لمحة عن حياة وكفاح الشهيد السيد حسن الشيرازي في العراق

مقدمة

كان العراق قد خضع زمناً طويلاً لسلطات جور، اذاقت شعبه مرارة كأس الإذلال وحملته الآلام تلو الآلام.

لقد جعلت تلك المرارة القاسية من نهار هذا البلد المنكوب ليلاً دامساً حزيناً طويل الأمد، حتى ظن أبناؤه بأن ليلهم الأسود لن ينجلي.

اليوم يخوض العراق مخاض ولادة جديدة تنهي ليله الدامس وتبشره بيوم جديد ونهار طويل.

إن هذه الولادة الجديدة قد وقف وراءها رجال كافحوا طويلاً ضد القهر السلطوي والإنحراف عن جادة الصواب، وكان السيد الشهيد حسن الشيرازي واحداً من أولئك الذين مارسوا ذلك الكفاح الدامي وساهموا في إنقاذ العراق من معاناته الطويلة الأمد من الدكتاتورية، ولذلك فإن من الواجب على هذا الوطن استذكار هذا المناضل بكل فخر وتقدير واعتزاز.

ولد السيد الشهيد حسن الشيرازي في مدينة النجف الأشرف بالعراق في عام 1354هـ، ثم هاجر مع والده – قدس سره - إلى مدينة كربلاء المقدسة حيث عاش بجوار مرقد أبي الأحرار الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع). وفي عام 1390هـ هاجر السيد الشهيد من العراق إلى لبنان بعد خروجه من السجن الذي تعرض فيه للتعذيب بسبب مواقفه السياسية خلال الفترة التي قضاها في العراق مارس السيد الشهيد أنواعاً من الأعمال المعبّرة عن كفاحه من أجل تخليص هذا الوطن من مشاكله وأحزانه.

في ظل العهد الملكي في خمسينات القرن العشرين الميلادي، أي قبل قيام الحكم الجمهوري في عام 1958م، وقف السيد الشهيد بوجه أي سياسة محلية معادية للإسلام وموالية لقوى خارجية، لم تر في العراق إلا بقرة حلوب تحقق لها مصالحها فيه خاصة وفي منطقة الشرق الأوسط عامة.

كانت أساليب كفاح السيد الشهيد، الذي لم يكمل في بداية عقد الخمسينات العقد الثاني من عمره، متنوعة لكن بالإمكان إجمالها في اثنين.

* الأسلوب الأول تمثل بالعمل بطريقة النصح والإرشاد، وهو أسلوب سلمي يندرج تحت خانة مبدأي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الإسلاميين.

وقد ترجم السيد الشهيد هذا العمل بقيامه بمقابلة الشخصيات السياسية لينبههم إلى ما يحتاجه العراقيون وخطورة توانيهم في العمل بقوة وصدق وإخلاص من أجل هؤلاء الناس المبتلين منذ زمن طويل بالفقر والاستبداد السلطوي والحروب الدامية وغير ذلك.

وكان الشهيد يطالب من يلتقيهم من المسؤولين بالاهتمام بالعتبات المقدسة، التي عانت من الإهمال لزمن طويل، واحترام رأي المرجعية الدينية.

* أما الأسلوب الثاني فقد تمثل بالعمل على توعية الأمة، وتنبيهها إلى ما يدور حولها من تحركات سياسية تهم مصالحها العامة من خلال الكتابة في الصحف والمجلات العاملة على الساحة والمشاركة مع أخيه الإمام محمد الشيرازي (قدس سره) في إصدار المجلات.

في عام 1377هـ، ترأس السيد الشهيد تحرير مجلة (الأخلاق والآداب) وكان يكتب افتتاحيتها. وفي أحد أعدادها هوجم رضا بهلوي، والد شاه إيران، مما أثار حفيظة حكومة بغداد، المشاركة مع الحكومة الإيرانية آنذاك في حلف بغداد (السنتو) وكانت تلك المجلة تنتقد تصرفات المسؤولين وتنشر المعارف من أجل تنمية وعي الشعب.

في أعقاب انهيار النظام الملكي العراقي في 14/7/1958م، حيث بدأ منذ ذلك اليوم العهد الجمهوري وخضعت البلاد بصورة متعاقبة لحكم قوى سياسية غير إسلامية متصارعة على السلطة، تنوعت أساليب كفاح السيد الشهيد تجاه هذه القوى.

في العهد الجمهوري الأول اعتمد الشهيد على الأساليب التالية:-

- إنشاء هيئة الشباب الحسيني، وكانت مكلفة بطباعة وتوزيع المنشورات الدينية الهادفة إلى توعية الأمة ومنع أبنائها من الانحياز لصالح الفئات المعادية للإسلام.

- تأليف الكتب الهادفة إلى الرد على أفكار القوى العلمانية وتمجيد الفكر الإسلامي والدعوة إلى تطبيقه باعتباره منقذ الناس من الضلال والمشاكل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. ومن هذه الكتب (الاقتصاد)، الذي بيّن مثالب الأنظمة غير الإسلامية ومشاكلها ثم عرض الفكر الاقتصادي الإسلامي وأوضح قدرته على بناء دولة إسلامية قوية مرفهة أو بعيدة عن كل أشكال القهر – السلطوي والمالي والعنصري والطائفي – والتفاوت الطبقي والانحراف الأخلاقي والأمراض الاجتماعية.

- إقامة مهرجان سنوي كبير بمناسبة ذكرى ولادة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، حيث استغله السيد الشهيد لفضح سياسات القهر السلطوي وكثير من السياسات الأخرى التي حكمت العراق في مجالات التربية والاقتصاد وغيرها.

وقد قرأ السيد الشهيد في هذه المهرجانات قصائد ثورية مناهضة للكثير من مساوئ الواقعين السياسيين المحلي والدولي. ومن قراءاته الشعرية في هذا المهرجان نستل الأبيات التالية:

أوما دروا: أن العراق بدينه وبشعبه وبجيشه المقدام

خير من الشرق الكفور وكل ما في الغرب من إفك ومن إجرام

إسلامنا شرع الحياة، ونهجها نهج البلاغة منهل الأحكام

فعراقنا مهد الحضارة والتقى والعلم والأمجاد والإسلام

إسلامنا فوق الميول فلم تجد خير المبادئ موطئ الأقدام

فالشعب لا يحميه غير قيادة الإسلام خير قيادة وإمام

والحكم منهار إذا لم يتخذ دستوره من خالق علاّم

لا نستعيض قيادة مدسوسة عما لدى علمائنا الأعلام

- تأسيس اللجنة الأدبية، التي ترأسها السيد الشهيد وتكفل فيها بتعليم بعض طلبة الحوزة الدينية الكتابة الأدبية، وقد استطاعت هذه اللجنة إعداد العديد من كتّاب المقالات الأدبية والبحوث الإسلامية ومهدت لإصدار مجلات ونشرات وكتب إسلامية عديدة، مثل: صوت المبلغين، نداء الإسلام، القرآن يهدي، مبادئ الإسلام.

كانت (صوت المبلغين) مجلة إسلامية شهرية أصدرتها (إدارة مدارس حفاظ القرآن الكريم).

أما (القرآن يهدي) فهي مجلة شهرية خاصة بعلوم القرآن وتفسير وبيان أسراره وغير ذلك من معارف. وكانت تصدرها إدارة مدارس حفاظ القرآن الكريم في كربلاء المقدسة.

وأما (مبادئ الإسلام) فكانت مجلة شهرية تصدر باللغة الإنكليزية وترسل بالبريد إلى أنحاء مختلفة من العالم.

وأما (ذكريات المعصومين) فكانت مجلة تصدر في مناسبات أعياد ووفيات أهل البيت عليهم الصلاة والسلام. وكان مقرها مدرسة ابن فهد الحلي في كربلاء المقدسة.

وأما (أجوبة المسائل الإسلامية) فكانت مجلة شهرية تتولى الإجابة على تساؤلات المواطنين الدينية، وكان السيد الشهيد يجيب على بعض تلك التساؤلات.

وأما (منابع الثقافة الإسلامية) فكانت تصدر بصورة دورية كتباً علمية ثقافية إسلامية.

في العهد الجمهوري الثاني، الذي ساد فيه بصورة متتابعة أكثر من جماعة سياسية غير إسلامية ناضل السيد الشهيد ضد انحرافات ذلك العهد بأساليب عديدة، مثل:

- محاولة إدامة إقامة المهرجان السنوي بمناسبة ولادة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، وقد اضطر السيد الشهيد إلى مغادرة العراق متوجهاً إلى لبنان على أثر إلقائه كلمة وقصيدة نارية في مهرجان عام 1964م.

- محاولة إدامة نشاط وزيادة عدد المجلات الإسلامية.

- تشكيل وفود عديدة لمقابلة الرئيس العراقي الأسبق عبد السلام عارف ومن ثم أخيه الرئيس عبد الرحمن عارف، من أجل توضيح حاجات الشعب وغيرها من مسائل البلاد الملحة ومساوئ السياسة العامة للدولة. وهذا يمثل أسلوباً سلمياً، لم ينطو على استخدام العنف.

- كتابة موضوعات أدبية دينية للإذاعة العراقية، وقد جمع ما أذيع منها ونشر في كتاب (التوجيه الديني).

- تأليف عدد من الكتب الإسلامية بهدف نشر تعاليم الإسلام في أوساط الشعب العراقي وباقي المسلمين. ومن تلك الكتب (كلمة الله) و(كلمة الرسول الأعظم – ص -) و(كلمة الإمام الحسن – ع -) و(حديث رمضان) و(إله الكون) و(كلمة الإسلام) و(انجازات الرسول – ص -) و(رسول الحياة) و(الشعائر الحسينية) و(العمل الأدبي) و(الأدب الموجّه) و(الاشتقاق).

وللسيد الشهيد العديد من المخطوطات، التي لم تسمح الظروف بنشرها في عقد ستينيات القرن العشرين الميلادي، مثل: كلمة الإمام أمير المؤمنين (ع)، كلمة فاطمة الزهراء (ع)، كلمة الإمام الحسين (ع)، كلمة الإمام زين العابدين (ع)، كلمة الإمام الباقر (ع)، كلمة الإمام الصادق (ع)، كلمة الإمام الكاظم (ع)، كلمة الإمام الرضا (ع)، كلمة الإمام الجواد (ع)، كلمة الإمام الهادي (ع)، كلمة الإمام العسكري (ع)، كلمة الإمام المهدي (عج)، كلمة السيدة زينب (ع)، كلمة الأصحاب.

في عهد الرئيس المقبور أحمد حسن البكر، الذي ابتدأ منذ 17/ 7/ 1968م، تعرض السيد الشهيد للاعتقال والتعذيب منذ ربيع الأول عام 1389هـ في سجن قصر النهاية المرعب ببغداد ثم نقل بعد فترة إلى سجن محافظة بعقوبة ثم أخرج منه بسبب ضغط الرأيين العامين المحلي والدولي.

بعد الإفراج عنه هاجر السيد الشهيد إلى لبنان، حيث تلقى العلاج ثم واصل كفاحه من أجل مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس 20/تموز /2006 -22  /جمادي الاخرى/1427