنفسه وبشخصيته، لان الابن يرى بأبيه
الشخصية المثالية القادرة على إعطائه كل الصفات الخيالية التي يحتاجها".
وكما يوحي التربويون فان الطفل لا يحتاج إلى من
يوقظ فيه الإحساس بالجمال، لأنه متذوق لكل الفنون بفطرته و كل ما
يحتاجه هو من يغذي هذا الإحساس بالمثيرات من خلال الألعاب بشكل مبدع
ودؤوب، والأب قادر على ممارسة هذا الدور السهل أياً كان عمره ومستوى
ثقافته، شرط توافر الرغبة. وعليه إيجاد حال من التوازن بين الألعاب
الفولكلورية والألعاب الجديدة التي تعتمد على التكنولوجيا، كما يجب
توافر المكان، حتى في المساحات الضيقة داخل البيت، وعليه التنويع بهذه
الألعاب وان يساهم بها جسدياً كالألعاب الرياضية بمختلف أنواعها وتلك
المتصلة بالفولكلور والتراث والألعاب الفنية التركيبية، والخشبية،
وألعاب الكلمات والمكعبات، وألعاب الدمى... الخ.
إذن كلام النبي وتصرفاته مع الأطفال خير أسوة
لنا، ولا يخفى إيجابياتها النفسية والصحية على حياة الطفل وعقله وسلوكه
وتفكيره، فالأطفال خير وسيلة للترفيه عن الآباء والأمهات بطبيعتهم
البريئة والحركات الصبيانية اللاشعورية المضحكة مما يبعث الفرحة في
قلوب الآباء وأيضاً التصابي واللعب مع الأطفال يمتن الحب معهم ويوطده.
وأيضاً يطرد العقد النفسية من الأطفال حيث أن
الكثير من المصابين بالأمراض والعقد النفسية هم الأطفال المهملون الذين
يعيشون في أجواء ينعدم فيها المرح واللعب.
وبينما الأطفال الذين لاقوا رعاية تامة واهتماماً
كافياً تراهم ذوات شخصية وثقة بأنفسهم وشهر رمضان الكريم بجميع أبعاده
ونواحيه خير معين لمن أراد تثبيت العزم والبدء في التعود على ملاعبة
أطفاله وتربيتهم عن طريق اللعب معهم والتحبب إليهم ولا ننسى ما للتصابي
مع الأطفال من أثر فعال في تربية النفس على التواضع وترك الزهو
والكبرياء الفارغ. |