عن الإمام الرضا (عليه السلام) عن آبائه عن علي
(عليه السلام) أن رسول الله (ص) خطبنا ذات يوم فقال: أيها الناس، إنه
قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله
أفضل الشهور، وأيامه أفضل الأيام، ولياليه أفضل الليالي، وساعاته أفضل
الساعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة
الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعائكم
فيه مستجاب، فأسئلوا الله ربكم بنيات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفقكم
لصيامه، وتلاوة كتابه، فإن الشقي من حُرِم غفران الله في هذا الشهر
العظيم.... إلى قوله (ص) أيها الناس، إن أبواب الجنة في هذا الشهر
مفتحّة، فأسئلوا ربكم: أن لا يغلقها عليكم وأبواب النيران مغلقة،
فأسئلوا ربكم أن لا يفتحها عليكم، والشياطين معلولة، فأسئلوا ربكم: أن
لا يسلطها عليكم..).
شهر رمضان شهر الله الأعظم، الذي خصه الله بنفسه،
وحباه بهذا المجد الخالد، واعتبر الناس فيه ضيوفاً مباركين، على موائد
رحمته، فيعتق منهم كثيراً، ويغفر لكثير، ويضاعف الحسنات ويمحي السيئات،
ويرفع الدرجات وأغلب مميزاتها ذكرها النبي (ص) ولكن لماذا خصّه الله
سبحانه بهذه العظمة؟
استأثر به الله، ليكون مرفأ الإيمان عبر السنة،
الذي تنطلق منه النفوس، مزودة بطاقات من الإيمان، يعومون بها في بحر
أحد عشر شهراً، حتى إذا نفذت ذخائرهم الروحية في مقارعة الكفر والنفاق
العالميين، والسير قدماً إلى الأمام بصمود غلاب، يكسر دفقة التيارات
المنحرفة، وأرسوا عنده مرهقين ليمدهم بمدد كافية، لمدائبة الانطلاق
الصاعد أبداً، والاستقامة بقوة صارمة.
فشهور رمضان، بمنزلة (محطات تموين واستراحة)
ركزت على مفترقات السنين، لتزويد السالكين إلى الله – في طريقهم الوعر
الشائك – بالخبرة والذخيرة والوقود، وحيث شاء الله تعالى، أن يكون
رمضان، شهره الذي تستحم فيه الأرواح، ليطهرها من السخائم والأدران،
ويضفي عليها بلورة منيعة، فجّر فيه ينابيع الخير والرحمة، ليستطيع أداء
هذه المهمة، فإن مجرد تسميته بشهر الله، لا تفضّله على بقية الشهور،
ولا توفر فيه المؤهلات الكافية لأداء رسالات ومسؤوليات شهر الله..
كالبطاح التي لو شاء الإنسان أن يحولها بحيرة منغومة، لا تكون إلا إذا
فصد فيها شرايين الأرض.. والحفائر، التي لو أراد أن تكون واحة من
الغدران، لا تكون إلا جنة الرواعد، يندرف غربال السحاب.. هكذا أوسع
الله رمضان بروافد المعروف، وأملى فيه كل خير، حتى يكون أقدر للتوفير
على هدفه...
وبعد أن كمل تصميم الحياة البشرية، بإرسال الكتب
المقدسة، التي هي أوفر الجواذب الروحية... وتكريماً لإنجاز تنظيم
الإنسان، فرض الصيام على الأمم التي شملتها الأديان، لأن الحفاوة
بالبواعث الروحية، لا بد أن تكون بالاستجابة الروحية.. وتلك هي
الانتصارات المادية، التي تكون أحفالها بالموائد المادية.. وتكريم كل
شيء بنوعه...
والصوم خير وسيلة لتجريد النفوس، وتطهيرها من
الزوائد المتطفلة عليها، إعداداً، للتلقي والتجاوب، مع نداءات السماء... |