الصوم والإرادة

 

يتضمن الصوم معنىً دقيقاً، لكنه ليس صعباً على الإطلاق، وهو من أخص ما يرتبط بالصوم، وينتج عنه: إن الصائم يمتنع عن تناول طعامه وشرابه وسائر لذاته امتثالاً لأمر إلهي، مع توفر هذه المباحات بين يديه، وداخل بيته الذي هو ملكه الخاص، ولا شك أن تعوده على هذا الامتناع يقوي فيه إرادة التحكم في رغباته فيما هو متاح له. وعندما تقوى هذه الإرادة لديه يصبح من السهل أن تنطبق على ما هو محرم عليه، كتناول مال الآخرين ظلماً، أو اشتهاء نساء الآخرين حراماً.

وتكون النتيجة أن المسلم يتعود من خلال الصوم أن يمتنع عن الحلال حتى لا تطمع نفسه في الحرام. وبهذا المستوى يصبح أنساناً، يرتفع عن سائر الحيوانات التي لا تستطيع أن تمسك نفسها عما ترغب فيه، أو تحتاج إليه.. وهكذا يصنع الصوم من المسلم إنساناً يضبط نفسه، ويتحكم في رغباته، ويوجه إرادته نحو ما هو حلال له – فقط – أروع ما في الصوم أنه عبادة شديدة الخصوصية بين المسلم وربه، فهو لا يظهر على الأعضاء ولا يتبدى في الأفعال والحركات، كما لا يستطيع الناس مهما كانت فراستهم قوية أن يميزوا بين شخص صائم وآخر غير صائم، ومن الواضح أن هذه الشعيرة الخاصة جداً يصعب بل يستحيل أن يدخلها الرياء، أو التظاهر أمام الناس بغير الحقيقة. فالمسلم يترك طعامه وشرابه من أجل أمر الله، وابتغاء مرضاته، ولا يسعى إلى رضا الناس أو الحصول على مديحهم، أو اكتساب السمعة الطيبة بينهم، وهو إذ يلتزم بذلك فإنما يصدر عن ضمير صافٍ ومشاعر صادقة، ولا شك أن تربية الضمير من أصعب أنواع التربية، لأنه ليس عضلة تقوى بالتمرين، أو سلوكاً يتهذب بالمحاكاة، وإنما هو إحساس بالغ الدقة والرهافة، ليس له إلا اتجاه واحد، نحو الفطرة التي فطر الله الناس عليها.. وأحسبه المقصود في قول رسول الله (ص) (استفت قلبك ولو أفتاك الناس وأفتوك) نعم... أن الصوم يزيد من رهافة الضمير، الذي هو أكبر نعم الله التي منحها للإنسان وهو تعالى القادر على إيقاظ هذا الضمير بحيث يصبح كمؤشر البوصلة الذي يوجه صاحبها – في أي وقت – نحو تحديد الاتجاه الأصوب.

بعض الناس يقعون في المعاصي... والرسول (ص) يقول (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) وهذا يعني أنه يتجرد عند التخطيط للمعصية، وفي حالة تنفيذها، من الإيمان، ويمكن القول بأن هذه هي اللحظة التي يتوقف فيها الضمير عن العمل.. أو يغفل عن التوجيه، لذلك فإن الصوم الذي يتم من خلاله إيقاظ الضمير، يعتبر من أهم وسائل التربية الأخلاقية التي تقوم فيها التعاليم الدينية بأكبر الأثر المباشر والفعال. وبذلك يشعر المسلمون أنهم في موكب روحاني بهيج، يخلو من كيد الشيطان ووسوسته كما ورد في الحديث الشريف (إذا جاء رمضان، فتحت أبواب الجنة، وأغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين).