إفطار رمضاني في البيت الأبيض ومسلمون امريكيون يعملون في وظائف حكومية  يتحدثون عن رمضان والإسلام وتأثير أحداث سبتمبر

 

 يعتزم الرئيس الاميركي جورج بوش استضافة زعماء مسلمين في البيت الابيض للاحتفال بشهر رمضان.

ووجهت الدعوة الى دبلوماسيين وشخصيات مسلمة بارزة بالمجتمع الاميركي للافطار في غرفة الطعام الرسمية بالبيت الابيض مساء امس. وهذا الافطار هو احد مراسم عديدة ستلجأ اليها ادارة بوش للاحتفال بشهر رمضان في اطار جهود للتواصل مع المسلمين في اميركا وعبر العالم.

وقال مسؤول بارز في الادارة ان بوش سيبعث برسائل شخصية لزعماء الدول الاسلامية، كما ان وزير الخارجية كولن باول سيقيم مأدبة افطار بوزارة الخارجية في وقت لاحق من الشهر.

في الوقت نفسه ستقوم اكثر من 30 بعثة دبلوماسية وقنصلية اميركية في شتى انحاء العالم بأنشطة خاصة بشهر رمضان. وقال المسؤول ان وزارة الخزانة والجمعيات الاسلامية الخيرية اتفقوا على لوائح اختيارية لضمان عدم استخدام التبرعات في انشطة اجرامية او ارهابية.

وكانت ادارة بوش قد اعربت عن تمنياتها الطيبة لنحو مليار مسلم في شتى انحاء العالم بمناسبة شهر رمضان ووصفت الاسلام بانه دين محب للسلام، ووجه بوش الشكر للدول الاسلامية لتأييدها الولايات المتحدة في حربها ضد الارهاب.

عندما وقع الهجوم على برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك كان عمار برغوثي العميل الخاص في مكتب المباحث الفيدرالي (اف. بي. آي) يخضع لدورة تدريبية، كما كانت نادية امان تستعد لمغادرة منزلها لتلتحق بعملها في وزارة التجارة. اما ميرزا بيغ فكان في مكتبه بالبيت الابيض، واول ما تبادر لذهنه كان دعاؤه «نسأل الله ان لا يكونوا مسلمين». لكنهم كانوا مسلمين.

ومنذ ذلك الوقت، فإن هؤلاء الذين يعملون في حكومة تشن حربا على الارهاب، اي على افعال ترتكب عادة باسم الاسلام، واجهوا تحديات غير عادية لكونهم في قلب المعركة.

ويقول ميرزا بيغ، 31 سنة، وهو كبير مهندسي الشبكات الكترونية في المكتب التنفيذي للرئيس في البيت الابيض، «من ناحية، قد يفكرون بانني كمسلم سأدافع عن الاسلام. ومن ناحية اخرى، قد يقولون انني اعمل في الحكومة، وبالطبع سألتزم بخطها. انه سيف مزدوج».

ومع حلول شهر رمضان الكريم الذي بدأ اول من امس في غالبية الدول الاسلامية، ناقش خمسة مسلمين يعملون في الحكومة الاميركية تأثير العمليات الارهابية التي وقعت في العام الماضي، وقالوا ان عملهم ساعدهم في القضاء على الصورة النمطية للمسلمين.

وتحدثوا عن حياتهم وسط رياح متعاكسة، الاولى تتضمن الافعال الطيبة والمساعدة، والثانية تشن هجمات متعصبة ضد الاسلام. واشار العديد منهم عن اجراءات الامن الاضافية في المطارات، حتى عندما يسافرون في مهام حكومية.

غير انهم لم يشعروا بالحذر في ممارسة شعائرهم الاسلامية. بل انهم يعتبرون انفسهم ملتزمين بتعليم الناس الدين الاسلامي. وقد اكدوا على ضرورة التزام المسلمين الحذر مع هؤلاء الذين يسيئون للاسلام، كما ان بعضهم اشاروا الى انهم اصبحوا اكثر حذرا في تبرعاتهم للاعمال الخيرية وقد عبروا جميعا، خلال استعدادهم لصيام شهر رمضان، عن ثقتهم بخصوص مستقبل الاسلام في الولايات المتحدة.

وقالت نادية امان، 26 سنة، «من المفارقات ان يوجه للاسلام اللوم حول الكثير من السلبيات في العالم. ولكن في الولايات المتحدة يمر الاسلام بفترة ازدهار».

وتعمل نادية امان موظفة مؤقتة تتولى اعداد مشاريع التحاليل والتدقيق لهيئة الجمارك الاميركية. وقد تخرجت من جامعة اولد دومينيون في ولاية فيرجينيا عام 1998، وهي غير محجبة وترتدي سلسلة تحمل صورة مصغرة للمصحف الشريف حول رقبتها.

ومنذ قدومها من افغانستان الى الولايات المتحدة كلاجئة قبل عشرين سنة، تلقت في الآونة الاخيرة، ولاول مرة، رسالة من كابل. وتقول عن ذلك «لقد كانت اشارة بان الامور بدأت تعود الى طبيعتها» في افغانستان.

واوضحت انها خلال العام الماضي وجدت نفسها «مضطرة باستمرار للدفاع» عن نفسها وشرح معتقداتها. وقالت انها لاحظت «حالة من البارانويا بين المسلمين»، الذين صاروا «يخافون من اساءة الناس لفهم ما سيقولونه». لكنها اشارت الى زميل مسيحي لها «نتحدث معاً حول الدين ولا ننظر الى خلافاتنا الدينية بقدر ما ننظر للجوانب المشتركة». وتقول نادية انها تدعو الله سبحانه وتعالى خلال شهر رمضان ان يمكنها من زيارة افغانستان.

أما يوسف محمد، 30 سنة، فيروي كيف وصل الى مطار ريغان الدولي في واشنطن لرحلة تنطلق في الساعة السابعة وعشرين دقيقة صباحاً، وكيف بدأ يبحث عن مكان يصلي فيه لان مصلى المطار كان مغلقا. ثم فعل شيئاً لم يكن ليفعله قبل احداث 11 سبتمبر. ويقول «لقد ذهبت الى حارس المدخل، وطلبت منه استخدام هذا الركن للصلاة، ولم يعترض». ويقول محمد، وهو محام في وزارة العمل، انه لا يشعر بالحرج وهو يمارس شعائره التعبدية علناً. ويضيف «لن اقول سأنتظر حتى اعود الى منزلي».

ويؤيد محمد، وهو من مواليد القاهرة ويعيش في الولايات المتحدة منذ 25 سنة، الحرب ضد الارهاب على الرغم من انه قلق على ما تسببت فيه هذه الحرب من اضرار بالمسلمين. الا انه يستطرد قائلا «من ناحية اخرى هناك فرصة عظيمة اتاحتها لنا هجمات 11 سبتمبر. فكثير من الناس اصبحوا يريدون معرفة المزيد عن الاسلام». ويضيف محمد انه يتطلع في شهر رمضان الحالي الى مشاركة الافطار مع اصدقاء غير مسلمين.

اما بيغ فيتذكر حين كان متوجها مع مسؤول حكومي كبير الى مزرعة الرئيس الاميركي في كراوفورد بولاية تكساس حاملاً تذكرة طائرة اشتراها ببطاقة ائتمان حكومية وبدأ حينها عدد من رفاق السفر باغاظته. وقال احدهم «اراهن انه سيتم ايقاف ميرزا». وبالفعل فقد كان ميرزا، الذي حظر للولايات المتحدة وعمره 14 سنة، الوحيد الذي جرى توقيفه للتفتيش من بين المجموعة.

ويقول بيغ ان مثل هذه الاحداث، لا تقارن بمشاعر القلق الكبيرة التي يشعر به المسلمون هذه الايام. ويضيف «في اوساط جاليتنا الاسلامية، علينا التأكد من عدم سيطرة عناصر متطرفة». ويوضح ان على المسلمين المعتدلين «عرض وجهة النظر القائلة بعدم وجود اكراه في الدين، وان كل انسان مسؤول عن افعاله». ويقول ايضاً انه ينظر الى شهر رمضان الحالي بتفاؤل اكبر من رمضان الماضي. ويتابع «آمل وادعو ان نركز ونحقق الانتصار في الحرب الحالية، وان نؤدي كمسلمين اميركيين عملا جيدا وتبقى حرياتنا المدنية غير مقيدة».

ومن جانبها تتحدث تناز حدادي، 25 سنة، وهي ايرانية عن مشاعرها وهي تعمل محجبة في مكتب تابع للحكومة الاميركية. وتعمل حدادي مراسلة للشؤون التشريعية، ومديرة للنظم بمكتب النائبة ستيفاني توبس جونز. وقد جاءت حدادي الى الولايات المتحدة في طفولتها المبكرة. وقالت وهي تتحدث عن البيئة التي تعمل فيها «انا المسلمة الوحيدة التي ترتدي الوشاح. ولم اتعرض لاية تجارب سلبية». ولكنها قالت انها في العام الماضي، وبعد فترة قصيرة من هجمات سبتمبر، كانت تقود سيارتها في طريق عودتها الى المنزل عندما «بدأ بعض رجال على الطريق يسيئون الي بكلمات بذيئة. وكنت اقول لنفسي: ما مشكلة هؤلاء يا ترى؟ وفجأة تبينت بسبب مظهري كمسلمة. وقلت يا إلهي، انهم يوجهون حديثهم الي». وقالت حدادي ان المسلمين الآخرين يشيدون بها لانها تعمل في مكتب تابع للحكومة الاميركية. واضافت «غالبية الناس وخصوصا النساء المسلمات، يقولون اننا سعداء جدا لانك تعملين هناك. وسعداء كذلك لانك ترتدين الوشاح. وفي النهاية سيعتاد الناس على ان هناك مسلمين بهوية اسلامية واضحة يمارسون شعائرهم الدينية ويعملون في وظائف حكومية».

اما برغوثي، 33 سنة، فيتذكر كيف كان بعد احداث 11 سبتمبر يراقب مبنى في واشنطن ويتبادل اطراف الحديث مع مدير العمارة. ويقول برغوثي عما دار بينه وبين مدير العمارة حينها «كان الحل الذي اقترحه يتمثل في ارسال كل المسلمين الى اوطانهم. فقلت له: يمكنك ان تبدأ بي إذن. فاعتذر مباشرة عما بدر منه».

وكان برغوثي في عامه الاول عندما هاجر الى الولايات المتحدة مع والديه الفلسطينيين. ومنذ التحاقه بمكتب المباحث قبل ثلاث سنوات، شارك في التحقيق في تفجير المدمرة الاميركية «كول» وفي الهجوم على وزارة الدفاع (البنتاغون). ويقول «يكون صعبا عليك وانت تطالع الصحف، ان تقرأ تعليقات تفتقر الى الحساسية. انها تشعرك بان عليك ان تصبح افضل وان تكشف عن الطبيعة الحقيقية لايمانك. اثناء العام الماضي، اصبحت اكثر اهتماما بالتفاصيل، وبالتاريخ الاسلامي. وانوي خلال شهر رمضان الحالي ان اقرأ كل القرآن، وهو ما لم اقم به منذ عدة سنوات».

واسترسل برغوثي وهو يتحدث عن الاسرة المسلمة «القوة الحقيقية للمجتمع الاسلامي تتمثل في قوة روابطه الاسرية. هذا ما يعيننا على مواجهة الايام العصيبة. ومع ظهور اجيال جديدة من المسلمين، فان مساهمة هؤلاء في المجتمع ستزداد. مر الآيرلنديون والايطاليون واليهود بظروف صعبة لبعض الوقت، وكان الامر كذلك بالنسبة لكل اولئك الذين كان ينظر اليهم باعتبارهم مختلفين عن الصورة العامة. وانا اعتقد ان الاسلام والمسلمين سيصيرون جزءاً عضويا من هذا المجتمع». (الوكالات)