الصوم هدية ربانية لايقاف الشيخوخة

 

من بين كل الطرائق التي توسل بها البشر لإعاقة زحف الشيخوخة لم تصمد - علمياً - إلا واحدة، نجدها ساطعة في شهر رمضان الكريم. الشيخوخة - علميا - لا تبدأ من الخمسين، بل تبدأ مع أول أنفاسنا بعد الولادة، وتستمر معنا حتى النهاية.

من بين مئات الاجتهادات التي حملت إلى البشر الفانين بشارة "ينبوع الشباب" لم يثبت علمياً أن هناك ما يبطئ عملية الشيخوخة إلا تقييد السعرات الحرارية أو الحد منها، ولا شيء يعبر عن هذا التقييد أفضل من الصوم .

  لقد تبين أن الحد الأقصى للعمر المحتمل لمجموعة من فئران التجارب زاد بنسبة 30 - 40% عندما غذيت بطعام تقل سعراته الحرارية بمعدل الثلث أو النصف عما تغذت به مجموعة أخرى سامح لها بأن تأكل جيداً فماتت مبكراً عن المجموعة الأولى بنسبة العمر ذاتها وإن في اتجاه النقصان.

  وقيل في تفسير ذلك إن تقييد السعرات الحرارية يبطئ من العمليات البيولوجية (الحيوية) للشيخوخة، كما أنه يقلل من التعرض للإصابة بالأمراض.

ولوحظ أن الحيوانات الأكثر تعميراً هي التي قيدت السعرات الحرارية في غذائها منذ مولدها، كما أظهرت القوارض التي قيدت السعرات الحرارية في غذائها منذ منتصف العمر اتجاهاً تعويضياً للتعمير.

ومما ينبغي ذكره هو أن هذا التقييد الطويل للسعرات الحرارية في غذاء حيوانات التجارب قد أطلق أثرين جانبيين هما تقزيم النمو بنسبة موازية للتقييد وتقليل أداء الوظيفة الجنسية. وهذان الأثران الجانبيان السلبيان ينتفيان منطقياً عندما ننتقل من الحديث عن تقييد سعرات حرارية على مدى العمر كله أو نصفه إلى الحديث عن مجرد تقييد على مدار شهر واحد في السنة كما في صوم رمضان الكريم، أو حتى إتباعه بصوم يومين في الأسبوع بعد ذلك. فلا الأجسام تتقزم ولا الخصوبة تتراجع، لأن الصوم على هذا النحو ينقلنا من الحديث عن التقييد إلى الحديث عن التنظيم، فنبتعد عن موضوع التجويع إلى موضوع الصوم ، وتظل نتيجة إبطاء صيرورة الشيخوخة ملموسة وإن بنسبة أقل.

 لقد درس الصوم في الإطار الطبي وتبين أن الصوم يطلق آليتين بارزتين داخل أجسامنا: أو لاهما اللجوء إلى التغذية الداخلية أعتماداً على الاحتياطي الذي يصل إلى 40 - 45% من وزن الجسم.

وثانيتهما: زيادة إطراح السموم حيث يتخلص الجسم من تراكمات الفضلات والسموم خاصة في الأنسجة المريضة.

وطبيعي أن يلحق بهاتين الآليتين عنصر الراحة الفيزيولوجية التي ينالها الجهاز الهضمي وملحقاته ولسائر الأجهزة والغدد بدرجة أو بأخرى.

نتيجة ذلك كله، يتاح لعضوية الجسد العثور على فرصة للتجدد، فتعود الوظائف بعد فترة الراحة أنشط ويصير الدم أصفى وأغنى بكريات دموية أكثر شباباً. وقد تفسر فرضية التئام (د. ن.ا) في المورثات ذلك. إضافة لفرضيات الشوارد الحرة والسمية وتسكر البروتين فهي تتراجع مع الصوم بعدم إضافة جديد إليها والتخلص من ركامها القديم.

ولقد أشارت تجارب اثنين من علماء الفيزيولوجيا بجامعة شيكاغو، وهما الدكتوران كارلسون وكوند إلى ما يدعم حدوث التجدد، أي تأخير الشيخوخة أو تأجيل تفاقم مظاهرها، إذ تبينا أن الصوم لمدة أسبوعين يكفي لتجديد أنسجة إنسان في الأربعين، بحيث تبدو مماثلة لأنسجة شاب في السابعة عشرة من عمره. والمقصود هنا الصوم الطبي، مع ملاحظة أن هذا الأثر غير دائم، مما يتطلب معاودة الصوم على فترات للحصول على التجدد، وأظهرت تجارب هذين الباحثين أيضاً أن صوم 30 - 40 يوماً يزيد الاستقلاب بمعدل 5 - 6%، وحيث إن نقص الاستقلاب يعد أحد مظاهر الشيخوخة فإن زيادته تعني بعض الشباب، أو بمعنى آخر: إبطاء الشيخوخة.

الصوم .. الزهد ...

من كل ما سبق، ولأن صوم رمضان هو الأقرب إلى الصوم الطبي، والأكثر أماناً، وهو بالتأكيد لا يأخذ شكل الحمية بل هو تقييد للغذاء بعامه ومن ثم إنقاص واضح للسعرات الحرارية. أي أنه ينحو باتجاه السير في الدرب الوحيد المثبت علمياً لأخذ جرعة من ينبوع الشباب أو أكسيره، على مستوى الجسد، ناهيك عن مراقي الروح. بشرط، أن يظل الصوم صوماً، أي زهداً، لا بوابة للنهم كما يفعل كثيرون. بوابة يدخل منها ما يملأ البطون إلى حد التخمة، ويخرج منها ما بقي من شباب الجسد... والروح.

تمارين الصائم

لاشك أن الصلاة إلى جانب كونها رياضة للروح هي رياضة للجسد أيضاً، وهي أقرب ما تكون إلى تمارين المرونة التي تؤهب للدخول في مراحل أصعب دون التعرض للإصابات الذاتية.

 لكن من أعتادوا أداء تمارين رياضية أياً كان نوعها لاكتساب اللياقة البدنية العالية، ينصح بعدم أداء هذه التمارين والمعدة ممتلئة، أي يفضل أداؤها قبل الإفطار لمن يستطيع ذلك، أو بعده بساعات شرط أن يكون إفطاراً ليس بالثقيل ولا عسر الهضم. فالتمارين تؤتي أفضل ثمارها بينما المعدة خالية من الأكل الذي لا يستثنى منه إلا الفاكهة أو عصير الفاكهة - وهي قاعدة عامة يشار إليها كتذكير برأي "هارفي دياموند" خبير اللياقة والتغذية الذي يفسر ذلك بأن الطعام يحتاج عند هضمه - خاصة في المعدة - إلى جزء ملموس من الطاقة، فإذا أضيفت إلى ذلك التمارين، فإنها تقتنص جزءاً غير كاف من الطاقة، وغالباً ما تؤدي بالطعام في المعدة إلى عسر الهضم. وما استثناء الفاكهة أو عصيرها إلا لأنها من الأطعمة التي لا تحتاج لطاقة هضم مذكورة في المعدة.